
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "مواجهة العزلة بالإبداع". وتنقسم هذه السلسلة إلى جزئين، تحدثنا في جزئها الأول عن الشيخوخة الخلاقة وكيفية إيصال المساعدة إلى كبار السن. واليوم في الجزء الثاني سوف نتحدث عن برامج الشيخوخة الخلاقة وأهم المكاسب والمبادرات التي تساعد كبار السن على التعلم وتفعيل الشيخوخة الخلاقة.
مكاسب الشيخوخة الخلاقة
باختصار، تعمل برامج الشيخوخة الخلاقة على تمكين كبار السن من تنمية إحساسهم بوجود هدف لهم، وتعميق روابطهم بالمجتمع، وإعادة اكتشاف شغفهم للتعلم والإبداع. لقد عبر المشاركون عن هذا بعدة طرق. قال ريتشارد هود، الأستاذ الذي تحدثنا عنه في بداية المقال: من خلال انضمامي إلى برنامج الشيخوخة الخلاقة لنحت الطيور في مكتبة "جونسون سيتي" العامة، وجد "الصحبة والاحترام والدقة والتفاعل الحقيقي مع الخيال على مستويات متقدمة، بمشاركة الأشخاص الذين يتوقَّع أنهم يشبهوننا".
أشارت كارين سي التي شاركت في برامج المذكرات المرئية في مسرح "بيلزبوري"، في مقطع فيديو عن الشيخوخة الخلاقة: "أصبحت فجأة مع مجموعة أشخاص متلهفين لسماعي، وقد كنت أتلهف لسماع أخبارهم. جعلني هذا منفتحة بطريقة مذهلة، ربما لم يكن لدي أصدقاء بهذا العدد منذ المدرسة الابتدائية أو الثانوية".
وفي مقابلة مع "مركز تاتش ستون سنتر للاستقصاء التعاوني" (Touchstone Center for Collaborative Inquiry) – الذي قيم المئات من برامج الشيخوخة الخلاقة التي أطلقتها مؤسَّستي "آروها فيلانثروبيز" (Aroha Philanthropies) في جميع أنحاء الولايات المتحدة – قال مشارك آخر في ورش العمل:
لقد أمضينا حياتنا في العمل وتكوين أسرة، وكان هذا يمنحنا هدف، ثم مع تقدمنا في السن ونضج أفراد أسرتنا وابتعادهم عنا، وتقاعدنا من وظائفنا، نفقد الإحساس بوجود هدف لدينا … ثم يأتي شخص ما، يتواصل معنا ويقول لنا: "أنت لا تزال فرداً نافعاً، دعني أعلمك شيئاً جديداً". ليغير بهذا مسار حياتنا تغييراً جذرياً.
خلص تقييم أجراه مركز "تاتش ستون سنتر" إلى أن البرامج كانت "فعالةً جداً في مساعدة كبار السن على النمو الفني والعقلي والاجتماعي". إذ إن من النتائج الملموسة ما يلي: أفاد 75% من المشاركين أن البرامج زادت التفاعل الذهني، وقال 68% منهم أنهم كونوا علاقات جديدة أو وطدوها، وقال 55% منهم أن هذه التجربة شجعتهم على المشاركة في أنشطة مجتمعية أخرى.
تعزز هذه النتائج إمكانيات برامج الشيخوخة الخلاقة في الحد من عزلة كبار السن الاجتماعية واستعادة إحساسهم بالسعادة وبوجود هدف في حياتهم. كما ذكرنا سابقاً، حتى خلال الجائحة، قدمت العديد من المؤسَّسات مساهمات ضخمة في حياة كبار السن من خلال تطوير برامج افتراضية على الإنترنت ساعدت في تخفيف عزلتهم. تعلم كبار السن استخدام تطبيق زوم وغيره من المنصات لتحدي الصور النمطية عنهم، وجذبت برامج الشيخوخة الخلاقة المشاركين من جميع أنحاء الولايات المتحدة وحتى من خارجها. ونتيجةً لذلك، تمكن العديد من كبار السن، بمن فيهم أولئك الذين يعانون من صعوبة الحركة والذين لم يستطيعوا السفر لحضور الفصول الدراسية شخصياً، من جني ثمار تلك البرامج.
أخيراً، يسلط المعهد الوطني للشيخوخة الضوء على التبعات الصحية الإيجابية، مشيراً إلى أن المشاركة في برامج مثل موسيقى الكورال والتدريب المسرحي والفنون البصرية قد تحسن صحة كبار السن ورفاههم واستقلاليتهم. تستفيد برامج الشيخوخة الخلاقة من أمر يصعب قياسه ولكنه حاضر في كل فصل دراسي تقريباً: وهو قوة الابتكار الرابطة والشافية في حياتنا.
اغتنام الفرصة الوطنية
إن فوائد برامج الشيخوخة الخلاقة التي لا تعد ولا تحصى جعلتها أكثر من مجرد تقديم فصول دراسية. فقد أصبحت حركة تقوم على كبار السن الذين يبحثون عن الابتكار والتواصل ولصالحهم. تعمل مبادرتان وطنيتان ضخمتان جديدتان على توسيع نطاق برامج الشيخوخة الخلاقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة انطلاقاً من قوتها.
في وقت سابق من هذا العام، منحت "الجمعية الوطنية لهيئات الفنون الحكومية" (National Assembly of State Arts Agencies) ما يقارب 1.5 مليون دولار على شكل منح لـ 36 هيئة فنون حكومية وقضائية لبناء أو تنمية برامجها للشيخوخة الخلاقة، والتي صرحت قائلة:
تُظهر الأدلة الوافية أن المشاركة الفنية تُحسِّن الرفاه العاطفي لكبار السن، وتدعم سلامة صحتهم، وتعزز روابطهم الاجتماعية، وتمنحهم تجربةً مكثفةً للسعادة ولوجود هدف في حياتهم أثناء نضجهم. ومع ذلك، يعاني كبار السن غالباً من تأثيرات التفرقة العمرية والعزلة والوصول المحدود إلى تجارب تعلم الفنون المفيدة. تستطيع هيئات الفنون الحكومية المساعدة في سد هذه الثغرات من خلال تسهيل جعل برامج الشيخوخة الخلاقة ترياقاً لعزلة كبار السن، وتأكيداً على قيمة حياتهم، ومسار ازدهار لهم.
نشر "التحالف الأميركي للمتاحف" (American Alliance of Museums – AAM) تقريراً بارزاً في يونيو/حزيران في عام 2021 يدعو فيه مختلف فئات المتاحف إلى تبني الشيخوخة الخلاقة "بوصفها ضرورة استراتيجيةً وأخلاقيةً". وسيستضيف "التحالف الأميركي للمتاحف" قمةً وطنيةً حول المتاحف والشيخوخة الخلاقة لمشاركة نتائج التقرير، وتسليط الضوء على المبادرات الناجحة التي أطلقتها متاحف في جميع أنحاء البلاد، وإشراك مزيد من المتاحف في تطوير برامجها الناجحة للشيخوخة الخلاقة. يقدم هذا فرصةً للمؤسسات الفنية لتوسيع نطاق الجماهير التي تجذبها وحشد مؤيدين لها من مختلف فئات المجتمع.
ومع هذا التوسع الوطني لبرامج الشيخوخة الخلاقة، سيكون لدى كبار السن في جميع أنحاء الولايات المتحدة فرصاً أكثر للخوض في تجارب تحدث تحولاً في حياتهم وتضفي السعادة ولذة وجود الهدف إليها. سيتطلب الحفاظ على الزخم الكامن خلف الشيخوخة الخلاقة أن تواصل المتاحف المحلية والمؤسسات الفنية والمراكز المجتمعية والمجتمعات المخططة والمكتبات وغيرها من الأماكن استكشاف وسائل جديدة للتعليم والنمو وتوفيرها، وأن يبقى أساتذة الفنون ومدراء البرامج والفنانون أنفسهم مثابرون خلال هذا الوقت العصيب بالذات الذي تمر به المؤسسات الفنية، وأن يتقدم قادة الأعمال والمشرعون وفاعلو الخير للتعاون وتقديم دعم قوي. جميعنا نتقدم في العمر، وستتيح برامج الشيخوخة الخلاقة لنا أن نعيش جميعاً مستقبلاً إيجابياً ومترابطاً ومبهجاً.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.