
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثالث من سلسلة "الحرب الثقافية على علوم المناخ" التي تحدثنا في الجزء الأول منها عن مدى ارتباط التغير المناخي بالقيم والمعتقدات والثقافات السائدة. وفي الجزء الثاني عن الجدل الثقافي حول التغير المناخي والاستنتاجات الحتمية المتعلقة بالجدل حول التغير المناخي. واليوم في هذا المقال نتحدث عن أساليب لتخطّي عوامل الفرز العقائدية التي تدعم الجدل الاجتماعي حول التغير المناخي، والنماذج المحتملة للمضي قدماً في موضوع التغير المناخي وكيفية تحقيق توافق اجتماعي حول التغير المناخي.
ثلاثة سبل للمضي قدماً
إذا لم يعد الجدل العام حول التغير المناخي يدور حول الغازات الدفيئة والنماذج المناخية، وأصبح يدور حول المبادئ ووجهات النظر للعالم والمعتَقدات، فما المنحى الذي سيتخذه هذا الصراع بين المعتَقدات؟ أرى ثلاثة نماذج محتمَلة.
النموذج المتفائل:
هو النموذج الذي لا يضطر فيه الناس إلى تغيير مبادئهم على الإطلاق. بعبارة أخرى، إن أسهل طريقة للقضاء على المشكلات الشائعة لتغير المناخ هي إيجاد حلول تقنية لا تتطلب إجراء تغييرات جذرية في قيمنا أو رؤيتنا للعالم أو سلوكنا: الطاقة المتجدِّدة الخالية من الكربون، وتقنيات احتجاز الكربون وعزله، والهندسة الجيولوجية وغيرها.
يرى البعض هذه الحلول مستقبلاً غير واقعي، على حين يرى آخرون أنها السبيل الوحيد للمضي قدماً، لأن الناس يصبحون متعلِّقين بمستوى الرفاهية الذي يعيشونه، ويرون أنه من حقهم الحفاظ على هذا المستوى، ولن يقبلوا القيود أو يدعموا مساعي الحكومة في فرض القيود، لذا يصبح الاستثمار الذي تقوده الحكومة في مصادر الطاقة البديلة مقبولاً أكثر من سن القوانين وفرض الضرائب لتخفيض استخدام الوقود الأحفوري.
النموذج المتشائم:
هو النموذج الذي يتنازع فيه الناس لحماية مبادئهم. سيكون الانقسام في المنطق هو أكثر عاقبة وخيمة تنتج عن هذا النموذج، حيث تناقش الأطراف المتنازعة قضايا مختلفة، وتبحث فقط عن المعلومات التي تدعم موقفها وتنفي موقف الآخرين، وحتى تتمادى أكثر من ذلك وتشوّه سمعة الطرف الآخر. يصف روجر بيلك، عالم البيئة من جامعة "كولورادو بولدر" (University of Colorado, Boulder)، أقصى درجات الانقسام المماثِلة في كتابه "الوسيط النزيه: منح معنى للعلم في السياسة والسياسات" (Making Sense of Science in Policy and Politics) بأنها "سياسة الإجهاض"، حيث يناقش الطرفان قضايا مختلفة تماماً ولن تستطيع أي كمية من المعلومات العلمية التوفيق بين المبادئ المختلفة".
لنأخذ، على سبيل المثال، قرار مؤسَّسة "هارتلاند إنستيتيوت" في نشر لوحة إعلانية في شيكاغو تقارن الذين يؤمنون بالتغير المناخي مع "مفجِّر الجامعات وشركات الطيران" (Unabomber) (الذي كان يصنع القنابل ويفجرها لإيصال أفكاره المعادية للتقدم التكنولوجي)، ورداً على ذلك، نشرت مجموعات من الناشطين في مجال المناخ لوحات إعلانية تهاجم "هارتلاند" ومموّليها. إن استراتيجية الهجوم والهجوم المضاد هذه هي أحد مظاهر الخطاب العام غير الصالح حول التغير المناخي.
النموذج المبني على توافق الآراء:
الذي يتضمَّن جدلاً مجتمعياً منطقياً، يركز على كامل مجال الأبعاد التقنية والاجتماعية للمشكلة، وجدوى عدة حلول ومدى استحسانها.
هذا هو النموذج الذي يمكن للعلماء تقديم أقصى ما في وسعهم فيه، من خلال تأديتهم للدور الذي يطلق عليه روجر اسم "الوسيط النزيه"، وهو الشخص الذي يمكنه "دمج المعرفة العلمية مع اعتبارات أصحاب المصلحة للبحث عن نُهُج عمل بديلة يمكن اتباعها"، يُعثَر على التسوية هنا من خلال التركيز على عناصرها الأساسية، والابتعاد عن المواقف (مثلاً، هل يحدث التغير المناخي فعلاً أم لا؟)، والاتجاه نحو الاهتمامات والقيم الأساسية المؤثِّرة، كيف نحقق ذلك؟ يوفِّر لنا إجراء أبحاث عن التفاوض وتسوية النزاعات أساليب للتقدُّم.
أساليب لإدارة نقاش مبنيٍّ على التوافق
عند السعي إلى تحقيق توافق اجتماعي حول التغير المناخي، يجب أن يتخطّى النقاش التركيز الصارم على الجوانب التقنية للعلم، ويشمل ركائزه الثقافية. سنذكر لكم ثمانية أساليب لتخطّي عوامل الفرز العقائدية التي تدعم الجدل الاجتماعي حول التغير المناخي.
اعرف جمهورك:
يجب صياغة أي رسالة عن التغير المناخي بأسلوب يتناسب مع المعايير الثقافية للجمهور المستهدَف. قسَّمت دراسة في عام 2011 بعنوان "التغير المناخي في العقلية الأميركية" الشعب الأميركي إلى ست مجموعات بناءً على آرائهم حول علم التغير المناخي. يُستبعَد أن يكون النقاش المبنيّ على التوافق متاحاً لأكثر المجموعات تناقضاً؛ وهي مجموعتَا "المذعورون" و"الرافضون" للتغير المناخي، لأنهما تعملان أصلاً وفق تكتيكات انقسام المنطق المنغلقة عن الجدال أو المشاركة. إن تناقض هاتين المجموعتَين لا يخفى على أحد: فمن ناحية، يُعَدّ التغير المناخي خدعةً، وليس للبشر أي تأثير على المناخ، ومن ناحية أخرى، يُعَدّ التغير المناخي كارثة محدقة ستدمر الأرض، والنشاط البشري هو سبب جميع التغيرات المناخية.
يكمن التحدي في إبعاد الأقليات الصاخبة المتطرِّفة عن الجدل، وإشراك الأغلبية بينها، وهم "المهتمون"، و"الحذرون"، و"المنفصلون"، و"المشكِّكون"؛ الأفراد في هذه المجموعات أكثر انفتاحاً على النقاش المبنيّ على التوافق، ويمكن فصلهم عن التطرف الفكري لمجتمعهم الثقافي من خلال المشارَكة المباشرة.
اطرح الأسئلة العلمية الصحيحة:
لإجراء نقاش مبني على التوافق؛ يجب ألا يطرح علم التغير المناخي سؤالاً إجابته نعم أو لا فقط، بل يطرح سلسلة من ستة أسئلة؛ قسم منها علمي بطبيعته، مع ما يصاحبه من مستويات من الارتياب والاحتمالية، والقسم الآخر من قضايا الحكم العلمي.
* هل تتزايد تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي؟ نعم. هذا سؤال علمي مبني على بيانات وقياسات دقيقة لكيمياء وعلوم الغلاف الجوي.
* هل تؤدي هذه الزيادة إلى ارتفاع عام في درجة حرارة الأرض؟ نعم. هذا أيضاً سؤال علمي، الآليات الكيميائية لتأثير الغازات الدفيئة و"التأثير الإشعاعي السلبي" ثابتة.
* هل تغير المناخ خلال القرن الماضي؟ نعم. قيسَ الارتفاع في درجات الحرارة العالمية بدقة باستخدام عدة تقنيات، ودعمتها العديد من التحليلات العلمية بقوة، وكما كتب ويليام نوردهاوس، عالِم الاقتصاد في "جامعة ييل" (Yale University)،في إصدار 12 مارس/آذار من عام 2012 في صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times): "إن استنتاج أن درجات الحرارة العالمية استمرت في الارتفاع على مدى القرن الماضي، من أقوى الاستنتاجات في علم المناخ وإحصائياته".
* هل البشر مسؤولون جزئياً عن هذا الارتفاع؟ إن الإجابة عن هذا السؤال هي حكم علمي؛ ترتبط الارتفاعات في درجات الحرارة العالمية ارتباطاً وثيقاً بارتفاع الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري منذ الثورة الصناعية. على الرغم من أن العلم لا يستطيع تأكيد العلاقة السببية، فقد دُرِسَت تحليلات بصمات العديد من الأسباب المحتمَلة، والتفسير الوحيد المعقول هو تغيرات درجة الحرارة الناتجة عن النشاط البشري؛ لذا سيسود هذا التفسير في المجتمع العلمي حتى تُقدَّم فرضية بديلة معقولة.
* هل سيستمر المناخ في التغير خلال القرن القادم؟ مجدداً؛ هذا السؤال هو مسألة حكم علمي؛ لكن بأخذ الإجابات عن الأسئلة الأربعة السابقة بالاعتبار، فمن المنطقي الاعتقاد بأن استمرار الارتفاع في الغازات الدفيئة سيؤدي إلى استمرار حدوث التغيرات في المناخ.
* ما الأثر البيئي والاجتماعي لمثل هذا التغيير؟ هذا هو أكثر سؤال علمي غير متيقَّن من إجابته، حيث تتألف الإجابة من منحنى جرس (منحنى يدل على مفهوم التوزيع الاحتمالي الطبيعي) للنتائج المحتمَلة والاحتمالات المرتبطة المتفاوتة من الأثر البسيط إلى الأثر الشديد. يرجع عدم اليقين في هذا التفاوت إلى محدودية البيانات الحالية عن نظام مناخ الأرض، والنمذجة المنقوصة لهذه العمليات الفيزيائية، وعدم القدرة على التنبؤ بالأفعال البشرية التي إما تؤدي إلى تفاقم التحولات المناخية أو تحدّ منها. تصعِّب هذه الشكوك التوقعات، وهي المجال الذي يدور معظم الجدل حوله، مع ذلك، أصبحت الآثار المادية للتغير المناخي ملموسةً فعلاً بنحو تتفق فيه مع النمذجة العلمية، خاصةً في جرينلاند والمنطقة القطبية الشمالية والمنطقة القطبية الجنوبية والجزر المنخفضة.
يكون الاعتبار الرئيسي عند طرح هذه الأسئلة فيما إذا كان الناس يدركون درجة التوافق العلمي المقترن بكل سؤال. في الواقع؛ أظهرت الدراسات أن دعم الناس لسياسات المناخ وإجراءاته مرتبط بانطباعهم عن الاتفاق العلمي، ومع ذلك، فإن الاعتقاد السائد بأن "معظم العلماء يعتقدون أن الاحتباس الحراري يحدث بالفعل" انخفض بين الأميركيين من 47% إلى 39% بين عامي 2008 و2011.
تجاوز البيانات والنماذج:
الارتياب من قضية المناخ ليس قضية قلّة معرفة. لاحظ كل من آرون مَكرايت، عالم الاجتماع في جامعة "ميشيغان" (Michigan State University)، ورايلي دنلاب، عالم الاجتماع في جامعة "أوكلاهوما" (Oklahoma State University)، أن زيادة التعليم والفهم الذاتي لعلوم المناخ قد ثبت أنهما يرتبطان بتدنّي الاهتمام بين المحافظين والجمهوريين وزيادة الاهتمام بين الليبراليين والديمقراطيين، كما وجدت الأبحاث، أنه بمجرِّد أن يتخذ الناس قرارهم حول العلم في قضية المناخ، فإن تقديم أدلة علمية على نحو متواصل يجعلهم أكثر إصراراً على مقاومة الاستنتاجات التي تتعارض مع معتقداتهم الثقافية. على المرء إدراك أن الاستنتاج تغمره العاطفة، ويستخدمه الناس غالباً للوصول إلى نهاية محددة سلفاً تناسب منظورهم الثقافي للعالم. عندما يسمع الناس عن التغير المناخي، قد يسمعون، مثلاً، انتقاداً مضمَراً بأن أسلوب حياتهم هو سبب المشكلة، أو أنهم يفتقرون إلى الأخلاق لعدم إدراكهم لها لكن قد تكون العاطفة حليفاً مفيداً؛ إذ يمكن أن تخلق الالتزامات الدائمة اللازمة لمواصلة العمل على حل قضية التغير المناخي الشائكة. لتحقيق ذلك؛ يجب أن يقتنع الناس بأنه يمكن عمل شيء لحل هذه القضية، وأن التحدي ليس ضخماً جداً وآثاره ليست قدراً لا مهرب من حدوثه، إن مفتاح إشراك الناس في جدل حول التغير المناخي يقوده التوافق هو مواجهة الانفعالات في هذه القضية، ثم معالجة القيم الفكرية الأعمق التي قد تكون مهدَّدةً لتوليد هذا الانفعال.
ركز على الصيغ الوسيطة:
يفسِّر الأشخاص المعلومات من خلال جعلها تلائم روايات مسبقةً أو إصدار فئات تتداخل مع رؤيتهم للعالم، لذا يجب تقديم المعلومات بأسلوب يناسب تلك القوالب؛ باستخدام استعارات وتلميحات وأمثلة دُرسَت بدقة، تحفز على التفكير بطريقة جديدة في الجدوى الشخصية للتغير المناخي؛ لكي يكون التواصل فعالاً؛ يجب أن يستخدم المتحدثون في مجال المناخ لغة المجتمع الثقافي الذي يدعونه للمشارَكة، فمثلاً لمخاطَبة جمهور رجال الأعمال يجب على المرء استخدام مصطلحات الأعمال؛ مثل صافي القيمة الحالية، والعائد على الاستثمار، وزيادة طلب المستهلك، وارتفاع تكاليف المواد الخام.
بصورة أعم، يبحث المرء عن الصيغ الوسيطة المحتمَلة التي تبتعد عن الدعوة المتشائمة إلى الخوف، وتركز بدلاً عن ذلك على الدعوات المتفائلة التي تثير الرغبة بالمستقبِل المنشود. عندما نتناول قضية التغير المناخي، نطرح أسئلة منها: ما الذي نسعى جاهدين لنكون عليه كأشخاص، وما هو العالم الذي نريد أن يرثه أطفالنا، لكسب التأييد. على المرء أن يبرز البراعة الأميركية وقدرتنا على الابتكار، مع التركيز على الأنشطة قيد التنفيذ أصلاً التي تمارسها المدن والمواطنون والشركات.
يضع هذا النهج الحدّ من التغير المناخي ضمن إطار المكسب وليس الخسارة بالنسبة لبعض المجموعات الثقافية. أظهرت الأبحاث أن الارتياب من قضية المناخ قد ينتج عن نزعة محفِّزة للدفاع عن الوضع الراهن بناءً على افتراض مسبَق بأن أي تغيير سيكون مؤلماً، لكن من خلال تشجيع الناس على اعتبار التغيير الذي يصب في مصلحة البيئة أمراً وطنياً يتوافق مع حماية الوضع الراهن، يمكن اعتباره امتداداً للماضي وليس خروجاً عنه.
يمكن استخدام صيغ وسيطة محدَّدة تعمل على إشراك مصالح طرفي الجدل، على سبيل المثال، عندما أشار ستيفن تشو، وزير الطاقة الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2010، إلى التقدم في تكنولوجيا الطاقة المتجدِّدة في الصين على أنه بمثابة "موقف سبوتنك" للولايات المتحدة (هو النقطة التي يدرك الناس فيها بأنهم مهدَّدون من منافسيهم وعليهم مضاعفة جهودهم لردم فجوة تأخرهم)، كان يصوّر التغير المناخي بأنه تهديد مشترَك لقدرة الولايات المتحدة التنافسية العلمية والاقتصادية، وعندما ربط البابا بنديكت السادس عشر (Pope Benedict XVI) خطر التغير المناخي بتهديدات على الحياة والكرامة في يوم رأس السنة الجديدة في 2010، كان يمنح القضية طابعاً أخلاقياً ودينياً، وعندما وصف المجلس الاستشاري العسكري لـ "مركز التحليلات البحرية" (سي إن أيه) (CNA)، وهو مجموعة من نخبة الضباط العسكريين المتقاعدين الأميركيين، التغير المناخي بأنه "تهديد مضاعف" في تقريره لعام 2006، كان يضعه ضمن إطار الأمن القومي، وكما أعلن مجلس مجلة "لانسيت" في مقال أصدره في عام 2009 أن التغير المناخي هو أكبر تهديد صحي عالمي في القرن 21، كانت المؤسَّسة تضعه ضمن إطار جودة الحياة، وعندما ربط "مركز التقدم الأميركي" (Center for American Progress)، وهو مركز تفكير تقدمي في العاصمة واشنطن، التغير المناخي بمبادئ الحفاظ على الطبيعة التي وضعها الرئيسان ثيودور روزفلت وريتشارد نيكسون، كانوا يصوغون القضية بما يتماشى مع المبادئ الجمهورية.
إن الصياغة الوسيطة التي تستحق أن نوليها اهتماماً خاصاً هي استبدال الشك أو احتمالية التغير المناخي بمخاطره، إن الأشخاص يدركون الأحداث التي تكون احتمالية حدوثها منخفضة لكن عواقبها وخيمة، ويفهمون الحاجة إلى معالجتها، على سبيل المثال، يشترك الناس في تأمين منازلهم ضد الحرائق على الرغم من أن احتمالية نشوب حريق منخفضة، لأنهم يدركون أن العواقب المالية في حال تحقق هذه الاحتمالية مكلفة جداً، وعلى نحو مماثل، قد يعتبر البعض التغير المناخي حدثاً خطره ضئيل لكن عاقبة وقوعه وخيمة، وبالتالي، فإن النهج الحكيم للعمل هو الحصول على تأمين في شكل التغيير السلوكي والتكنولوجي.
أدرك قوة اللغة والمصطلحات:
تتعدد معاني الكلمات باختلاف المجتمَعات، وقد تثير المصطلحات ردود فعل غير مقصودة لدى الجمهور المستهدَف، فمثلاً، أظهرت إحدى الدراسات أن نسبة الجمهوريين الذين يعتقدون أن هذه الظاهرة حقيقية كانت تنخفض عندما يُشار إليها باسم "الاحتباس الحراري" فتبلغ 44%، بدلاً من مصطلح "التغير المناخي" حيث ترتفع لتبلغ 60%. لكن المصطلح لم يؤثّر على رأي الديمقراطيين حيث كانت النسبة متقاربةً عند ذكر المصطلحَين (87% مقابِل 86%)؛ إذاً فإن اللغة مهمة: الانقسام الحزبي انخفض من نسبة 43% عند استخدام الصياغة "الاحتباس الحراري" إلى 26% عند استخدام الصياغة "التغير المناخي".
من بين المصطلحات الأخرى ذات المعاني المتعدّدة "منكِر التغير المناخي"، الذي يستخدمه البعض للإشارة إلى الأشخاص الذين يرفضون النقاش في هذه القضية، على حين يراه آخرون أنه يكاد يكون إهانة مبطَّنة ومهينة للغاية بمقارنتها مع مصطلح"منكِر الهولوكوست". مفهوم "حالة عدم اليقين" هو مفهوم علمي للتعبير عن التباين أو الحياد عن قيمة معينة، لكن عامة الناس تفسّره بأن العلماء لا يعرفون الإجابة، أما "الوفاق"، فهو العملية التي تكوّن بها "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" – (آي بي سي سي) (Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC) موقفها، لكن المصطلح يجعل بعض أفراد الشعب يعتقدون أن علم المناخ هو مسألة «رأي» وليس بيانات ونمذجة.
بشكل عام، يصبح التحدي متمثِّلاً بصياغة القضايا العلمية المعقَّدة بلغة يمكن لجمهور العامة والمسيَّس لدرجة كبيرة استيعابها. يزداد هذا الأمر صعوبةً عندما نتناول بعض الجوانب المعقَّدة وغير البديهية بطبيعتها للنمذجة المناخية التي يصعب شرحها، مثل أهمية حلقات ردود الفعل، والتأخيرات الزمنية، والتراكمات، واللاخطية في الأنظمة الديناميكية، ما لم يتمكن العلماء من التعبير عن طبيعة نمذجة المناخ بدقة، فسيبدّل آخرون من أطراف الجدل الاجتماعي ادعاءاتهم لتتماشى مع مفاهيمهم الثقافية أو المعرفية، أو ترضي مصالحهم السياسية.
استعن بوسطاء المناخ:
يميل الناس إلى أن يكونوا أكثر انفتاحاً على النظر في الأدلة عندما يقدِّمها عضو معترَف به من مجتمعهم الثقافي، فبالتأكيد ستثير تصريحات نائب الرئيس السابق آل غور والسيناتور جيمس إنهوف ردوداً عميقة من الأفراد من كلا جانبي الانقسام الحزبي، لكن الأفراد الذين يصفهم طرفي الجدال بالمصداقية يمكن أن يقوموا بمهمّة ما أدعوه وسطاء المناخ، ولأن معظم الجمهوريين لا يؤمنون بعلم التغير المناخي، في حين أن معظم الديمقراطيين يؤمنون به، فإن الوسيط الأكثر فاعلية سيكون من اليمين السياسي، يمكن لوسطاء المناخ أن يكونوا ممثِّلين عن عالم الأعمال، والمجتمع الديني، وصناعة الترفيه، والجيش، ومقدِّمي البرامج الحوارية، والسياسيين الذين يمكنهم صياغة التغير المناخي بلغة تشرِك الجمهور المرتبط بهم مباشرةً، فمثلاً، عندما يسمع الناس عن الحاجة إلى طرح قضية التغير المناخي من كنيستهم أو كنيسهم أو مسجدهم أو معبدهم، سيربطون القضية بقيمهم الأخلاقية، وعندما يسمعون عنها من قادة أعمالهم ومدراء استثمارهم، سيربطونها بمصالحهم الاقتصادية، وعندما يسمعون عنها من قادتهم العسكريين، سيربطونها بمصلحتهم في العيش بدولة آمنة وسالمة.
تعرَّف على عدّة مجموعات مرجعية:
يمكن تصميم أسلوب عرض المعلومات على نحو ندرك فيه أن الأفراد هم أعضاء في عدة مجموعات مرجعية، قد تتعارض أساليب الصياغة الأساسية المستخدَمة في أحد المجتمعات الثقافية مع القيم السائدة ضمن المجتمعات المشارَكة في الجدل حول التغير المناخي، فمثلاً، على الرغم من أن البعض قد يرفض علم التغير المناخي من خلال إدراك أن عملية المراجعة العلمية فاسدة بصفتهم جزءاً من أحد المجتمعات الثقافية،فقد يقرّوا أيضاً بشرعية العملية العلمية بصفتهم أعضاءً في مجتمعات ثقافية أخرى (مثل مستخدمي نظام الرعاية الصحية الحديث)، فعلى الرغم من أن شخصاً بصفته فرداً من مجتمع ما قد يرى أن تكاليف تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري باهظة جداً ويُحتمَل أن تكون مضرّةً بالاقتصاد، فقد يرون أيضاً أهمية تخفيض الاعتماد على النفط المستورَد بصفتهم أعضاءً في مجتمع آخر يقدِّر الدفاع الوطني المنيع. ظهر هذا التناقض في الأُطر في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة في عام 2011؛ حيث حذّر المرشَّح جون هانتسمان من أن الجمهوريين يخاطرون بأن يصبحوا "الحزب المناهِض للعلم" إذا استمروا في رفض العلم المرتبط بالتغير المناخي. ما أشار إليه جون هو أن معظم الأميركيين يثقون فعلاً في العملية العلمية،حتى لو لم يفهموها كلياً. (وجد تقرير مؤسَّسة "العلوم الوطنية" الذي أُصدر في عام 2004 أن ثلثي الشعب الأميركي لا يفهمون العملية العلمية بوضوح).
اجعل من الأحداث دافعاً للتغيير:
وجدت الدراسات أن معظم الأميركيين يعتقدون أن التغير المناخي سيؤثر في الأشخاص والأماكن البعيدة جغرافياً وزمنياً، لكن الدراسات أظهرت أيضاً أن الأشخاص الذين مروا بتجارب في ظواهر مناخية عنيفة، يميلون أكثر إلى الإيمان بالعلم؛ لذا قاد هذا المتحدّثون في قضية المناخ إلى ربط التغير المناخي بالأحداث الكبرى، مثل إعصار "كاترينا"، أو بالفيضانات التي أصابت الغرب الأوسط الأميركي وآسيا، وحالات الجفاف في تكساس وإفريقيا، والأعاصير على طول الساحل الشرقي وخليج المكسيك، والعواصف الثلجية في الولايات الغربية ونيو إنجلاند.
ستزيد المجموعة الإجمالية من الأدلة المناخية، التي أبلغت عنها وسائل الإعلام والمرتبطة بالتغير المناخي، عدد الأشخاص المهتمين بهذه القضية، وسيرونها أقل غموضاً، وستزيد ثقتهم في وجوب اتخاذ إجراءات للحدّ من آثارها، على سبيل المثال، في تفسيره زيادة نسبة الإيمان بالتغير المناخي بين الأميركيين، أشار الاستقصاء الوطني في عام 2012 إلى الرأي العام الأميركي في التغير المناخي إلى التالي: "يشير حوالي نصف الأميركيين إلى ملاحظات التغيرات في درجات الحرارة والطقس باعتبارها الأسباب الرئيسية التي جعلتهم يعتقدون أن الاحتباس الحراري يحدث بالفعل".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.