اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

لماذا تتردد المؤسسات غير الحكومية في إنهاء خدماتها؟

سلسلة إنهاء الخدمة للمنظمات غير الحكومية..

إعداد : جيف ريفيل

 

تم النشر 23 نوفمبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "استراتيجيات إنهاء الخدمة للمنظمات غير الحكومية"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن منظمة "ووتر شيد" التي أغلقت أبوابها من تلقاء نفسها نهائياً بعد تحقيق هدفها في كمبوديا، وسنقف في هذا الجزء على إجراءات إنهاء الخدمة والأسباب التي تمنع نظيراتها من أن تحذو حذوها، ونستعرض مجموعة معايير تساعد هذه المنظمات على إنهاء خدماتها.

لماذا لا تخطط المزيد من المنظمات غير الحكومية لإجراءات إنهاء خدماتها؟

تملك المنظمات غير الحكومية -والمتبرعون والموظفون والموردون ومقدمو الخدمات لها والمستفيدون منها- الدافع لتتآمر ضد التفكير الاستباقي حول المرحلة النهائية وتمنعه.

أعلم من خلال تجربتي أنه يمكن إقناع العديد من القائمين بتطبيق منطق التخطيط لإنهاء الخدمة -نظرياً- لكن عدداً لا يحصى من الاستثناءات يدفعهم إلى الاعتقاد بأنه إما غير عملي أو لا يلائم الواقع. تتعلق الاستثناءات غالباً بمشكلتين: 1) الخلط بين التنمية والإغاثة، 2) المساواة بين "غياب الحاجة" والجاهزية والقدرة المحليتين.

1- التنمية ليست إغاثة

إن اختلاف التنمية عن الإغاثة في حالات الكوارث لا جدل فيه. لكن المظاهر قد تكون خادعة. تميل المؤسسات الخيرية -سواء تلك التي أسسها شخص عاش فاقةً أو من يتاجرون في إثارة الفقر- إلى تسمية أي حاجة ملحة بالأزمة الإنسانية. من الضروري بالنسبة لهم أن يتدبروا في اختلاف الفقر المدقع الاختلاف الجذري عن تأثيرات الصراعات والكوارث الطبيعية. يجب أن تكون المنظمات غير الحكومية جديةً في تحديد الحد الأدنى الذي يتوقفون عنده عن الاستجابة للأزمات، مثل زلزال هايتي أو الإبادة الجماعية في كمبوديا، لكنها بدلاً من ذلك تعيق إيجاد حلول طويلة المدى. يحتمَل أن تحدَّد هذه العتبة تدريجياً بمهارة، وغالباً ما تحجبها الاحتياجات الماسة والبارزة. وإن قدرة المنظمة على الانتقال من نموذج الإغاثة إلى نموذج المساعدة الإنمائية (التي تتناول التغييرات الهيكلية على مستوى النظام وتتطلب وضع خطة إنهاء الخدمة) هي مسألة أخرى.

2- "غياب الحاجة" ليس مؤشراً على توفر القدرة المحلية الكافية

عند الاستماع إلى قادة المنظمات غير الحكومية، يتضح لديك أن العديد منهم يركزون على تحسين القدرات المحلية بدلاً من تقديم الخدمات فقط، ما دام هذا يعزز النظام المحلي، فهي خطوة ضخمة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق التنمية المستدامة.

لكن غالباً تكون الإشارة التي ينتظرونها -لمعرفة أن الأنظمة المحلية أصبحت جاهزة، وأنهم أنجزوا مهمتهم- هي غياب الحاجة. يعتبر هذا خللاً ضخماً.

يوجد افتراض ضمني بأن الجاهزية المحلية ستبشر بتحقيق رؤية تنموية عالمياً. ولكن لو كان هذا صحيحاً، فلن تتمكن أي حكومة على وجه الأرض من إدارة شؤونها الاجتماعية أو البيئية أو الصحية أو أي قضايا أخرى، بنفسها. فإذا لم تكن الحكومات جاهزة لإيقاف تلقيها للمساعدة الإنمائية إلا عند قضائها على المشكلات الاجتماعية، فإذاً لن تصبح جاهزة أبداً. ونظراً لأن قادة المنظمات غير الحكومية يعرفون ضمنياً أن القضاء على الفقر ليس هدفاً واقعياً مقيداً بجدول زمني، فإنهم لا يكلفون أنفسهم عناء وضع خطط موثوقة لإنهاء خدماتهم.

الهدف هو تعزيز القدرة المحلية

يجب تكميل الرؤى الطامحة للتنمية -أو حتى استبدالها- بالأهداف الطامحة إلى تعزيز القدرة. تهدف معظم المنظمات غير الحكومية الكبرى إلى تحقيق حالة عالمية أو جودة لا يمكن قياسها، وهذا يتبين في شعاراتها وبيانات رؤيتها: على سبيل المثال، شعار منظمة "أوكسفام" (Oxfam): "عالم يخلو من الفقر"، أو شعار منظمة "كير" (Care): "عالم يسوده الأمل والشمول والعدالة الاجتماعية، نتغلب فيه على الفقر ويعيش جميع الناس فيه بكرامة وأمان"، أو منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children): "عالم ينال فيه كل طفل حق الحياة والحماية والتنمية والمشاركة". إن هذه الأهداف نبيلة. لكن لأنها بطبيعتها غير موضوعية وبعيدة المنال، فإن مؤيديها يفلتون من تحمّل المسؤولية. يبرر هذا النوع من الأهداف بدهاء تقديم الخدمات إلى الأبد، ويكون هذا متوقع عادةً من الوكالات الحكومية بصفتها الجهة المسؤولة الحقيقية. لذا فإن أي منظمة أخرى تقدم خدمات اجتماعية متواصلة هي تؤدي دور وكالة حكومية غير منتخَبة بصورة فعالة.

تكون الأهداف الأكثر واقعيةً بأن تكتسب الحكومة المحلية قدرةً كافيةً – ضمن فترة زمنية معينة -لتنهض بشكل مستدام برفاه جميع سكانها، حتى عند مواجهة الصدمات والأهداف المتغيرة.

في حالة منظمة "ووتر شيد"، كان هدفنا الطموح أن تتوفر المراحيض لكل فرد في كمبوديا. ولكن اقترن بالتزامنا الصريح بتعزيز النظام المحلي، وإنهاء خدمتنا خلال فترة زمنية حددناها مسبقاً، ليتابع بعدها النظام المحلي التقدم نحو تحقيق الهدف دون مشاركة "ووتر شيد".

تجنب فرض الشروط

قد يبدو أنني أدعو المنظمات غير الحكومية إلى مراقبة الجاهزية المحلية لتحديد اللحظة المثلى للانفصال. لكن انتظار الضوء الأخضر، بناءً على مجموعة معايير محددة ليس أمراً عملياً ولا مرغوباً به:

1- قد لا تظهر المقاييس الصالحة التي يعتمَد عليها في مختلف الحالات. من المؤكد أن تطوير مؤشرات أفضل على جودة أنظمة الدولة المضيفة أمر يستحق العناء، وقد يوفر بمرور الوقت توجيهاً أفضل تدريجياً. لكن تعقيدها شاق، ويحتمَل أن تختلف بعض المؤشرات على حسب الحالة. إن مواصلة العمل كالمعتاد في غياب آلية تقييم مثالية ليس أفضل من مواصلة العمل حتى تزول الحاجة.

2- إنهاء الخدمة المشروط مؤقت وعرضة للتأجيل المفتعل. بما أن تقييم الجاهزية المحلية أمر معقد وغير موضوعي، فإن أي معايير لإنهاء الخدمة التي تعكس الفروق الدقيقة بما يكفي ستوفر مساحةً واسعةً جداً لتتذبذب المنظمة بالتزامها بإنهاء خدمتها. من جهة أخرى، قد لا يكون تبسيط معايير الخروج أفضل. إذ يمكن أن تظهر المعايير الواضحة كيف يمكن تأجيل إجراءات إنهاء الخدمة بقدر ما تظهر كيف يمكن تحقيقها. إن مصالح البعض الشخصية التي يمكن أن تدفعهم إلى التآمر لمنع إنهاء خدمة المنظمات غير الحكومية موجودة في الواقع، إذ تنفَق مئات المليارات من الدولارات في سبيل ذلك.

3- لا يحتمَل أن تجني إجراءات إنهاء الخدمة المشروطة فوائد التخطيط والتواصل الموضحة في المقال. يمكن أن تتعارض إجراءات إنهاء الخدمة التي تُفعَّل فجأةً مع المتبرعين والمستفيدين والحكومة المحلية، بل وتتَّهم المنظمة بالتخلي. ومن الأمثلة على ذلك، مغادرة مؤسسة "بلان إنترناشينال" (Plan International) من سيريلانكا في عام 2020. فقد استبدل برنامج المنظمة غير الحكومية التمويل العام وأوجَد العديد من التوابع، ما جعل إنهاء خدمتها المفاجئ أمراً مزعزعاً جداً. اعترفت المؤسسة لاحقاً بأنها لم تحسِن إنهاء خدمتها، وألقت اللوم على قلة التواصل مع أصحاب المصلحة وسوء معاييرها في إنهاء الخدمة.

لقد حددنا الإطار الزمني لإنهاء خدمة "ووتر شيد" مقدماً وعلى نحو تعسفي، بدلاً من انتظار مؤشرات محددة للبدء بالمغادرة. لكن هذا لا يعني أننا تجاهلنا البيانات حول قوة النظام المحيط بنا. بل على العكس، لقد كرسنا طاقة كبيرة لتقصي الأدلة على جاهزيته، والبحث عن فرص للإنهاء التدريجي لتدخلات البرنامج ومكوناته، وتتبع نتائج مرحلة ما بعد التنفيذ. منحنا تنظيم إنهاء خدمتنا مع مرور الوقت مساحةً للتعلم والتحلي بالمرونة للتكيف مع تغير الأمور الحتمي.

على الرغم من أن "ووتر شيد" أغلقت أبوابها، فإنني أتوقع أن كمبوديا ستواجه العديد من التقلبات في تقدمها نحو هدفها في التنمية المستدامة المتمثل في الإدارة الآمنة للمرافق الصحية بنسبة 100%. لكنني واثق أكثر من أي وقت مضى بأن الحكومة هي الأقدر على قيادة تلك المساعي، مع وجود قطاع خاص مزدهر شريك لها. ومع أن الجدل الدائر حول التقدم الذي أحرزته في مجال المرافق الصحية في كمبوديا سيكون دائماً، الذي يطرح أسئلةً مثل: هل الموارد موزعة توزيعاً جيدأ؟ هل الأولويات صحيحة؟ هل وتيرة التقدم سريعة بما فيه الكفاية؟ نأمل أن يكون أصحاب المصلحة الكمبوديين من القطاعات العام والخاص والمدني هم من يقودون المناقشة والحلول.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!