
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من السلسلة التي تتحدث عن كيفية دعم مؤسسات العمل الخيري للتوزيع العادل للقاح "كوفيد-19″، والتي تحدثنا في جزئها الأول عن العقبات التي تواجه توزيع اللقاح، وسنعرض في هذا الجزء عدة طرائق تستطيع من خلالها الأعمال الخيرية مشاركة الحكومات في توزيع اللقاح لضمان تطعيم المزيد من الأفراد. علماً أننا بدأنا بالطريقة الأولة في الجزء الأول والتي كانت بعنوان: "استثمر في رسل موثوقين". واليوم نستكمل الطرائق الأخرى.
2. دعم التوصيل المبتكر للقاحات
أدت الولاية والحكومة الفيدرالية الدور الأساسي في مسألة توزيع اللقاحات. إذ أعلنت إدارة بايدن في بداية العام أن الحكومة الفيدرالية ستنشئ 100 موقع ضخم للتلقيح في جميع أنحاء البلاد، وبدأت الولايات إطلاق برامجها للتلقيح الجماعي في الميادين الرياضية وغيرها من الأماكن الواسعة. يؤدي كل من المستشفيات والعيادات الصحية المحلية ومقدمي الرعاية الصحية دور المسؤولين عن اللقاحات، وتبدل مواقع الاختبار المجتمعية بعض مواعيدها إلى مواعيد تلقيح.
لكن حتى هذه الجهود ليست كافية، نحتاج إلى مجموعة واسعة من النهج المبتكرة. على سبيل المثال، لقح أحد مواقع التطعيم المتنقلة في وادي كوتشيلا بكاليفورنيا 250 عاملاً في القطاع الزراعي خلال يوم واحد، وهو بقيادة مؤسسة دعم المهاجرين "تودِك" (TODEC) وعدة وكالات محلية، وبالشراكة مع مقاطعة ريفرسايد ومؤسسة "توغذر توورد هيلث". تلقى هؤلاء العمال لقاحاتهم خلال ورديات عملهم ليتجنبوا خسارة أجورهم، وسيعود الموقع في غضون ثلاثة أسابيع لتقديم الجرعة الثانية. دعم التمويل الخيري التوظيف من ثماني مؤسسات مجتمعية محلية ساعدت على قيادة هذه المساعي. كما تتبع جهود مماثلة نهجاً شاملاً لتحقيق رفاه العامل من خلال توفير توزيع الطعام واختبار كوفيد والتوعية حوله، فضلاً عن حقوق العامل والتوعية بمسألة حماية المستأجر.
يمكننا أيضاً استخلاص دروس مستفادة من توزيع لقاح الإنفلونزا، إذ يسهّل أصحاب العمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة حصول موظفيهم على التلقيح بانتظام. كما شهدنا برامج تجريبية مبتكرة في المدارس. على سبيل المثال، قدم برنامج تلقيح فعال ضد الإنفلونزا أقيم في مدرسة، يسمى "شو ذا فلو" (Shoo the Flu) -الذي تموله شراكة بين مديرية الصحة في المقاطعة ومنطقة تعليمية والعمل الخيري- أكثر من 55 ألف لقاح للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة وطلاب المرحلة الابتدائية والموظفين في 95 مدرسة شمال كاليفورنيا بين عامي 2014 و2019. كان أثر هذا البرنامج الذي أطلق على مستوى المدينة عميقاً، ما أدى إلى زيادة معدلات التلقيح، وتخفيض حالات التغيب عن المدارس، وانخفاض حالات الدخول إلى المشفى على مستوى المجتمع.
نظراً لتوفر إمدادات اللقاح بشكل أكبر، تدعم الأعمال الخيرية البرامج التجريبية المبتكرة بالشراكة مع المدارس ومراكز الصحة المجتمعية والأعمال التعاونية وحتى الشركات (على سبيل المثال، قدّمت شركة "أوبر" (Uber) توصيلات مجانية ومخفضة لتوصيل الناس إلى مواقع اللقاحات). ستسهم هذه المساعي في الوصول إلى المجتمعات التي يصعب الوصول إليها حيثما كانت.
3. دعم برامج التدريب الوظيفي للأخصائيين الصحيين المحليين
يمكن أن تستثمر الأعمال الخيرية أيضاً في تدريب العاملين ضمن مجال الصحة العامة على تأدية أدوار فورية في تقصي المخالطين والتوعية المجتمعية والتثقيف، بالإضافة إلى المسارات المهنية الأطول بمجال الصحة العامة والرعاية الصحية. تاريخياً، لم تستثمر الولايات المتحدة في بنيتها التحتية للصحة العامة بالقدر الكافي، لتترك عدداً غير كافٍ من العاملين بمجال الرعاية الصحية في مواجهة الجائحة. إن قلة عدد العاملين إلى جانب حقيقة أن 11 مليون أميركي تقريباً عاطلون عن العمل حالياً، يوفر فرصة مثالية لمعالجة مسألة تتبع تطور فيروس كوفيد والتلقيح منه، وإعادة توظيف الناس.
ينفذ مقدم الرعاية الصحية "كايزر برماننت" (Kaiser Permanente) ذلك من خلال شراكته مع ولاية كاليفورنيا. إذ يمول توظيف وتدريب 500 عامل بدوام كامل من خلال تقديم منحة إلى "مؤسسة الصحة العامة"، وهم أفراد يتحلون بالكفاءة اللغوية والثقافية، ويمكنهم تنفيذ أعمال تقصي المخالطين في المجتمعات التي يخدمونها. أحد الأمثلة عن هذا جون فرانكو. خسر جون وظيفته في عام 2020 ثم أصيب "بكوفيد-19". نبهته مكالمة من أحد متقصي المخالطين إلى تعرضه للإصابة بالمرض، فأوقفه ذلك عن الذهاب لزيارة والدته في اليوم التالي ونقل الفيروس إليها. ألهمته هذه التجربة للتقدم بطلب لبرنامج "كايزر برماننت" ليصبح هو متقصي المخالطين. لم يخدم مجتمعه بصفته متقصي المخالطين الذي يتحدث لغتين فقط، لكنه الآن يحضر دروساً جانبيةً في مجال الصحة العامة ويخطط لتأسيس مهنة في هذا المجال.
تنتشر جهود مماثلة في أجزاء أخرى من البلاد أيضاً. فمثلاً في شيكاغو توظف مؤسسة "فاكسين كوربس بارتنرشيب" (Vaccine Corps Partnership) أخصائيين صحيين محليين لدعم التوزيع العادل للقاحات، وتدعم مؤسسة "فيوتشر هيلث" (Futuro Health) التدريب عبر الإنترنت للأشخاص المهتمين بتأسيس مهن في مجال الرعاية الصحية. يمكن للابتكار في تعزيز قدرات القوى العاملة للتصدي لفيروس "كوفيد-19" والأزمة الاقتصادية أن ينقل الناس من حالة البطالة واليأس إلى الأمل والمسارات المهنية الجديدة.
4. الاستثمار في التنسيق
أخيراً، نعلم أن التنسيق على المستوى القومي والمحلي ومستوى الولاية سيسهم في جذب المزيد من الأشخاص إلى المشاركة في الحوار، وسيضمن أننا نستفيد جميعاً من نقاط قوة بعضنا البعض في هذا المسعى التاريخي لتلقيح الشعب الأميركي.
أحد الأمثلة على ذلك هو مؤسسة "كوفيد كولابوراتيف" (COVID Collaborative) – الذي تموله مؤسسة "سكول فاونديشن" (Skoll Foundation) بالاشتراك مع مؤسسة "الجمعية الوطنية للنهوض بأصحاب البشرة الملونة" (NAACP) و"يونيدوس يو إس" (UnidosUS) و"لانغير ريسيرتش" (Langer Research) -التي أصدرت مؤخراً نتائج استقصاء حول التردد في قبول اللقاحات في مجتمعات أصحاب البشرة الملونة واللاتينيين. كما يوجد تحالف آخر هو "تحالف الولاية والإقليم للاختبار" (State and Territory Alliance for Testing) التابع لمؤسسة "روكفلر فاونديشن" (Rockefeller Foundation)، الذي يعزز التعاون بين الحكام في اختبار الإصابة ويسهم في تطوير الممارسات المثلى المتعلقة باللقاحات. على المستوى المحلي، تمول مؤسسة "كوميونيتي فاونديشن" (Community Foundation) في مقاطعة مونتيري حواراً أسبوعياً منسقاً لضمان أن القادة المحليين يطورون خطة عمل منسقة ومتعددة القطاعات لدعم الصحة العامة والعدالة.
في الواقع نحن لا نزال نتعلم كلما تقدمنا في مسيرتنا بـ "توزيع اللقاح". لكن نظراً لعدم معرفتنا تماماً كيف ستتبلور جهودنا في مجال التلقيح، وما هي التدخلات التي ستصل إلى معظم الناس، أو كيف يمكننا أن نحقق أقصى قدر من الكفاءة مع الحفاظ على تركيزنا على العدالة، يمكن للعمل الخيري الآن أن يعمل لمساعدة الحكومة على أن تكون خلاقةً أكثر في تلك العملية. آن أوان التعاون لتلقيح عدد أكبر من الناس والمساعدة في وضع حد لهذه الحقبة المظلمة من الأزمة الصحية العامة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.