هل تُكمل المؤسسات الخيرية تنفيذ مبادراتها حتى النهاية؟

6 دقائق
مؤسسات العمل الخيري
shutterstock.com/tilialucida

لا شك في أن مؤسسات العمل الخيري انخرطت في نضالات هامة من أجل تحقيق العدالة والإنصاف. وعناوين الأخبار مليئة بالأمثلة على ذلك. لكن هذا القطاع تبنى عادة سيئة تتمثل في إعلان النصر وهو بعد في بداية الرحلة. فنحن نحتفل بزخم كبير كلما أقرّ مجلس مدينة برنامجاً معيناً أو وقّعت حكومة معينة على تحويل سياسة مبتكرة إلى قانون. ولكن أين نحن من كل هذا، حين لا تتحقق تلك الأهداف سنوات بعد إقرارها؟ أو عندما يُهمل تنفيذها؟ أو عندما تُفضي التوقعات المثيرة للإعجاب إلى وضع يشبه الوضع الراهن إلى حد كبير، ما يترك لمن كانوا سيستفيدون مجرد أصداء وعود لم يتم الوفاء بها؟

في كثير من المناسبات، كان فاعلو الخير يستمرون حتى ثلث الطريق، ثم يتخلون عن العملية ويعودون إلى ممارسة حياتهم السابقة بعيداً عنها. لقد حان الوقت لأن تستثمر مؤسسات العمل الخيري في التنفيذ: نحن بحاجة إلى الاستمرار في العمل على طول الطريق المرسوم.

وعود لم يتم الوفاء بها

يعج التاريخ الحديث لمقاطعة لوس أنجلوس بالأمثلة على الانتصارات الوهمية للأعمال الخيرية التي احتلت العناوين الرئيسية في الصحف وقنوات الإعلام ثم تلاشت سريعاً. والأمثلة كثيرة في الولايات المتحدة، فمن تخصيص ملايين الدولارات لبرامج الطاقة الخضراء التي تركتها الوكالات المسؤولة عن تنفيذها دون صرفها إلى "قانون قضاء منع جنوح الأحداث في كاليفورنيا"، الذي وُضع عام 2000 لتحويل الأموال المتفرقة التي بحوزة الولاية لفائدة المؤسسات المحلية التي تمتلك سجلات تتبع مُثبتة، غير أنه ترك ملايين الدولارات تتراكم دون إنفاق (فيما ذهب بعضها الآخر، كالعادة، إلى برامج بسجلات تتبع ضعيفة). خذ مثلاً "تأجيلات" الإخلاء التي أقرتها الحكومات المحلية وحكومات الولايات في أوائل عام 2020، فعلى الرغم من أن هذه السياسات صُممت لتوفير أساسيات الحياة للعمال الذين يواجهون فقدان الوظائف بسبب جائحة-كوفيد، وأن المؤسسات المجتمعية كانت مدعومة من قبل قطاع العمل الخيري للفوز بهذه الحماية، قام أصحاب العقارات بتقديم طلبات الإخلاء للمحاكم وفرضت إدارات الشرطة عمليات إغلاق، ما جعل هذه "التأجيلات" غير كافية.

في كل قضية من هذه القضايا، يمكن قياس تكلفة التنفيذ الفاشل بما خلّفته في حياة الناس، من مثل أطفال انتهى بهم المطاف بالسجون بعد انقطاعهم عن الدراسة، أو أُسر صارت مجبرة على الاختيار بين دفع فواتير الخدمات والفواتير الطبية وفواتير الإيجار، أو مجتمعات بأسرها تعاني من تلوث الهواء الذي تستنشقه.

دروس من الداخل

عملتُ على هذه القضايا لأكثر من 20 عاماً، بداية كمنظم، ثم كموظف تشريعي، ومسؤول تنفيذي في المؤسسة، ثم كمفوض مُكلّف. في الغالبية العظمى من الحالات، لا يتم إحباط التنفيذ بسبب مكائد خفية أو ثغرات كبيرة في التشريعات المكتوبة. بل كان الفشل عائداً لأسباب أكثر بساطة، مثل أن يكون التنفيذ تقنياً للغاية ومُكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. وبينما يكون التنفيذ صعباً لأنه يتطلب الوقت والمال والاستمرارية، فإن هذه المجالات الثلاثة هي ما يبرع بها العمل الخيري.

ولكن، يتطلب التنفيذ أيضاً فهم كيفية بناء السلطة وتوجيهها واستدامتها. هذه معرفة أقل شيوعاً في قطاع العمل الخيري، وعند هذه النقطة غالباً ما ينهار قطاعنا. (لهذا السبب، قادت ليبرتي هيل تحولًا قوياً في العمل الخيري نحو الاستثمار في تنظيم المجتمع الذي يمكن أن يبني السلطة للمجتمعات التي نخدمها، في سبيل دفع المسؤولين المُنتَخبين لمتابعة وتنفيذ التغييرات السياسية المطلوبة. حققت هذه الحملات انتصارات تاريخية). ولكن في كثير من الأحيان، يُنظر إلى التنفيذ على أنه العاقبة التكنوقراطية والحتمية لانتصار السياسة، كما لو أن الحكومة هي جهاز حاسوب - بمجرد أن تعيد المؤسسات الناشطة برمجتها من خلال التشريع - فستقدم ببساطة نتيجة حاسمة.

ومع ذلك، فإن تنفيذ السياسة هو ساحة أخرى تُمارَس فيها السلطة في مناحٍ عديدة في نفس الوقت؛ يواصل فيها المسؤولون المنتخبون ممارسة نفوذهم، وكذلك يفعل المفوضون ورؤساء الأقسام وغيرهم من البيروقراطيين، ولكل منهم حوافزه الخاصة ويواجه قيوداً فريدة خاصة به. تعاني المبادرات التحويلية بسبب نقص القدرات والدعم عندما يؤدي التغيير المركّز دوراً ثانوياً في الالتزامات الروتينية للنظام - مثل عملياته اليومية - ناهيك عن الأزمات التي لا يمكن منعها. فعندما تتطلب السياسات الجديدة سحب التمويل من برامج موجودة مُسبقاً، يُشكل الأمر عوائق قانونية وتقنية جديدة، بالإضافة إلى العوائق السياسية. ويُمكن للابتكارات أن تتطلب التنسيق بين الإدارات التي بالكاد تتواصل مع بعضها البعض، وفي حين أن مجموعات القوانين واللوائح تحكم أياً من تدفقات التمويل يُمكن لها دعم أي من البرامج، يتطلب الأمر الكثير من الإبداع والمثابرة والإتقان التام لإعادة تنظيمها.

نظراً لأن السياسات الجديدة غالباً ما تتطلب تطوير ممارسات جديدة، وتعيين طاقم عمل جديد، وتأسيس أنظمة مساءلة جديدة (وصارمة)، يُصبح من الواضح كم هو خطر أن تتوقف إحدى الحملات بعد فوزها في عملية التصويت. بل على النقيض من ذلك، ليس التصويت إلا مرحلة يتوجب بعدها الحفاظ على السلطة المكتسبة على مدار حملة ما، وتعزيزها، وإدارتها باستراتيجية مدروسة.

وضع جدول عمل للتنفيذ

إن الحملة التي تبدأ بتحديد هدف وإنجازه من خلال عمل تشريعي لا تتناول سوى جزء واحد من دورة حياة النضال المجتمعي من أجل العدالة. حيث لا يتم توضيح أو توثيق بعض المشاكل بوضوح، ناهيك عن مطابقتها مع حلول السياسات، بينما يكون بعضها الآخر معروفاً لكن يفتقر إلى الحلول القابلة للتطبيق والتي يُمكن انتظار طرحها من قبل الحكومة. ولكن، بعض المشاكل لها حلول سياسات إلا أنها نُفذت بطريقة سيئة. فغالباً ما تفتقر المؤسسات في هذه المساحة إلى القدرات والموارد اللازمة للاستثمار في الدورة المستمرة من البحث والتعرف والتنفيذ والمساءلة والتي تحقق تغييراً طويل الأمد. حيث أن قلة من المؤسسات تمتلك الوسائل اللازمة للمشاركة في مجموعات العمل واللجان واللجان الفرعية، والعمل مباشرة مع المسؤولين الحكوميين لصياغة وتحسين الممارسات والأنظمة، والشهادة في جلسات الاستماع العامة، وجمع البيانات وإجراء البحوث، والتواصل مع المُشرعين باستمرار.

لكي تتمكن مجموعة التنظيم أو المناصرة من تحويل التركيز عن الحملات النشطة إلى التنفيذ المستدام، يتطلب الأمر اهتماماً شديداً بالتفاصيل، واكتساب ثقة المطلعين الحكوميين الذين سيشاركون البيانات ويساعدون في استكشاف النظام، وامتلاك مستوى عالٍ من الخبرة حول كيفية عمل الأنظمة، والاهتمام المستمر من الصحافة. فإذا كانت المؤسسات الخيرية ترغب في رؤية أهدافها وأهداف مستفيديها تصبح حقيقة واقعة، فهذا هو المجال الذي يجب أن نستثمر فيه الآن.

تخيل كيف يمكن أن تكون السنة والنصف التالية للفوز في المجلس التشريعي أو صندوق الاقتراع إذا امتلك المنظمون والمدافعون الموارد التي أخبرونا أنهم بحاجة إليها - على شكل منح تشغيل عامة لسنوات متعددة. كنا سنرى الاستراتيجيات الإعلامية للحفاظ على الضغط السياسي واهتمام الجمهور، وعمليات البحث وجمع البيانات لإنشاء ورصد التنفيذ، وورش بناء القدرات، والمساعدات التقنية التي تشمل التعليم المستمر حول الوظائف والمعايير الأساسية للبرامج والنهج الحكومية المختلفة.

نماذج من القطاع

في مقاطعة لوس أنجلوس، عملت ليبرتي هيل بشكل متكرر مع المؤسسات المجتمعية لإنشاء نماذج لما يمكن أن يبدو عليه جدول أعمال التنفيذ الكامل. ومن بين الأمثلة الثلاثة التي أشرت إليها للمبادرات التي عانت من نقص متابعة التنفيذ، شهدت جميعها - الطاقة الخضراء، وقضاء الأحداث، ومنع الإخلاء - تصحيحات ناجحة لمسار العمل:

  1. عندما فشلت برامج تحفيز اعتماد الطاقة الخضراء في الوصول إلى المجتمعات منخفضة الدخل ومجتمعات الأقليات (BIPOC) التي كانت تهدف إلى نفعها، شاركت مؤسسة ليبرتي هيل مع ائتلاف من المؤسسات المجتمعية في جميع أنحاء مقاطعة لوس أنجلوس لإنشاء إمباور (emPOWER)، وهي مبادرة توعوية على مستوى المقاطعة تدعم التوعية والتنظيم وتركز على تقليل الطلب على الوقود الأحفوري مع توليد مدخرات أسرية محتملة بقيمة آلاف الدولارات سنوياً. يعمل البرنامج على ربط السكان من ذوي الدخل المنخفض بأكثر من 60 برنامجاً لتوفير المال والطاقة، بما في ذلك حوافز دافعي الرواتب، وتحديثات كفاءة الطاقة، والحسومات على السيارات التي تعمل بالطاقات الشمسية والنظيفة، وغيرها من البرامج المفيدة للبيئة والتي تساعد على تقليل فواتير الخدمات للأسر التي تعاني من ضغوط مالية في الوقت نفسه.
  2. أمام خيبة الأمل من التنفيذ السيئ لقانون قضاء منع جنح الأحداث، ناضل المنظمون والدعاة والمؤسسات في لوس أنجلوس من أجل توزيع الأموال على المؤسسات المجتمعية التي يمكن أن تتحمل مسؤولية الوقاية والتدخل والبرامج الإصلاحية (موجهة للجانحين الأحداث). دعم المموّلون جهود التنفيذ هذه، ودافع تحالف كبير في سبيل توسيع لجنة التمويل لتشمل ممثلين عن المجتمع. ثم بعد ذلك بعامين، تم استثمار أكثر من 20 مليون دولار لخدمة الشباب من خلال المؤسسات المجتمعية، كما أن معدلات اعتقال الشباب وسجنهم آخذة في الانخفاض بسرعة، ويرافق ذلك التحسن الكبير في النتائج التعليمية والاقتصادية/المهنية والرفاه الشخصي والمدني.
  3. تعمل مؤسسة ليبرتي هيل بمثابة العمود الفقري لـ 20 مؤسسة تسعى للعدالة الإسكانية وحقوق المستأجرين ضمن ائتلاف ستاي هاوزد (Stay Housed) الذي فاز بتمويل المقاطعة لدعم التعليم والتوعية والدفاع القانوني - ما يجعل من الممكن منع الإخلاء والتشرد المحتمل لمئات الآلاف من المستأجرين في المقاطعة.

تغيير ثقافة العمل الخيري

نظراً لأن المؤسسات تطالب بما هو أكثر بكثير مما يمكننا منحه، فإن رغبتنا في أن تحقق أموالنا أقصى فائدة ممكنة تقودنا إلى نشر جهودنا على نطاق واسع سطحي، دون الغوص في العمق. قد نكون راغبين باقتناص فوز وبدء معركة جديدة بسرعة كبيرة. إلا أن التنفيذ عملية تستغرق وقتاً طويلاً. ولا تنطوي على ما في إطلاق الحملات من إثارة أو ما في الاحتفاء بالانتصارات من نشوة. فقد يكون من الصعب الحفاظ على الزخم والإلهام لهذا النوع من العمل البطيء والذي يركز على التفاصيل. إلا أن العمل التفصيلي الذي يتطلب وقتاً وخبرة والتزاماً ثابتاً بالموارد على مر السنين هو بالضبط نوع العمل الذي يناسب القطاع الخيري.

لقد حان الوقت للممولين لأخذ زمام الأمور والوفاء بمسؤوليتنا حتى يكتمل التنفيذ. نحن بحاجة إلى الاستثمار في التنظيم والدعوة لمساءلة الحكومة والتأكد من حصول المتأثرين مباشرةً على مقاعد على الطاولة وتمكينهم من الوصول إلى الموارد ليتمكنوا من البقاء حتى يتم الانتهاء من العمل. وهذا سيتطلب منا استثمار ثقة هائلة في المؤسسات الشعبية والقادة على شكل منح غير مقيدة متعددة السنوات ودعم بناء القدرات.

لقد أوفى قادة المجتمع والمنظمون والدعاة بوعودهم لنا، وقد فازوا مراراً وتكراراً. والآن حان الوقت لكي نفي بوعودنا لهم ونستكمل مهمة التنفيذ. حان الوقت لنضمن لهم أن التغييرات ستدوم هذه المرة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.