كيف نُعد الأجيال المقبلة لمستقبل أكثر استدامة؟

5 دقائق
التغيير الهادف
shutterstock.com/Ping 198

يكافح العالم لمواجهة التحديات البيئية التي تعترض سبل التنمية المستدامة ولعل أبرزها قضية التغير المناخي، التي ستتحمل الأجيال المقبلة عواقبها الكارثية، لكن إعداد هذه الأجيال لقيادة التغيير الهادف وتثقيفها وتوعيتها سيسهم في صنع مستقبل أكثر استدامة.

مع ارتفاع عدد السكان ونقص الموارد المتاحة حول العالم، أصبحت الاستدامة البيئية ضرورية وحاسمة، لذا نحتاج إلى تثقيف الأجيال الشابة ورفع مستوى وعيها بالقضايا البيئية والحاجة المُلحة إلى التغيير، فالتعليم الذي يركز على جوانب الاستدامة يمكنه تحسين حياة المجتمعات وضمان رفاهية الكوكب، وإعداد الطلاب لمستقبل مستدام يعتمد على التفكير النقدي والممارسات الصديقة للبيئة.

التثقيف البيئي حلاً مستداماً

لا يقتصر التعليم على أنه مجرد حق أساسي للجميع، بل يمكن أن يؤدي دوراً جوهرياً في تحقيق العديد من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة، يمكن للتعليم من أجل التنمية المستدامة أن يؤثر بالفعل في نتائج الطلاب من حيث وعيهم بالاستدامة.

إذ يصعب على البالغين التكيف والتغيير مقارنةً بالأطفال والشباب الذين ما زالوا يبحثون عن المُثُل والمبادئ التي يرغبون في اتباعها في حيواتهم. لذلك فإن تثقيفهم بيئياً ومساعدتهم على فهم عالمهم وتقديره من شأنه أن يجعلهم أكثر انفتاحاً على مسؤوليتهم تجاه البيئة، ويسهل عليهم تطوير أسلوب حياة صحي مستدام.

قد لا يظهر أثر هذا النوع من التعليم على الفور ومباشرة، بسبب عدم تولي الطلاب أدوار التخطيط أو قدرتهم على اتخاذ القرار في الوقت الحالي، لكن تزوديهم بالمعرفة والمهارات والمواقف اللازمة للعيش في وئام مع النُظم الطبيعية سيمكّنهم من جعل مستقبلهم أكثر استدامة.

لماذا يُعد التعليم من أجل التنمية المستدامة ضرورياً؟

مع مواجهة العالم تحدياتٍ بيئية كبيرة، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى تزويد طلابنا بالمعرفة والمهارات العقلية اللازمة لحماية البيئة وخلق مستقبل مستدام. وفيما يلي ثلاثة أسباب تجعل التعليم المستدام ضرورياً جداً للجيل المقبل:

1. التعليم الحالي لا يُعد الطلاب للمستقبل

مما لا شك فيه أن المنظومة التعليمية في العالم، وخاصة الدول النامية، بحاجة ماسّة إلى الإصلاح، إذ لا يساعد وضع التعليم الحالي الطلاب على مواجهة التحديات في المستقبل، فهم بحاجة إلى تعلم مهارات التفكير النقدي أو تطوير أفكار جديدة حتى ينجحوا في البقاء على الكوكب.

وتُعد جودة التعليم الحالي بشأن تغير المناخ موضع شك، إذ كشف تقرير اليونسكو، أن 70% من الشباب لا يستطيعون تفسير تغير المناخ، أو يمكنهم فقط شرح مبادئه العامة، أو لا يعرفون أي شيء عنه، ما يثير تساؤلات حول جودة التعليم المتعلق بتغير المناخ في مدارسنا اليوم.

2. تمكين الطلاب وحماية الكوكب

يسهم تعليم الاستدامة في تعريف الأجيال المقبلة بطرائق العيش الصديقة للبيئة، ويمكّنهم من اتخاذ خيارات تساعد على حفظ الموارد لفترات أطول، مثل الحد من النفايات، وتوفير الطاقة، وحماية التنوع البيولوجي. ويكتسب الطلاب من خلال هذا النوع من التعليم مهارات عملية وحباً عميقاً للبيئة الطبيعية عبر المشاركة في أنشطة بيئية مختلفة مثل البستنة ومشاريع إعادة التدوير وتحديات التصميم المستدام.

3. إعداد قادة المستقبل

عندما يركّز التعليم على جوانب الاستدامة فإنه يزود الطلاب بالمبادئ الأساسية التي تمكنهم من معالجة القضايا العالمية المُلحة، مثل تغير المناخ واستنزاف الموارد، وتنعكس المعرفة والمهارات المكتسبة في اتخاذهم قرارات مستنيرة والتشجيع على الممارسات المستدامة، ودفع التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم وخارجها.

على ماذا يركز تعليم الاستدامة؟

يذهب تعليم الاستدامة إلى أبعد من الفصول الدراسية ليشمل المشاركة العملية للطلاب حتى يكتسبوا مهارات تمكّنهم من تحسين الكوكب وتوفر لهم فهماً عميقاً لأهمية البيئة المحيطة. وبالتالي يتناول تعليم الاستدامة ما يلي:

الترابط بين الإنسان والبيئة

تمنحنا البيئة كل ما نحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة، لذا يجب أن نوضح للطلاب دورها في حياة البشر، ونشرح لهم مدى الترابط بين الإنسان والبيئة، على سبيل المثال، تُعد الأشجار مصدراً للخشب والغذاء والأوكسجين وتدعم توازن النُظم البيئية، ودونها ستتعطل موارد المياه ما يتسبب بالجفاف والفيضانات، ومع ذلك تُقطع 15 مليار شجرة سنوياً، ومنذ ظهور العصر الصناعي تراجع عدد الغابات بنسبة 32%، فضلاً عن أن عملية إزالة الغابات تُنتج 13% من انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية.

أيضاً، تساعدنا المحيطات على البقاء من خلال تنظيم أنماط الطقس وإنتاج أكثر من 50% من الأوكسجين الموجود على كوكبنا، لكنها أصبحت ملوثة بشكل متزايد بالبلاستيك والنفط والسموم، ما جعل الحياة البحرية في خطر.

مهارات الحياة المستدامة

قد يمثل تدريس العلوم البيئية النظرية نقطة البداية، لكن منح الطلاب فرصة التجربة العملية سيكون أكثر فاعلية، إذ تشجع برامج التعليم التي تتضمن المختبرات الزراعية والمشاريع المستدامة الطلاب على إعادة التفكير في علاقتهم بالطبيعة وتطوير مهارات وعادات صديقة للبيئة لمستقبلهم، أهمها الحفاظ على الموارد واختيار المنتجات المستدامة.

التوازن بين البيئة والمجتمع

إن تعليم الطلاب وتوعيتهم حول الآثار البيئية للأعمال التجارية سيحفزّهم على اختيار منتجات الشركات التي تتبع نهج الاستدامة، فخلال العقود الماضية لم يكن المستهلكون على اطلاع بتأثير عمليات الإنتاج على الكوكب، لكن الوضع تغير بسرعة. إذ أصبح المستهلكون من جيل الألفية وجيل زد أكثر استعداداً للإنفاق على المنتجات الصديقة للبيئة، وأكثر من ثلثهم غيّر عاداته الشرائية بحثاً عن منتجات مستدامة لدعم البيئة.

وعليه، من خلال إتاحة الفرصة أمام الجيل الحالي لتطوير فهم الممارسات الريادية المستدامة، سيكون أكثر قابلية لتطبيقها في المستقبل.

التعاون من أجل تعليم الاستدامة

يساعد التعليم على التغيير الهادف في مجال الاستدامة، لكن الأمر يتطلب بذل جهد جماعي من الشركات والحكومات والمنظمات غير الحكومية والمعلمين على حد سواء. وأظهر تقرير أعدته شركة إرنست آند يونغ (Ernst & Young)، بالتعاون مع جيه أيه ورلدوايد (JA Worldwide)، لمعرفة "كيف يمكننا تمكين الأجيال القادمة لبناء مستقبل أكثر استدامة؟" (How can we empower the next generations to build a more sustainable future?)، أن مسؤولية تقديم تعليم فعّال للاستدامة لا تقع على عاتق المؤسسات التعليمية وحدها، بل على تحالف من الشركات والمنظمات التي يجب أن تبذل جهداً تعاونياً في جميع أنحاء العالم أيضاً.

فكيف يمكن لقادة الأعمال والشركات أن يسهموا في تقديم تعليم فعّال للاستدامة؟

إتاحة فرص التعلم الموسعة

أثبتت تجارب التعلم العملي فاعليتها في تقديم تعليم مستدام، ويوجد العديد من الفرص أمام الشركات والمنظمات غير الحكومية للمشاركة والتعاون مع المعلمين من خلال رعاية ورش العمل والأنشطة، التي تعمل على إشراك الطلاب على نحو أفضل.

دعم المدارس بأدوات تعليم فعالة

على الرغم من الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في تثقيف الأجيال الشابة حول الاستدامة، فإن ثقتها أكبر بالمعلمين والمدارس للحصول على هذه المعرفة، وبحسب تقرير إرنست آند يونغ، فإن أكثر من ربع جيل زد وجيل الألفية يعتبرون المدارس والمعلمين أهم المصادر التي يرغبون في الحصول منها على مزيد من المعلومات حول الاستدامة.

بالتالي يجب على الشركات والمنظمات غير الحكومية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار وتتعاون مع المدارس لتزويدها بالأدوات اللازمة لتوفير سياق حيوي لكم المعلومات التي تتعرض لها الأجيال الشابة.

تعزيز العلاقات مع المجتمعات المحلية

يُنظر إلى الحكومات على أنها المسؤولة في المقام الأول عن بناء عالم أكثر استدامة، ولكن الواقع هو أن التغيير الحقيقي يبدأ من الأفراد، لذا من الضروري أن تدعم الشركات والمنظمات غير الحكومية الأفراد لإحداث تغيير هادف داخل مجتمعاتهم والتأكيد أن الاستدامة ليست مجرد هدف عالمي، بل حقيقة محلية.

العمل مع الحكومات المحلية لتعزيز العمل البيئي

يمكن لواضعي السياسات تقديم تعليم فعّال للاستدامة من خلال تحسين التواصل بين برامج الاستدامة الحالية، وإنشاء مبادرات جديدة ومواءمة الأولويات والإجراءات بشكل أفضل، فبرامج الاستدامة المتطورة مثل برنامج اليونسكو للتعليم من أجل التنمية المستدامة لعام 2030، لا تُعد القوى العاملة للمهن المستدامة فحسب، بل تعزز أيضاً أهمية الاستدامة في التعليم والتطوير المهني.

المساعدة على اتخاذ قرارات أكثر استدامة

يمكن أن تتخذ الشركات خطوات استباقية في تعليم الاستدامة، ليس فقط من خلال إعادة تصميم منتجاتها لجعلها أكثر استدامة فحسب، بل عبر التواصل الشفاف مع المستهلكين، فالشركات التي تركز على الفوائد البيئية المترتبة على الاختيارات المستدامة، تساعد على تمكين المستهلكين الشباب في جميع أنحاء العالم من اتخاذ قرارات مستنيرة تعمل على الحد من بصمتهم الكربونية.

وتوصلت دراسة حديثة أجرتها شركة آي بي إم (IBM) إلى أن 41% من المستهلكين سيشترون منتجات أكثر استدامة إذا كان لديهم فهم أفضل لكيفية تأثير شرائهم، ومع ذلك، فإن 10% فقط من الشركات العالمية ترى أن تواصلها مع المستهلكين بشأن الاستدامة سيكون فعّالاً جداً في عام 2023.

إن تعليم الاستدامة ليس مجرد نهج تعليمي، بل هو حافز للتغيير، لذا دعونا نحتضنه بقوة ونتعاون عبر القطاعات المختلفة لتمكين الأجيال المقبلة وتزويدها بالأدوات التي تحتاج إليها لبناء مستقبل مستدام، وخلق عالم يضع الاستدامة في صميم كل قرار وعمل.