تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني والأخير من سلسلة "تقديم التمويل اللازم للارتقاء بالمساواة بين القوى العاملة في القطاع الصحي" التي تحدثنا في جزئها الأول عن ضعف الدعم المقدم لقطاع الرعاية الصحية وللعاملين في مجال الرعاية المباشرة من أصحاب البشرة الداكنة، وعن دور القطاع الخيري في دعم البرامج المجتمعية لضمان أن يتمكن الطلاب من ذوي البشرة الداكنة من اختيار المجال الطبي، وسنتابع في جزئنا هذا الحديث عن ضرورة دعم عمال الرعاية الصحية من الفئات المهمشة وتأهيلهم ثقافياً بما يضمن إشراكهم الواسع في القطاع الطبي.
3. تطوير عاملي الدعم والرعاية المباشرة ليتمتعوا بأدوار ذات قدرات أعلى وأجور أفضل
إن القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية في الولايات المتحدة تشغل في الغالب مناصب الدعم والرعاية المباشرة منخفضة الأجر؛ أي الأدوار مثل المساعدين الصحيين المقيمين في المنازل، ومساعدي التمريض، والفنيين. ومن المتوقع أن تزداد شواغر الدعم والرعاية الصحية بمعدل أربعة أضعاف معدل ازدياد شواغر كافة الأعمال الأخرى في الاقتصاد. بالنظر إلى المسار الحالي للعمال، فإن هذا يترك عوزاً هائلاً، خاصة في الأدوار التي تدعم الفئات السكانية المحرومة. ومن الأساسي جعل هذه الشواغر مرغوبة أكثر وتوفير فرص للتقدم، إلا أن بيئة العمل معقدة أكثر من ذلك. وإن الاستراتيجيات الأكثر فعالية يجب أن تركز على تسهيل الشراكات على طول المسار من التعليم إلى الوظيفة.
تماشياً مع مقال "ديلبرغ" السابق حول المساواة في اقتصاد الرعاية في الولايات المتحدة ودور الاستثمار الخاص، هناك فرصة كبيرة لبناء البنية التحتية الداعمة لمقدمي الرعاية وأولئك الذين يتطلعون إلى دخول وظائف في هذا المجال. ونحن نعتقد اعتقاداً راسخاً بالحاجة إلى استجابة متعددة القطاعات ومتعددة الجهات لحل التحديات.
على سبيل المثال، يمكن لقطاع العمل الخيري أن يُيسّر بيئة العمل لأصحاب العمل وكليات المجتمع / مراكز التدريب المهني. وإن غالبية العاملين في هذا المجال لن يتبعوا برامج الحصول على شهادة جامعية؛ حيث إن كليات المجتمع هي أكبر مدربي القوى العاملة الصحية في الولايات المتحدة، مع تصنيف المهن الصحية كثالث أكثر الفئات شيوعاً على الصعيد الوطني. كما تقوم برامج درجات الزمالة في التمريض (ADN) بتعليم أكثر من نصف ممرضات الأقليات وهي خطوة أولى رئيسية نحو صعود السلم الوظيفي إلى وظائف التمريض المسجلة رسمياً ذات الرواتب العالية (RN). وهناك حاجة ماسة إلى توفير مسارات تحسين المهارات ودخول الوظائف التي تناسب احتياجات المتعلمين البالغين في منتصف حياتهم المهنية القادمين من المجتمعات المحرومة. فعلى سبيل المثال، أكثر من 40% من طلاب كليات المجتمع في كاليفورنيا أكبر من 25 عاماً ويعملون بالفعل في وظائف ما، و69% منهم من مجتمعات (BIPOC)، كما أن النظام التعليمي يمنح حوالي 6,400 درجة تمريض سنوياً. أحد السلالم الوظيفية الشائعة، من مساعد صحي منزلي (HHA) إلى مساعد تمريض معتمد (CNA) إلى ممرض عملي مرخص (LPN) إلى ممرض مسجل رسمياً (RN)، غالباً ما يكون إكماله صعباً للغاية بسبب القيود المالية أو الأسرية، مثلما هو الحال بالنسبة للآباء العازبين الذين يفتقرون إلى خيارات رعاية الأطفال، ما لم تقدم مؤسسات التدريب خدمات لتلبية احتياجات هؤلاء الطلاب. وإن المؤسسات مثل برنامج تطوير الرعاية الصحية (HCAP) تلعب دوراً محورياً في خلق بيئة العمل المحلية اللازمة لتوسيع خيارات تطوير المهارات المتاحة وتمكين الاتصالات بين مسارات التدريب والمسارات المهنية.
يحتاج العمل الخيري أيضاً إلى الدفاع عن دعم السياسات وحقوق العمال. لإحداث تغييرات منهجية، ستكون هناك حاجة إلى تغيير السياسات والشراكات المبتكرة بين القطاعين العام والخاص. سلط بحث حديث لمعهد "بروكينغز" (The Brookings Institution) الضوء على التغييرات الرئيسية على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات، مثل بدل المخاطر الإلزامي، وزيادة تمويل برنامج المساعدة الطبية "ميديكيد" (Medicaid)، وتوسيع الإجازة المرضية المدفوعة الأجر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لبرامج التدريب التي تمولها الحكومة أن تلعب دوراً رئيسياً، مثل البرامج في واشنطن وتينيسي. تعمل ولاية نيو جيرسي، بدعم من مؤسسة "التمويل الاجتماعي" (Social Finance)، على تطوير برنامج "باي إت فوروورد" (Pay It Forward)، الذي يجمع بين التمويل العام والخيري والتمويل المؤسسي في صندوق لإعادة تدوير الأموال لدعم التدريب في القطاعات المحلية ذات الطلب المرتفع. تعمل مراكز التعليم الصحي المناطقية المدعومة فدرالياً (Area Health Education Centers (AHEC)) أيضاً على ربط الدعم المحلي بمبادرات التدريب المدعومة وطنياً. وقد حان الوقت لنخرج هؤلاء العمال "الأساسيين" من دائرة الظل وأن نوفر لهم الأمان الاقتصادي.
4. تعزيز القوى العاملة الحالية برعاية مؤهلة ثقافياً ومتمحورة حول المجتمع
إن إشراك المجتمعات المحرومة والتأكد من أن الأفراد ذوي الخبرة الحية هم على رأس هذه المبادرات أمران ضروريان لضمان أن يتمكن نظام الرعاية الصحية من أداء مهمته الاجتماعية على أكمل وجه.
يجب علينا تعزيز التنوع في قيادة النظم الصحية لدمج احتياجات المجتمع في أنظمة الرعاية. ففي حين أن 32% من المرضى هم من مجتمعات (BIPOC)، فإن أعضاء هذه المجتمعات لم يمثلوا سوى 11% من القيادات التنفيذية للمستشفيات في عام 2015. وهذه النسبة تمثل انخفاضاً عن معدل 12% الذي كان في عام 2013. في حين أكد 96% من المستشفيات التي شملها الاستطلاع الالتزام بتطبيق سياسات التنوع، أكد 45% فقط من هذه المستشفيات امتلاك خطة شاملة لتحقيق ذلك. تقدم المجموعات المهنية مثل "الجمعية الطبية اللاتينية الوطنية" (National Hispanic Medical Association) دورات تدريبية لأعضائها للارتقاء إلى مناصب قيادية داخل المستشفيات والأنظمة الصحية التي يعملون فيها. وفي عام 2019، أصدرت "جمعية المستشفيات الأميركية" (American Hospital Association) مجموعة أدوات المساواة في المنشآت الصحية، تتضمن إرشادات لقياس التنوع والشمول في قيادة وحوكمة المستشفيات.
يجب علينا أيضاً توفير ممارسات قائمة على البيانات ومتمحورة حول المجتمع تُعلم البرمجة والتدريب الثقافي. وما زال العمل جارياً على تشكيل الدليل على الفعالية النسبية لمختلف ممارسات الرعاية الصحية المؤهلة ثقافياً. وإن البرامج مثل المطابقة اللغوية، وإشراك العائلات، واستخدام العاملين الصحيين المجتمعيين، تُظهر نتائج واعدة في العديد من الأماكن، ويجب أن تكون الأنظمة الصحية متعمدة ومدروسة من أجل تطوير استراتيجية شاملة لتقديم رعاية مدروسة ثقافياً تناسب الاحتياجات المحلية. وأحد الأمثلة على الابتكار هو مبادرة أنشأها "معهد السياسات والممارسات الصحية بجامعة نيو هامبشير" (University of New Hampshire’s Institute for Health Policy and Practic)، لإنشاء تقارير بيانات مجتمعية مخصصة جغرافياً للمدراء التنفيذيين في المستشفيات لتثقيف أولويات الرعاية الوقائية والمشاركة المجتمعية بشكل أفضل. ويمكن لممولي قطاع العمل الخيري أن يلعبوا دوراً في قيادة الممارسات التي تركز على المجتمع وإجراء الأبحاث حولها لتثقيف قطاع الرعاية.
فرصة العمل الخيري واضحة وملحة
يمثل تنويع القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية وتمكينها مجالاً نحتاج إليه بشدة. كما أنه يمثل حالياً مساحة كبيرة للابتكار، والتي تحمل فرصة للتغيير المنهجي. هناك العديد من الأهداف المتقاطعة للعمل على تحسين القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية؛ مثل تضييق الفجوة العرقية في النتائج الصحية، وتلبية حاجة المجتمعات المحرومة المتزايدة إلى المزيد من الرعاية الصحية، وتوفير الأمن الاقتصادي لملايين الموظفين الصحيين ذوي الظروف الصعبة والأجور المنخفضة. كما أن هناك حاجة إلى الموارد والحلول في المناصب التي تتطلب مهارات عالية، مثل الأطباء وأطباء الأسنان، فضلاً عن الأدوار الداعمة والمهنية. وقد بدأت السياسات الفدرالية وسياسات الولايات بتحويل الموارد المُحتاجة بشدة لتوسيع نطاق الحلول. تُظهر المؤسسات التقليدية، مثل أنظمة الجامعات العامة والكليات المجتمعية، أنها تستطيع تحريك الركب قيد أنملة تجاه المساواة والشمول من خلال السياسات التي تركز على المجتمعات المحلية. ويمكن أن يلعب القطاع الخيري دوراً رئيسياً في دعم الممارسات الواعدة، وتحقيق التوافق بين مختلف الجهات الفاعلة حول نتائج المساواة في المنشآت الصحية، وتحفيز التغيير في مسار استقطاب أصحاب المواهب.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.