
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "تعويض الكربون"، الذي سنتحدث فيه عن محمية "سيلفا دي ماتافين" في كولومبيا التي يمولها مشروع (+REDD) الهادف إلى الحد من التغير المناخي عن طريق منع إزالة الغابات.
أخبرني كاسيك ماتسولو عندما وصلنا إلى مكاتب مؤسسة "أكاتيسيما" (ACATISEMA) الجديدة في مدينة كوماريبو: "كانت هذه المكاتب بحجم قن الدجاج. انظر كيف أصبحت". كان رجلاً سيكواني (من السكان الأصليين) في أوائل الخمسينيات من عمره بتسريحة شعر مسطحة ضيقة (عسكرية) وعينين لطيفتين وابتسامة واسعة، وهو منسق المنطقة الأولى في محمية "سيلفا دي ماتافين" في كولومبيا وأحد أهم قادتها، ويلقب بـ "كاسيك"؛ أي: زعيم القبيلة.
رافقنا الزعيم بفخر في جولة حول المبنى الحديث المؤلف من طابقين، يتضمنان عدة مكاتب وقاعات اجتماعات. في الطابق العلوي، رأينا امرأتين تجريان حسابات على جداول بيانات برنامج إكسل. فوضحت لنا المحاسبة نيلا بارا: "نعمل على ميزانية العام المقبل"، وهي مسؤولة عن الطلبات المقدمة من قطاعات المحمية التي يبلغ عددها 16 ومجتمعاتها التي يبلغ عددها 315. تمثل مبيعات مشروع (+REDD) من أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها 100% من ميزانية تشغيل مؤسسة "أكاتيسيما"، التي ستعادل حوالي 5 ملايين دولار في عام 2022. يمول المشروع برامج المياه الصالحة للشرب والأمن الغذائي والتعليم والطاقة الشمسية والنقل، وذلك إضافةً إلى تغطية أجور الحراس من السكان الأصليين المرابطين في جميع أنحاء المحمية لحماية الغابة.
بعد زيارة العيادة الصحية المشيدة حديثاً، التي يمولها مشروع (+REDD) أيضاً، سافرنا عبر السافانا إلى مدينة كوماريانا، ودخلنا المحمية لأول مرة. أعلن الزعيم أمام 100 شخص تقريباً ممن حضروا وكانوا يتحدثون اللغة السيكوانية كلغة أساسية: "بعض الأشخاص الذين لا يفهمون مشروعنا (+REDD)، يسيئون إليه أو قد يرغبون حتى في سحبه منا.
إن الأشخاص الذين ينتقدونه يجلسون بعيداً في مكاتبهم في بوغوتا أو أوروبا. جاء جون ولورينا ودانيال لرؤية محمية "سيلفا دي ماتافين". سيعقد اجتماع مهم حول التغير المناخي، ستتخذ فيه الحكومات من جميع أنحاء العالم قرارات مهمة تحدد ما إذا كانت أمنا الأرض ستعيش، ستعيش لأننا سنسهم في ذلك ونؤدي دورنا، أو ستموت، ستموت لأن بعض الأشخاص يفضلون الشجار حول ما يجب علينا فعله، بدلاً من اتخاذ إجراء عاجل".
التخلص من الأفكار السامة في الجدالات
مشروع (+REDD) هو إطار عمل تدعمه "الأمم المتحدة" يسعى إلى الحد من التغير المناخي عن طريق منع إزالة الغابات. إن اختصار (+REDD) يشير إلى "خفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها في البلدان النامية"، ويدل رمز "+" على دوره في حفظ الغابات والإدارة المستدامة لها، وتعزيز مخزونات الكربون في الغابات. أضفى إطار عمل الأمم المتحدة حول التغير المناخي (UNFCCC) الطابع الرسمي على (+REDD) في عام 2005، بعد أن تطور على مدار العقد الماضي تحت عنوان "تجنب إزالة الغابات". وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة "إيكو سيستم ماركيت بلايس" (Ecosystem Marketplace) بعنوان "ظلال مشروع (+REDD)" (+Shades of REDD) في عام 2019، "لو كانت الدول الغنية تعتقد حقاً أن قيمة الغابات في البلدان الفقيرة عامرةً أكبر من قيمتها مدمرةً، كما يشير المنطق، لاتخذت إجراءات فعلية لتسهم في إنقاذ تلك الغابات التي تتحدث عنها".
تقر اتفاقية باريس بأن الإدارة الأفضل للغابات يمكن أن تحقق 25% من التخفيض الضروري لإبقاء الاحتباس الحراري العالمي أقل من 2 درجة مئوية في حلول عام 2050. إن مشروع (+REDD) هو آلية تنشئ دورة مثمرة ومعززة لإنقاذ المناخ من خلال تعاون الحكومات وقطاع الشركات ومجتمعات السكان الأصليين.
لإحراز تقدم نحو تحقيق هذا الهدف في مدينة غلاسكو، علينا التخلص من الأفكار السامة في جدلنا حول تعويض الكربون. يميل نقاد هذا القضية إلى التركيز على مسألتين غير مرتبطتين معاً: حساب معدلات إزالة الغابات للمشروع الواحد (وهذه مسألة تقنية بحتة ولا تزال قيد التنفيذ) والتمويه الأخضر للشركات. تدور حوارات علمية معمقة على جميع الأصعدة ومن شبه المؤكد أن التطور الضروري وإعادة تقويم معايير التحقق سيسفران عنها. وفيما يتعلق بمعايير التحقق، تقتضي المواجهة الحقيقية للتغير المناخي أن تتعاون الحكومات والمنظمات غير الحكومية والوكالات المانحة والشركات معاً بنية صادقة لتحقيق هدف مشترك. يصعب كثيراً تحقيق ذلك إذا كانت الحكومات عاجزة عن التواصل الفعال مع قطاعات تعويض الكربون التي تتطور سريعاً في بلدانها وتنظيمها. وسيكون مستحيلاً تقريباً أن تثق بأنه لا يوجد أحد يتلاعب بهذا النظام، في ظل غياب معايير تعويض أوضح وملزمة أكثر.
يعد اجتماع قادة العالم المنعقد في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2021 (COP26) فرصةً لدعم التوحيد القياسي لمسألة تعويضات الكربون. يجب على مجموعات مثل مجموعة الدول السبع (G7) ومجموعة الدول العشرين (G20) في غلاسكو الإصغاء إلى قادة جنوب الكرة الأرضية للتشارك في وضع اقتراح واقعي وفعال يعترف بالأهمية البالغة لمشاريع مثل "ماتافين" ولمجتمعات السكان الأصليين الموجودين على الخطوط الأمامية في تنفيذ الإجراءات المتعلقة بمسألة المناخ. تمثل مؤسسات مثل مؤسسة "أكاتيسيما"، التي سميت بهذا الاسم اختصاراً لعبارة "رابطة المجالس والسلطات التقليدية للشعوب الأصلية في محمية سيلفا دي ماتافين)، نموذجاً مبتكراً للحفاظ على التنوع الثقافي والبيولوجي الذي يشمل الغابات، ولا ينبغي أن يُتوقع منها الدفاع عن حججها حول شرعية النهج السوقي. لسوء الحظ، وفي أثناء متابعتنا للجدل بين هيئات مراقبة مشروع (+REDD) ومؤسسة "فيرا" (VERRA)، من الواضح أن الاعتراض الفلسفي على السوق قد طال السؤال التقني حول طريقة حساب نقط البداية العلمية (من قبل أشخاص يفتقرون تماماً إلى الخبرة الفنية لتنفيذ ذلك). سلوك هذا الطريق لن يفضي بنا إلى تحقيق هدفنا.
تفوق مجتمعات السكان الأصليين التي تعتمد على الغابات مثل المجتمعات الموجودة في "ماتافين" الحكومات فطنةً في مسألة الحد من إزالة الغابات. تعد مشاريع (+REDD) -والمجتمعات التي تستفيد منها- اللبنات الأساسية لمعالجة مشكلة التغير المناخي، لكن علينا مكافأتها بسخاء لتقديمها هذه الخدمة الواهبة للحياة. تعد تعويضات الكربون إحدى الحلول القليلة التي توصل إليها العالم لمعالجة مشكلة التغير المناخي. لا ينبغي تأجيل تحسين علم قياس الكربون وإنشاء سوق تعويض يمكّن قطاع الشركات من اتخاذ إجراءات سريعة لتمويل مساعي التخفيف من آثار التغير المناخي التي يقودها المجتمع، أكثر من ذلك.
نظرة أعمق
تبلغ مساحة "سيلفا دي ماتافين" 1.86 مليون هكتار، فهي أكبر من العديد من البلدان. تقع في المنطقة الانتقالية بين غابات الأمازون وسهول اللانوس -في السافانا الاستوائية في حوض أورينوكو المشترك بين كولومبيا وفنزويلا- وهي موطن لسلسلة من الغابات والأنهار المتعرجة والبحيرات القوسية والسافانا الاستوائية، التي تغمَر مساحات شاسعة منها عندما تفيض الأنهار خلال موسم الأمطار، ولم تجرَ دراسات كافية عليها وهي غير مفهومة فهماً كافياً نسبياً. كانت محظورةً على علماء الأحياء والاستكشاف العلمي لعقود من الزمان، لأن إدارة "فيتشادا" والإدارات المجاورة لها كانت معاقل للقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تعرف اختصاراً بـ "فارك" (FARC)، وهي أكبر مجموعة حرب عصابات في كولومبيا، لم توقع اتفاقية سلام مع الحكومة إلا في عام 2016. ومع ذلك، بفضل الدراسات الأخيرة التي أجرتها مؤسسات "هومبولت" ( Instituto Humboldt) و"سينتشي" (SINCHI) و"فونداسيون أوماتشا" (Fundación Omacha)، أصبحنا نعلم أن "ماتافين" ليست موطناً لمئات الأنواع من فصائل الطيور والثدييات والبرمائيات والنباتات فحسب، بل هي مستودع مهم للحياة المائية وبؤرة عالمية للتنوع الحيوي للأسماك.
كما أنها موطن لـ 16 ألفاً من السكان الأصليين الذين ينتمون إلى ست مجموعات عرقية (سيكواني، بياروا، بيابوكو، بويناف، كوريباكو، كيوبيو). أنشئت ست عشرة محمية للسكان الأصليين هنا في الثمانينيات، ما أضفى الطابع الرسمي على حيازة الأراضي والحقوق الإقليمية للمجتمعات الصغيرة الموجودة على طول الأنهار الرئيسية في المنطقة. وبمساعدة تمويل "صندوق البيئة العالمي"، قاد "إيتنولانو" عملية لتوحيد الست عشرة محمية، إضافةً إلى بعض الأراضي غير المدمجة، في وحدة متصلة جغرافياً.
اقرأ أيضاً الجزء الثاني من السلسة: محمية "سيلفا دي ماتافين" أكبر مشروع للحد من التغير المناخي في كولومبيا.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.