
مع فهم نماذج التمويل العشر، يمكن للقادة غير الربحيين استخدام الممارسة القيمة للعالم الهادف للربح المتمثلة في الدخول في محادثات مقتضبة وواضحة حول الاستراتيجية المالية طويلة الأجل. هذا المقال هو الجزء الثاني من سلسلة النماذج العشر للتمويل، للاطلاع على الجزء الأول من السلسلة؛ اقرأ: التمويل غير الربحي.
نماذج التمويل العشر
تتضمّن الفقرات التالية وصفاً لنماذج التمويل العشر، إلى جانب لمحة عن المؤسَّسات غير الربحية الممثِّلة لكل نموذج. رُتِّبَت النماذج حسب الفئة المهيمنة من المموِّلين؛ معظم تمويل النماذج الثلاث الأولى ( الرابط العميق، والمنشِئ المستفيد، و تحفيز الأعضاء) من العديد من التبرّعات الفردية، ومعظم تمويل النموذج التالي (المراهن الضخم) من شخص واحد أو قلّة من الأفراد أو المؤسَّسات، ومعظم تمويل النماذج الثلاث التالية (المزوِّد العام، ومبتكر السياسة، والوسيط المستفيد) من الحكومة، ومعظم دعم النموذج التالي (إعادة تدوير الموارد) من خلال تمويل الشركات، أما آخر نموذجَين (صانع السوق والمؤمِّم المحلي) لديهما مزيج من المموِّلين.
1. الرابط العميق
تنمو بعض المؤسَّسات غير الربحية؛ مثل مؤسَّسة «ميك آيه ويش» (Make-a-Wish Foundation)، نموّاً هائلاً من خلال التركيز على القضايا التي تتوافق مع الاهتمامات الحالية لأعداد كبيرة من الأشخاص أصحاب مختلَف مستويات الدخل، وإنشاء طريقة منظَّمة ليتمكن هؤلاء الأشخاص من التواصل، حيث لم يكن أي منهم جزءاً من المؤسَّسة سابقاً؛ تعمل المؤسَّسات غير الربحية التي تتّبع هذا النهج وفق نموذج تمويل نسميه الرابط العميق؛ تكون بعض القضايا الأكثر شيوعاً التي تتناولها في مجالات الأبحاث البيئية والدولية والطبية؛ تختلف هذه المؤسَّسات عن المؤسَّسات غير الربحية التي تستهدف الأفراد ذوي المعتقدات الدينية أو الميول السياسية أو الاهتمامات الرياضية الذين يجتمعون لتشكيل مؤسَّسات في إطار التعبير عن اهتماماتهم؛ يحاول نموذج الرابط العميق غالباً بناء روابط صريحةً بين المتطوعين، من خلال إقامة فعاليات خاصة لجمع التبرعات؛ تُعَدّ مؤسَّسة «سوزان جي كومن» (Susan G. Komen) مثالاً على المؤسَّسات غير الربحية التي تعمل وفق نموذج الرابط العميق؛ حيث تأسَّست عام 1982، وتعمل عبر شبكة من 125 شركة تابعة لها للقضاء على سرطان الثدي باعتباره مرضاً مهدِّداً للحياة، من خلال تمويل المنح البحثية؛ وذلك بدعم مشاريع التعليم والفحص والعلاج في المجتمعات حول العالم، وتثقيف النساء حول أهمية التشخيص المبكِّر؛ تلقى مهمة المؤسَّسة تجاوباً عميقاً لدى العديد من النساء؛ بالرغم من أن عملها قد لا يفيدهنّ بشكل مباشر أبداً، فقد زاد المبلغ المكتسَب من جمع التبرعات السنوي للمؤسَّسة بين عامي 1997 و 2007 من 47 مليون دولار إلى 334 مليون دولار؛ حيث أن متوسِّط تبرّع الفرد قليل – حوالي 33 دولاراً – لكن مساعي المؤسَّسة في جمع التبرعات كانت مدفوعةً بقدرتها على الوصول إلى قاعدة دعم دائمة التوسُّع؛ وإن وسيلتها الرئيسية لجمع التبرعات هي السباق في سبيل الحصول على الترياق الذي تقيمه المؤسَّسة (Susan G. Komen Race for the Cure)؛ حيث تقيم المؤسَّسة والشركات التابعة لها حوالي 120 سباقاً للجري كل عام، يجذب أكثر من مليون مشارِك؛ لاتتيح هذه الفعاليات للأفراد التبرع بالمال فحسب؛ بل تساعد المتطوعين في المشارَكة في تكوين الفرق، والتماس التمويل، والمشارَكة في تجربة يوم السباق؛ ينبغي لقادة المؤسَّسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل الرابط العميق أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:
- هل أبدت شريحة متنوعة واسعة من الأشخاص بالفعل استعدادها لتمويل القضايا ضمن هذا المجال؟
- هل يمكننا إيصال الأمور الملحّة التي تُعنى بها مؤسَّستنا غير الربحية، بطريقة بسيطة ومختصَرة؟
- هل توجد وسيلة طبيعية لجذب أعداد كبيرة من المتطوعين وضمّهم؟
- هل نملك، أو يمكننا تطوير، الإمكانيات الداخلية لدينا التي تتيح لنا السعي إلى الانتشار الواسع حتى لو كان في منطقة جغرافية واحدة؟
اقرأ أيضاً: الجدوى التجارية للاستثمار في المواهب في القطاع غير الربحي
2. المنشِئ المستفيد
تُعوَّض بعض المؤسَّسات غير الربحية، مثل «كليفلاند كلينيك» (Cleveland Clinic)، عن الخدمات التي تقدُّمها لأفراد معينين؛ لكنها تعتمد على الأشخاص الذين استفادوا في الماضي من هذه الخدمات للحصول على تبرعات إضافية؛ نُطلِق على نموذج التمويل الذي تعمل هذه المؤسَّسات وفقه المنشِئ المستفيد؛ من أفضل الأمثلة على هذا النموذج المستشفيات والجامعات، عموماً؛ يكون مصدر الغالبية العظمى من تمويل هذه المؤسَّسات غير الربحية، من الرسوم التي يدفعها المستفيدون مقابل الخدمات التي تقدُّمها المؤسَّسات غير الربحية؛ لكن التكلفة الإجمالية لتقديم هذه الخدمة النافعة لا تغطيها تلك الرسوم، ونتيجةً لذلك؛ تحاول المؤسَّسة غير الربحية بناء علاقات طويلة الأمد مع الأشخاص الذين استفادوا من الخدمة، لتأمين الدعم المكمِّل؛ ومن هنا استُنبِط اسم المنشِئ المستفيد؛ وعلى الرغم من أن هذه التبرعات تكون غالباً ضئيلةً مقارنةً بالرسوم (بمتوسِّط 5٪ في المستشفيات و 30٪ في الجامعات الخاصة)، إلا أن هذه الأموال هي مصادر دخل رئيسية للمشاريع الكبرى مثل مشاريع البناء، والأبحاث، وصناديق الهِبات. تنبع رغبة المانحين في التبرع بالمال من إيمانهم أن المنفعة التي حصلوا عليها غيرت حياتهم للأفضل. تميل المؤسَّسات التي تستخدم نموذج المنشِئ المستفيد إلى الحصول على غالبية الدعم الخيري من العطايا الضخمة؛ ومن إحدى الأمثلة على المؤسَّسات غير الربحية التي تعمل وفق نموذج المنشِئ المستفيد جامعة «برينستون»؛ لقد اكتسبت الجامعة مهارةً عاليةً في الاستفادة من طلابها الخرّيجين البارزين لجمع التبرعات؛ حيث تتباهى بأعلى معدِّل تبرّع لطلابها الخريجين بين الجامعات الوطنية، بمعدّل 59.2 %، ففي عام 2008؛ تبرع أكثر من 33 ألف طالب بارز مقبِل على التخرج بمبلغ 43.6 مليون دولار إلى جامعتهم الأم، ونتيجةً لبراعة الجامعة في جمع التبرعات؛ تُسدَّد أكثر من 50% من الميزانية التشغيلية لجامعة «برينستون» من التبرعات والإيرادات من المِنح. ينبغي لقادة المؤسَّسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل المنشِئ المستفيد أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:
- هل ينتج عن مهمتنا منفعة فردية، ويُنظر إليها في الوقت نفسه على أنها مُهمة للصالح الاجتماعي؟
- هل ينشأ لدى الأفراد ولاء عميق للمؤسَّسة أثناء تلقّيهم منفعتهم الفردية؟
- هل نملك البنية الأساسية اللازمة للوصول إلى المستفيدين بأسلوب قابل للتطوير؟
3. تحفيز الأعضاء
تعتمد بعض المؤسَّسات غير الربحية، مثل كنيسة «سادلباك» (Saddleback Church)، على التبرعات الفردية، وتعمل وفق نموذج تمويل نسميه تحفيز الأعضاء؛ حيث يتبرع هؤلاء الأفراد (الذين يكونون أعضاءً في المؤسَّسة غير الربحية) بالمال، لأن القضية جزء أساسي من حياتهم اليومية، وتعود فائدتها عليهم جميعاً؛ لا تخلق المؤسَّسات غير الربحية التي تعمل وفق هذا النموذج مبرراً للنشاط الجماعي؛ بل تتواصل مع الأعضاء (والمتبرعين) من خلال توفير الأنشطة التي يسعون إليها بالفعل أو دعمها. تشارِك هذه المؤسَّسات غالباً في المجالات الدينية أو البيئية أو الفنون والثقافة والعلوم الإنسانية؛ ومن إحدى الأمثلة على هذه المؤسَّسات «الاتحاد الوطني المعني بالديوك الرومية البرية» (The National Wild Turkey Federation – NWTF)؛ الذي يحمي مَواطن الديك الرومي البري ويوسّعها، ويشجّع على صيده، فهو يجذب صيّاديه؛ الذين يستفيدون جميعاً من عمل الاتحاد، فيصبحون أعضاءً مخلصين وجامعي تبرعات؛ حيث يقيم أعضاء الاتحاد المحليون أكثر من 2000 مأدبة لجمع التبرعات كل عام، ليجمعوا حوالي 80% من إيرادات المؤسَّسة السنوية؛ توفِّر هذه المآدب عدّة وسائل للتبرع، ومنها؛ تذاكر الدخول (تكلفة كل منها حوالي 50 دولاراً متضمِّنةً عضويةً سنويةً)، وشراء البضائع (بمتوسط قيمتهأكثر من 100 دولار من كل ضيف)، وبطاقات اليانصيب (التي تدرّ حوالي 16000 دولار في كل مأدبة)، ويزوّد المقر الوطني الاتحاد بجوائز السحب والبضائع لتُباع في هذه المآدب؛ بحيث ينتج عن كل مأدبة ما يعادل 10 آلاف دولار بعد اقتطاع النفقات، وتُكرَّس حصة كبيرة من الأموال التي تُجمَع لحماية الأراضي والديوك الرومية، في المجتمَع الذي قدّم هذه التبرعات. ينبغي لقادة المؤسَّسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل تحفيز الأعضاء أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:
- هل سيشعر أعضاؤنا أن أعمال المؤسَّسة تعود عليهم بالنفع المباشَر، حتى لو تشارَك الجميع هذه المنفعة؟
- هل لدينا القدرة على إشراك أعضائنا في أنشطة جمع التبرعات وإدارتهم؟
- هل يمكننا الالتزام بالبقاء متناغمين مع عضويتنا الأساسية، وبإخلاصنا لها، حتى لو عنى ذلك رفض فرص التمويل، وعدم متابعة الأنشطة التي لا تلقى قبولاً لدى أعضائنا؟
اقرأ أيضاً: الاستثمار الخيري في الفن والابتكار
4. المراهن المغامِر
تعتمد قلّة من المؤسَّسات غير الربحية، مثل «مؤسَّسة ستانلي للأبحاث الطبية»، على المنح الضخمة التي تتلقاها من عدد قليل من الأفراد أو المؤسَّسات، لتمويل عملياتها؛ نطلق على نموذج التمويل الخاص بهم اسم «المراهن المغامِر؛ يكون غالباً المتبرع الرئيسي مؤسِّساً أيضاً، ويريد أن يعالج قضيةً تمسّه شخصياً؛ على الرغم من أن المراهنين المغامرين ينطلقون غالباً وهم يضمنون دعماً مالياً كبيراً بالفعل؛ والذي يتيح لهم النمو بسرعة كبيرة؛ لكن توجَد حالات أخرى تحصل فيها مؤسَّسة موجودة بالفعل على دعم مانح رئيسي، يقرر تمويل نهج جديد ومهم لحل مشكلة ما؛ تركز المؤسَّسات غير الربحية التي تعمل وفق نموذج «المراهن المغامِر» إما على البحث الطبي أو القضايا البيئية؛ إن الأسباب الرئيسية خلف قدرة المراهنين المغامِرين على جذب تبرعات كبيرة؛ هي إما إمكانية حل المشكلة المطروحة بتدفق ضخم للأموال (مثلاً يمكن بمبلغ ضخم إطلاق معهد أبحاث لعلاج أحد الأمراض)، أو أن المؤسَّسة تتّبع نهجاً فريداً ومقنعاً لحل المشكلة؛ من الأمثلة على المؤسَّسات غير الربحية التي تعمل وفق نموذج التمويل المراهن المغامِر «منظّمة الحفظ الدولية» (CI- Conservation International)؛ التي تتّخذ من الحفاظ على التنوع الحيوي في الأرض، وإثبات أن البشر يمكنهم العيش بانسجام مع الطبيعة مُهمةً لها، فإن قدرة المنظَّمة على تحديد مواقع في مختلَف أنحاء العالم، التي يمكن أن يكون لحماية مساحة من الأرض فيها تأثيراً كبيراً على الحفاظ على التنوع الحيوي في العالم؛ تساعدها على جذب المانحين المستعدين للمساهمة بمبالغ كبيرة من المال، حتى يكون لهم تأثير مهم ودائم على حماية الأرض؛ ترِد معظم مساهَمات المنظَّمة من قلّة من كبار المانحين. ينبغي لقادة المؤسَّسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل المراهن المغامِر أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:
- هل يمكننا إيجاد حل ملموس ودائم لمشكلة ضخمة ضمن إطار زمني متوقَّع؟
- هل يمكننا أن نحدّد بوضوح كيف سنستخدم التمويل الضخم في تحقيق أهدافنا؟
- هل تثير قضيتنا أو نهجنا اهتمام أي من أثرى الأفراد أو المؤسَّسات؟
5. المزوّد العام
تعمل العديد من المؤسَّسات غير الربحية، مثل مؤسَّسة «النجاح للجميع»، مع الوكالات الحكومية لتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية؛ مثل الإسكان والخدمات الإنسانية والتعليم؛ والتي سبق للحكومة أن حددت وخصَّصت تمويلاً لها؛ تستخدم المؤسَّسات غير الربحية التي تقدِّم هذه الخدمات نموذجاً للتمويل نطلِق عليه المزوّد العام. في بعض الحالات؛ تستعين الحكومة بمصادر خارجية لتأدية مهمة تقديم الخدمات؛ ولكنها تضع متطلبات محدَّدة لتكون المؤسَّسات غير الربحية مؤهّلةً لتلقّي التمويل؛ مثل صيغ السداد أو عملية طلب العروض (RFP)، ومع نمو المزوّدات العامة؛ يبحثون غالباً عن مصادر تمويل أخرى لتعزيز قاعدتهم التمويلية؛ إن وكالة «تي إم سي» (TMC) (المعروفة سابقاً بمجلس تكساس للمهاجرين)؛ التي تدعم الأطفال والأسر في مجتمعات المهاجرين والوافدين، هي مثال على مؤسَّسة تعمل وفق نموذج تمويل المزوّد العام؛ استفادت الوكالة عند إنشائها في عام 1971، من برنامج «هيد ستارت» (Head Start) التابع للحكومة الفيدرالية، لتمويل عملها الأولي في مساعدة الأطفال على الاستعداد لارتياد المدرسة؛ من خلال التركيز على احتياجات العائلات الثنائية اللغة والثنائية الثقافة، ومع نمو الوكالة؛ سعى قادتها إلى تقليل اعتمادها على مصدر التمويل هذا والتعرّف على فئات أخرى من التمويل الحكومي؛ لتتلقّى الوكالة بعدها تمويلاً من مجموعة متنوعة من المصادر من الحكومة الفيدرالية والمحلية وحكومة الولايات، وتتوسَّع من تكساس إلى سبع ولايات أخرى، كما أنها أصبحت تقدِّم برامج جديدةً؛ مثل محو الأمية ورعاية الحوامل وتثقيف المستهلِك. ينبغي لقادة المؤسَّسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل المزوّد العام أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:
- هل تتطابق مؤسَّستنا بشكل طبيعي مع إحدى أو عدّة برامج حكومية ضخمة موجودة مسبقاً؟
- هل يمكننا إثبات أن عمل مؤسَّستنا سيتفوق على عمل منافسينا؟
- هل نحن على استعداد لتخصيص وقت لتأمين تجديد العقد دورياً؟
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.