
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الرابع من سلسلة "الحرب الثقافية على علوم المناخ" التي تحدثنا في الجزء الأول منها عن مدى ارتباط التغير المناخي بالقيم والمعتقدات والثقافات السائدة. وفي الجزء الثاني عن الجدل الثقافي حول التغير المناخي والاستنتاجات الحتمية المتعلقة بالجدل حول التغير المناخي. وفي الجزء الثالث عن أساليب لتخطّي عوامل الفرز العقائدية التي تدعم الجدل الاجتماعي حول التغير المناخي. وفي مقال اليوم سوف نتحدث عن كيفية إنهاء الجدال والحروب حول علم المناخ والوصول إلى التوافق الاجتماعي حول التغير المناخي.
إنهاء الحروب حول علم المناخ
هل سنرى توافقاً اجتماعياً حول التغير المناخي؟ إذا ترسّخت المعتقدات حول وجود ظاهرة الاحتباس الحراري على المستوى الفكري أكثر، واتسعت الفجوات بين المحافظين والليبراليين، فسينهار مجال التسوية لحل المشكلة، وسيُبنى الجدال على القوة والإكراه، في مثل هذا السيناريو، ستبدو هيمنة القوى العلمية أضعف من هيمنة القوى المشككة، لأن الأولى ملزَمة أن "تثبت" قضيتها، أما الثانية، فلا تحتاج إلا إلى إثارة الشكوك، لكن هذه النتيجة المنقسمة ليست نتيجةً محددةً سلفاً، وإذا أريدَ لها أن تتشكّل، فيمكن عكسها.
هل هناك سبب يدفعنا للتفاؤل؟ عندما أبحث عن أسباب للتفاؤل حول تحقيق توافق اجتماعي بشأن التغير المناخي، انظر إلى التغيرات في الرأي العام حول تدخين السجائر ومرض السرطان، فعلى مدى سنين؛ أدرك المجتمع العلمي أن معظم البيانات الوبائية والآلية أشارت إلى وجود صلة بين هذه العادة والمرض، ولسنوات، رفض العامة هذا الاستنتاج، لكن من خلال الخوض في جدل سياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني حول القيم والمعتقدات، نشأ توافق اجتماعي، فالعامة يتقبلون الآن أن السجائر تسبب السرطان، وقد وضعت الحكومات سياسة لمعالجة هذه المشكلة، ومن المثير للاهتمام، أننا تمكنا من هزيمة قوتين مؤثِّرتين في الجدل حول السجائر يراهما الكثيرون عقبتين أمام توافق اجتماعي مماثل حول التغير المناخي.
العقبات أمام التوافق الاجتماعي
كانت العقبة الأولى مجموعة الضغط القوية من القوى الصناعية القادرة على مقاومة التوافق الاجتماعي والسياسي؛ في حالة الجدل حول السجائر، شنت المصالح الاقتصادية القوية حملةً للتعتيم على الأدلة العلمية وعرقلة التوافق الاجتماعي والسياسي، ابتكرت شركات التبغ علماً مؤيداً للتبغ خاصاً بها، لكن في النهاية تغلّب مجتمع الصحة العامة على العلماء المؤيدين للتبغ.
وكانت العقبة الثانية أمام إقناع الجمهور المشكِّك هي الافتقار إلى بيان نهائي من المجتمع العلمي حول الآثار المستقبلية للتغير المناخي، أفاد تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" في عام 2007 أن "الأنشطة البشرية … تؤدي إلى تعديل تركيز مكونات الغلاف الجوي … التي تمتص أو تشتت الطاقة المشعة … ويرجَّح بشدة أن معظم ارتفاع درجات الحرارة الملحوظ خلال الخمسين عاماً الماضية كان ناتجاً عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة".
يشير البعض إلى كلمة "يرجَّح" ليحاجّوا بأن العلماء ما زالوا لا يعرفون، ويتصرفون دون مبرر، لكن العلم لا يهدف إلى توفير دليل دامغ. تذكَّر أن تقرير "الجرّاح العام" عام 1964 حول مخاطر التدخين كان شرطياً بالقدر نفسه، ولغاية اليوم، لا يمكننا التصريح بيقين علمي أن التدخين يسبب سرطان الرئة، فعلى غرار المناخ العالمي، يُعَدّ جسم الإنسان نظاماً شديد التعقيد فلا يمكن بلوغ اليقين المطلَق، بوسعنا أن نفسر من الناحية الوبائية سبب إصابة الشخص بالسرطان من تدخين السجائر، وإحصائياً كيف ترجَّح إصابة هذا الشخص بالسرطان، لكن كما يوضح تقرير "الجراح العام": لا تستطيع الوسائل الإحصائية إثبات وجود علاقة سببية في الارتباط (بين تدخين السجائر و سرطان الرئة)، الدلالة السببية للارتباط هي مسألة حكم يتخطّى أي تصريح بوجود احتمال إحصائي"، ومع ذلك، فإن عامة الناس يتقبلون الآن هذه العلاقة السببية.
العالم الأكاديمي العالم الاجتماعي
ما الذي سيساعدنا على تحقيق ذلك؟ على الرغم من الحاجة إلى وسطاء المناخ من جميع قطاعات المجتمع – من القطاعات الدينية والعسكرية والسياسة والأعمال التجارية، فإن قطاعاً واحداً بالذات لا بًدَّ أن تزيد مشارَكته: العالم الأكاديمي وخاصةً العالم الاجتماعي، إذ تهيمن العلوم الفيزيائية على معظم الجدل في التعريف بالمشكلة، ويهيمن خبراء الاقتصاد عليه في تحديد الحلول، يركز كلا المجالين بشدة على المعالَجات العقلانية والكمية للقضية، ويفشلان في استخلاص الجوانب السلوكية والثقافية التي تفسر سبب قبول الناس أو رفضهم للأدلة العلمية والتحليلات والاستنتاجات، لكن العلم ليس خاملاً اجتماعياً أو سياسياً أبداً، وعلى العلماء مهمتَي إدراك تأثيره في المجتمع، وإيصال هذا التأثير إلى المجتمع، ويمكن لعلماء الاجتماع المساعدة في هذا المسعى.
لكن الغياب النسبي للعلوم الاجتماعية في الجدل المناخي بفعل قيود هيكلية ومؤسسية محددة يوجه العمل البحثي بعيداً عن الأهمية التجريبية. يحصر علماء الاجتماع مشارَكتهم في مثل هذه الأنشطة "الخارجية"، بسبب المعايير الأساسية لما يُعتبَر بحثاً مشروعاً وقيِّماً، بالإضافة إلى أن الحوافز العلنية وهيكليات المكافآت داخل الأكاديمية، تبتعد عن مثل هذه المساعي، يعتمد التثبيت والترقية في المقام الأول على نشر مقالات في المجلات الأكاديمية من الدرجة الأولى، هذه هي علامة الجدارة والنجاح، لا يُشجَّع حتماً أي مجهود يُبذَل في أي مسعى آخر.
أصبح دور المثقف العام خياراً غامضاً ومحيّراً في العلوم الاجتماعية اليوم، علاوةً على ذلك، هو دور يصعب القيام به، فالقواعد الأكاديمية مبهمة ورد الفعل العام يمكن أن يكون مزعجاً. نتلقى أنا والعديد من زملائي دورياً رسائل بريد إلكتروني عدوانيةً وهجمات على شبكة الإنترنت، لكن نقص العلماء الأكاديميين في الجدل العام يضر المجتمع من خلال استبعاد الأصوات الناقدة لإثراء الجدل المناخي وحسمه، ومع ذلك، توجد علامات على أن هذا النموذج من العزلة العلمية آخذ في التغير، بدأ بعض القادة في هذا المجال بالدعوة إلى مزيد من المشارَكة في المجالات العامة كوسيلة لتنشيط الاختصاص والتشديد على استثماره في الدفاع عن المجتمع المدني، بصفتهم أعضاءً في المجتمع، يتحمل جميع العلماء مسؤولية جعل خبراتهم جزءاً من عملية صنع القرار. لقد حان وقت تقبُّل علماء الاجتماع لهذه المسؤولية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.