
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "رواد التكنولوجيا الاجتماعية: الركائز الأساسية لاقتصاد اجتماعي جديد" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن الفئة الريادية الجديدة من المبادريين الاجتماعيين وكيف يستعينون بالتكنولوجيا لتقديم قيمة اجتماعية واقتصادية والوسائل الخمس التي تدعم التكنولوجيا من خلالها اقتصاداً جديداً تحركه الأهداف. أما اليوم في الجزء الثاني من السلسلة سنتحدث عن كيفية غرس الريادة الاجتماعية في العلم والتكنولوجيا والمجالات الخمس التي تساهم فيها مؤسسات الأبحاث والتكنولوجيا في إطلاق العنان لإمكانيات ريادة التكنولوجيا الاجتماعية.
الموازنة بين الفرص والأهداف
على الرغم من أهمية هذه الفرص، إلا أنها تخضع لقضايا إدارية وحكومية متعلقة بأمور مثل قواعد الملكية الفكرية المعقدة. كما يعلّق المستثمرون الجدد غالباً آمالاً كبيرةً على كسب العائدات المالية إلى جانب أهداف الأثر الاجتماعي، والتي يمكن أن تخلّ التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وتقدم مصادر جديدة تتسبب في الانحراف عن المهمة.
لا تحفّز الريادة الاجتماعية الابتكار فحسب، بل تساهم أيضاً في التخفيف من تبعاته غير المقصودة ومنحه معنىً وهدفاً. في الواقع، تساعد الطبيعة المتأصلة لـ "ريادة التكنولوجيا الاجتماعية" في توجيه التكنولوجيات الجديدة والابتكار نحو حل التحديات المجتمعية، لتعزز في النهاية التكافؤ بين العرض التكنولوجي والطلب على الحلول الاجتماعية. كما تعزز الإمكانيات على مستوى النظام التنبؤ بالاحتياجات الاجتماعية وتطوير الأنشطة التي تحفز التغيير التحويلي.
إلى جانب ذلك، يحتاج القطاع إلى النظر في مجموعة واسعة من نماذج الابتكار. على الرغم من أن مبادرات الأبحاث والنفقات تتزايد بشكل عام على المستوى العالمي، إلا أن إنتاجية البحث آخذة في الانخفاض. في الواقع، أوضح الباحث نيكولاس بلوم وزملاؤه أن كمية الأبحاث التي يمكننا ترجمتها مباشرة إلى أفكار وحلول، مقابل كل دولار مستثمَر، آخذة في التناقص. لهذا السبب، ينبغي للمبتكرين الاستفادة أكثر من المعرفة الحالية، واستخدامها لتأجيج شعلة الابتكار وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية. بالنظر إلى الاستدامة المشكوك فيها للابتكار ذو العائد المرتفع والقائم على العرض، يجب على القطاع أن ينظر في اعتماد المزيد من نماذج الابتكار التي أنشئت في ظروف تكون فيها الموارد شحيحةً، وتشمل نماذج الابتكار المقتصِد.
غرس الريادة الاجتماعية في العلم والتكنولوجيا
إذا كانت ريادة التكنولوجيا الاجتماعية الركيزة القيمة للنمو الشامل للاقتصاد الاجتماعي، إذاً كيف تحفّز مؤسسات الأبحاث والتكنولوجيا المؤسسات الاجتماعية على اعتماد التكنولوجيا وتساعدهم في ذلك؟
يتطلب جعل التكنولوجيا في صميم الريادة الاجتماعية أكثر من مجرد تكييف الآليات التي تتبعها الشركات الناشئة التي تستخدم التكنولوجيا الفائقة، فالطبيعة الهجينة للمؤسَّسات الاجتماعية وحاجتها إلى الحفاظ على رسالتها الاجتماعية تجعل التحدي شديد التعقيد. على سبيل المثال، يتطلب تبني التكنولوجيا استثماراً مالياً، وقد يطرح المستثمرون آراءً مختلفةً حول رسالة المؤسَّسات الاجتماعية، وقد تحمل قضايا إدارة الملكية الفكرية استراتيجيات إقصائية لا تتوافق مع الرسالة الشاملة والمتمحورة حول القيمة للمؤسَّسات الاجتماعية.
لكن من المهم إيجاد وسائل لإنجاح ذلك. لا يزال عدد شركات التكنولوجيا الاجتماعية منخفضاً إلى حد ما: فمثلاً في المملكة المتحدة، نسبة 0.2% فقط من مجمَل الشركات الناشئة هي شركات تسخّر التكنولوجيا لفعل الخير، ويوجد 210 شركة فقط في إيطاليا ذات توجه اجتماعي من بين أكثر من عشرة آلاف شركة ناشئة. من منظور أشمل، فإن تحويل حتى عدد قليل من بين أكثر من 2.5 مليون شركة أوروبية تنشط في الاقتصاد الاجتماعي (حوالي 10%) إلى شركات مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا اعتماداً كبيراً، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً من ناحية النمو؛ فإذا أصبحت شركة واحدة فقط من بين كل 100 شركة اجتماعية أوروبية شركة تكنولوجيا اجتماعية، ستعادل 25 ألف مؤسَّسة سنوياً.
المجالات التي تساهم فيها مؤسسات الأبحاث والتكنولوجيا في إطلاق العنان لإمكانيات ريادة الأعمال الاجتماعية
نرى خمسة مجالات تساهم فيها مؤسَّسات الأبحاث والتكنولوجيا في إطلاق العنان لإمكانيات ريادة التكنولوجيا الاجتماعية:
تدشين جيل جديد من سياسات نقل التكنولوجيا
نقل التكنولوجيا هو العملية التي تنتقل من خلالها المعرفة والمهارات التكنولوجية من مؤسَّسات الأبحاث إلى المؤسَّسات الأخرى. في الماضي، لم يكن لدى الجامعات والمعاهد البحثية الكثير من ممارسات نقل التكنولوجيا المخصصة للشركات الاجتماعية أو القطاع الثالث عامةً. عليهم تحقيق مهمتهم الثالثة المتمثلة في التعامل مع الاحتياجات المجتمعية، والانفتاح على نماذج جديدة من الأنشطة التي تراعي الابتكار الاجتماعي وأهداف الأثر الاجتماعي.
نشر نماذج الابتكار المفتوح التقليدية
إن الابتكار المفتوح هو عملية تستخدمها الشركات غالباً، وترفد من خلالها مصادر ابتكار خارجية متعددة عملية البحث والتطوير الداخلية للمؤسَّسة. ينبغي لمؤسَّسات الأبحاث والتكنولوجيا أن تضع سياسات تحفز دمج الشركات الاجتماعية في الابتكار المفتوح من خلال إقامة شراكات مع مختلف القطاعات.
جرب نماذج جديدةً من بناء القدرات
تحتاج المؤسَّسات العامة وشبكات الشركات الاجتماعية إلى تخصيص أماكن للتعلم المتبادل والجماعي، تتبادل فيها الشركات الاجتماعية ومؤسَّسات الأبحاث والتكنولوجيا الأفكار وتتفاعل في جميع القطاعات. يجب أن تستهدف سياسات أكثر تمكين هذه العمليات الإجرائية بدلاً من التركيز على دعم المبادرات الفردية.
تفعيل السياسات الخاصة بالطلبات وتجديدها
إن السياسات العامة الخاصة بالطلبات تدعم الطلب على الابتكارات بين المستهلكين والمواطنين، وتحفز على توفير الحلول التي تواجه المشاكل الاجتماعية. يمكن أن تحفز هذه السياسات فرص السوق الأولية لكل من شركات التكنولوجيا الاجتماعية الناشئة والشركات الاجتماعية التي تمر بمرحلة التحول التكنولوجي.
ادعم قطاع الاستثمار المؤثر بأساليب تدرك إمكانيات القيمة المختلطة ورأس المال الصبور لشركات التكنولوجيا الاجتماعية إدراكاً أعمق
يجب أن يشمل ذلك معايير تنظيمية وقياسية ذكية لتوجيه تطوير الأدوات المالية وضمان عدم مقايضة القيمة الاجتماعية مقابل أي شيء آخر.
في الختام، علينا أن نعتبر شبكات الشركات الاجتماعية في أوروبا وخارجها حاضنات ومسرعات أعمال لريادة جديدة ذات إمكانيات عالية. يتطلب تحقيق ذلك أن تضع مؤسَّسات الأبحاث والتكنولوجيا سياسات جديدة تدعم كلاً من توزيع الثروة والمعرفة توزيعاً أكثر تكافؤاً وشمولاً اجتماعياً، والابتكار الذي يعزز كلاً من المصلحة الاجتماعية والنمو الاقتصادي. في صميم هذا النموذج، يقود جيل شاب من رواد التكنولوجيا الاجتماعية – أذكى حليف يمكن أن يعتمد عليه واضعو السياسات – عملية تحويل التحديات المجتمعية إلى فرص تنموية شاملة للاقتصاد الاجتماعي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.