الدروس المستفادة من إفلاس شركة رينيوسل وتحديات المشاريع المستدامة

11 دقيقة
استدامة قطاع الموضة

ملخص: يتجه المجتمع نحو اقتصاد دائري ومعايير عمل عادلة، لكن نموذج الأعمال الحالي في قطاع الموضة غير مستدام، إذ يصل حجم الهدر فيه إلى 92 مليون طن متري سنوياً. سعت شركة رينيوسل لتقديم الحل من خلال إعادة تدوير نفايات المنسوجات، لكنها أخفقت بسبب مشاكل مالية وإدارية وتحديات تشغيلية في أثناء التوسع. على الرغم من دعم العلامات التجارية الكبرى التي وعدت بتبني منتجات رينيوسيل لكنها تخلت عنها عندما واجهت صعوبات مالية، مفضلة حماية أرباحها على حساب المبادرات البيئية. ويكشف ذلك عن أن الاستدامة لدى العلامات التجارية غالباً ما تكون واجهة تسويقية أكثر من أنها التزام حقيقي. ويتطلب التغيير نحو استدامة حقيقية تدخلات تشريعية. كما يُظهر إخفاق شركة رينيوسل الحاجة إلى دعم الابتكارات والتكنولوجيا الجديدة لإحداث تحول جذري، وتحقيق التوازن بين الإنتاج والطلب، وتقليل التأثير البيئي.

لا تعكس التصاميم الجميلة وعروض الأزياء البراقة حقيقة قطاع الموضة، فالملابس التي نرتديها يومياً، سواء كانت أنيقة أو لا، يصنعها آلاف العمال حول العالم لصالح قطاع الملابس الذي تبلغ قيمته 2.5 تريليون دولار. ولإبقاء رفوف المتاجر مكدسة بالموديلات الجديدة، يحتاج هذا القطاع إلى إنتاج كميات أكبر بكثير ما يمكنه بيعها، وكل ذلك من أجل عدم الإخفاق في تلبية الطلب. في السنوات الأخيرة، تحولت ممارسات الأعمال في قطاع النسيج والملابس من إنتاج سلع عالية الجودة بكميات مستدامة إلى إنتاج الموضة السريعة التي تتسم بالإفراط في الإنتاج والهدر الكبير والتدهور البيئي والظروف الاجتماعية السيئة التي يعانيها العاملون.

يمثل الهدر مشكلة أساسية في قطاع الموضة، حيث يصل إلى 92 مليون طن متري سنوياً، وفقاً لموقع إيرث دوت أورغ (earth.org). لم يعد نموذج الأعمال الحالي للقطاع مستداماً، والدليل على ذلك أطنان الملابس المستخدمة التي تملأ مكبات النفايات وحرق كميات كبيرة من الملابس غير المباعة في جميع أنحاء العالم. يتحول المجتمع نحو الاقتصاد الدائري ذي التأثير الكربوني المنخفض ومعايير العمل العادلة، لذلك بات القطاع مهيّأ لإجراء تحول جذري من داخله. تسعى الشركات المنافسة الجديدة في القطاع، مثل شركات جمع النفايات وفرزها وإعادة تدويرها، وشركات النسيج المبتكرة التي تفكك الأنسجة إلى مستوى الجزيئات، إلى تبني نموذج مختلف عن النموذج الخطي التقليدي القائم على الإنتاج ثم الاستهلاك ثم الهدر.

ثمة طريقتان لتقليل تكدس نفايات المنسوجات المتزايدة، الأولى أن ينخفض معدل شراء المستهلكين والثانية إعادة تدوير المنسوجات. من هذا المبدأ انطلقت شركة رينيوسل السويدية لإعادة تدوير الملابس التي ابتكرت تكنولوجيا لاستخلاص السليلوز من نفايات المنسوجات القطنية وتحويله إلى عجينة لصناعة ألياف نسيجية جديدة. لكن بعد عام من افتتاح منشأتها الأولى الكبيرة، أعلنت شركة رينيوسل إفلاسها، ما أحدث صدمة في عالم الموضة. وبصفتي الرئيسة التنفيذية السابقة للقطاع التجاري في شركة رينيوسل ومستشارة في قطاع الموضة، وهما منصبان يهتمان بشدة ببناء قطاع موضة أكثر استدامة، من المهم تحليل أسباب فشل شركة رينيوسل، ومعرفة ما هي تداعيات ذلك على القطاع، وهل ثمة دروس يجب تعلمها؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، دعونا ندرس المشاكل المالية التي واجهتها شركة رينيوسل وثغرات نموذج أعمالها، ونقيّم الآثار الأوسع نطاقاً على حركة الاستدامة في مجال الأعمال، ونقدم دروساً حول إدارة المخاطر في الشركات التي تهتم بالبيئة.

تأسيس شركة رينيوسل

تأسست شركة رينيوسل في عام 2012، وبعد سنوات عدة من التطوير التقني، بدأت تشغيل مصنع تجريبي في مدينة كريستيناهامن في السويد عام 2019. كان المنتج الرئيسي للشركة هو السيركلوز (Circulose)، وهو عجينة مذابة يجري استخراجها عبر تقطيع الملابس المستعملة الغنية بالقطن ومعالجتها كيميائياً. ينتج من هذه العجينة مادة طينية يشويها القائمون على هذه العملية لتشكّل ألواحاً من السللوز المضغوط ثم يرسلونها إلى الشركات المنتجة للألياف حول العالم التي تحولها إلى ألياف سليلوزية مصنّعة جديدة مثل الفيسكوز. تمثل سوق الألياف السليلوزية المصنعة على مستوى العالم 7.27 ملايين طن متري؛ أي ما يعادل 6% من إجمالي سوق الألياف، وفقاً لموقع تكستايل إكستشينج دوت أورغ (textileexchange.org).

يقع المقر الرئيسي لشركة رينيوسل في ستوكهولم، وجرى إدراجها في بورصة ناسداك فيرست نورث (Nasdaq First North Exchange) في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ما مكّنها من جمع رأس المال اللازم لإطلاق الإنتاج التجاري على نطاق واسع في مصنع سابق لعجينة الورق في ديسمبر/كانون الأول 2022. بلغ إجمالي الاستثمارات في تأسيس الشركة وموقع الإنتاج نحو 140 مليون دولار. ووصل عدد موظفي شركة رينيوسل في ذروتها إلى 130 موظفاً في مجالات الإدارة والهندسة والإنتاج. استثمرت شركة البيع بالتجزئة آتش آند إم (H&M) فيها منذ بداية عملها، وباعت الشركة إنتاجها من الخط التجريبي لشركات إنديتكس (Inditex) وبي في آتش (PVH) وبيست سيلر (Bestseller) وليفايس (Levi's) وغاني (Ganni) وآتش آند إم.

تبنّت شركة رينيوسل استراتيجية نمو تعتمد على استراتيجية "الدفع والجذب"، حيث سوّقت السيركلوز لمنتجي الألياف (الدفع)، وللعلامات التجارية للملابس (الجذب). ووعدت بتقديم أسعار جذابة مع زيادة حجم إنتاج السيركلوز. بالإضافة إلى ذلك، ركزت شركة رينيوسل على بناء "شبكة موردي السيركلوز" لدعم منتجي الألياف وزيادة اهتمام العلامات التجارية، ما يجعل الأقمشة متوافرة ويضاعف تأثير التسويق.

كان مصنع الورق السابق في السويد هو معمل إطلاق المنتج، خططت الشركة إلى إنشاء مصانع جديدة في أميركا الشمالية وآسيا بعد إثبات جدوى الفكرة، بحيث يمكن لشركة رينيوسل التعامل مع عدد أكبر من موردي الملابس المستعملة المحليين وتتوافر لها سلاسل توريد النسيج الإقليمية بسهولة أكثر. أرادت الشركة الوصول إلى قطاع إنتاج الألياف في آسيا من خلال افتتاح مصانع فيها. لكن تأمين رأس مال إضافي لهذه الخطط التوسعية كان يتطلب أولاً تحقيق الربحية بسرعة في المنشأة السويدية.

تبيّن بعد فوات الأوان أن استراتيجية التوسع العالمي السريع كانت مجرد تمنٍّ بسبب غياب الأمن المالي اللازم لبدء النمو التجاري. تستغرق دورة تطوير الملابس النموذجية من 12 إلى 18 شهراً، لكن شركة رينيوسل توقعت تحقيق نقطة التعادل (النقطة التي تتساوى فيها الإيرادات مع التكاليف) في غضون عام واحد من بدء الإنتاج. أضف إلى ذلك أن العلامات التجارية أبدت اهتماماً كبيراً بشراء منتجات الشركة، ما أدى إلى تفاؤل زائف اتسمت به استراتيجية دخول السوق الخاصة بشركة رينيوسل، الذي كان يستند إلى الاعتقاد أن التبني السريع للسيركلوز سيحدث بسبب قلة خيارات إعادة التدوير المتاحة في السوق والالتزامات الموقعة مع منتجي الألياف. وبالفعل، ساعدت الضجة التي أثارتها العلامات التجارية حول المواد المعاد تدويرها في رفع سقف توقعات شركة رينيوسل المتفائلة للغاية. وكما سنرى، تبين أن هذا التفاؤل كان مضللاً لأن العلامات التجارية أخفقت في الوفاء بوعودها.

التحديات والأخطاء

حظيت جهود شركة رينيوسل بدعم من الناشطين البيئيين والعديد من العلامات التجارية الرائدة في قطاع الموضة في البداية. حيث كان الزخم المحيط بالشركة والتكنولوجيا التي تستخدمها يُبشر بتحقيق طفرة في إعادة التدوير على مستوى القطاع. ومع أن عمليات إعادة التدوير الميكانيكي للملابس موجودة منذ عقود، كانت هذه العمليات محدودة النطاق ولم تتضمن تقنيات إزالة اللون والجودة التي توفرها الأساليب الحديثة.

وعلى الرغم من الحماسة في البداية، سرعان ما ظهرت مشكلات عملية في نموذج أعمال شركة رينيوسل وفي سرعة التوسع وفي الاستراتيجية. واجهت الشركة تحديات كبيرة أضعفت عملياتها مالياً وتشغيلياً، ما حدّ من قدرتها على ترجمة التفاؤل إلى مبيعات ملموسة.

على سبيل المثال، ارتفعت مستويات مخزون النفايات النسيجية جداً في أثناء بناء المصنع الأول خلال جائحة كوفيد-19، وازدادت الأمور تعقيداً بسبب تأخر عملية البناء وارتفاع تكاليف شحن الملابس المستعملة. ونتيجة لذلك، أصبح بعض المستثمرين حذرين من الاستثمار، حيث لم يُظهر النموذج التجاري لشركة رينيوسل فعالية كافية وسط المخزون الهائل وضعف الطلب.

كان الحصول على الملابس المستعملة مكلفاً ويتطلب تنظيماً صارماً للعمل مع شركات جمع النفايات وفرزها المنتشرة حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، جرى شحن الملابس المستعملة من مناطق بعيدة مثل بنغلاديش. وكانت أنظمة جمع النفايات وفرزها في أوروبا غير مكتملة، ما أدى إلى عمليات توريد عالمية غير فعالة ومكلفة، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الشحن في أثناء الجائحة. كما افتقرت أنظمة التنبؤ باحتياجات المواد الخام إلى ضوابط صارمة للتوريد.

كان السعر المعروض للسيركلوز أعلى من الأسعار السوقية للألياف الخشبية البكر، وتأزمت الأمور بسبب اختلالات العرض والطلب التي زادت الجائحة من حدتها، إلى جانب التحديات التي طرحتها الحرب في أوكرانيا. مع دخول السيركلوز إلى السوق، كانت الألياف السليلوزية البكر تواجه انخفاضاً في التسعير الدوري وزيادة في المخزونات. كما أدت التقلبات في أسواق القطن إلى تفاقم الوضع.

واجهت الشركة تحديات داخلية أيضاً، فالمواعيد النهائية الضاغطة، والخلافات داخل مجلس الإدارة، وعدم القدرة على تغيير المسار عندما يتطلب الأمر ذلك، هي أمور أدت إلى ارتفاع معدل دوران المسؤولين التنفيذيين. لقد أدى الاندفاع السريع لتجديد المصنع في أثناء الجائحة إلى إصابة الكثير من أعضاء الفريق بالإرهاق والإحباط وعدم القدرة على تخصيص الوقت والطاقة اللازمين لتطوير العملية التجارية. تعاني الشركات الناشئة في العادة بسبب التغييرات في القيادات التنفيذية، ولكن في حالة شركة رينيوسل، أدت القرارات الضعيفة والإجراءات الخاطئة والمحاولات غير المدروسة لإنقاذ الوضع إلى تفاقم المشاكل.

وبسبب قلة الموارد، ركزت الشركة على عدد محدود من الجهات الفاعلة في قطاع الموضة، والعمل حصرياً تقريباً مع العلامات التجارية الأوروبية للموضة السريعة نظراً للقرب الجغرافي والتشريعات المعلقة المتعلقة بمسؤولية المنتج الممتدة (EPR)، على الرغم من أن مستويات النفايات من الملابس المستعملة في أميركا الشمالية أعلى بكثير منها في أوروبا، مع العلم أن ابتكارات الألياف تبدأ عادةً بسعر أعلى ومع علامات تجارية صغيرة تستطيع توضيح الفوائد البيئية للمستهلكين. كما اعتمدت شركة رينيوسل على منتجي الألياف البعيدين جغرافياً عن أوروبا لتحويل عجينة السيركلوز إلى ألياف. على سبيل المثال، اعتمدت الشركة على بيع العجينة لشركة الألياف الصينية سانيو (Sanyou)، ما أضاف تحديات جديدة بسبب حواجز اللغة وبعد المسافة.

وما زاد من تعقيد الوضع هو عدم قدرة شركة رينيوسل على تحديد إذا كانت ستتبع نموذج البيع المباشر أو نموذج منح الترخيص. فمن دون طلبات العلامات التجارية، لم يكن لدى الشركاء من منتجي الألياف حافزاً لإنتاج السيركلوز، ما أدى إلى تكدس عجينة الشركة في المستودعات لدى شركات الألياف في جميع أنحاء آسيا، التي لم تكن تعلم كيف ستسوق المنتج وتسعّره وتبيعه مقارنةً بالألياف البكر الأرخص التي كانت تقدمها بالفعل. ومن دون مبيعات فورية ومستدامة كافية لتغطية احتياجات المصنع في السويد، اختصرت الشركة جدول تطوير الألياف والتحقق من جودتها والتسويق والبيع. بعبارة بسيطة، توقعت شركة رينيوسل أن يحفز منتجو الألياف المبيعات. في المقابل، كان من الممكن أن يوفر نموذج الترخيص إيرادات فورية ومستدامة، وهو الذي يستخدم فيه منتجو العجينة أو الألياف تقنية شركة رينيوسل مقابل رسوم.

مسؤولية العلامات التجارية

أي نظرة عابرة إلى أي موقع إلكتروني للموضة هذه الأيام ستغمر العملاء المحتملين برسائل كثيرة حول الاستدامة، ووعود بأن تكون العلامة محايدة كربونياً بحلول تاريخ معين في المستقبل، وبرامج لمساعدة المحرومين، وجهود لتعزيز سلامة العمال، وغيرها من المبادرات. وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة حسنة النية وجديرة بالاهتمام، لكنها مغلفة غالباً بستار من التسويق للشركات، ما يجعل من الصعب على المستهلكين التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيال، وما هو مفيد وما هو غير ضروري. لهذه الرسائل أهمية كبيرة في تعزيز الروايات الإيجابية لأصحاب المصلحة ضمن القطاع لإبعاد النقاد البيئيين وحماية العلامات التجارية من انتقادات الجمهور التي يمكن أن تؤثر سلباً في المبيعات.

إن التسويق للعلامات التجارية مجال غامض جداً، ولكن يجب على العلامات التجارية أن تتبنى ما هو صواب وترفض ما هو غير ذلك. وعندما تفشل في الوفاء بهذه المسؤوليات، يقع القطاع في مستنقع من الإنتاج الزائد، وسلاسل التوريد الرخيصة والمسيئة لليد العاملة، والتدهور البيئي.

هذا ما حدث مع شركة رينيوسل، فقد وعدت بعلاج إحدى المشاكل الكبرى في قطاع الموضة، وهي النفايات. اصطفت العلامات التجارية لدعمها، حيث استثمرت بعضها مباشرة في شركة رينيوسل. وآمنت بوعد التكنولوجيا والأسلوب الذي تتبعه الشركة في جمع معظم الملابس المستعملة في العالم لتحويلها إلى ألياف معاد تدويرها. ومع ذلك، عندما تعثرت شركة رينيوسل، ماذا فعلت غالبية العلامات التجارية؟ انسحبت وتراجعت.

كان دعم العلامات التجارية متقلباً منذ البداية، ومنها العلامات التي اشترت من كميات الإنتاج التجريبي. على سبيل المثال، لم تؤدِ الاتفاقات العلنية مع شركات التجزئة الكبيرة مثل آتش آند إم وبي في آتش إلى عمليات شراء كبيرة. لم تكن هذه التعهدات ملزمة، لكن الاتفاقيات كانت علنية، ما يعني أن هذه العلامات التجارية كانت مطالبة باستخدام السيركلوز في ملابسها. ولكن عندما أوضحت شركات الألياف للعلامات التجارية أن السيركلوز يكلف أكثر من البدائل البكر، انسحب معظمها.

تتباهى علامات تجارية عديدة بـ "الحياد الكربوني" في سلاسل التوريد الخاصة بها، لكن عندما يتعلق الأمر بالأرباح، فإن "حياد التكلفة" هو الأهم. تشير تقارير القطاع إلى أن تكلفة الألياف تمثل فقط 3-5% من إجمالي سعر التجزئة. قد يمثل ذلك لائحة اتهام لقطاع صناعة الملابس ذات العلامات التجارية، ولكنه أيضاً يعكس حقيقة الأعمال التجارية اليوم. التكاليف مهمة، والأرباح مهمة —المبادرات البيئية مهمة، ولكن بدرجة أقل.

لذلك، تخلى العديد من العلامات التجارية عن شركة رينيوسل عندما بدأت تنهار. انهارت أسهم شركة رينيوسل بين ليلة وضحاها، وتعرضت إلى خسائر كبيرة تحملتها وحدها، حاولت الإدارة معالجة الخسائر لفترة، ولكنها سرعان ما ازدادت إلى درجة تفوق قدرة الشركة على التعامل معها، وحدث الإفلاس. حتى في ذلك الوقت، كان بإمكان العلامات التجارية مد يد العون، لكنها لم تفعل. وبذلك أخفقت العلامات التجارية في متابعة دعمها العلني على نحو ملموس، ووجدت في النهاية أنه من المريح إلقاء اللوم على إدارة شركة رينيوسل في فشلها واعتبار قرارها بالابتعاد قراراً تجارياً حكيماً.

الصدمات الصعبة والدروس المستفادة

ثمة الكثير ممن يقع عليه اللوم. ارتكبت إدارة شركة رينيوسل عدة أخطاء، وكذلك فعلت العلامات التجارية وشركات الألياف. وبما أنها كانت أول شركة في السوق، فقد واجهت الكثير من المخاطر. كان المنتج موجوداً والتسويق فعالاً، ولكنها تعثرت بالتنفيذ. عندما تتتبع تفاصيل إطلاق أي عمل تجاري فاشل تظهر لك سلسلة من الأخطاء، وظروف السوق السيئة، والفرص الضائعة.

وصل إنتاج العجينة في شركة رينيوسل إلى نطاق فعال في حين قدّم منتجو الألياف ملاحظات حول الجودة وخزّنوا كميات من الألياف أو العجينة. جهّز صانعو الغزل صفوف الإنتاج لمزج الخيوط، لكن لم يتمكنوا من البدء بزيادة الإنتاج والكفاءة لأن العلامات التجارية لم تعرف كيف تستفيد من الابتكار على نطاق واسع. جرت مقارنة أسعار الفسكوز المصنوع من السيركلوز مع الفسكوز العادي الذي تنتجه المصانع منذ أكثر من 100 عام. لم تكن العلامات التجارية على استعداد لدفع المال لدعم المبادرة البيئية إذا كانت على حساب الأرباح. أعلنت شركة رينيوسل أنه بمرور الوقت سوف تنخفض الأسعار مع زيادة الإنتاجية، لكن العلامات التجارية لم تكن مستعدة للانتظار.

ولم يكن لدى شركة رينيوسل الوقت للانتظار أيضاً. وبما أن الشركة كانت مدرجة في بورصة ناسداك للأوراق المالية، تخلص المتداولون غير الصبورين من أسهم الشركة عندما أخفقت في تحقيق أهدافها المتعلقة بالمبيعات وإطلاق المصنع. وتحولت شركة رينيوسل بين عشية وضحاها من شركة محبوبة في القطاع إلى إحدى الشركات المنبوذة بسبب فشلها في تحقيق التزاماتها البيئية. لم يكن لدى الإدارة الوقت الكافي لتوسيع قدرتها الإنتاجية بسرعة كافية لخلق وفورات الحجم اللازمة لتأمين السليلوز بيسر لشركائها وعملائها. وكما رأينا، فقد جمع الطرح العام لشركة رينيوسل الأموال بسرعة ولكنه جاء بشروط يجب تحقيقها بمدة قصيرة جداً.

جمعت شركة رينيوسل ما يقرب من 200 مليون دولار في بورصة ناسداك، لكنها كانت في الأساس شركة تصنيع العجينة، وكان ما يميزها استخدام الملابس المستعملة مواد أولية بدلاً من الخشب.

بالنظر إلى ما حدث مع شركة رينيوسل، إلى أين يتجه قطاع الموضة؟

ما يزال قطاع الموضة أحد أكبر الملوثين بين القطاعات. فالمكبات تكتظ بالملابس المستعملة والمنسوجات. ونسبة الهدر مرتفعة جداً فيه. وهو يفرط في الإنتاج واتباع صيحات الموضة السريعة التي تشجع المستهلكين على التخلص من الملابس لشراء موديلات جديدة للموسم المقبل. وثمة عدم كفاءة في إدارة الموارد.

الجنون هو أن تكرر العملية نفسها مراراً متوقعاً نتائج مختلفة في كل مرة. علاوة على ذلك، لا يمكن أن يحدث التحول والمعطيات لم تتغير، ثمة حاجة إلى جهات فاعلة جديدة ومبتكرين حقيقيين لتحقيق التغيير المنهجي في الاقتصاد الدائري وتأثير الكربون وإمكانية التتبع والشفافية. يحتاج المنافسون الجدد إلى دعم من منظومة المؤسسات الكبرى، ويجب على العلامات التجارية وضع أهداف واضحة للألياف المعاد تدويرها وألياف الجيل المقبل لتوجيه الموردين نحو التطوير الذاتي. إذ يمثل تطوير التكنولوجيا 10% فقط من العمل عندما تكون هناك منظومة كاملة تجب مراعاتها.

وبما أن هذا القطاع يفتقر إلى المبادئ التوجيهية التشريعية، فإن سياسة مسؤولية المنتج الممتدة (EPR) التي ما زالت معلقة على الصعيد العالمي والصفقة الأوروبية الخضراء (EU Green Deal) وقانون الموضة في نيويورك (NY Fashion Act) وقانون كاليفورنيا (SB707)، ستغير نموذج "الإنتاج ثم الاستهلاك ثم الهدر". يحتاج صانعو السياسات إلى فهم القضايا الأساسية لوضع تشريعات كفيلة لتحقيق التغيرات البيئية والعدالة الاجتماعية. فالأمر لا يقتصر على تمرير التشريعات فحسب، بل يتضمن أيضاً فرضها وتطبيق الغرامات باستخدام الترغيب والترهيب. للبدء، يجب توفير صناديق تمويل انتقالية لدعم أوائل المتبنين لتعويض فروق الأسعار.

بسبب التأثيرين البيئي والاجتماعي لصناعة المنسوجات والملابس، ثمة حاجة مستمرة إلى الاستثمار في الابتكارات القابلة للتوسع. لأن تكلفة التقاعس عن العمل ستكون ضخمة مالياً واجتماعياً واقتصادياً.

واجه قطاع الموضة مشكلة الهدر في أثناء محاولته تحقيق التوازن بين الإفراط في الإنتاج والطلب في سوق الملابس. إن نظام التسليم "في الوقت المناسب"؛ أي تلبية طلبات السوق عند الطلب، يكون فعالاً عند استخدامه ضمن حدود سلاسل التوريد المحددة بدقة في القطاع. ومع ذلك، يبقى نظام الإنتاج في الوقت المناسب صعب التحقيق، إذ يتطلب تلبية طلبات المستهلكين أسلوباً يعتمد على تخمين إن كان سيجري بيع المنتجات أم لا.

مع وجود الآلاف من المنتجات المختلفة المعروضة على الإنترنت أو على رفوف المتاجر، يظل ضبط الإنتاج مشكلة لقطاع يعمل بنشاط استناداً إلى الصيحات الجديدة وطلب المستهلكين. وذلك يؤدي إلى الإفراط في الإنتاج والهدر. بإمكان القطاع أن يفرض قيوداً على الإنتاج، لكنها فكرة يصعب حتى تخيلها. لكن قد تشجع القوانين إعادة استخدام نفايات القطاع وكذلك استخدامها بديلاً من سلاسل توريد المواد الخام الأصلية.

بعد 3 أشهر من الإفلاس، وجدت شركة رينيوسل مالكاً جديداً يشتري أصولها المتبقية، وهو شركة ألتور إيكويتي بارتنرز (Altor Equity Partners). بموجب الملكية الجديدة تغيّر اسم الشركة إلى سيركلوز (Circulose)، ومثّل ذلك فصلاً جديداً في توسيع نطاق تدوير النسيج إلى نسيج. قبل إعادة فتح منشأة الإنتاج، كان يجب أن تبدأ المخزونات الحالية التحرك في السوق عند منتجي الألياف، والمغازل، والنساجين، ومنتجي الملابس الذين لديهم طلبات من العلامات التجارية.

بعد عقود من العمل في صناعة النسيج، كان من المثير لنا أن نكون في طليعة مَن استخدم التكنولوجيا الجديدة. إن انتقال صناعة النسيج والملابس في القرن العشرين إلى الشرق الأقصى، وسعي العلامات التجارية إلى أقل الدول تكلفة في الإنتاج، لم يؤدِّيا إلا إلى زيادة نفايات القطاع، وتلوث المجاري المائية، وحرق المخزونات غير المباعة. في المقابل، تجاهلت ممارسات القطاع التكلفة الحقيقية على الكوكب والناس، وكل ذلك باسم زيادة هوامش الربح وتعزيز قيمة الأسهم.

في حالة شركة رينيوسل، أدركت الشركة الهدف من الاستفادة من مصدر خام لا ينضب من الملابس المستعملة، ووضعت مساراً للتصدي لمشكلة الهدر في القطاع. علاوة على ذلك، توفر تجربة رينيوسل دليلاً إرشادياً لقطاع الموضة لتجنب القوانين الحكومية التي يمكن أن تؤثر سلباً فيه بطرق غير متوقعة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.