تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "تغيير الأنظمة"، الذي سنتحدث فيه عن إعادة تأهيل الأراضي المملوكة للدولة في راجستان الهندية والعوائق والتحديات التي تواجهها.
- إن حماية 200 مليون فدان من الأراضي المجتمعية في الهند لا يعني إجراء حلول تقنية سريعة، بل يعني بناء منصات متعددة لضمان تصرف أصحاب المصلحة المختلفين بشكل منهجي ومقصود وشامل؛ وهذا يبدأ على الصعيد المحلي ويبنى تصاعدياً من الأرض صعوداً.
- يسأل جافير سينغ من مؤسسة "غفمنل" (GVMNL)، وهي مؤسسة غير حكومية في راجاستان بالهند: "ما الذي نشاهده على مستوى القرى؟ الانتهاكات والتجاوزات آخذة في الازدياد، والسلطات التنظيمية لا تفعل الكثير. ويقول لنا الناس إن حياتهم تعتمد على الأرض. في حين يرفض ممثلوهم المنتخبون التصرف لأنهم يخشون من خسارة الأصوات. يخبرنا الجميع أنه إذا كانت هناك طريقة لتأسيس جبهة موحدة يدرك الناس من خلالها حقوقهم في الاستفادة من الموارد الطبيعية، فعندها يكون التقدم ممكناً".
ولكن كيف يمكننا إيجاد طريق التقدم هذا؟ كان جافير ينقل أفكاره إلى الزملاء والأعضاء في مؤسسة "التعاون من أجل المقاومة" (Collaborating for Resilience) (CoRe) ومؤسسة "الأمن البيئي" (Foundation for Ecological Security) (FES) في ورشة عمل افتراضية جرت في يوليو/تموز عام 2021. التحدي الذي يواجهونه كبير؛ حيث يعتمد حوالي 350 مليوناً من فقراء الريف في الهند على "الأراضي المملوكة للدولة" لكسب عيشهم، أي على حوالي 205 ملايين فدان من الغابات المجتمعية والمراعي والمسطحات المائية التي توفر الغذاء والأعلاف والأدوية والحطب والأخشاب. ومع ذلك، وبسبب التعديات والإهمال، فإن فقراء الريف في الهند يفقدون بسرعة السيطرة على هذه الأراضي العامة، وهي مشكلة تفاقمت بسبب الافتقار إلى حماية الموارد المائية المشتركة، وممارسات الحوكمة المركزية، والمصالح المتضاربة، وميل حكومات الولايات إلى اعتبار الأراضي المملوكة للدولة "أراضِ بائرة" لا تقدم شيئاً ذا قيمة لاقتصاد الهند الحديث.
عند التفكير في كيفية توسيع نطاق الجهود لتحسين الحوكمة البيئية وجعل أنظمة المعيشة الريفية في الهند أكثر استدامة ومرونة، غالباً ما يركز الممارسون على الحلول الإبداعية أو الإصلاحات التقنية. ولكن كما وصف جيفري سي. ووكر الأمر قائلاً: إن "[امتلاك] فكرة رائعة لحل مشكلة اجتماعية هو البداية فقط. أنت تحتاج أيضاً إلى تحديد المتعاونين الذين يمكنهم المساعدة في ترجمة ابتكاراتك إلى حلول حقيقية للعالم الحقيقي". على النقيض من ذلك، فإن التحليل الذي يركز على "تغيير الأنظمة" لا ينظر فقط في ملامح بيئة العمل الاجتماعية والسياسية الأوسع التي تستمر فيها المشكلة، ولكن هذا التحليل يعمل أيضاً على تطوير فهم مشترك بين شبكة من الجهات الفاعلة، والاستفادة من الموارد الفريدة، وبناء قاعدة معرفية، وتناول المشاكل المعقدة من زوايا متعددة. لتجاوز الحلول السهلة، يطرح التفكير المنظومي أسئلة حول الحجم والتعقيد: ما هي الأساليب التي يمكن أن تساعد على تحقيق تأثير جمعي في المواقف التي تتطلب فيها درجة تعقيد عوائق التغيير وجود جهات فاعلة مُنسقة عبر نطاقات متعددة؟ وكيف يمكن لمبادئ تحليل الاقتصاد السياسي أن تساعد على حل هذا التعقيد لإيجاد مسارات عملية للتغيير؟
تغيير الأنظمة من الأرض وصعوداً
يعد تزويد الجهات الفاعلة المحلية بالأدوات اللازمة للإجابة عن هذه الأسئلة بأنفسهم خطوة أولى حاسمة في طريق التقدم. يجب أن تتمكن الجهات الفاعلة المحلية من إجراء تحليلاتها بأنفسها. فعلى مدى عقود، أكدت وكالات مثل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" أهمية الشمول السياسي، وتحمّل المسؤولية، والحوكمة التشاركية، والدروس المستفادة من الخبراء التي تسلط الضوء على النهج التكنوقراطي للمشاكل المنهجية مثل الضعف المؤسسي والفساد السياسي. لكن مثل هذه التقييمات الدقيقة لا يتعين إجراؤها من قبل الخبراء وحدهم، ولا ينبغي تنفيذ الحلول بطريقة متدرجة من الأعلى إلى الأسفل. حيث يوجد لدى الممارسين ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية وجهات نظر فريدة حول المشاكل التي يواجهونها لأنهم يتعاملون معها كل يوم.
لهذا السبب، كان نهج "مؤسسة الأمن البيئي" لاستعادة السلامة البيئية للأراضي العامة وحمايتها دائماً ما يركز على مساعدة المجتمعات المحلية في إدارة مواردها بنجاح بطرق تبني وتعزز الأمن المعيشي حتى لأكثر الفئات فقراً وتهميشاً. ولكن إذا كان يجب أن يبدأ تغيير الأنظمة من أسفل إلى أعلى، فإن إشراك الجهات الفاعلة المحلية هي مجرد البداية. وجدنا أننا حتى مع تحقيقنا للتقدم على مستوى القرى، ظلت "مؤسسة الأمن البيئي" تواجه العوائق على نطاق كبير، مثل السياسات الوطنية غير المواتية، والمعايير المؤسسية الأوسع، وهيكليات الحوافز السياسية المتعلقة بالصورة الكبيرة التي تهمل التفاصيل. لذا وجدنا أنه يتعين علينا إشراك المزيد من الجهات الفاعلة.
في ولاية راجاستان، على سبيل المثال، وهي ولاية قاحلة في شمال غرب الهند تشتهر ببيئتها الرعوية الوعرة، عملت "مؤسسة الأمن البيئي" منذ فترة طويلة على بناء شراكات بين المؤسسات التي تعمل في مجال صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها. عندما تم تحديد المشكلة حول الثروة الحيوانية بحد ذاتها، اقتصرت المناقشات على الحلول التقنية مثل تطعيم الماشية وإدارة الأعلاف. لكن عوائق التغيير المنهجية، سواء الاجتماعية أو السياسية، تنشأ عن الأفعال التي تقوم بها جهات فاعلة محددة (أو غياب هذه الأفعال): مثل الوزارات الحكومية، والمسؤولين على مستوى الولايات والمقاطعات، وشركات التعدين الخاصة، والجمعية التشريعية للولاية، وحتى وسائل الإعلام. لذلك بدأت "مؤسسة الأمن البيئي" ببرامج التواصل الخارجي مع أعضاء الجمعية التشريعية للولاية وغيرهم من المسؤولين على صعيد الولاية، ففي عام 2009 على سبيل المثال، تضمنت هذه البرامج زيارات ميدانية لوزير التنمية الريفية في الولاية. لم تُظهِر مثل هذه الزيارات التداخل بين أهداف الوزارة والحاجة إلى الحفاظ على الأراضي المملوكة للدولة فحسب -ما يساعد على التوقف عن اعتبارها "أراضٍ قاحلة"- ولكنها أدت إلى سياسات مشتركة تجمع بين احتياجات الحفظ والأولويات المتطورة على مستوى الولاية، مثل الحملات السنوية المشتركة مع حكومة ولاية راجاستان لتحسين الوعي حول الإدارة الجمعية للأراضي المملوكة للدولة وإعادة تأهيلها. أدى توسيع نطاق هذه المبادرات المحلية إلى التكامل بين جدول أعمال حكومة راجاستان ومبادرة الأراضي المملوكة للدولة، وخصوصاً في عام 2019 من خلال توسيع كل من جهود إعادة التأهيل والتوظيف الريفي عبر الاستفادة من قانون ضمان العمالة الريفية الوطني المشرع سابقاً.
تعمل مؤسستا "التعاون من أجل المقاومة" و"الأمن البيئي" معاً لبناء نهج ممنهج لتعزيز المنصات المتعددة الجهات الفاعلة (MAPs) على نطاق واسع منذ عام 2014، بناءً على تجارب مثل تلك الموجودة في ولاية راجاستان. تعمل هذه المنصات كمساحات يلتقي فيها مختلف أصحاب المصلحة -بمن فيهم الوكالات الحكومية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص والمجتمعات المحلية وممثلو المجتمع المدني- لمناقشة تحديات الحوكمة المشتركة ومعالجتها. وباختصار، تهدف هذه المنصات إلى تعزيز التعلم المشترك والابتكار المشترك. مع التركيز في البداية على ابتكار الحوكمة على مستوى المناطق الفرعية أو "الكتل" كما تدعى في ريف الهند، وقد تعلمنا أن معالجة تحدٍّ معقد واسع النطاق مثل إعادة تأهيل الأراضي المملكة للدولة تتطلب العمل على العديد من المستويات بشكل متزامن، والربط بين المبادرات المحلية والجهات الفاعلة على مستوى المقاطعات والولايات وعلى المستوى الوطني. والتحدي الذي نواجهه الآن هو كيفية جعل هذا التقدم متعمداً على نحو أكبر لتوسيع نطاق التأثير.
الخطوات العملية من وجهة نظر الاقتصاد السياسي
في عام 2020، تم اختيار مبادرة الموارد العمومية الموعودة (Promise of Commons) من بين مبادرات عديدة أخرى من قبل كو – إمباكت (Co-Impact) لتفوز بمنحة تصميم مدتها 9 أشهر لرفع الطموح وتعزيز الحركة لتغيير الأنظمة. هذه المبادرة هي محاولة مستمرة لمساعدة المجتمعات القروية على تأمين الحقوق في الاستفادة من 30 مليون فدان من الأراضي وإدارتها على نحو جماعي، ما يؤدي إلى إدارة بيئية أكثر شمولاً وتحسين النتائج الاقتصادية لـ 38 مليون شخص. يعتمد الأمر بشكل أساسي على صياغة "تحالفات رابحة" -مثل شبكات مكونة من منظمات غير حكومية متنوعة، وأبطال في الحكومة، ونشطاء في مجال حقوق المرأة، وباحثين، وغيرهم ممن يعملون على مستويات متعددة- لتحديد العوائق المنهجية ومعالجتها من أجل تحسين إدارة الموارد الطبيعية المشتركة في الهند. إن هدفنا هو استخدام هذه التجارب لاستخلاص دروس أوسع حول كيفية بناء شبكات مستدامة من الممارسين ورجال الأعمال الاجتماعيين الذين يسعون لتحقيق تغيير دائم على مستوى الأنظمة في مسائل الإدارة البيئية، والانتقال من المستويات المحلية إلى مستويات الولايات والمستويات الوطنية.
ساعدت مؤسسة "التعاون من أجل المقاومة" فرق مؤسسة "الأمن البيئي" على تطوير برنامج لتحليل ديناميكيات السلطة والديناميكيات المؤسسية في نظامين للموارد -الغابات في أوديشا والمراعي في راجاستان، حيث تم تحقيق بعض النجاح في إعادة تأهيل الأراضي المملوكة للدولة- لاستكشاف إمكانات تحسين الحوكمة على نطاقات أكبر. في أوديشا، وجدنا أن التعقيد التشريعي والبيروقراطي، وتهميش النساء والمجموعات القبلية، والافتقار إلى المواءمة البيروقراطية، جميعها حدت من إدارة الموارد الشاملة والفعالة. بينما في راجاستان، علمنا أن السياسات والبرامج الداعمة لإدارة المراعي غالباً ما كانت تفشل في الوصول إلى مستوى المقاطعات الفرعية بسبب الافتقار إلى التقارب بين أولويات المجتمع والعمل الحكومي.
وفي كلتا الحالتين، لاحظنا أربعة عوائق عامة تحد من التغيير على مستوى الأنظمة:
- الافتقار إلى التعاون بين الجهات الفاعلة على مستوى الولاية ومستوى القرية والمستوى المحلي، ما إدى إلى تشتيت العاملين عن حل المشاكل والحد من قدرتهم على حل المشاكل عبر العمل الجمعي.
- ضعف القدرات والتخطيط الذي أدى إلى التنفيذ غير الصحيح لحلول كانت لتكون مفيدة وفعالة.
- الدعم المحدود من السلطات العامة وأهداف السياسات المغلوطة التي خلقت عقلية تنظر للأراضي المملوكة للدولة على أنها أراض قاحلة، ما تسبب في إبعاد الاستثمارات.
- الافتقار إلى تحمّل المسؤولية والامتثال الذي جعل التشريعات القائمة لدعم حماية واستعادة الأراضي المملوكة للدولة غير نافعة.
تم تمويل هذا البحث من قبل "برنامج البحث حول السياسات والمؤسسات والأسواق" (PIM) التابع لمؤسسة (CGIAR).
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.