كيف يعزز أسلوب القيادة فعّالية التعليم في المدارس؟

4 دقيقة
القيادة في التعليم
shutterstock.com/oatawa

ملخص: تناولت الدراسات اختلافات الأساليب القيادية بين المرأة والرجل، لكن دراسة حديثة دمجت عوامل مختلفة على المستويات التنظيمية والفردية والاجتماعية في نموذج واحد لتقدم نظرة ثاقبة حول تأثير القيادة على التحصيل الدراسي للطلاب، واقترحت عدة نقاط لتحسين مستوى القيادات التعليمية، أهمها: 1) تحديد أولويات اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات لدعم النجاح المهني وأيضاً الأكاديمي للطلاب والمعلمين، 2) الاعتراف بالدور الحيوي للقادة في بناء المنظومة التعليمية وتعزيز نموها واستخدام أساليب دقيقة وموجهة لتنفيذ سياسات القادة وتطويرها، 3) تطبيق نهج القيادة الموزعة لخلق بيئة تعليمية أكثر إيجابية وشمول، 4) تقديم منح للمدارس التي تثبت اعتماد نماذج وأطر قيادية ممتازة.

يمثل التعليم نقطة أساس لتغيير المجتمعات وتقدمها، ولأن التغيير يأتي من القيادة الفعالة والشاملة، تحتاج المؤسسات التعليمية إلى القيادات الواعية والمسؤولة لتقوم بدورها على أكمل وجه، وتساعد الأبحاث على معرفة الأدوات التي تقود إلى تبنّي أفضل الممارسات بما ينعكس على المستوى المعرفي والأداء الأكاديمي للطلاب.

وعليه، نشر 3 باحثين هم أيمن مسوتي من جامعة أبوظبي، ونسرين شيا من جامعة عجمان، وشيماء محمد جريني من مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، دراسة في المجلة الدولية للبحوث التعليمية المفتوحة بعنوان: "استكشاف العلاقة بين تصورات قادة المدارس حول القيادة التعليمية الموزعة، والديناميكيات الاجتماعية والثقافية، وإنجاز الطلاب في العالم العربي" (Exploring the nexus between female school leaders' perceptions of distributed instructional leadership, socio-cultural dynamics, and student achievement in the Arab world).

ورصد الباحثون كيفية إدراك القيادات النسائية لدور العوامل الاجتماعية والثقافية في فعالية القيادة التعليمية واستكشفوا الآلية التي من خلالها يمكن للعمل المشترك أن يؤثر على نتائج الطلاب، وتوصلوا إلى أن القيادات النسائية للمدارس في الإمارات تبنت على نحو فعّال أسلوب القيادة التعليمية الموزعة، ما أضفى على المدارس مناخاً تنظيمياً ومؤسسياً يشجع على التعلم، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق نتائج إيجابية للطلاب.

ووجد الباحثون أن التركيز على اتخاذ القرارات المستنيرة بالبيانات وتعزيز كل من الرفاهية الاجتماعية والعاطفية للطلاب كانت من الممارسات القيادية المهمة التي رفعت مستوى تحصيلهم الدراسي، وأن للعوامل الاجتماعية والثقافية دوراً رئيسياً في تعزيز الآلية التي يمكن من خلالها تحسين نتائج الطلاب.

العوامل الاجتماعية المؤثرة في النمط القيادي

بات تمكين المرأة محوراً أساسياً في مستهدفات التنمية حول العالم، وخصوصاً في الدول النامية التي تواجه تحديات مثل الفقر والبطالة بما يعرقل تحقيق المساواة بين الجنسين، ويتجلى تمكين المرأة في 3 أبعاد:

1. التمكين الشخصي، الذي يشمل المعتقدات والأفعال الشخصية الفردية.

2. التمكين العلائقي، الذي يشمل معتقدات وأفعال الآخرين.

3. التمكين المجتمعي، الذي يشمل النتائج ضمن السياق المجتمعي الأوسع.

ولاحظ مسوتي وزميلتاه أن الدراسات حول القيادة التعليمية، خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة لم تستكشف العلاقة بين التمكين المجتمعي للمرأة وأساليب القيادة في المدارس، فحاولوا من خلال دراستهم معالجة هذه الفجوة عبر توظيف بُعد التمكين المجتمعي لفهم دور العوامل الاجتماعية والثقافية في تشكيل النمط القيادي للمدارس في الإمارات.

ووجدوا أن الهوية الاجتماعية الإماراتية تتميز بمزيج من القيم التقليدية والتأثيرات الحديثة، في الوقت الذي تواكب فيه الدولة وتيرة التطوير والتحديث المتسارع، يحافظ المجتمع الإماراتي على تمسكه القوي بالتقاليد والقيم الراسخة في المبادئ الإسلامية.

وعلى الرغم من التنوع السكاني الذي يثري بيئة العمل في دولة الإمارات، تظهر الدراسات أن الإماراتيين يلتزمون بالقانونين السائدة وبتعاليم الديانة الإسلامية ويطبقونها بعمق في سلوكهم المهني، حيث تشكل أخلاقيات العمل الإسلامي سلوك الموظفين في مكان العمل، وتعطي الأولوية لمعايير الإخلاص، والكفاءة، والصدق، والصبر، والتقييم الذاتي المستمر، والوفاء بالوعود، والاعتدال.

من جهة أخرى، تدعم الحكومة تمكين المرأة الإماراتية وتنفذ العديد من الخطط والمبادرات لتعزيز مكانتها في المجتمع، حيث يواصل أكثر من 77% من النساء الإماراتيات تعليمهن بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية، ويشكلن 70% من جميع خريجي الجامعات في الدولة، ويتخصص 61% من الخريجات في المجالات العلمية لتتاح لهن الفرص الوظيفية، ولا سيما في الصناعات المتطورة مثل التكنولوجيا الصناعية والروبوتات والذكاء الاصطناعي.

وعليه، بينت نتائج دراسة مسوتي وزميلتيه أنه من خلال تكامل العوامل الثقافية الاجتماعية والمبادئ الإسلامية، والدعم الحكومي، أدت القيادات النسائية الإماراتية دوراً حاسماً في تشكيل بيئة تعليمية مواتية للتميز الأكاديمي والتنمية الشاملة للطلاب. وأكدت دراسات مماثلة أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية في تمكين القيادات النسائية وتصور النمط القيادي للسيدات.

وتكشف الدراسات عن مفارقة فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي في المؤسسات التعليمية، فعلى الرغم من أن عدد المعلمات أكبر من عدد المعلمين، فإن هذا الاتجاه لم يتطور فيما يتعلق بالقيادات داخل المدارس، وأحد الأسباب التي تؤدي إلى ذلك هو الاعتقاد أن النساء يستخدمن أساليب مختلفة في الإدارة عن الرجال وغير مناسبة لهذا النوع من المناصب.

أسلوب القيادة الموزعة

القيادة الموزعة هي نهج متكامل يتعاون فيه القادة مع الأشخاص الآخرين لتقديم الدعم والمشورة في إنشاء أفضل الممارسات التي تعزز نمو المؤسسة والأفراد، ومع التركيز المتزايد على تحصيل الطلاب في العقود الماضية؛ زادت أهمية استخدام عملية صنع القرار المبني على البيانات لإحداث تغيير نوعي في المؤسسات التعليمية المعاصرة، وبرز نهج القيادة المشترك ليكون أسلوباً فعالاً يمكّن الطلاب والمعلمين من الإسهام بصورة كبيرة في الأهداف العامة للمؤسسة التعليمية، ويشجع ثقافة الثقة والاحترام، ويخلق بيئة من الابتكار والإبداع، حيث يمكن لأعضاء الفريق استكشاف أفكار جديدة وتحمل المخاطر.

على عكس الإدارة التفصيلية التي تعكس عدم ثقة القادة بالمعلمين بما ينعكس سلباً على جودة أدائهم أو بقائهم داخل المؤسسة؛ تتيح القيادة التوزيعية للمعلمين تطوير نقاط قوتهم واكتساب الاستقلالية مع الاستمرار في الحصول على الدعم من المؤسسة.

وعليه استخدمت القيادات النسائية في المدارس التي شملتها دراسة مسوتي وزميلتيه نموذج القيادة الموزعة، وكانت قيمة استخدام بيانات الطلاب والمعلمين مثالية لتحديد المجالات التي تتطلب التحسين، وتتبع تقدم الطلاب، والحصول على قرارات مستنيرة بشأن استراتيجية التدريس.

وكان لأسلوب القيادة تأثير على التحصيل الأكاديمي للطلاب من خلال تحفيز المعلمين ورفع مستوى قدراتهم التعليمية وخلق مناخ تعليمي شامل يلبي احتياجات الجميع، وبالمثل أكدت دراسة أجراها موس وبروكهارت عام 2019، أن دعم المعلمين يتطلب التركيز على آلية توجيههم وتدريبهم، ليساعد ذلك على تحسين التحصيل الدراسي للطلاب.

متطلبات القيادات التعليمية الفعالة 

يحتاج الطلاب والمعلمون إلى قادة يمتلكون مهارات تنظيمية قوية، ومن أجل تحسين مستوى القيادات التعليمية:

  • يجب على قادة المدارس خلق تجربة تعلم فريدة وتحديد أولويات اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات لدعم النجاح المهني وكذلك الأكاديمي للطلاب والمعلمين، فمن خلال الاستثمار في تحليل البيانات، والتقنيات الحديثة، وتوفير الدعم الشامل للمعلمين، ستصبح أهداف القيادات التعليمية في نهاية المطاف هي الأداة الرئيسية لنجاح التدريس والتعلم.
  • يجب على صانعي السياسات التعليمية الاعتراف بالدور الحيوي للقادة في بناء المنظومة التعليمية وتعزيز نموها واستخدام أساليب دقيقة وموجهة لتنفيذ سياسات القادة وتطويرها.
  • يمكن للقيادات التعليمية من كلا الجنسين تطبيق مناهج القيادة التعاونية في مؤسساتهم وتعزيزها، لجعل المشاركة بين المعلمين والطلاب وأصحاب المصلحة ذات معنى أكبر، وتسهم في خلق بيئة تعليمية أكثر إيجابية وشمول.
  • تشجيع المزيد من التعاون بين القطاعين العام والخاص بشأن القيادة المدرسية وتحصيل الطلاب بالإضافة إلى تقديم منح للمدارس التي تثبت اعتماد نماذج وأطر قيادية ممتازة.