
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "التشريع من أجل العدالة المناخية يبدأ من الاستماع" التي تحدثنا في جزئها الأول عن أهمية قانون المناخ والوظائف العادلة في ولاية إلينوي الأميركية، وسنوضح في هذا الجزء كيف أثرت جلسات الاستماع في وضع أحكام هذا القانون.
أحكام قانون (CEJA) الأكثر ابتكاراً جاءت من جلسات الاستماع
كان خلق فرص العمل من أهم مواضيع المناقشة في هذه الجلسات؛ إذ سمع المنظمون أن الناس في المجتمعات المنخفضة الدخل لا يريدون استثمارات جديدة من شأنها إضافة وظائف منخفضة الأجر بينما تبقى فرص بناء الثروة الحقيقية محتكرة بين قلة محظوظة من الأشخاص. فقد تم ببساطة استبعاد مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة ومجتمعات العدالة البيئية والمجتمعات المنخفضة الدخل في ولاية إلينوي الأميركية من الفرص الاقتصادية لفترة طويلة جداً. وأرادت هذه المجتمعات أن يتم التمتع بفوائد اقتصاد الطاقة النظيفة بشكل منصف، وهذا لا يعني فقط خلق الوظائف التي تقدم أجوراً تدعم رعاية الأسرة، إنما توفير فرص حقيقية لامتلاك الأفراد للأعمال التجارية في مجتمعاتهم وتنميتها.
كان افتقار الوصول إلى رأس المال من أهم العوائق أمام خلق الثروة التي تم تحديدها خلال جلسات الاستماع، ولتلبية هذه الحاجة، اقترح المشاركون إنشاء بنك غير ربحي يدعم الطاقة الخضراء لتوفير رأس المال منخفض التكلفة لمشاريع الطاقة النظيفة التي يقودها أشخاص من أصحاب البشرة الملونة وبرنامج منح يهدف إلى توفير رأس المال الأولي لتكاليف تطوير المشروع الأولية. ومن الأفكار الأخرى التي تولدت في إحدة جلسات الاستماع أن البرامج يجب أن تساعد الأشخاص ذوي الدخل المنخفض من أصحاب البشرة الملونة على بدء أعمال الطاقة النظيفة الخاصة بهم وتشغيلها، وهكذا ولدت فكرة "حاضنة المقاولين" للطاقة النظيفة.
تم تضمين كل من فكرتي البنك الأخضر وحاضنة المقاولين في نصّ القانون، فبموجب قانون (CEJA)، ستوفر حاضنات المقاولين التدريب والخدمات الضرورية لإطلاق العمل التجاري وتشغيله، مثل تقديم ملفات التأسيس. وسيساعد هذا البرنامج على إطلاق المشاريع الجديدة التي تعمل على الطاقة الشمسية وكفاءة الطاقة وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية والأعمال ذات الصلة ضمن المجتمعات المحرومة في جميع أنحاء الولاية. بالإضافة إلى برنامج مشابه، وهو مسرّع المقاولين الرئيس، الذي سيوفر خدمات لشركات الطاقة النظيفة الصغيرة القائمة التي يمتلكها أشخاص من أصحاب البشرة الملونة، أو توظف عدداً كبيراً منهم.
وقد أشار جون ديلوري، كبير مدراء الغرب الأوسط لمؤسسة "فوت سولار" (Vote Solar)، إلى امتلاك العديد من الولايات برامج لتنمية القوى العاملة في مجال الطاقة النظيفة، لكن هذه الشبكة من حاضنات ومسرعات الطاقة النظيفة هي سياسة جديدة كلياً تم تطويرها في جلسات الاستماع.
وسمع المنظمون مراراً وتكراراً بالكثير من العوائق التي تحول دون مشاركة الأشخاص المؤهلين على الرغم من أن برنامج سولار فور أول الذي أقره قانون (FEJA) يقدم تدريبات وظيفية، وغالباً لم يكن لدى هؤلاء الأشخاص المؤهلين أي فكرة عن وجود البرنامج. ويقول القس مايك آتي، المدير التنفيذي لمؤسسة التجمعات المتحدة في منطقة ميترو إيست (United Congregations of Metro East)، الذي نظم جلسات الاستماع في منطقة إيست سانت لويس: "إن الأشياء التي كانت موعودة لم تشق طريقها قطّ إلى جنوب الولاية، وخاصة التدريب على تركيب الطاقة الشمسية، لذا كنا بحاجة إلى تغيير التشريعات المستقبلية".
وفق قانون (CEJA)، يتم تخصيص 26 مليون دولار سنوياً لثلاثة عشر مركزاً للقوى العاملة، توفر التدريب على المهارات التي يتطلبها اقتصاد الطاقة النظيفة مع تلبية الاحتياجات الأخرى مثل رعاية الأطفال أو النقل أو ملابس العمل والأدوات، التي كانت ستشكل لولا ذلك عوائق أمام النجاح.
أما في المناطق ذات الطبيعة الريفية الأكثر، فسمع المُيسرون تخوفات بشأن فقدان الوظائف. فما الذي سيحدث للعائلات والأحياء عندما تغلق محطة الطاقة المحلية ويفقد العمال وظائفهم؟ لكن الميسرين سمعوا أيضاً أفكاراً لتحويل المواقع الملوثة إلى مراكز للفرص التي تم دمجها في مشروع القانون مثل "قانون حقوق العمال" للعمال الذين فقدوا أعمالهم، وتوفير الحوافز لمحطات الفحم للاستثمار في الطاقة الشمسية في الموقع لخلق فرص عمل، ومنح ملايين الدولارات في شكل منح لدعم المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية.
بعد جولة أولية من جلسات الاستماع على مدار عام تقريباً، تمت مشاركة مدخلات الآلاف من المشاركين مع لجنة الصياغة التابعة لتحالف الوظائف النظيفة. ومن دون هذه الجلسات الأولية، لم يكن من الممكن تصوّر أو وضع العديد من أحكام مشروع القانون التي أحدثت الفروقات. لكن جلسات الاستماع لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد وضع مسودة القانون الأولية، تم عقد جولتين أخريين من جلسات الاستماع لجمع التعليقات والآراء والتوعية حول مسودة القانون.
العملية المدروسة تقود إلى الإقرار
أدت الاجتماعات الإضافية هذه في قاعات المدن إلى بناء قاعدة دعم شعبية مُحفزة؛ نظراً لأن أفراد هذه المجتمعات اضطلعوا بدور مباشر في وضع هذه السياسات، ولأنهم فهموا بوضوح الفوائد التي سيحققها قانون (CEJA) في حياتهم اليومية، لذا كانوا متحمسين للغاية ومستعدين للحضور في أيام الضغط أو إرسال ممثلين عنهم. وعلى الجانب الآخر، عندما ناقش دعاة حماية البيئة مشروع القانون في عاصمة الولاية، كان بإمكانهم بثقة وصدق الإشارة إلى الدعم المجتمعي لمشروع القانون.
وقد أوفى تحالف الوظائف النظيفة بوعوده من خلال توضيح أنه لن يساوم أبداً على بنود المساواة أو خلق الوظائف المناسبة للدعم الأسري لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، كما أن دمج أحكام الإنصاف في كل جانب من جوانب قانون (CEJA) ساعد على الاحتفاظ بهذه البنود في نص التشريع النهائي. وهذا عزز الثقة بين المؤسسات البيئية العامة ومؤسسات العدالة الاجتماعية والمجتمعات التي يقودها أفراد من أصحاب البشرة الداكنة أو السكان الأصليين أو أصحاب البشرة الملونة. ومع دخول مشروع القانون في أصعب مفاوضاته، كان زعيم العدالة البيئية الذي يمثل كل مجموعة من تلك المجموعات حاضراً بشكل دائم.
وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد ثلاثة أعوام من التنظيم وأشهر من المفاوضات، أقر المجلس التشريعي لولاية إلينوي قانون المناخ والوظائف العادلة بأغلبية ساحقة ووقّعه الحاكم بريتزكر بعد أيام قليلة من إقراره.
الدروس الأساسية المستفادة للدعاة والممولين
يجب أن يتعلم دعاة المناخ والممولون درسين أساسيين من تجربة ولاية إلينوي:
أولاً، يجب على دعاة المناخ بناء شراكات مع المؤسسات المجتمعية ومجتمعات العدالة البيئية قبل صياغة أي سياسات مناخ أو طاقة جديدة -يجب أن يبدأ الاستماع قبل كتابة مسودات السياسات. ونظراً لأن معظم الدول تضم مجتمعات مختلفة اختلافاً كبيراً من حيث الدخل أو العرق أو الأصول أو القيم الثقافية. يمكن أن يكشف الاستماع الصادق عن الاحتياجات أو الاهتمامات الفريدة لكل مجتمع قبل طرح فكرة التشريع.
إن جمع الأفكار حول كيف يمكن لسياسات المناخ تحسين حياة الناس اليومية على أفضل وجه، ثم دمج أحكام السياسة هذه في نص القانون، يبني قاعدة القبول لدى مختلف الفئات السكانية.
لن تكون سياسات المناخ فعالة إلا إذا أمكن تنفيذها على المدى الطويل مع قاعدة دعم مجتمعية مخلصة. وإن الرجوع إلى المجتمعات أو القادة من أصحاب البشرة الملونة أو أصحاب البشرة الداكنة أو السكان الأصليين بعد كتابة مشروع القانون -عندما يكون من الواضح أنهم يشاركون فقط للحصول على أصوات لإقرار القانون- يقلل من قيمة الأفراد ويقوض الثقة والتنظيم الشعبي الضروري لسياسة المناخ التحويلية.
وكما يوضح أندريه جيمينيز، المدير التنفيذي لمؤسسة "غرين 2.0" (Green 2.0): "يحتاج [دعاة المناخ] إلى المساهمة والمشاركة الصادقة. لا يمكنك بناء قاعدة دعم لمشروع قانون بسرعة. ويُمكن للمجتمعات أن تعرف بوضوح متى تكون مشاركتهم حقيقية". وعلى الرغم من أن دعاة المناخ يتصرفون بشعور من العجلة والإلحاح، فإن تخصيص وقت للاستثمار في الاستماع وبناء الثقة في البداية وطوال عملية وضع السياسة سيضمن مشروع قانون مرناً ضد هجوم ركائز الصناعات الأحفورية وأصحاب السلطة الداعمين لها.
يمكن أن يؤدي الاستماع والمشاركة أيضاً إلى تجنب إنفاق ملايين الدولارات على البرامج التي لا تحقق هدفها النهائي. فكما توضح تجربة قانون (FEJA)، فإن أحكام العدالة لم تكن كافية لتلبية احتياجات المجتمعات المثقلة بالتلوث والمحرومة من الاستثمار.
ثانياً، إن الدعوة الموجهة إلى مؤسسات العدالة البيئية التي يقودها أفراد من أصحاب البشرة الداكنة أو السكان الأصليين أو أصحاب البشرة الملونة، أو مؤسسات المجتمع المحلي الصغيرة، أو مؤسسات العدالة البيئية يجب أن تقترن بالموارد اللازمة للمشاركة في تصميم السياسات أو عمليات حشد الحراك الشعبي. اليوم، يتدفق أكثر بقليل من 1% من تمويل سياسات المناخ إلى مؤسسات العدالة البيئية التي يقودها أفراد من أصحاب البشرة الداكنة أو السكان الأصليين أو أصحاب البشرة الملونة، والتي يقود العديد منها متطوعون أو موظفون بدوام جزئي، وهم بدورهم يتحملون مسؤوليات أخرى مثل أدوارهم كقساوسة أو آباء أو معلمين في مجتمعاتهم ويحاربون العديد من أوجه الظلم في الوقت نفسه، مثل الإسكان المتدني المستوى، وترهيب الشرطة، وصعوبة الحصول على تعليم عالي الجودة أو رعاية صحية. فعلى سبيل المثال، عندما تم الاتصال بالقسيس آتي للعمل على قانون (CEJA)، كان أيضاً في خضم معركة صعبة لإيقاف تصريح محرقة محلية تهدد بنثر التلوث السام في مجتمعه.
دعم مجلس (IEC) المشاركة في عملية وضع قانون (CEJA) من خلال توفير التمويل لعشرات المؤسسات الصغيرة في جميع أنحاء الولاية، وتوفير مجموعات أدوات متكاملة لإجراء جلسات الاستماع، مع التحلي بالمرونة لتكييف الجلسات مع المجتمع المحلي. ويمكن للمؤسسات البيئية الكبيرة الأخرى اتباع هذا المخطط لبناء الثقة وتأسيس حراك شامل يؤمّن سياسات التخلص من انبعاثات الكربون على نطاق واسع من خلال إعادة تخصيص الموارد إلى المؤسسات المحلية والمجتمعية مع دعوة الممولين إلى تخصيص المزيد من الدولارات لهذه المجموعات.
وقد أطلق "صندوق العدالة المناخية" (Climate Justice Fund) بولاية أوهايو مؤخراً جهوده الخاصة تحت شعار "الاستماع، والقيادة، والمشاركة"، حيث خصص منحاً تتراوح بين 10,000 و30 ألف دولار للمؤسسات التي يقودها أو يحكمها أشخاص من أصحاب البشرة الملونة لاستضافة محادثات مجتمعية في مختلف أنحاء ولاية باكاي. وبالنسبة لولاية محكومة لمدة طويلة بأهواء أصحاب مصالح الوقود الأحفوري، فإن جلسات الاستماع هذه هي الخطوة الأولى نحو بناء قوة شعبية لدعم سياسات المناخ العادلة.
إن بلادنا الآن على مفترق طرق، حيث تواجه ماضينا العنصري وتكافح في الوقت ذاته من أجل تجنب المستقبل المناخي الخطِر. ويمكن أن يتيح الاستماع الأصيل نوعاً من صنع السياسات الذي سيغير مجتمعنا بشكل حقيقي، ويوفر أماكن صحية للعيش وفرصاً اقتصادية متكافئة للجميع. لكن استغلال هذه الفرصة يتطلب نوعاً مختلفاً من القيادة التي تركز على احتياجات وأصوات أولئك الأكثر تأثراً بالعنصرية وتغير المناخ.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.