كيف تؤثر على الجمهور لاتخاذ إجراءات معينة؟

قادة
Shutterstock.com/ Andrii Yalanskyi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن للقصص القوية أن تحفز الناس على اختلاف خلفياتهم على إيلاء الاهتمام للتحديات الكبرى والمعقدة والانخراط فيها، مثل عكس مسار تغير المناخ أو الظلم الاجتماعي. لكن ذلك ليس سوى جزء من المعادلة، إذ بمجرد أن تلهم الآخرين، فأنت بحاجة إلى دفعهم لاتخاذ فعل ما.

غالباً ما تكون دعوات المؤسسات غير الحكومية وغير الربحية إلى اتخاذ إجراء معين في مرحلة لاحقة ومتأخرة. وتنفق العديد من المؤسسات أموالاً طائلة على إنتاج قصص وأنشطة جذابة، ثم تجد نفسها تسعى جاهدة في اللحظة الأخيرة لمعرفة ما يجب أن تطلبه من الناس لفعله. علاوة على ذلك، قد يكون من الصعب التمييز بين أهداف التغيير الاجتماعي والدعوات التي تحث على اتخاذ إجراء. وبالتالي، تبدو تلك الدعوات بسيطة جداً ومنفصلة عن المشكلة، مثل “هل تريد معالجة مشكلة تغير المناخ؟ تابعنا إذاً على وسائل التواصل الاجتماعي”، أو كبيرة جداً وغامضة بحيث يتعذر على أي شخص توليها، مثل “تصدى لتغير المناخ”.

يمكن للمبادئ الأربعة التالية، والراسخة في العلوم الاجتماعية وأفضل الممارسات، أن تساعد المؤسسات على تصميم دعوات مؤثرة و”مناسبة تماماً” للفعل الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير حقيقي.

احرص على إبقاء الدعوة محددة

إن الدعوات الأكثر تأثيراً والتي تحث على اتخاذ إجراء معين لا تكون عادة مناسبة لجميع الحالات، بل إنها تركز على الجمهور المستهدف وتحوّل الهدف الشامل إلى سلوك محدد يمكن ملاحظته ويمكن للجمهور اعتماده. بالمقابل، يمكن للدعوات المجردة أن تجعل الناس يشعرون بالإحباط والتوتر، فغالباً ما يعني هذا أن عبء تحديد الإجراء يقع على عاتق الفرد، وقد يكون التعرض للكثير من الخيارات أمراً مربكاً. وبالمقارنة، تعمل الدعوات المحددة على رفع مستوى الرفاه النفسي من خلال تركيز طاقات الأشخاص حول السلوك، ما يزيد بالنتيجة من احتمال متابعة الإجراء.

فكر ملياً بالمثال التالي، طلب علماء النفس التسويقي والسلوكي ميلاني رود وجنيفر آكر ومايكل نورتن من المشاركين في سلسلة من التجارب القيام بإجراءات محددة، مثل “زيادة كمية المواد أو الموارد التي يتم إعادة تدويرها” و”إعطاء أولئك الذين يحتاجون إلى عمليات زرع نخاع العظم فرصة أفضل للعثور على متبرع”، أو إجراءات مجردة، مثل “دعم الاستدامة البيئية” و”منح أولئك الذين يحتاجون إلى عمليات زرع نخاع العظم أملًا أكبر”. وكان لدى المشاركين في كل تجربة فترة زمنية معينة لإكمال المهمة. كما أنهم أكملوا استبياناً لتقييم مدى شعورهم بالسعادة وقدرتهم على إسعاد الآخرين، بالإضافة إلى قناعاتهم حول تأثير الإجراءات التي اتخذوها وما إذا كانوا يعتقدون أنهم حققوا الهدف المحدد. وجد الباحثون أن المشاركين الذين نفذوا الإجراءات المحددة كانوا أكثر ميلاً للشعور بالنجاح في إنجاز المهمة وشعروا بسعادة أكبر تجاه ما فعلوه. أشار الباحثون إلى أن الإجراءات الأكثر تحديداً تجعل الناس أكثر سعادة، لأنها تسد الفجوة بين توقعاتهم وحقيقة ما يمكنهم فعله. كما قدموا تفسيراً مفاده أن تأطير الإجراءات باستخدام لغة محددة يمكن أن يتغلب على ما يسمونه “الإرهاق المساعد”، وذلك عندما يؤدي عدم القدرة على تحقيق الهدف إلى الشعور بالإحباط وخيبة الأمل والانفصال. بينما يؤدي تأطير الإجراءات بصورة ملموسة إلى رفع المشاعر الإيجابية تجاه إنجازات الفرد، ويمكن بالتالي أن يؤدي إلى المشاركة المستمرة والعمل.

احرص على أن تكون الدعوة قابلة للتحقيق

تعتبر الكفاءة أمراً أساسياً عندما يتعلق الأمر بالدعوات القوية لاتخاذ الإجراء المطلوب. ويحتاج الناس إلى التصديق بأن مشاركتهم ستُحدث فرقاً، وأن لديهم القوة والقدرة على اتخاذه. وقد كتب عالم النفس ألبرت باندورا:

ما لم يعتقد الناس أن بإمكانهم إحداث التأثير المرغوب من خلال أفعالهم، فإن حافزهم يكون ضئيلاً عندما يتعلق الأمر بأداء الأنشطة أو المثابرة في مواجهة الصعوبات. ومهما كانت العوامل الأخرى التي قد تكون بمثابة توجيهات ومحفزات، فهي متجذرة في الاعتقاد الجوهري بأن الفرد يمكن أن يُحدث فرقاً من خلال أفعاله.

وجد الباحثون على سبيل المثال، أنه من غير المرجح أن يساعد الناس الآخرين عندما يكون عدد المحتاجين مرتفعاً، لأنهم يشعرون أن جهودهم ليست سوى “قطرة في بحر” فيما يخص حل مشكلة هائلة. تسمى هذه الحالة “عدم الكفاءة الزائفة”، فالمشاعر الإيجابية التي تأتي من مساعدة القليل من الناس لا تفوق المشاعر السلبية لشعور الفرد بعدم قدرته على مساعدة الجميع. نتيجة لذلك، تقل احتمالية تصرف الناس.

يمكننا رؤية قوة الدعوة من خلال الحملة التي أطلقتها مؤسسة “ديفاين أميريكان” (Define American)، وهي مؤسسة غير ربحية معنية بتغيير كيفية تغطية وسائل الإعلام للهجرة في الولايات المتحدة. كجزء من جهودها الرامية للابتعاد عن الروايات المؤذية التي تجرد المهاجرين من إنسانيتهم وتقدمهم كمجموعة متجانسة، أطلقت المؤسسة حملتها “#ووردز_ماتر” (wordsmatter#)، التي تطلب من وكالات الأنباء الالتزام بعدم استخدام مصطلح “مهاجر غير شرعي”. والهدف هو تغيير الطريقة التي تتحدث بها وكالات الأنباء عن القضية من خلال التركيز على الكلمات التي يستخدمونها لوصف الأشخاص في قصصهم. أما فيما يتعلق بالدعوة لاتخاذ إجراء، فقد كانت استخدام عبارة “لا يحملون وثائق رسمة” بدلاً من “غير قانوني” عند تغطية الأخبار المتعلقة بالهجرة. هذه الدعوة المحددة تصل إلى الهدف الأكبر المتمثل في تغيير طريقة السرد حول قضية الهجرة والتركيز على السلوك الذي يُشعر الصحفيون أنه يمكنهم تنفيذه. حتى الآن، التزمت شبكات ووكالات مثل “إيه بي سي” و”إن بي سي” و”أسوشيتد برس” و”سي إن إن” وغيرها من مؤسسات الإعلام الوطنية بعدم استخدام ذلك المصطلح. وقد أسقطت وكالة “أسوشيتد برس” مصطلح “مهاجر غير شرعي” نهائياً من دليل مصطلحاتها.

احرص على جعل الدعوة سهلة

تشير البحوث إلى أن الناس يتجنبون بقوة المعلومات التي تلزمهم فعل شيء لا يريدونه. وللتغلب على هذا التحدي، لا ينبغي أن تكون الدعوات أشبه بالتزام أو عبء، بل يجب أن تطلب من الناس فعل شيء يريدونه ويمكنهم فعله بسهولة.

خذ بالاعتبار اختبار شبكة “دانش نادجينغ نيتوورك” (Danish Nudging Network) غير الربحي للنُهج المختلفة للحد من رمي القمامة في الأماكن العامة. في كوبنهاغن مثلاً، يدعم 90% من السكان إعادة التدوير، على الرغم من ذلك فإن ثلث القمامة فقط تذهب إلى المكان الصحيح. اختبرت إحدى التجارب ما إذا كان تسهيل التخلص من القمامة يمكن أن يغير هذه العادة من خلال رسم آثار أقدام خضراء كبيرة على الأرض تقود الناس إلى صناديق القمامة. وما خلصت إليه الدراسة هو أن آثار الأقدام خفضت نسبة القمامة إلى 46%. في مثال آخر، وجدت دراسات الصحة العامة حول كيفية إشراك الآباء من ذوي الدخل المنخفض في مدينة مينيابوليس في الإجراءات التي تحمي أطفالهم من التعرض للرصاص، أن الآباء كانوا أكثر احتمالاً للمشاركة عند عرض إجراءات سهلة يمكنهم دمجها في روتينهم المعتاد. بالنسبة إلى أماكن السكن التي يوجد فيها أنابيب مياه قديمة على سبيل المثال، فإنه كلما زاد الوقت الذي تبقى فيه المياه في الأنابيب، ارتفع احتمال وجود الرصاص فيها. إلا أن ترك المياه جارية لفترة قصيرة قبل استخدامها للطهي أو التنظيف هي إحدى الطرق لتقليل كمية الرصاص تلك.

إن اتباع ما يعرف بمفهوم “الترغيب”، وهو الدعم المعنوي والتوجيهات الإيجابية الصغيرة التي تحرك السلوك بصورة تدريجية متصاعدة نحو اتجاه معين، يجعل اتخاذ الإجراءات أسهل. ويمكن أن يتضمن أشياء مثل الإعدادات الافتراضية، حيث يجري تسجيل الأشخاص تلقائياً في البرامج التي ستساعدهم، مثل مدخرات التقاعد أو التغطية الصحية (إلا في حال اختاروا إلغاء الاشتراك)؛ ورسائل التذكير، مثل رسائل البريد الإلكتروني للمتابعة، ودعوات جدول المواعيد، والرسائل النصية التي تساعد الناس على المتابعة.

وجدت إحدى التجارب الميدانية على سبيل المثال، أن تطبيق مفهوم الترغيب باستخدام تنبيهات عن طريق الرسالة النصية بعد عرض فيلم عن الفساد زاد على نحو كبير من حالات الإبلاغ عن الفساد داخل المجتمعات في نيجيريا. واستخدمت شركة الإنتاج “إكسبوجر لابز” (Exposure Labs) رسائل التذكير كجزء من سلسلة أفلام “بيغ سكرين بلوك بارتي” (Big Screen Bloc Party) لزيادة إقبال الناخبين من دعاة حماية البيئة “السلبيين” في مدينة أتلانتا، وهم الأشخاص الذين يهتمون بالبيئة للغاية ولكن نادراً ما يظهرون عند صناديق الاقتراع. حيث وضعت بطاقات تحت مقاعد الضيوف وطلبت منهم التعهد بالتصويت، لاتخاذ إجراء بسيط وفوري. بعد ذلك، عملت مع مشروع الناخب البيئي على إرسال سلسلة من رسائل المتابعة النصية ورسائل البريد الإلكتروني لتذكير الناس بتعهدهم والتأكيد على حضور مواعيد الانتخابات القادمة. بالنتيجة، أدى اقتران التعهد بقوة سرد القصص للفيلم إلى معدلات تعهد أعلى من المتوسط مقارنة بأحداث أخرى، وحضر غالبية المتعهدين للإدلاء بأصواتهم.

احرص على إظهار شيوع الإجراء

نحن البشر اجتماعيون بطبيعتنا، أي أن لدينا حاجة فطرية للانتماء إلى أوساط اجتماعية. وعندما نفهم السلوك كمعيار جماعي، فإنه يحفزنا على الانخراط في ذلك الإجراء لأننا نفترض أن الجميع يفعل ذلك. يتم تحفيز الناس أيضاً للحفاظ على شعور إيجابي تجاه الذات، ونتيجة لذلك، نسعى غالباً نحو فعل الإجراءات التي تصب في مصلحتنا الذاتية ونبررها، لأنها تساعدنا على الحفاظ على مكانتنا داخل أوساطنا الاجتماعية. إن تحديد مجتمع بناء على هوية جماعية مشتركة وربط الإجراء بتلك الهوية سيساعدهم على رؤية اهتمامهم الشخصي بالانخراط في السلوك.

على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات التي نشرها المشروع الإعلامي لمركز نورمان لير (Norman Lear Center Media Project) التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا (USC) أن الناس كانوا أكثر احتمالاً للنقر على زر “تبرع” استجابة لقصة عن التشرد عندما تم تأطير الإجراء باعتباره معياراً أخلاقياً واجتماعياً، حيث كانت الدعوة كما التالي: “من أجل فعل بعض الخير، انضم إلى 33,354 شخصاً، وانقر على المبلغ أدناه للتبرع اليوم”، مقارنة بالعبارة العامة التي تحث على مجرد اتخاذ الإجراء، مثل “انقر على المبلغ أدناه للتبرع اليوم”. وبالمثل، أجرى علماء النفس الاجتماعي غريغ سباركمان وغريغ والتون تجربة حيث قرأ فيها الأفراد الذين يقفون في طابور في المقهى إما كلمة تصف كيف حد بعض الأشخاص من استهلاكهم للحوم (المعيار الحالي)، أو رسالة تصف كيف “بدأ” بعض الأشخاص في الحد من استهلاكهم للحوم (المعيار جديد). وكان الأشخاص الذين قرؤوا الرسالة حول المعيار الجديد أكثر احتمالاً بنسبة 34% لطلب وجبة خالية من اللحوم، مقارنة بـ17% ممن قرؤوا المعيار الحالي.

مثال آخر هو حملة “إمورتال فان” (Immortal Fan) الملهمة التي طورتها شركة “أوغلفي آند ماذر” (Ogilvy & Mather)، ذلك بهدف زيادة التبرع بالأعضاء في البرازيل، حيث ربطت الحملة المتبرع بالأعضاء مع الشعور القوي بالفخر بين مشجعي كرة القدم في البرازيل. واستخدمت قصصاً تعرض فيها مرضى حقيقيين على قوائم الانتظار لإلهام المتبرعين، وصاغت دعوة لاتخاذ إجراء، قائلة فيها: “انضم إلى المشجعين الخالدين”. كما سهلت عملية التسجيل للحصول على بطاقة التبرع عبر العديد من المنصات المتصلة وغير المتصلة بالإنترنت. في النهاية، اجتذبت الحملة أكثر من 51,000 بطاقة متبرع جديدة، وانخفضت قائمة الانتظار لعمليات زراعة القلب والقرنية إلى الصفر.

يمكن للجهود التي تحركها رواية القصص أن تلهم الناس للانخراط في التغيير الاجتماعي، لكن حشد الفعل الحقيقي يتطلب من المؤسسات أن تصمم بعناية ما الذي ستطلبه من الناس، وكيف. يجب على المؤسسات غير الربحية ترسيخ نهجها من خلال العلم القائم على دراسة أسلوب تفكير الناس وتصرفهم، وترجمة أهداف التغيير إلى دعوات لاتخاذ إجراء محدد، وقابل للتحقيق، وسهل، ويتوافق مع معايير المجموعة.

نبذة عن الكاتب:

سامانثا رايت (Samantha Wright):
النائبة الأولى للرئيس في إدارة الأثر الاجتماعي في شركة “بارتيسيبنت” (Participant)، وهي شركة إعلامية تجمع بين قوة القصة الجيدة، نصاً وسرداً، مع الأثر المُحدث على أرض الواقع حول القضايا المحورية. تشمل الأفلام السابقة التي أنتجتها الشركة: “سبوتلايت” (Spotlight)، و”آن إنكنفنيانت سكويل” (An Inconvenient Sequel). عملت في السابق على إنشاء فريق إدارة الأثر في شركة “إكسبوجر لابز” (Exposure Labs)، وهي شركة إنتاج أفلام واستوديو لخلق وقيادة الأثر الاجتماعي حائزة على جائزة “إيمي”.

ماكس شتاينمان (Max Steinman):
مدير الحملات في شركة “إكسبوجر لابز” (Exposure Labs)، وهي شركة إنتاج أفلام واستوديو لخلق وقيادة الأثر، التي أنتجت أفلام مثل “تشيسنغ أيس” (Chasing Ice) و”تشيسنغ كورال” (Chasing Coral). كما يعمل أيضاً على بناء المختبر الجديد في الشركة الذي ينظم أعمال دعم مجموعات المناصرة في استخدام الأفلام كأداة للتحرك استجابة لتغير المناخ.

آن كريستيانو (Ann Christiano):
أستاذة كرسي فرانك كاريل في التواصل بشؤون المصلحة العامة ومديرة المركز في كلية الصحافة والتواصل بجامعة فلوريدا.