تعليم أفضل للجميع أثناء جائحة كوفيد وما بعدها

التعلم
أنتون شولتز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد مرور خمس سنوات على إطلاق الأمم المتحدة برنامج أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، لا نستطيع القول أن العالم يعدّ قريباً من هدف ضمان جودة التعليم للجميع بحلول عام 2030. إذ لم تُترجم الإنجازات الرائعة في الالتحاق بالمدارس والحضور على مدار العقود الأخيرة إلى إنجازات مماثلة في سير عملية التعلم. يمثل مقياس «فقر التعلم» الخاص بالبنك الدولي، الذي يشير إلى الأطفال الذين لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه في سن العاشرة، نسبة صادمة تبلغ 80% في البلدان منخفضة الدخل.

تفاقم جائحة كورونا من أزمة التعلم هذه، إذ إن ما يصل إلى 94% من الأطفال في جميع أنحاء العالم هم خارج المدارس بسبب الإغلاق. وما يزيد من تعقيد الأمر هو الحرمان من التعلم بسبب انعدام المساواة، خاصة بالنسبة إلى الطلاب الذين تخلفوا عن الركب سابقاً نتيجة لأنظمة التعليم. تحولت العديد من البلدان والمدارس إلى التعلم عبر الإنترنت أثناء إغلاق المدارس كتدبير مؤقت. إلا أن اتباع هذا الإجراء غير ممكن في العديد من الأماكن، حيث إن أقل من نصف العائلات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

يتم الآن إعادة فتح العديد من أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم بشكل كامل أو جزئي أو هجين، مما يترك ملايين الأطفال يواجهون تجربة تعليمية متغيرة جذريًا. 

من المرجح أن تستمر الفوضى مع التذبذب في ارتفاع حالات كوفيد-19 وانخفاضها خلال الأشهر المقبلة،  خصوصاً مع تقلب قرارات إغلاق المدارس وإعادة فتحها حسب الحاجة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات التعليمية وحماية صحة الطلاب والمعلمين والأسر. 

سيحتاج الآباء والمدارس وأنظمة التعليم بأكملها خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط  إلى لعب أدوار جديدة لدعم تعلم الطلاب حيث أن الوضع لا يزال في حالة تغير مستمر، وربما بشكل دائم. وبينما يتكيفون مع هذا الواقع الجديد، فإن الأبحاث التي أجراها أكثر من 220 أستاذًا في مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) توفر ثلاث رؤى لدعم الأهداف الفورية وطويلة الأجل لتعليم الأطفال.

دعم مقدمي الرعاية المنزلية

مع وجود ما يقرب من 1.6 مليار طفل خارج المدارس في ذروة انتشار الجائحة، اضطلع العديد من الآباء أو مقدمي الرعاية، وخاصة ممن لديهم أطفال صغار، بأدوار جديدة للمساعدة على تعليم الأطفال في المنزل. ومن أجل دعمهم وتعزيز جهود التعليم عن بعد، استخدمت العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية وطرق أخرى يسهل الوصول إليها إلى حد كبير، وتتميز بكلفتها المقبولة وقلة اعتمادها على التكنولوجيا لتقديم المعلومات. في حين أن مثل هذه النهج هي بدائل لا تعدّ مثالية لسير عملية التعلم، تشير الأبحاث إلى أنها يمكن أن تساعد على إشراك الآباء في تدريس أطفالهم وتساهم في عمليات التعلم، ربما حتى بعد إعادة فتح المدارس.

تُظهر النتائج الأولية من أحد البرامج الحالية وكذلك التقييم العشوائي الذي أُجري في بوتسوانا هذا الالتزام بدعم الوالدين، ذلك إلى جانب اتباع مناهج لا تعتمد كثيراً على التكنولوجيا. إذ عندما انتشرت الجائحة، كانت المنظمة غير الحكومية “يونغ ون لوف” (Young 1ove) تعمل مع وزارة التعليم في بوتسوانا لتوسيع نطاق نهج “التدريس في المستوى المناسب” المتبع في المدارس الابتدائية وفي مناطق متعددة. وبعد جمع أرقام هواتف الطلاب والآباء والمعلمين، وضعت المنظمة استراتيجيتين لتقديم الدعم التعليمي. انطوت الاستراتيجية الأولى على إرسال رسائل نصية قصيرة إلى العائلات التي تواجه مجموعة من “مشكلات الأسبوع” في تعلم مهارات الحساب. وتمحورت الثانية حول إرسال الرسائل نفسها، إلى جانب إجراء موظفي المنظمة مكالمات هاتفية لمدة 20 دقيقة مع الآباء والطلاب، الذين تابعوا معهم خلال حل مشكلاتهم. على مدى أربعة إلى خمسة أسابيع، أسفرت كلا الاستراتيجيتين عن تحسن التعلم بصورة ملحوظة، إذ انخفض عدد الأطفال الذين لا يستطيعون إجراء العمليات الحسابية الأساسية، مثل الطرح والقسمة، إلى النصف. كما أصبح الآباء أكثر انخراطاً في تعليم أطفالهم وكان لديهم فهم أفضل للمستويات التعليمية المناسبة لهم. تعمل منظمة “يونغ ون لوف” الآن على تقييم أثر الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية المصممة خصيصاً لتتماشى مع مستويات مهارات الحساب لدى الطلاب.

في مثال آخر، أعادت المنظمة غير الحكومية “إديوكيت!” (Educate!) توجيه نموذج تعزيز مهارات الشباب داخل المدرسة ليجري تقديمه عن طريق الراديو والرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية استجابة لإغلاق المدارس في شرق أفريقيا. ولغاية تشجيع مشاركة أكبر، تواصلت المنظمة مع مقدمي الرعاية للطلاب لإخبارهم عن البرنامج. ويشير تحليلهم الداخلي إلى أن العائلات التي تلقت مثل هذه المكالمات التشجيعية شهدت زيادة بنسبة 29% في مشاركة الشباب مقارنة بتلك التي لم تتلق الاتصال.

في العديد من بلدان أميركا اللاتينية، يقيّم الباحثون أثر إرسال الرسائل النصية القصيرة إلى الآباء والمتضمنة طرق دعم أطفالهم الصغار الذين انتقلوا إلى برامج التعلم عن بعد. كما تُبذل جهود مماثلة لدعم الوالدين وتقييم الأثر في البيرو. سيساهم كلا الأمرين في فهم أفضل لكيفية مساعدة مقدمي الرعاية على دعم سير عملية تعليم الأطفال باستخدام تكنولوجيا ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها.

كما تعمل الحكومات والمنظمات الأخرى في المناطق التي يكون الوصول إلى الإنترنت فيها محدوداً على تجربة الراديو والتلفزيون لدعم الآباء وزيادة فرص تعلم الطلاب. فقد أنشأت حكومة ساحل العاج برنامجاً إذاعياً يتناول مواد الرياضيات واللغة الفرنسية للأطفال في الصفوف الدراسية من الأول إلى الخامس، حيث تضمن البرنامج مئات الدروس القصيرة. وتعاونت المنظمة الهندية غير الحكومية “براثام” (Pratham) مع حكومة ولاية بيهار وإحدى القنوات التلفزيونية على إنتاج 10 ساعات من البرامج التعليمية في الأسبوع، ما أدى إلى إنتاج أكثر من 100 حلقة حتى الآن. وتشير التقييمات العشوائية السابقة لهذه البرامج “التعليمية الترفيهية” من قطاعات أخرى في نيجيريا ورواندا وأوغندا إلى إمكانية تقديم المحتوى الذي يؤثر على السلوك من خلال وسائل الإعلام، لكن على الرغم من أهمية السياق، هناك حاجة إلى مزيد من البحث الدقيق لفهم أثر مثل هذه البرامج على عملية التعلم.

تحديد فجوات التعلم

مع حلول الأول من شهر سبتمبر/أيلول، كانت المدارس في أكثر من 75 دولة تستقبل طلابها نوعاً ما. عند هذه المرحلة، تحتاج العديد من الحكومات إلى الاستعداد لمواجهة المواقع المتمثل في أن الغالبية العظمى من الأطفال قد تأخروا في تعليمهم بصورة كبيرة، وهو عامل تفاقم بسبب الانخفاض المسبق (أي ما قبل الجائحة) لمستويات التعلم، لا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. بدلاً من القفز مباشرة إلى البدء بالمناهج الدراسية المخصصة لكل مستوى، يجب على المدارس الابتدائية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تقييم مستويات التعلم بسرعة لفهم ماهية المهارات التي يفتقر الأطفال إليها، وبالتالي، ابتكار استجابات استراتيجية. يمكنهم فعل ذلك من خلال استخدام أدوات بسيطة لتقييم الطلاب باستمرار، عوضاً عن التركيز فقط على الاختبارات التي قد تؤثر سلباً وبصورة كبيرة على مستقبل الطفل، مثل تحديد درجة الانتقال إلى المستوى التالي.

إن التقييمات التي تُدار شفهياً، مثل “آسر” (ASER) و”أيكان” (ICAN) و”يويزو” (Uwezo)، تعدّ بسيطة وسريعة وفاعلة، كما أنها غير مكلفة. إذ تتضمن أداة مهارات الرياضيات “آسر” مثلاً أربعة عناصر فقط، وهي التعرف على الأرقام المكونة من رقم واحد، وتلك المكونة من رقمين، بالإضافة إلى الطرح المكون من رقمين، والقسمة البسيطة. كما توجد أداة مماثلة لتقييم قدرات القراءة الأساسية. لا تؤثر مثل هذه الاختبارات على درجات الطفل أو انتقاله إلى مستوى أعلى، وأيضاً، تساعد المعلمين باستمرار على الحصول على فكرة واضحة حول مستوى كل طالب، وقد تمكّن المدارس من وضع خطط لمساعدة الأطفال على إتقان الأساسيات.

اتقان المهارات الأساسية

بالنظر إلى مستويات التعلم المنخفضة قبل انتشار الجائحة والحرمان من التعلم مؤخراً بسبب الاضطرابات التي شهدتها المدارس، من المهم التركيز على المهارات الأساسية عند العودة، ذلك من أجل ضمان المحافظة على سير عملية تعليم الأطفال وبناء الأساس السليم لمدى الحياة. وقد أظهرت عقود من البحث في تشيلي والهند وكينيا وغانا والولايات المتحدة أن اتباع إرشادات معينة وفقاً لمستويات التعلم للأطفال يزيد من فرص تعلمهم. على سبيل المثال، يركز نهج “التدريس في المستوى المناسب”، الذي ابتكرته منظمة “براثام” وجرى تقييمه بالشراكة مع باحثي منظمة “دجي-بال” (J-PAL) من خلال ستة تقييمات عشوائية على مدى السنوات العشرين الماضية، على مهارات القراءة والكتابة والحساب التأسيسي من خلال إجراء أنشطة تفاعلية يومياً وليس فقط اتباع المنهج الدراسي. ويتضمن هذا النهج تقييمات منتظمة لتقدم الطلاب ويصل إلى أكثر من 60 مليون طفل في الهند والعديد من البلدان الأفريقية.

نحو تعلم عالي الجودة

بينما تعيد البلدان بناء وابتكار نفسها استجابة لجائحة “كوفيد-19″، هناك فرصة لتسريع عملية التفكير في أفضل السبل لدعم التعليم الجيد للجميع. في الأشهر والسنوات المقبلة، يجب أن تستفيد تحالفات المنظمات التي تعمل على ضمان وضع سياسات مستندة إلى الأدلة، وشركاء التنفيذ، والباحثين، والمانحين، والحكومات، من تجاربهم لتطوير استراتيجيات التعليم للجميع، التي تستعين بأبحاث شاملة صادرة عن منظمة “دجي-بال” ومنظمات مماثلة. بالنظر إلى المدى الطويل، فإننا نرى أن القرارات والبرامج المدعومة بالأدلة والتي تراعي الظروف الخاصة بكل بلد لديها القدرة على تحسين أصول التدريس، ودعم المعلمين، وتحفيز الطلاب، وتطوير إدارة المدارس، ومعالجة العديد من الجوانب الأخرى المتعلقة بتجربة التعلم. ربما تكون إحدى النتائج الإيجابية لهذه الجائحة أنها ستدفعنا للتغلب على العديد من تحديات التعليم على مستوى العالم في وقت أقرب مما نتوقع، وكلنا أمل أننا نسير بذلك الاتجاه.

اقرأ أكثر عن: التعليم في الدول النامية