3 دروس من أوجه التفاوت في نظام التعليم الحكومي

11 دقيقة
التفاوت في فرص التعليم
shutterstock.com/hoshinosuu

اقتبسنا هذا المقال من كتاب استغرق تأليفه 30 عاماً لتوضيح 3 عوامل تفسر استمرار التفاوت في فرص التعليم ونتائجه بين الأطفال على الرغم من مرور أكثر من 6 عقود على تنفيذ الإجراءات الإصلاحية لتحقيق المساواة في التعليم، تدعم هذه الدروس المستقاة من الماضي فكرة الكتاب بمجملها، إذ تنوّر كلاً من رؤيتنا لنظام التعليم المنصف والفعال بدرجة أكبر ونظرية التغيير الشاملة المتعلقة بطرق تحقيق هذه الرؤية على حد سواء.

نركز في هذا المقال على ضرورة اتباع نهج منهجي غير تدريجي لسد الفجوات وتحسين النتائج للجميع، ونتمعن في أهمية طرق التنفيذ وعوامل البيئة المحيطة التي تقرر غالباً نجاح أي جهد للتحسين أو فشله، ونحدد الأثر الدائم الذي توقعه أوجه التفاوت المتنامي في المجتمع الأوسع وضرورة التعاون بين المدارس والمجتمعات من أجل تحقيق تقدم حقيقي. في هذا الكتاب "إتاحة الفرص للجميع: إطار عمل لتحقيق الجودة والمساواة في التعليم" (Opportunity for All: A Framework for Quality and Equality in Education) ندمج نتائج الأبحاث مع المعرفة العملية والأمثلة الواقعية من أجل ربط كثير من الأفكار والجهود الحالية الرامية إلى تحسين نظام التعليم في المدارس ودوائر وضع السياسات في البلاد. - جينيفر أوداي ومارشال سميث.

دروس مستقاة من العمل مع الإجراءات الإصلاحية لتحقيق المساواة في التعليم على مدى 60 عاماً: لا وجود للحلول السحرية

الأميركيون مولعون بالإصلاحات السريعة والحلول السهلة؛ نفضل أن نقوم بالعمل بسرعة، وإذا لم نحصل على النتائج فوراً فسننتقل إلى النهج المحسن الجديد التالي. يتجلى تفضيل الأميركيين للحلول السريعة والسهلة في قطاع التعليم أكثر من أي مجال آخر، فقد شهدنا عدة جهود إصلاحية في الأعوام الستين الماضية، وكان قسم كبير منها يركز بصورة خاصة على تقليص الفجوات في الفرص المتاحة للفئات المحرومة في مجتمعنا ومدارسنا. أنفقنا مبالغ كبيرة على محاولة حلّ المشكلة من خلال قنوات التمويل الإضافية مثل القانون الفيدرالي للتعليم الابتدائي والثانوي والبرامج الحكومية الفئوية ومجموعة كبيرة من الأنظمة والسياسات الحكومية للعدالة المالية، وعملنا على متابعة الطلاب وإلغاء متابعتهم وجربنا تصنيفهم في مجموعات متجانسة بحسب قدراتهم واختبرنا أساليب التعلم التعاوني اللاتجانسي في القاعة الدراسية، وجربنا الأسلوبين التعليميين القائمين على التدريس ضمن القاعة الدراسية أو خارجها من أجل تقديم دعم إضافي للطلاب الذين يحتاجون إليه، وحصرنا تركيزنا في الأساليب الأكاديمية متجاهلين الطفل بالكامل، ثم ندمنا على ذلك. ظننا أن اختبار المدرسين وتأهيلهم الرسمي منذ البداية هو الحلّ الأنسب لتدني كفاءة المدرسين، ثم انتقلنا إلى تقييمات المدرسين القائمة على الاختبارات على اعتبارها الحلّ الجديد المناسب، وتطول القائمة.

على الرغم من أن هذه الحلول أشبه بالموضة، فتنتشر فترة من الزمن على حساب سابقاتها وتتلاشى عند ظهور حلول جديدة، فهي ليست عديمة الجدوى تماماً ولا بد أن تقدم الحدّ الأدنى من الفائدة البحثية الواعدة. وبالفعل، في الأعوام الخمسة عشر الماضية نما اهتمام كبير في تبني ما أصبحنا نسميه الممارسات القائمة على الأدلة واستخدامها ودعمها بالسياسات. الفكرة واضحة؛ يجب أن نحدد الممارسة "المجدية" (وهي عادة إجراءات تدخّل مدروسة وموجهة بدقة ذات أثر بحجم معقول يمكن العثور عليها في واحدة أو أكثر من دراسات البحث الدقيقة)، ونتبناها ونطبقها على نطاق واسع، ثم نحقق أخيراً التحسينات المتوقعة في النتائج الكلية وفي سد الفجوات، وتتمثل النتيجة الطبيعية لهذا الأسلوب في فكرة أن تبنّي عدة ممارسات قائمة على الأدلة سيؤدي إلى تراكم الفوائد ويحقق أثراً إجمالياً أكبر.

نرى عموماً أن التركيز على الأدلة والفعالية كان تطوراً إيجابياً أسهم في تقليص الفجوات إلى حد ما، ولكن عندما يتم تنفيذ الإجراءات التدخلية على نطاق واسع في المدارس والدوائر التعليمية، تكون النتائج في غالبية الحالات أقل نجاحاً بكثير من النتائج المتوقعة وقد تتلاشى تماماً في بعض الأحيان، ونعتقد أنه بالإمكان تفسير هذه الآثار الضعيفة بثلاثة عوامل مترابطة؛ الأول هو أن التحديات التي تواجه تنفيذ الإجراءات تؤدي إلى نتائج غير متساوية وغير متوقعة أحياناً، والثاني هو أن الإجراءات التدخلية المفردة تتجاهل غالباً العوامل الأساسية التي تسهم في خلق التفاوت وإدامته، والثالث هو ضرورة أن تترافق التغييرات في المدارس بالانتباه إلى التفاوت العميق في الظروف التي يعيشها الأطفال خارج المدرسة.

الدرس الأول: طريقة التنفيذ هي ما يحدد الأثر

يُقال إن طريقة التنفيذ تشكل 90% من الأثر، فمن الممكن أن نرى اختلافاً كبيراً في نتائج تطبيق الإجراء التدخلي نفسه على مدرستين أو منطقتين أو ولايتين مختلفتين، ويتم تفسير النتائج المخيبة للأمل غالباً بمشكلات عدم كفاية الموارد أو عدم الالتزام أو عدم الملاءمة. هذه المسألة ليست محصورة بقطاع التعليم، فمجال علم التنفيذ الذي نشأ عن المخاوف بشأن الاستخدام المحدود للممارسات القائمة على الأدلة في الطب يسعى في الواقع إلى تطبيق الأبحاث على أنماط التنفيذ واستراتيجياته من أجل تحسين تطبيقها على مجموعة واسعة ومتنوعة من المجالات الاجتماعية واستخدامها فيها. لربما كانت النتيجة الأكثر شيوعاً في عمليات تقييم السياسات والبرامج على مدى عقود هي عبارة: "تنوعت طرق التنفيذ"، ومع ذلك نلاحظ أن واضعي السياسات والإداريين لا يأخذون طرق التنفيذ في حسبانهم عموماً عندما يفكرون في الخيارات ويعملون على حساب التأثير المتوقع. ولّدت الأبحاث التي أجريت على مدى عقود حول طرق التنفيذ مجموعة كبيرة من الدروس التي يمكن تطبيقها على السياسات التي تهدف إلى تحقيق العدالة، وسنركز في هذا المقال على 3 دروس منها تشكل جزءاً لا يتجزأ من رؤيتنا لطريقة عمل نظام التعليم المنصف.

لا بد من مراعاة السياق

تدعم الأبحاث حول التعلم المؤسسي والتغيير أن جميع التغييرات تعتمد على التاريخ، تختلف المدارس والمقاطعات وحتى الولايات في تاريخها التعليمي، وهو يشمل مسارات الأداء السابقة والخبرات القائمة على الاستراتيجيات والإجراءات التدخلية المجربة سابقاً والتوقعات التي تنتج عنها، كما تختلف من حيث تكوين مجموعات البالغين والطلاب في أنظمتها والتجارب التاريخية لكل مجموعة فيما يتعلق بالتعليم والتفاوت والتغيير. يؤثر اختلاف الثقافات والظروف والبنى الهيكلية ضمن الوحدات والأنظمة المؤسسية في طرق تفسير الجهات الفاعلة المحلية لأي تعديل أو إجراء تدخلي وعملها عليه. ألف الباحثان ويذرلي وليبسكي بحثاً إبداعياً بعنوان "البيروقراطيون على مستوى الشارع" عام 1977، تمعنا من خلاله في الاختلافات بين 3 دوائر تعليمية في تنفيذ ممارسات التعليم الخاص (المقدم لأصحاب الهمم ذوي الاحتياجات الخاصة) في ولاية ماساتشوستس، ونتج عنه مجموعة من التحليلات التي تزداد تعقيداً لأسباب الاختلافات السياقية في التنفيذ ومظاهرها.

ولن يكون بالإمكان حل المشكلة بمحاولة منع هذه الاختلافات بالتركيز على الدقة وبرامج التدريس القائمة على الخطة المكتوبة والسياسات الموحدة، لأنها تؤدي عادة إلى إعاقة قدرة المدرسين على التمييز والاستجابة المهنيتين تجاه الطالب واحتياجات النظام المحلي، ومن الممكن أن تولّد هذه الأساليب نتائج عكسية بالفعل.

القدرات هي عامل أساسي في تحديد جودة التنفيذ ونتائجه

يكمن اختلاف القدرات المحلية للسياقات المختلفة في صميم كثير من اختلافات التنفيذ، واتبع الباحثون أساليب مختلفة لتحديد عناصر القدرات التي تتمتع بالأهمية في تحسين نتائج الطلاب. من المتفق عليه عموماً أن رأس المال البشري، المتمثل في المعارف والمهارات التي يتمتع بها المساهمون بصورة فردية وجماعية على حد سواء، في نظام أو موقع ما يوقع آثاراً واسعة النطاق على طرق فهم الإجراء التدخلي أو البرنامج أو السياسة، وقدرة الجهات الفاعلة على تنفيذ الإجراءات اللازمة أو المقترحة، ودرجة تكيف النظام مع الظروف المتغيرة والتهديدات التي ينطوي عليها التنفيذ، وما إلى ذلك. نرى أن كثيراً من الجهود القائمة على الأبحاث، بدءاً من التعليم الثنائي اللغة مروراً بالمناهج التعليمية الجديدة في الرياضيات أو محو الأمية وصولاً إلى معايير تقييم المدرسين، تبوء بالفشل بسبب افتقار من يعملون على تنفيذها إلى المعارف والمهارات الضرورية المطلوبة. كما تبرز كمية الموارد المادية من أموال ومواد تعليمية ومنشآت وغيرها ودرجة ملاءمتها بوضوح في مفاهيم قدرة المؤسسة أو النظام، وفي بعض الأحيان تكون هذه الموارد هدفاً لجهود إصلاحية معينة، وتؤثر غالباً في نجاح أي استراتيجية أو فشلها.

نرى أحد الأمثلة الواضحة في تنفيذ جهود تخفيض عدد الطلاب في القاعات الدراسية بولاية كاليفورنيا في أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ على الرغم من أن الدوائر التعليمية تلقت تمويلاً حكومياً لتخفيض أعداد الطلاب في القاعات الدراسية للطلاب من رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الابتدائي، فكثير منها افتقر إلى القاعات الدراسية والمدرسين المؤهلين لتنفيذ هذه الجهود بفعالية، لا سيّما أنظمة المدن التي تضم مدارس مكتظة بالطلاب وتعاني نقصاً في أعداد المدرسين، أدى ذلك إلى الاعتماد على بناء القاعات الدراسية الإضافية المؤقتة وتعيين أعداد كبيرة من المدرسين المبتدئين وغير المعتمدين الذين تم تعيين أعداد كبيرة منهم للعمل في مدارس المناطق الفقيرة ومجتمعات أصحاب البشرة الملونة. وبالنتيجة، أدى هذا الجهد الإصلاحي الكبير الذي يهدف لمساعدة الطلاب والمدارس في المجتمعات الفقيرة إلى زيادة تفاقم مشكلة التفاوت في توزيع المدرسين المؤهلين والخبراء والمرافق الملائمة.

يتمثل وجه آخر من أوجه القدرة المؤسسية فيما يسميه الباحثون تماسك البرنامج؛ ينطوي التماسك في التعليم على الأهداف وأطر العمل المشتركة وتوفر شروط العمل والبنى التنظيمية والإجراءات الروتينية التي تدعم هذه الأهداف وتتيح للجهات الفاعلة في النظام التركيز على تحقيقها. وكما هو حال رأس المال البشري والمادي، لا يمكن توزيع تماسك البرنامج على نحو منصف على المدارس والدوائر التعليمية، ولاحظنا بالفعل الخلل المؤسسي الناجم عن سنوات طويلة من الإهمال وعوامل الضغط البيئية ومعدلات دورات الموظفين العالية، وهو ظاهر بصورة خاصة في مدارس المناطق الشديدة الفقر، وتنطبق الملاحظة نفسها على الدوائر التعليمية ذات القدرات المتدنية. يظهر عدم التماسك هذا في التنقل من جهد إصلاحي إلى آخر بحثاً عن حلّ شامل، أو تراكم عدة إجراءات تدخلية وبرامج ذات غاية إصلاحية وقائمة على الأبحاث ولكنها تتزاحم على التركيز والموارد. يؤدي عدم تماسك البرنامج في مدارس المناطق الشديدة الفقر ودوائرها التعليمية إلى زيادة صعوبة اختيار المدرسين والإداريين لاستراتيجيات التعليم التي يعتمد كل منها على الأخرى وتعزز قدرتهم على معالجة احتياجات التعلم لدى طلابهم على نحو منهجي وتكييفها.

التنفيذ هو عملية اجتماعية

نما اهتمام متزايد في العقود القليلة الماضية بأهمية رأس المال الاجتماعي والثقة في نشر الممارسات الفعالة وتعزيز التعلم والتحسين في طرق عمل الأفراد اليومي. يكمن رأس المال الاجتماعي في العلاقات بين الأفراد والمجموعات والمؤسسات وضمنها، ومن أجل تحقيق التنفيذ الفعال، يجب تفعيل هذه العلاقات ليس لمرة واحدة وإنما على مدى تفاعلات عديدة مستمرة. للأسف، تتفاقم عزلة المدارس والمدرسين الشائعة في أنظمة التعليم الأميركية في المناطق الشديدة الفقر حيث يؤدي تزايد معدلات دوران الموظفين وانعدام الثقة إلى إعاقة بناء علاقات متينة قادرة على إدارة تنفيذ الممارسات القائمة على الأدلة. إذاً، حتى الإجراءات التدخلية التي يتم تصميمها تحديداً لصالح هذه الأنظمة ومجتمعاتها من أطفال وبالغين لا تصل إلى الأماكن الأكثر حاجة إليها، ومحاولة ضمان الانتشار والتنفيذ عن طريق التعليمات الإدارية لن تكون مجدية في حل هذه المشكلة، وستؤدي غالباً إلى امتثال سطحي من دون فهمها بحق أو الالتزام بها فعلياً. إذا انحسر الضغط فسينحسر الإصلاح أيضاً.

الدرس الثاني: تتجاهل الإصلاحات التدريجية الظروف الأساسية التي تسبب التفاوت

تواجه الإجراءات التدخلية تحدياً آخر يتمثل في أن الإصلاحات المنعزلة والتدريجية تعجز غالباً عن معالجة العوامل المنهجية التي تسهم في نشوء التفاوت الذي تحاول هذه الإصلاحات معالجته. خذ مثلاً البرامج التحفيزية التي صُممت لجذب مزيد من المدرسين المؤهلين ذوي الكفاءة للعمل في مدارس المناطق الشديدة الفقر، ولكنها لا تهتم بالظروف السيئة التي يعملون ضمنها وتسبب دوران الموظفين في المقام الأول، أو سياسات مساءلة المدارس التي تعاقب المدرسة على ضعف أدائها ولكنها تتغاضى عن الدوائر التعليمية، وبالتالي لا تعالج السياسات والممارسات التي تجمع الطلاب ذوي الأداء الضعيف مع المدرسين غير المتمرسين في هذه المدارس ولا تعتني كفاية ببناء قدراتها لتحقيق تحسن طويل الأجل.

في كل تحديات تنفيذ الإجراءات التدخلية التي ناقشناها آنفاً، تسبب الظروف المتوطنة ضمن النظام نفسه تقييد نجاح الإصلاحات الفردية أو إحباطه، إضافة إلى أن انعدام التماسك والاستقرار في بيئة السياسة يزيد صعوبة تحديد هذه الظروف وتغييرها. يتغير كل من مدراء الدوائر التعليمية وأعضاء مجالس إدارة المدارس والمشرعين، ولكن تبقى أوجه التفاوت في الموارد والممارسات مستمرة تعززها البنى التنظيمية والمعتقدات الراسخة. تكون المراسيم الصادرة عن الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات غالباً متضاربة وغير ملائمة للظروف الخاصة التي تختلف من سياق إلى آخر، كما أن الحوكمة والسياسات المجزأة والامتثال المطلوب من القمة إلى القاعدة وأنظمة البيانات الهزيلة وسياسات الموارد البشرية البيروقراطية وانعزال المدارس عن الأنظمة والمؤسسات الأخرى تؤثر في رفاهة الأطفال وتعزز مجتمعة أوجه التفاوت القائمة بالفعل في الموارد والعمليات. وفي الواقع تفتقر المدارس في المناطق الشديدة الفقر إلى المعلومات والثقة والقدرة التي تحتاج إليها للتمعن في ممارساتها ونتائجها مع مرور الوقت، إلى جانب أنها مشتتة في عدة اتجاهات متضاربة بسبب الرسائل المختلطة التي تتلقاها من الجهات الناظمة، ويمكن أن تؤدي معايير الاختبار والمساءلة ذات المخاطر العالية إلى تفاقم هذه المشكلات وتركيز الاهتمام على تجنب عواقبها على البالغين بدلاً من ضمان تقدم الطلاب.

رأى بعض السياسيين والمصلحين أن القيود التي يعانيها النظام الحالي تشكل عقبات لا يمكن تجاوزها، فلجؤوا إلى نظامَي المدارس المستقلة والخيارات البديلة للمدارس على اعتبارها طريقة لإزالة المدارس العامة النظامية التي تخدم الأطفال الفقراء والأقليات من نظام لطالما كان مخيباً لآمال هؤلاء الأطفال. شكلت المدارس المستقلة والخيارات البديلة للمدارس دعوة حاشدة لإدارة ترامب (مع تفضيل الخيارات البديلة للمدارس الخاصة المتمثلة في المدارس المستقلة الربحية وقسائم التمويل المدرسية). ولكن على الرغم من أن المدارس المستقلة كانت تبشر بتحسين الوضع بكثير من الطرق فهي ليست الحلّ الشامل المنشود كحال أي إجراء تدخلي آخر، إلا أنها تحرر المدارس من قيود كثيرة وتتيح مزيداً من الابتكار والتجريب. كما تظهر علامات نجاح كبير في المدارس المشاركة في العدد القليل من مؤسسات إدارة المدارس المستقلة (CMOs) التي تضم كل منها مجموعة منتقاة بعناية من المدارس المستقلة التي تتبنى رؤية واستراتيجية متماثلتين مثل مؤسسات أسباير (Aspire) وكيب (KIPP) وأتشيفمنت فرست (Achievement First) وهاي تِك هاي (High Tech High) وغيرها. من الممكن أن يعتبر القارئ أن مؤسسة إدارة المدارس المستقلة الناجحة مماثلة للدوائر التعليمية الناجحة التي نناقشها في هذا الكتاب، يمكن أن تكون المؤسسات الأكثر ابتكاراً بمثابة أرضية التعلّم التي يمكن للأنظمة الأكبر والمجال بمجمله الاستفادة منها، وهذا هو حال بعض الدوائر التعليمية التي استفادت من مدارسها المستقلة على هذا النحو بالفعل. ولكن تشير غالبية الأبحاث إلى أن معظم المدارس المستقلة مماثلة بدرجة كبيرة للمدارس العامة التقليدية من حيث تنظيمها ونتائجها، وفي غالبية الحالات تكون آليات إدخال المعلومات إلى النظام الأكبر على نحو يتيح استخدامها على نحو فعال محدودة أو غائبة تماماً. وبالنتيجة، لا تحقق المدارس المستقلة بمجملها فائدة تذكر في معالجة المشكلة التي تعانيها الغالبية العظمى من الطلاب المحرومين في المدارس الأميركية.

الدرس الثالث: لن تنجح المدارس إذا عملت بمفردها

الدروس التي ذكرناها ليست جديدة، وهي مطبقة بالفعل بصورة كاملة أو جزئية منذ سنوات في بعض الدوائر التعليمية والمدارس مثل التي ذُكرت في الفصل الأول من الكتاب؛ أي أنها اتبعت أسلوباً منهجياً لاختيار الاستراتيجيات وتبنيها أو تطويرها من أجل ضمان العدالة والتفوق لطلابها، ونفذت هذه الاستراتيجيات مع مراعاة اختلاف سياق المدرسة أو حتى القاعة الدراسية الواحدة، وركزت على بناء القدرات والعلاقات بين البالغين في المدرسة الواحدة من جهة وبين أفراد المؤسسات والوحدات المختلفة من جهة أخرى سعياً لضمان فعالية التحسينات ودوامها مع مرور الزمن. أدت هذه الإجراءات إلى النجاح إلى حدّ ما في تحسين النتائج الكلية وتخفيض الفجوات بين الطلاب الذين يتمتعون بالامتيازات والطلاب المنتمين إلى الفئات المحرومة التقليدية.

يرى كثير من المراقبين والمصلحين أن أمثلة التقدم هذه تثبت قدرة المدارس والدوائر التعليمية على ضمان العدالة في التعليم بمفردها، وأن أي نقاش حول ضرورة معالجة الظروف التي يعيشها الطلاب خارج المدرسة ما هو إلا تصديق لفكرة "التعصب اللاواعي للتوقعات المتدنية"؛ وهي فكرة يشيع ذكرها في الخطابات حول التعليم "من دون أعذار" ظهرت في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة وتم تثبيتها في نصّ "قانون عدم ترك أي طفل متأخراً عن ركب التحصيل العلمي" لعام 2001 الذي يحمّل المدارس والدوائر التعليمية مسؤولية ضمان أن يتمكن جميع الطلاب بلا استثناء من تلبية معايير الكفاءة العالية المستوى بحلول عام 2014. كما تحول شعار "من دون أعذار" إلى دعوة حاشدة لجزء من حركة المدارس المستقلة تميّزت بوقت التعليم المطوّل والتطوير المهني المستمر والتعليم القائم على البيانات ونظام انضباط مدروس بدقة للطلاب، كانت الغاية هي أن يتحمل المدرّسون مسؤولية القيام بكل ما بوسعهم من أجل ضمان نجاح جميع الطلاب بغض النظر عن البيئات التي ينتمون إليها.

وعلى الرغم من بعض دلائل النجاح بين الطلاب الذين استمروا في المدارس التي تتبع نهج "من دون أعذار" لمدة 3 سنوات على الأقل، تعرض الكثير من هذه المدارس لانتقادات بسبب اتباعها ممارسات انضباط صارمة ومتطلبة (تطبّق مبدأ "من دون أعذار" على الطلاب لا على الأنظمة) وارتفاع معدلات الاستنزاف فيها وعدم استجابتها لعوامل الضغط الحقيقية في الحياة اليومية لكثير من الطلاب أو دعمها لها. لكن في السنوات الأخيرة لاحظ بعض القادة السابقون في حركة "من دون أعذار" قيودها وغيروا أسلوبهم وتوجهوا نحو إدخال ممارسات وخدمات داعمة أكثر.

تمثل جزء من هذا التغيير في إدراك ضرورة تلبية احتياجات الطلاب الأساسية كالغذاء والمأوى والصحة النفسية والجسدية كي تتحقق لهم الفائدة الكاملة من فرص التعليم حتى وإن كانوا في أفضل المدارس. لا يملك المدرسون الموارد ولا الخبرات اللازمة للتعامل مع كل هذه الاحتياجات بمفردهم، ولكن ثمة أمثلة في البلاد على مدارس ودوائر تعليمية تعمل بالتعاون مع وكالات الخدمة الاجتماعية والعيادات الطبية والمؤسسات الأهلية والمؤسسات التعليمية للطفولة المبكرة وللمرحلة ما بعد الثانوية سعياً لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص.

تشكل هذه الدروس المستقاة من جهود التحسين السابقة إلى جانب الدراسة الشاملة للأسباب الأساسية للتفاوت في التعلم أساساً داعماً لحجة الكتاب الذي اقتبسنا هذا المقال عنه، حيث نصوغ رؤية قائمة على الأدلة حول نظام التعليم المنصف والفعال بدرجة أكبر ثم نطرح نظرية متعددة المسارات عن التغيير تساعد على تحقيق هذه الرؤية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.