
إن وضعنا الاقتصادي في حالة سيئة ولن يزداد إلا سوءاً، فبصفتنا جامعي تبرعات؛ ما الذي يمكننا فعله للحدّ من أثر هذه المرحلة العصيبة على مؤسَّساتنا، وزيادة دخلنا إلى أقصى حد في الوقت نفسه؟
في البداية؛ دعنا نتفق أن الذعر وتجاهل ما يحدث ليسا خيارَين منطقيَّين، وكذلك التظاهر بأن الاضطرابات الاقتصادية ستخلق عدّة فرص لجامعي التبرعات المغامِرين الذين لا يحتاجون إلا إلى زيادة الاستثمار في جمع الأموال،؛ بل عِوضاً من ذلك؛ أعتقد أن اتباع النهج الوسطي الحذر هو السبيل العقلاني الوحيد لمواجهة هذه الأزمة، ويتلخص هذا النهج الوسطي في تسع خطوات عملية سنذكرها بالترتيب في مقالين متتاليين:
جمع التبرعات والتسويق والتواصل: أعد تقييم الوضع من جميع جوانبه
إن آليات المساءلة والتقييم المنهجي هي ممارَسات إدارية أساسية؛ لكن للأسف لا يستعين بها القطاع غير الربحي بصورة شاملة؛ إلا أن للضائقة الاقتصادية أساليبها لتدفعنا إلى إجراء تقييم شامل لكل ما نقوم به. حان الوقت الآن لوضع عملية منتظمة قيد التنفيذ، تتيح لبرامجك لجمع التبرعات والتسويق والتواصل أداء مهامها بأعلى درجة من درجات الكفاءة والفعالية.
ادعم قضيتك في العطاء
على الرغم أن معظمنا ضمن القطاع الاجتماعي نعتقد أن العامة يدينون لنا بلقمة العيش؛ قبلنا بنُبل بأجر أقل وساعات عمل أطول، ففي النهاية؛ إن المال لا يُخلَق من العدم؛ بل يجب أن يُكتسَب، ولن تتاح فرصة أفضل من حالة الركود لإيصال هذه الفكرة بقوة، فاغتنم الفرصة لإعادة النظر في قضيتك في العطاء، وتأكد من أن المانحين يدركون كلاً من زيادة الحاجة الملحّة لخدماتك في الأوقات العصيبة، والخطوات العملية العديدة التي تتخذها لزيادة كفاءتك وفعاليتك؛ لكن احرص على ألّا تبالغ في تضخيم المصاعب التي تواجه مساعيك في جمع التبرعات لمؤسَّستك، فصدقني: إن المتبرعين لمؤسَّستك لا يكترثون لذلك؛ بل ما يهمهم حقاً كيف يُبلي عملائك أو المستفيدون من مؤسَّستك.
الزَم الطريقة الناجحة لجمع التبرعات
إن كثيراً من المستشارين في جمع التبرعات ومدراء المؤسَّسات غير الربحية مفتونون بـ «الإبداع»؛ ولكن عندما لا تعني هذه الكلمة أكثر من الرسومات الملفِتة وبقع الحبر الزاهية، سيخسر الجميع، فإذا كانت خبرة المسوَّقين المباشَرين المكتسَبة على مدى عقود قد علّمت من في مهنة جمع التبرعات شيئاً؛ يكون أن الاختلاف ليس الأفضل دائماً، فإن التدهور الاقتصادي لا يبرّر التخلي عن الأسلوب الذي نجح فيا مضى؛ بل في الواقع؛ إنه وقت توخّي الحذر وخفض التكاليف.
توخّ الحذر في تخفيض التكاليف ولا تتهوّر
توجَد الكثير من الطرائق السهلة لخفض تكاليف جمع التبرعات، فمثلاً يمكنك إيقاف البحث عن متبرعين جدد، أو الحدّ من إجراءات التعبير عن الامتنان للمتبرعين، أو إيقاف عمليات التسويق عبر الهاتف، وخفض ميزانية البريد المباشر، وتخفيض عدد موظَّفي المنح الرئيسيين؛ إن المشكلة الوحيدة في هذا النهج المتهور هو أنه وصفة للإفلاس.
يستمر العمل مهما كانت الظروف الاقتصادية، فلا يمكنك التوقف عن جمع الأموال، ومعاملة المتبرعين المخلصين والمتجاوبين على أنهم مجرد إحصائيات، والتوقف عن بناء قاعدة بيانات المتبرعين لمؤسَّستك، فإذا قمت بهذه الأمور؛ ستتقلص قائمتك من المتبرعين تلقائياً، وسيشحّ دخلك. إن الطريقة العملية والدفاعية الوحيدة للاستجابة للأزمة الاقتصادية هي إدراك أن جمع التبرعات يتطلّب كلاً من الاستثمار المستمر والاهتمام المتواصل، فإذا اضطررنا إلى الاختيار بين تقليص البرامج تقليصاً طفيفاً أو تخفيض ميزانية جمع التبرعات؛ يمكنك أن تطلق النار على نفسك إذا فضّلت اتباع الخيار الثاني؛ حيث لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتدمير عملية جمع تبرعات فعّالة، ثم ماذا سيحلّ ببرامجك بعد ذلك؟
اعلم من أين تؤكَل الكتف
من البديهي بالنسبة لأي شخص معني مهنياً بجمع التبرعات، أن الحصول على التبرعات بدفعات كبيرة أكثر جدوىً من الدفعات الصغيرة بشكل عام؛ نادراً ما تتلقّى منحةً من ممول مؤسَّسي أو هبةً كبيرةً من متبرّع فردي رئيسي نتيجة دفع تكلفة باهظة لجمع التبرعات، كما أن أي شخص شارك في مؤتمر أو ورشة عمل واحدة فقط لجمع التبرعات، أصبح بالتأكيد على دراية بمبدأ باريتو، أو قاعدة 80/20؛ والتي تعلّمنا أن مؤسَّساتنا تتلقّى النصيب الأكبر من صافي الإيرادات الخيرية من عدد قليل نسبياً من المتبرعين الأكثر سخاءً؛ يقودنا كل ما سبق إلى الحكمة المتمثّلة في بذل المزيد من الوقت والجهد والمال على المتبرعين الأسخياء والمتجاوبين، وجهد أقل على المتبرعين الأقل إنتاجيةً.
وبالرغم من ذلك؛ كم يبلغ عدد المؤسَّسات غير الربحية التي تستغل فعلاً أدوات الحاسوب البسيطة؛ والتي تتيح لنا الاستفادة من هذه الحقائق الجلية بتصنيف المتبرعين إلى فئات مختلفة حسب سيرتهم في العطاء؟ فإذا اعتادت مؤسَّستك على التعامل مع جميع المتبرعين بنفس الطريقة؛ اعلم أنه حان الوقت لدراسة كيفية صقل برنامجك باتباع خطة تصنيف مدروسة بدقة.
إذا كنت مُلِمّاً بالتصنيف، فقد حان الوقت للنظر في زيادة التركيز على المتبرعين من المستوى المتوسط والمرتفع، واستبعاد الداعمين الأقل سخاءً من طلبات الالتماس الباهظة الثمن عبر البريد أو الهاتف.
لمتابعة الجزء الثاني من السلسلة؛ اقرأ: التبرعات في أوقات الأزمات.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.