كيف يُسهم دعم نمو المشاريع الصغيرة في تحقيق التنمية المستدامة؟

4 دقيقة
المشاريع الصغيرة
shutterstock.com/tete_escape

تعد المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة جهات فاعلة ومهمة لتعزيز التنمية المستدامة، لا سيما في الدول النامية، لامتلاكها القدرة على زيادة فرص العمل، وخلق قيمة اقتصادية مضافة، وذلك في حال تقديم الدعم الكافي لها، ففي ظل بيئة معقدة مليئة بالتحديات؛ لا تزال هذه المشاريع تواجه صعوبة في تحقيق نمو ثابت ومستدام يساعدها على البقاء والإسهام في مسار التنمية.

المشاريع الصغيرة محركاً للنمو الاقتصادي

تسهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنحو 45% من إجمالي القوى العاملة و33% من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية، ما يجعل تعزيز نموها فرصة للوصول إلى هدف خلق 600 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030 لاستيعاب التعداد السكاني المتزايد، وتمكين الاقتصادات المحلية والوطنية من تحسين سبل العيش للعاملين الشباب والنساء والفئات الضعيفة.

وعلى عكس الشركات الكبرى التي قد تعاني القيودَ البيروقراطية؛ تتمتع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالقدرة على التكيف السريع مع تغيرات السوق المحلية وتلبية احتياجاتها، ما يجعلها أساساً لتمكين المجتمعات النامية، فمع التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، أصبحت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في صميم الخطط التنموية لدول مثل مصر وتونس والمغرب والأردن.

إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة قادرة على خلق قيمة مضافة للمجتمع عبر تقديم الحلول الملائمة للاحتياجات المحلية التي لا تغطيها الأعمال التجارية الأخرى، كما توفر فرص عمل جديدة تحسن المستوى المعيشي للسكان المحليين، وهذا يصبُّ في إطار الهدف التنموي الثامن المتعلق بالعمل اللائق والنمو الاقتصادي.

ومن خلال خلق وظائف جديدة ومصدر دخل يلبي الاحتياجات المعيشية للعاملين، تسهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تحقيق الهدف الأول المتمثل بالقضاء على الفقر، ومع اتباع ممارسات مستدامة تتوافق مع المتطلبات البيئية والاجتماعية يمكن لهذه المشاريع التأثير في أهداف التنمية المستدامة الأخرى، على سبيل المثال، قد تعزز فرص تحقيق الهدف 15 "الحياة في البر" من خلال تقليل تأثير الأنشطة على النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وإعادة تأهيل الأراضي وحماية الموائل واستعادتها، واستخدام المُدخلات والمواد التي لا تضر بالحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض.

ويمكن لهذا المشاريع أيضاً تعزيز الإجراءات المتعلقة بالهدف 10 "الحد من عدم المساواة" عبر تقديم فرص العمل للفئات الضعيفة والمهمشة ودمجها في سلسلة القيمة والمنتجات والخدمات المعروضة.

فرص العمل

تتطلب أهداف التنمية المستدامة الطموحة والمعقدة إحداث تحول في الأنشطة التجارية لتصبح أكثر استدامة وتبني نماذج أعمال جديدة قائمة على التكنولوجيا، ويفتح هذا التحول فرص عمل جديدة للمشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إذ يمكن لنماذج الأعمال المستدامة أن تقدم قيمة اقتصادية بقيمة 12 تريليون دولار وتخلق 380 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، مع وجود أكثر من 50% منها في البلدان النامية.

تسهم المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في خلق وظائف جديدة في الأسواق النامية، 4 من أصل 5 وظائف جديدة في القطاع الرسمي، ما يمثل نحو 90% من إجمالي القوى العاملة، على سبيل المثال، في مصر، توفر المشروعات الصغيرة المملوكة للشباب ما يزيد على 85% من فرص العمل في القطاع الخاص غير الزراعي و40% من إجمالي الوظائف، وتُعد محركاً مهماً للتوظيف في المملكة العربية السعودية، وخاصة للشباب السعودي، إذ تمثل 53% من إجمالي فرص العمل.

لكن في المقابل هناك مشاريع متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة تأخذ طابعاً غير رسمي وتضم نحو 70% من القوى العاملة في البلدان النامية، وبحسب منظمة العمل الدولية، تفتقر غالبية العاملين في الاقتصاد غير الرسمي إلى الحماية الاجتماعية والحقوق في العمل وظروف عمل لائقة، وبالتالي فإن إضفاء الطابع الرسمي على المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة سيكون خطوة نحو تحقيق هدف القضاء على الفقر.

فالنمو الاقتصادي يجب أن يخلق وظائف أكثر وأفضل للجميع حتى يسهم بفاعلية في القضاء على الفقر وزيادة الدخل وتحسين جودة الحياة في المجتمعات المحلية المهمشة.

توفير العمل اللائق وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام

خلال العقود الأخيرة، زادت فرص العمل التي توفرها المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ففي الفترة من 2003 إلى 2016، ارتفع عدد العاملين بدوام كامل في هذه المشاريع من 79 إلى 156 مليون عامل في 132 دولة.

ولكن عادةً ما تنشط المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في القطاعات ذات المهارات المتدنية والكثيفة العمالة، مع أجور متدنية وظروف عمل أقل أماناً، ومع انتقال سكان المناطق الريفية إلى المدن ينتهي بهم المطاف في وظائف أقل أجراً بسبب ضعف مستواهم التعليمي ونقص مهاراتهم.

ويعد نقص القوة العاملة الماهرة في العديد من القطاعات من التحديات الرئيسية لتقدم البلدان النامية، فغالباً ما تكون مخرجات التعليم غير متوافقة مع التقدم التكنولوجي في سوق العمل، هذا التقدم الذي يسير بوتيرة أسرع من تدريب العاملين على البرمجة وتكنولوجيا المعلومات.

تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات

بحسب مؤسسة التمويل الدولية، ثمة 9.34 ملايين مشروع متناهي الصغر وصغير ومتوسط في أكثر من 140 دولة مملوكاً للنساء، وتشكل النساء خمس إجمالي القوى العاملة في هذه المشاريع، إذ يبلغ معدل توظيف المرأة في المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الرسمية 20.45% و13.02% في المؤسسات غير الرسمية.

ولكن توظَّف النساء في الغالب في وظائف ذات مهارات متدنية وأجور منخفضة، كما يواجهن صعوبة في الحصول على التمويل، وبناء شبكة علاقات فعالة لتنمية مشاريعهن.

وفقاً لما سبق، تكافح المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل النمو والاستمرار أمام تحدي نقص التمويل والمهارات، ففي جنوب إفريقيا، اضطر ما يصل إلى 60% من المشاريع الصغيرة إلى وقف نشاطها، وبالتالي من الضروري تقديم الدعم لتلك المشاريع لتؤدي دوراً محورياً في التنمية المستدامة. وذلك من خلال:

بناء المهارات

إن تدريب سكان المناطق الريفية والمجتمعات النامية وتحسين مهاراتهم في إدارة الأعمال والتجارة الإلكترونية والنموذج التجاري المستدام أمر مهم لتنمية مشاريعهم الصغيرة أو حصولهم على عمالة ماهرة تواكب متطلبات سوق العمل.

لذا يجب أن تقدم الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني تدريباً فعّالاً مع الاستفادة من التطور التكنولوجي في إمكانية الوصول إلى العمال وأصحاب المشاريع ودعمهم.

توفير التمويل والوصول إلى الأسواق

تعاني المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً المملوكة للشباب والنساء، صعوبةَ الوصول المحدود إلى التمويل الذي يساعدها على النمو والاستفادة من إمكاناتها الكاملة، ووفقاً لمنتدى تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، يوجد 131 مليون مشروع متناهي الصغر وصغير ومتوسط الحجم يفتقر إلى احتياجاته التمويلية، الأمر الذي يحد من قدرة تلك المشاريع على التوسع والمنافسة في الأسواق العالمية بالعمالة الماهرة والتكنولوجيا.

وعليه، يمكن مساعدة أصحاب هذه المشاريع على فهم احتياجاتهم التمويلية فهماً أفضل، وتقديم خدمات مالية مناسبة لهم من قِبل المستثمرين والبنوك والمقرضين والمؤسسات المالية، والعمل على تحسين الشمول المالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي، فقد يسهم ذلك في زيادة معدل النمو الاقتصادي السنوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى بنسبة 1%، وتوفير نحو 16 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025.

يتطلب تفعيل دور المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في التنمية المستدامة إضفاء الطابع الرسمي عليها عبر وضع الأطر التمكينية والتنظيمية، وتحسين الوصول إلى الخدمات المالية والتدريب على المهارات التي تساعد على ربط الأفراد بفرص العمل اللائقة من أجل القضاء على الفقر وتحقيق كل من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.