مع اقتراب كوب 28: ما الذي يخبئه هذا العام من تطورات في مجال الاستدامة؟

6 دقائق
كوب 28
shutterstock.com/World pieces

مع تزايد عدد السكان واستنزاف الموارد الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم وتيرة التدهور البيئي، ليس من المستغرب أن يصل كوكبنا إلى نقطة اللاعودة. في ظل غياب التغيرات الجذرية، يمكن لهذا العام أن يودي بنا إلى كوارث تطال الناس والبيئة على حدٍ سواء.

يرسم التقرير المناخي الأخير الصادر عن الأمم المتحدة صورة قاتمة: من دون اتخاذ إجراءات فورية جازمة للحد من الانبعاثات، يمكن أن تتجاوز درجة الحرارة بحلول عام 2030 حاجز الـ 1.5 درجة مئوية والمنصوص عليها في اتفاق باريس التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) عام 2015. وقد يؤدي التقاعس عن اتخاذ الإجراءات الفورية إلى تداعيات طويلة الأجل وعواقب وخيمة قد لا يتمكن كوكبنا من تحملها.

من المتوقع أن يشهد عام 2023 موجة مثيرة للاهتمام من التطورات المتعلقة بالاستدامة نظراً لمستوى الوعي المتزايد بين الحكومات والشركات والمستهلكين حول بصمتهم البيئية. فيما يلي بعض الاتجاهات المقبلة والطرائق التي يمكن من خلالها المساهمة ومد يد العون للحفاظ على كوكبنا.

الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في كوب 27: العمل المناخي يضع العالم على الطريق الصحيح

اجتمع مئات المشاركين في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، كوب 27 (COP27) التي عقدت في مصر من 6 إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وذلك لمناقشة طرائق الحد من التغير المناخي والتكيف معه. وركز المؤتمر بشكل أساسي على وضع اللمسات الأخيرة على المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاق باريس.

كما ناقش المشاركون في المؤتمر الدعم اللازم للبلدان التي تعاني من مناخات هشة، فضلاً عن الالتزامات المالية من جميع الدول، وتوافر الطاقة والموارد المستدامة، وسبل تعزيز أسواق الكربون في جميع أنحاء العالم.

أكد مؤتمر كوب 27 على التعهدات العالمية السابقة فيما يتعلق بتغير المناخ، إذ قدم خارطة طريق لمساعدة جميع الدول على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات المنصوص عليها في باريس. ومن خلال الشراكات بين الحكومات والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص، يمكن إحراز تقدم تجاه تحقيق هذه الأهداف، إذ يعود الأمر لنا جميعاً الآن لاتخاذ موقف استباقي وتنفيذ الخطط التي تم اعتمادها في "COP27".

صون الطبيعة والإنسانية من خلال الحد من الأثر البيئي للبشرية 

تترقب مدينة إكسبو دبي استضافة الدول من جميع أنحاء العالم في الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وذلك لتقييم الالتزامات الحالية وتقديم التزامات جديدة تجاه حماية البيئة. وتشمل تلك الالتزامات الحد من انبعاثات الميثان ووقف إزالة الغابات ووضع حد لتمويل الوقود الأحفوري.

تكمن أصعب التحديات للحد من الأثر البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الصناعات الأكثر حيوية مثل الزراعة والطيران والشحن، كما تواجه قطاعات إنتاج الصلب والإسمنت عقبات هائلة فيما يتعلق بالحد من أثرها البيئي.

الحد من الانبعاثات

من أجل تجنب العواقب المدمرة المحتملة لتجاوز ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية، من الضروري خفض انبعاثات الغازات الدفيئة عاجلاً قبل عام 2025، وبنسبة تصل إلى 48% خلال العقد المقبل. وقد بدأت حكومة الإمارات في اتخاذ إجراءات لمعالجة هذا التحدي، إذ أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مؤخراً المشروع الوطني لعزل الكربون، والذي يهدف إلى زراعة 100 مليون شجرة مانغروف بحلول عام 2030 كجزء من رحلة الدولة نحو صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.

تخفيض انبعاثات الميثان 

يمثل كوب 28 (COP28) فرصة فريدة لمواصلة عملية معالجة الميثان كعامل رئيس في تغير المناخ، إذ يهدف المؤتمر المقبل إلى تطوير استراتيجيات تسهم في تخفيض انبعاثات الميثان والتكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب ارتفاع تركيزات الغازات الدفيئة.

مع إمكانية الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 25%، فإن تخفيض انبعاثات الميثان يمكن أن يغير قواعد اللعبة. تشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أن التكنولوجيا المتاحة لنا حالياً يمكن أن تحقق انخفاضاً بنسبة 75% من الميثان الناتج عن القطاع الصناعي. تمثل هذه الإمكانات للحد من أحد أكثر الملوثات تهديداً فرصة ممتازة للبشرية.

يشير الخبراء إلى أن الميثان له تأثيرات أكبر بـ 84 مرة من ثاني أوكسيد الكربون. إن اتخاذ إجراءات فورية للحد من أثر الميثان يضمن لنا وللأجيال المقبلة مستقبل أكثر إشراقاً.

التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

يجب علينا اتخاذ تدابير فعالة تهدف إلى الحد من اعتمادنا على الوقود الأحفوري ذي الأثر السلبي الكبير مثل الفحم. يمهد هذا الالتزام الطريق نحو غد أكثر كفاءة وممارسات أكثر استدامة ضمن قطاع الطاقة.

تجديد الالتزام بتمويل المناخ

عقب التزامها بتوفير 100 مليار دولار من التمويل السنوي للمناخ؛ تمكنت الدول المتقدمة من الوفاء بهذا الوعد جزئياً فقط. أما الخبر السار هو أن التكنولوجيا الخضراء تكتسب زخماً على مستوى العالم. وفقاً لتقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، استثمرت دول الشرق الأوسط وحدها 1.6 مليار دولار في تكنولوجيا المناخ خلال النصف الأول من عام 2022.

الإمكانات المرجوة لمعالجة تغير المناخ: ماذا بعد كوب 28؟

بالإضافة إلى كوب 28، تظهر تطورات أخرى في مجال تغير المناخ، ما يوفر إمكانيات جديدة لمواجهة هذا التحدي العالمي الملح.

إطلاق العنان للفرص المستدامة من خلال التمويل الأخضر

تدعو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى استثمارات أكبر بكثير في الطاقة المتجددة كما هو الحال اليوم، مع وقف تمويل الوقود الأحفوري. يتمثل هدف الهيئة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري على مدى العقد المقبل، والوصول إلى زيادة في الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط بحلول عام 2030. ومع ذلك، ما يزال هناك فجوة استثمارية كبيرة لتحقيق هذا الهدف. يقدم هذا التحول نحو التمويل المستدام فرصة مهمة أمام المستثمرين والشركات من الناحية الربحية والبيئية في آن.

ندرة المياه

يعاني ما يقرب من ثلثي سكان العالم من ندرة المياه. 3% فقط من المياه على كوكبنا هي مياه عذبة، و1.2% فقط منها هي مياه صالحة للشرب. أصبحت المياه من الموارد النادرة وأحد مصادر الأزمات في العديد من البلدان. يتراوح متوسط توفير المياه العذبة المتجددة سنوياً في الدول التي تعاني من الإجهاد المائي بين 1,000 و 1,700 متر مكعب للشخص الواحد. ولسوء الحظ، يبلغ هذا الرقم 500 فقط في 70% من العالم العربي، ما يجعل الحصول على مياه الشرب النظيفة أمراً صعباً في منطقتنا.

ويزداد هذا التحدي وضوحاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تضم 6.3% من سكان العالم. ومن المتوقع أن يتضاعف إجمالي عدد السكان في العالم العربي بحلول عام 2050، ما قد يتسبب في تفاقم أزمة المياه.

ظروف الجفاف القاسية

يضرب الجفاف المنطقة بشكل منتظم، ما يتسبب في نقص كبير في المياه، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية. تعاني الكثير من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العالم العربي من الجفاف الشديد بسبب انخفاض مستويات هطول الأمطار. وينذر هذا الوضع بالخطر، إذ يتسبب في تحول المحيطات إلى أراض قاحلة مع عواقب وخيمة على المعايير الصحية العامة.

واقع يزداد سوءاً بالنسبة للفقراء

قبل جائحة كوفيد-19، أحرز العالم 4 سنوات من التقدم في مكافحة الفقر. لقد تسببت الجائحة في خسائر فادحة للبشرية، ما أثر سلباً على الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وبالنتيجة، أدى الوباء إلى عكس وجهة الكثير من هذه النجاحات ودفع 93 مليون شخصاً إضافياً إلى مستويات الحرمان القصوى عام 2020، وذلك وفقاً للتقرير التابع لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2022.

علاوة على ذلك، يدمر سوء التغذية حياة 150 مليون طفل حول العالم، ما يؤدي إلى تعثر نموهم، في حين يخلد نحو 10% من سكان العالم إلى النوم جياع. ويجب على المجتمع المدني وكافة الأطراف المعنية معالجة التحدي المناخي مع مراعاة هذه القضايا الاجتماعية، وذلك لضمان حصول الجميع على حقوقهم الإنسانية الأساسية والمضي قدماً نحو مستقبلنا المشترك معاً.

تحويل الوعي المناخي إلى أفعال: دور المسوقين

إن الاستفادة من اتجاهات الاستدامة قد تمنح المسوقين ميزة واضحة. من خلال فهم تفضيلات المستهلكين الرئيسية، تتمتع الشركات بفرصة لإبراز علاماتها التجارية وتمييز نفسها عن المنافسين. تعد الاستراتيجية القائمة على العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة قيمة جداً بالنسبة للمؤسسات التي تبحث عن طرائق فريدة لإضافة القيمة وتعزيز التميز والحفاظ على نمو الأعمال على المدى الطويل.

التحول إلى التغليف والتعبئة المستدامة

يمثل التغليف والتعبئة فرصة فريدة أمام الشركات للتميز بما يتجاوز جماليات العلامة التجارية وعروض البيع. إن اعتماد الممارسات المستدامة في التعبئة والتغليف يرسل رسالة قوية حول قيم الشركات، ويمكن أن يؤثر إيجاباً في قرارات المستهلك الشرائية.

الحد من استخدام البلاستيك

من خلال التحول التدريجي بعيداً عن البلاستيك في الإنتاج وسلاسل القيمة بما في ذلك التسويق، يمكننا اتخاذ خطوة استباقية نحو إنشاء مستقبل مستدام للجميع.

القضاء على ظاهرة الغسل الأخضر

يمكننا الحفاظ على أصالتنا والمساهمة في حركة الاستدامة عن طريق اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات والقضاء على ممارسة الادعاءات المفبركة. لقد حان الوقت لتعزيز البيئة والعمل الاجتماعي بشكل أخلاقي ومتوازن من خلال التعبير الدقيق عما نقوم به فعلياً، والأهم من ذلك القيام حقاً بتنفيذ ما نقوله.

إعطاء الأولوية للإفصاحات والتقارير البيئية والاجتماعية 

يمكن أن تساعدنا زيادة الشفافية من خلال رفع تقارير الاستدامة في إظهار التزاماتنا بشكل واقعي. ليس بوسعنا تحقيق مستقبل مستدام في حال امتناعنا عن تقديم رؤى صادقة لكافة أصحاب المصلحة حول أثر عملياتنا بشكل علني وحقيقي ومنهجي.

الالتزام بصافي الصفر بحلول عام 2050

يشهد العالم وتيرة متصاعدة في مجال تبني الاستدامة على صعيد القطاع الخاص، فمن الضروري أن تكون العلامات التجارية مجهزة بحلول قد تساعدها على تحقيق أهداف صافي الصفر الخاصة بها. يتحمل القائمون على التسويق مسؤولية تثقيف زملائهم وغيرهم من خلال المؤتمرات ووسائل الاتصال التي تركز على استراتيجيات الاستدامة.

رسم خارطة طريق في مجال الاستدامة

تؤدي أقسام التسويق دوراً متزايد الأهمية في وضع خطط طويلة الأجل تتوافق مع الممارسات المستدامة للشركات. وينبغي أن تكون هذه الخطط مبنية على رؤى بعيدة المدى، مع التركيز على السنوات الخمس أو العشر أو الخمسة عشر المقبلة. من خلال اتباع نهج التفكير المستقبلي، يمكن للعلامات التجارية اليوم وضع حجر الأساس لإحداث تغيير إيجابي في المستقبل.

ترسيخ مفاهيم الاستدامة

بصفتهم أوصياء على العلامات التجارية، يمكن للمسوقين خلق بيئة تعليمية مواتية داخل مؤسساتهم وبين جماهيرهم، مع محاسبة الجميع على كلماتهم وأفعالهم، وضمان قيام جميع أصحاب المصلحة بدورهم في التنمية الاجتماعية والإشراف البيئي.

تطوير ميزانية خضراء

يمكننا كمسوقين زيادة كفاءة جهودنا التسويقية إلى أقصى حد من خلال الاستثمار الأمثل في حلول التسويق الأخضر. نشهد اليوم انتشاراً في الأساليب والاستراتيجيات الرقمية التي تسهم في الحد من الانبعاثات أو النفايات، ما يساعد على خفض التكاليف مع الحفاظ على البيئة في المدى الطويل.

من المتوقع أن يجلب كوب 28 سياسات وتشريعات جديدة ترعاها مجموعة من الدول، ما سيؤدي إلى اتخاذ خطوات حاسمة نحو عالم أكثر استدامة. من خلال التعاون الهادف بين الحكومات والشركات ورجال الأعمال والأشخاص، يمكننا إحراز تقدم فعلي في تحقيق أهداف الاستدامة. يجب أن نأخذ ما تعلمناه من السنوات الماضية ونستخدمه كمصدر إلهام نحو مزيد من النجاحات.