اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

كيف يمكن للحكومات والقطاع الخيري التعاون لحل أزمة إيواء المشردين؟

إعداد : دانيال هيمبل

 

تم النشر 02 يونيو 2022

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "توظيف الأموال لإنهاء التشرد"، الذي سنتحدث فيه عن ضرورة تسخير رأس المال الخاص لإنشاء مساكن ميسورة التكلفة ومساكن مخصصة من أجل "إيواء المشردين".

يعد شارع غراند آفينو في مدينة لوس أنجلوس مركزاً لاستعراض أبنية المدينة المدهشة؛ فعلى أحد جانبيّ الشارع يقف برجان جديدان لامعان مليئان بالشقق السكنية التي تبلغ أسعارها ملايين الدولارات، وفندق فاخر، ومطاعم شهيرة، ومتاجر راقية. وهذان البرجان من تصميم المهندس المعماري فرانك جيري. بكلفة تبلغ مليار دولار.

وعلى الطرف الآخر من الشارع توجد قاعة حفلات والت ديزني التي تحمل توقيع جيري أيضاً بتكلفة 274 مليون دولار.

وعلى بعد مئات من الأمتار جنوب غرب الشارع، تقع مدرسة كولبورن للموسيقى وتخطط حالياً لبناء توسع بكلفة 350 مليون دولار بقيادة المهندس جيري أيضاً. أما أهم معالم هذه المدرسة فهي قاعة زيبر للحفلات، وهي نسخة مصغرة عن قاعة حفلات ديزني وتحتوي على 430 مقعداً.

أجلس في مقعد في الصف الأول من قاعة زيبر. وعلى خشبة المسرح، يتناوب أربعة مرشحين لرئاسة البلدية على طرح أسئلة حول القضية الأولى في السباق الانتخابي، وهي التشرد. تجلس على يساري امرأة طويلة ترتدي النظارات ولا ترتدي كمامة، حالها حال المرشحين والمشرفين، بالرغم من تعليمات المضيف الواضحة بوجوب ارتداء الكمامات. وما أكد لي مكانتها الواضحة أنها خرجت من الباب الجانبي لتعاود الظهور على المسرح.

كان اسمها روبي سميث. وروت كيف أنها بعد أن قضت سنوات في الشارع قدمت لها "مؤسسة الإسكان الأسري في لوس أنجلوس" (Los Angeles Family Housing) المحلية منزلاً دائماً.

ثم مدت يدها كما لو أنها تمسك مفتاحاً وقالت:

"في اللحظة التي أدرت فيها المفتاح في الباب، شعرت بإحساس جديد بالحرية والتجدد. نحن نحتاج إلى الإسكان الميسور التكلفة. ونحن لا نعلم كم سيؤثر امتلاك مفتاح منزل على حياة الأشخاص".

على بعد بضعة أمتار يمتد رصيف التزلج في لوس أنجلوس، حيث يحتشد آلاف الأشخاص في الخيم على طول الرصيف.

يتجلى هذا التفاوت الصارخ في أكثر المجتمعات ثراءً في أميركا. فقط قم بمقارنة سان فرانسيسكو ببالتيمور. حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة في سان فرانسيسكو ضعف متوسط دخل الأسرة في بالتيمور، ومع ذلك فإن التشرد فيها أكثر انتشاراً.

يناقش الباحثان غريغ كولبرن وكلايتون بيج آلدرن في كتابهما الجديد "التشرد مشكلة سكن" (Homelessness is a Housing Problem) أن السبب وراء ذلك بسيط للغاية؛ فالمدن الثرية ليست ملاذاً لهؤلاء الذين لا يمتلكون منازل بسبب المناخ المعتدل أو السياسات المتراخية، بل لأن الأشخاص الفقراء الذين يعيشون في أماكن مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسياتل وسان فرانسيسكو يُرمَون إلى الشوارع بسبب تضخم الإيجارات وخيارات السكن المحدودة. ووجد تقدير حديث أن الشركات تمتلك 43% من إجمالي الوحدات السكنية العائلية المُعدة للإيجار في لوس أنجلوس.

الحل الواضح أن ننشئ مساكن أكثر على نطاق واسع. ونظراً لأن رأس المال الخاص هو السبب الرئيس في دفع هؤلاء الأشخاص إلى الشوارع، يجب تسخير رأس المال الخاص من أجل تعويضهم.

إن مفتاح هذا الأمر يكمن في إعادة الحكومة التفكير في كيفية تمويلها لإنشاء المساكن الميسورة التكلفة والمساكن المخصصة للمشردين. ويجب أن تتحول تدفقات التمويل الدولية والفيدرالية والمستقلة من العرض إلى الطلب. وهذا لتوفير أجورات دائمة، أو شراء العقارات الخاصة، أو لتخفيض تكاليف رؤوس الأموال عبر تقديم القروض والضمانات الرخيصة.

كل هذه الاستراتيجيات تخلق "كدسات رأس المال"، وهي تعني التمويل المتعدد الطبقات للاستثمارات العقارية، التي يمكن أن تجعل إسكان الفقراء المدقعين والمساكن المعدة للمشردين ملائمة بما يكفي لتحرير المبالغ الهائلة المقيدة في السوق الخاص.

وفي حين أن البعض، بمن فيهم أنا، سيكون لديهم صلاحية مطلقة لإنشاء أدوات مالية تفيد الأثرياء لمساعدة الفقراء، فإن مصير ملايين الأميركيين يتطلب إجراءات فورية.

التكلفة

قدرت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية أن هناك أكثر من 580 ألف شخص يعانون من التشرد في جميع أنحاء الولايات المتحدة قبل بدء جائحة كوفيد في عام 2020.

وأن تكلفة إسكان كل فرد في مساكن مؤقتة ودائمة -تتراوح بين مساكن الطلبة إلى الاستوديوهات السكنية- تبلغ 200 ألف دولار لكل مسكن، بإجمالي 116 مليار دولار، وفقاً لحساباتي الرياضية السريعة. وتذكروا أن إيلون ماسك أنفق أكثر من ثلث هذا المبلغ لشراء "تويتر".

في مقاطعة لوس أنجلوس حيث أقطن، وجد التعداد الأخير أن هناك 66,436 شخصاً مشرداً يعيشون في الشوارع أو في المركبات أو في مآوٍ مؤقتة. وباستخدام العملية الحسابية البسيطة ذاتها نستنتج أن تكلفة تأمين مساكن لهؤلاء المشردين جميعاً تبلغ 13.3 مليار دولار.

قد تبدو الفكرة التي أطرحها باهظة التكاليف وجريئة ومستحيلة، لكنها ليست كذلك. فبالرغم من أنني أقر بأنها فكرة معقدة، فإن إنشاء منظومة مالية تجذب رأس المال الخاص أمر قابل للتحقيق ويبدأ من الأوقاف المالية المكدسة للمؤسسات الأميركية الخيرية.

أرني المال

كما ناقشت في مقال رأي نشر مؤخراً في مجلة "تاريخ العمل الخيري" (Chronicle of Philanthropy)، فإن المحافظ الاستثمارية للمؤسسات الخيرية الأميركية هي الشريحة الأولى الأكثر منطقية التي يجب استهدافها من رأس المال الخاص. فهذه المؤسسات ليست مسخّرة لخدمة الصالح العام فحسب، بل إنها تمتلك حوالي تريليون دولار من الأصول على الأقل.

على الرغم من الالتزام الأخلاقي للقطاع الخيري، فإن القانون الفيدرالي يُلزم المؤسسات بتوزيع 5% فقط من أوقافها سنوياً في التبرعات الخيرية. بينما يتم استثمار معظم الباقي في الأسواق الخاصة مع التركيز على الاستمرارية والعوائد أكثر من تخفيف المعاناة الإنسانية.

وهذا يتغير مع مجموعة متنامية، لكنها لا تزال صغيرة، من المؤسسات الخيرية التي تنقل أوقافها إلى الاستثمارات المرتبطة بالمهمات. فوفقاً لاستقصاء أجرته مؤسسة "إكسبوننت فيلانثروبي" (Exponent Philanthropy)، فإن 18% فقط من المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة المشاركة في الاستقصاء انخرطت في استثمارات مرتبطة بالمهمة أو التأثير في عام 2021. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة "فورد" (Ford Foundation) من بين المؤسسات الكبرى، التي تعهدت بمبلغ مليار دولار من مجموع أسهمها البالغ الآن 16 مليار دولار للاستثمار المرتبط بالمهمات في عام 2017.

قال دارين ووكر، رئيس مؤسسة "فورد"، في دراسة حالة لكلية "هارفارد للأعمال" في عام 2020: "كل عام نستخدم نسبة 95% المتبقية من أصولنا لكسب المال حتى نتمكن من الاستمرار في القيام بذلك إلى الأبد. لكن ماذا إذا كنا نستطيع توظيف هذه النسبة في دعم القضايا والمفاهيم ذاتها التي نخصص لها نسبة الـ 5%؟".

إليكم إحدى الأفكار: إذا تم استثمار عُشر ثروة المؤسسات الخيرية الأميركية (حوالي 100 مليار دولار) في الإسكان، فيمكننا نقل 500 ألف شخص خارج الشوارع؛ أي 86% من سكان هذه الأمة المشردين.

تكمن قوة التركيز على المؤسسات أولاً في أنه بينما تسعى هذه المؤسسات إلى تحقيق عوائد مُعدّلة حسب الخطورة، فإن أهداف إيراداتها غالباً ما تكون أقل من أهداف الأسهم الخاصة. ومن خلال إثبات تفانيها في تحقيق التأثير بالاستثمارات النقدية، يمكنها توفير مسار لمدراء الصناديق الذين يتجنبون المخاطرة، وبالتالي جذب أموال أكثر. وإن الأصول المقدرة لصناديق التقاعد، التي عادة ما يتم استثمارها في العقارات -أحياناً لبناء مساكن ميسورة التكلفة أو مساكن مخصصة للمشردين- بلغت أكثر من 35 تريليون دولار في عام 2020.

تعمل فاليري ريد هورس موهل رئيسة مالية لمؤسسة "إيست باي المجتمعية" (East Bay Community Foundation)، حيث تقوم بتحويل أوقاف المؤسسة البالغة قيمتها مليار دولار حصراً نحو التأثير.

وتقول: "هذا الجهد يتطلب المشاركة منا جميعاً، القطاع الخيري والحكومة وسوق وول ستريت. فعلينا جميعاً العمل بجدّ على هذه العملية المعقدة، دون أدنى ذرة من الخوف، وإلا فسنستمر في استخدام الحلول السريعة المؤقتة التي لن تحل المشكلة".

أشكال دعم الإيجار

الآن ننتقل إلى دور الحكومة في إنشاء تكدس لرأس المال الذي يخلق العوائد المعدلة حسب الخطورة التي يسعى إليها جميع مستثمري القطاع الخاص. وإن جزءاً من هذه المعادلة هو ضمان وجود مستأجرين في حال عمد أحد مشاريع التطوير العقارية إلى بناء وحدات سكنية بالفعل.

في أواخر العام الماضي، أغلقت شركة الاستثمار المؤثر في لوس أنجلوس "إس دس إس كابيتال غروب" (SDS Capital Group) صندوقها لدعم الإسكان بقيمة 150 مليون دولار، والمخصص لبناء 1,800 وحدة سكنية على مستوى الولاية، مع 1,200 وحدة في مدينة لوس أنجلوس وحدها. وكافة المستثمرين كانوا من القطاع الخاص، مع ثلاث مؤسسات خيرية محلية كبرى. وتتوقع (SDS) الانتهاء من كافة عمليات البناء خلال السنوات الخمس المقبلة.

من خلال الحفاظ على التكاليف بمعدل 200,000 دولار أميركي لكل مسكن، فإن (SDS) تولد عوائد مقبولة لمستثمريها من خلال الاعتماد كلياً على قسائم الإيجار الواردة في المادة 8 من القانون المتعلقة بقوانين الإيجار. وإن أشكال الدعم هذه محمية نظرياً من مخاطر الركود الاقتصادي، حيث تعمل كمصدر دخل مدعوم من الحكومة ما يساعد على التخفيف من المخاطر.

المشكلة في لوس أنجلوس وفي جميع أنحاء البلاد تكمن في ندرة القسائم لخدمة ملايين الأميركيين المؤهلين لتلقي مساكن الإيجار ولكنهم ما زالوا خارج البرنامج.

اقرأ أيضاً: توظيف التمويل الحكومي والاستثمارات الخيرية للقضاء على التشرد

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!