
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني والأخير من سلسلة "التمويل لبناء المجتمع"، والتي تحدثنا في جزئها الأول عن أثر الاندماج والاستحواذ في توفير الفرص للمؤسسات غير الربحية مع أمثلة من التاريخ. وسنتحدث في هذا الجزء عن أثر الدمج بين "داركا" و"واي آر إف" (YRF) بتعزيز مهمتهما الأساسية في سد فجوات التعليم والتحصيل العلمي في المجتمعات المختلفة. وستتعرف أيضاً إلى المكاسب التي تتميز بها المؤسسات غير الربحية عند عمليات الاندماج.
دراسة حالة مدارس داركا
إن الحس التجاري القوي والموهبة في تحديد الفرص في دمج مؤسستين يُمكن أن يقطع بهما شوطاً طويلاً. ففي حالة مؤسستي مدارس داركا على سبيل المثال، طُرحت فكرة الدمج الرسمي لأول مرة من قبل مجلس إدارة مؤسسة صندوق التجديد الشبابي (YRF)، وهم قادة أسهم خاصة متمرسون في تمييز الفرص السانحة للاندماج في سبيل تحسين النتائج.
تأسست مؤسسة صندوق التجديد الشبابي (YRF) لدعم الشباب، في مدينة نيويورك عام 1989 كجهد أهلي لتنفيذ برامج التعليم التكميلي في مؤسسات التعليم الثانوية في بعض المجتمعات. بينما تأسست مؤسسة مدارس داركا عام 2010 من قبل مؤسسة "راشي" بالشراكة مع مؤسسة تحالف "كيه آي أيه إتش" (KIAH-Alliance Foundation) ومؤسسة "أديليس" (Adelis Foundation). وعلى غرار برامج المدارس المستقلة في الولايات المتحدة الأميركية، تدير مؤسسة داركا شبكة من المدارس في المجتمعات النائية المحرومة في بعض المجتمعات، مع التركيز على القيادة المدرسية والابتكار لتحسين النتائج.
كان الأساس الذي بُنيت عليه الصفقة متعدد الجوانب. فعلى سبيل المثال، كانت الصفقة على المستوى الأعلى مُحفزة مبدئياً بتحديات مؤسسة (YRF) لاستدامة برامجها التكميلية لأطول مدة زمنية ممكنة، وفي مختلف المناطق التعليمية المتفرقة، وبالرغم من الدوران الوظيفي للمعلمين والمدراء، وتغير الأولويات الإدارية داخل كل منطقة من عام إلى آخر. يُمكن للبنية الإدارية التنظيمية المركزية لمؤسسة "داركا" أن توفر منصة لبرامج (YRF) كي تنضج وتتغلغل في المجتمع، مع توسيع نطاق وصول مؤسسة (YRF) بالتزامن مع توسع شبكة المدارس نفسها.
من منظور قيادة "داركا"، فإن برامج (YRF) الجاهزة للتطوير المهني ونجاحها الموثق في تحسين معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية تقدم نهجاً يمكن تكراره في المدارس والمجتمعات المختلفة. سيسمح هذا للمؤسسة المدمجة بتسريع وتضخيم التغيير الثقافي الضروري لتعزيز مهمة "داركا" الأساسية في سد فجوات التعليم والتحصيل العلمي الموجودة بين المناطق الأكثر ثراءً والمجتمعات الهامشية في البلاد.
كما تحفزت الصفقة بالوعي الموجود لدى كلا الطرفين حول أن الدمج الرسمي قد يتخلص من التكاليف الزائدة والنفقات العامة، في حين يُمكن إعادة توظيف المبالغ التي يتم توفيرها في مبادرات تعليمية جديدة أو لتوسيع شبكة مدارس "داركا".
رغم أن هذه الحالة بدت مُقنعة نظرياً، فإن المناقشات الأولية حول عملية الدمج المحتملة انطوت على تخطيط دقيق لاحتساب كافة النقط الحساسة التي قد تظهر، سواء أكانت ذات قيمة مادية أم لا. مثل تفويض مدراء مُخلصين من كلا جانبي الصفقة، ممن كانت مساهماتهم تكميلية لنمو وتأثير كل من (YRF) و"داركا" كمؤسستين منفصلتين. وقد لاحظ مهندسو الصفقة أن فكرة إنشاء مجلس إدارة مكون من 20 شخصاً لن تلقى استحسان أي من الطرفين.
لذا تم إنشاء طبقات متعددة للحوكمة، مع الضوابط والتوازنات، تتألف من مجلس إدارة تقليدي مع ممثلين من أصحاب المصلحة الرئيسيين بالإضافة إلى جمعية عامة وأدوار جديدة تم ابتكارها للمراقبين المهمين الآخرين لتوجيه المبادرات المنفصلة وإرشادها. وعبر الإجابة عن هذه التساؤلات منذ بداية العملية والتعامل بشفافية مطلقة واعتبار مختلف السيناريوهات، تمكنا من خلق توافق حول الأهداف الأكثر مادية لهذا الدمج، وقد كانت مضاعفة وصول المؤسسة المدمجة وتأثيرها.
تم التخطيط لكل شيء بدقة وحذر، حتى الأمور البسيطة مثل ترويج العلامة التجارية، واليوم، تحافظ مؤسسة (YRF) على استقلاليتها القانونية في الولايات المتحدة الأميركية نظراً لسمعة وقيمة علامتها التجارية التي طوّرتها على مر الأعوام الماضية التي تتجاوز الثلاثين، وتبعاً لحضورها القوي في السوق الأميركي. وعلاوة على ذلك، يعكس قرار الاحتفاظ بالعلامتين التجاريتين رغبتنا في الحفاظ على تاريخ كل مؤسسة وضمان عدم شعور أصحاب المصلحة على أي من الجانبين بأنهم يتعرضون للتهميش.
لقد بذلنا أيضاً جهوداً مضنية لتحديد قيمة كمية لتأثير "داركا" والإبلاغ عنها لتعزيز تحمل المسؤولية، ولتكون أيضاً مثالاً حياً على مساهمة الدمج في مضاعفة النتائج الإيجابية؛ حيث إن "داركا" منذ حصول صفقة الدمج، ضاعفت تقريباً عدد المؤسسات ضمن شبكتها، وأصبحت اليوم تدير 43 مدرسة ثانوية تضم حوالي 24,500 طالب. والأهم من ذلك، أن معدلات التسجيل تزداد أضعافاً مضاعفة بمجرد تولي "داركا" إدارة مدرسة مهددة بالفشل. فقد حققت البرامج الأقدم ضمن شبكة "داركا"، في وقتنا الحالي، معدل تسجيل على شهادة الثانوية العامة بنسبة 93%، وهو ما يعادل العديد من المدارس الرائدة في المناطق الأكثر ثراءً. ولكنه يتفوق أيضاً بشكل كبير على المتوسط الوطني الذي يجتاز فيه أقل من 50% من الطلاب ولتوضيح التأثير بشكل أكبر، غالباً ما تبدأ المدارس الجديدة في شبكة "داركا" بمعدل تسجيل أقل بكثير من المتوسط الوطني.
مع الوقت، ظهرت فوائد أخرى غير متوقعة؛ فقد كان لحجم وتوسع المؤسسة المدمجة تأثير جاذب، حيث مالت البرامج الأخرى ذات المهام التكميلية إلى منصة "داركا" لاكتساب الكفاءة واجتذاب المساهمين. فعلى سبيل المثال، قامت بعض المؤسسات بالاندماج في شبكة "داركا"، وهو ارتباط يوفر مورداً قوياً للوصول إلى الطلاب المعرضين للخطر. وبعض المعاهد مثل (YRF)، تكتسب أيضاً قدرة الوصول إلى جمهور ضخم من الإداريين الذين لديهم استراتيجيات ملتزمة لدمج هذه الموارد في المناهج الدراسية المدعومة.
المكاسب (من وجهة نظر غير ربحية)
إذا حدث اندماج داركا / YRF في إطار شركة، فسيتم تصنيفها على أنها استحواذ عمودي، يضيف فيه الكيان المشترك مكونات مهمة لسلسلة القيمة لبناء عرض أكثر شمولاً وتكاملاً. أما الصفقات الأفقية، فعلى العكس تماماً، قد تتضمن استيعاب المدارس الأخرى التي تواجه تحديات والاستفادة من نموذج "داركا" الذي ثبتت كفاءته والموارد المتاحة لتحفيز التغيير بسرعة.
وفي كلتا الحالتين، يتم تحقيق الكفاءات من خلال القضاء على التكرار الإداري، ويتم تعزيزها عن طريق تبني المؤسسة المدمجة لأفضل الممارسات وأكثرها فاعلية. كما أصبحت وفورات الحجم أكثر وضوحاً نظراً لأن توسع الحجم يُنتج زيادة في التأثير. وهذا أمر بالغ الأهمية في قطاع التعليم، حيث يمكن لأصحاب المصلحة الآخرين -مثل النقابات والحكومات المحلية- إما تقييد أو تسهيل القدرة على إحداث التغيير. والنمو، بالطبع، متأصل في أي عملية اندماج، لكن عمليات الاستحواذ يمكنها أيضاً أن تمهد الطريق لتسريع النمو "العضوي" في المستقبل.
إن أوجه التعاون هذه بالتأكيد ليست حكراً على الصفقات غير الربحية. بل إنها تصف أيضاً الأطروحات خلف معظم صفقات اندماج الشركات. لكن هناك بعض الفوائد الأخرى التي يتم إهمالها، والتي تتفرد بها المؤسسات غير الربحية:
مصادر تمويل جديدة. إن استقرار التمويل هو بالتأكيد الحافز الأساسي لعمليات اندماج المؤسسات غير الربحية التي تتم خلال فترات الركود الاقتصادي. لكن بالنسبة للمؤسسات السليمة والمزدهرة، غالباً ما يتم تضخيم هذه الميزة حيث يقوم كلا الجانبين بجلب الموارد المالية. وفي معظم الحالات، تكون المؤسسة المدمجة قادرة على توسيع نطاق وصولها إلى دوائر تأثير جديدة، وداخل مناطق جغرافية جديدة، وبين تخصصات معينة.
على سبيل المثال، يتمتع مجلس إدارة "داركا" المُشكل حديثاً بشبكات عميقة تمتد من أميركا الشمالية وأوروبا إلى الشرق الأوسط. ولا تختلف الأهداف عن أي أطروحة استثمارية في الأسواق العامة أو الخاصة، فهي تسعى للقضاء على مخاطر "التمركز" وتسهيل الاستقرار بشكل استباقي من خلال إنشاء "محفظة استثمارية متنوعة" من مصادر التمويل. وعلاوة على ذلك، فمن خلال تقليل هيكل التكاليف للمؤسسة، تصبح المساهمات الخيرية أكثر وتحقق أثراً أكبر. وهذا دليل قاطع يجعل "داركا" تتميز اليوم بين المتبرعين المحتملين.
التنوع المعرفي. في حين أن البعض قد تثنيهم العوائق السياسية المتصورة التي تواجه عمليات الاندماج والاستحواذ غير الربحية، فإن معظمهم يتجاهلون أيضاً إلى أي مدى يمكن أن يجمع فيه الاندماج قادة بارعين قادرين على نقل رؤية طموحة أكثر. وعلى ذات القدر من الأهمية، يُمكنهم الجمع بين مجموعات المهارات لمحاربتها.
كان التناغم المتبادل للأفكار ووجهات النظر المختلفة من أعظم المكاسب لـ "داركا"؛ إذ يضم مجلس الإدارة "الجديد" قادة من مؤسسات "راشي"، وتحالف "كيه آي أيه إتش" و"أديليس" و"YRF". وهم يتمتعون بخبرة عميقة في الأعمال المصرفية والأسهم الخاصة والاستثمار العقاري، فضلاً عن الخبرة في القانون والتعليم، والإلمام العميق بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العائلات في بعض المجتمعات.
شكلت هذه الثروة من الخبرات حافزاً وراء إنشاء مجموعة صارمة من مؤشرات الأداء الرئيسية القابلة للقياس لتتبع مدى تلبية المؤسسة الجديدة للتوقعات، وإنشاء خطة استراتيجية طويلة الأجل التي تستلهم العناصر من الأدلة الإرشادية لقادة الشركات. كما أن هذا التقاطع للخلفيات المختلفة يتيح لمجلس الإدارة إنشاء علاقات لا يمكن الوصول إليها بطريقة أخرى واستنباط حلول جديدة تعزز المهمة الجماعية.
وقد ظهر أن الجمعية العامة أيضاً أساسية لضمان أن المساهمين الرئيسيين وأعضاء مجلس الإدارة السابقين ما زالوا مشاركين وتعزيز الحوكمة. ولقد تولى المستفيدون المهمون الآخرون أدواراً جديدة لمراقبة تدفقات الأنشطة الجديدة وتوجيهها، ما يضيف نطاقاً جديداً يتماشى مع نمو طموحاتنا للتغيير.
الابتكار. إن أي اندماج سيعيد تنشيط المؤسسة ويخلق إحساساً مشتركاً بالحماس. وهذا وحده قد يحث العمل والإجراءات. ولكنه عندما يترافق بتوفير النفقات والكفاءات الإدارية وتنوع الفكر، فإن عمليات الدمج توفر الوسائل اللازمة لمعالجة المشكلات التي ربما بدت في السابق خارجة عن سيطرة المؤسسة.
على سبيل المثال، أطلقت "داركا" مؤخراً "مسرع القيادة التربوية" (Educational Leadership Accelerator) للمساعدة في تجنيد المواهب الإدارية وتدريبها. فمع النمو السريع للشبكة، سرعان ما اتّضحت حاجة السوق الملحة إلى المسؤولين والمدراء ذوي الخبرة. وهي في الواقع مشكلة مشتركة لدى العديد من المدارس في البلاد. فوفقاً لتقرير نُشر عام 2019 في صحيقة "ذا ماركر (TheMarker) ، تحتاج وزارة التربية والتعليم في دولة صغيرة إلى شَغل حوالي 600 منصب مدير مدرسة كل عام وتواجه عموماً نقصاً يتراوح بين 200 إلى 300 مدير معتمد في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام. ومما يزيد من حدة هذه المشكلة، أن حوالي ربع المدراء الجدد ينتهي بهم الأمر بترك الوظيفة خلال العامين الأولين، ما يؤكد أن ما يخضعون له من الإعداد والتدريب غير كفء. ومن المفترض أن نطاق "داركا" الواسع، عندما يتم تكثيف البرنامج بالكامل، سيوفر الموارد والوصول لتأهيل ما يصل إلى 70 شخصاً سنوياً ووضعهم على المسار الصحيح لتولي المسؤولية الإدارية في غضون ثلاث سنوات.
وإن برنامجاً مثل هذا، الذي يتضمن دروساً مبنية على دراسات الحالة، والملازمة الوظيفية على أرض الواقع، والزيارات الشخصية، لن يكون ممكناً من دون الموارد المشتركة ومجموعات المهارات المتاحة من خلال الشراكة. فالبرنامج متوافق تماماً مع جهود داركا القائمة ومهمتها، ولكن النتيجة الإضافية هي أنه سيكون ذا تأثير مادي على النظام التعليمي بأكمله.
أشار يوليوس روزينوالد ذات مرة، مناقشاً الفلسفة الكامنة وراء جهوده الخيرية، أن "الإحسان قد أصبح كلياً مهمة ضخمة جداً بحيث لا يمكن إنجازها إلا عبر خطوط الأعمال التجارية".
هذا لا يشرح فقط كيف قدم عطاياه، ولكنه يساعد أيضاً في توضيح لماذا كانت عطاياه فعالة للغاية. إن الاندماج والاستحواذ لا يتعلق فقط بتوسيع نطاق مؤسسة ما، فهو أداة للمساعدة على صياغة حل أكثر اكتمالاً عند تطبيقه بشكل استراتيجي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.