
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "توظيف الأموال لإنهاء التشرد"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن أهمية تسخير رأس المال الخاص والحكومي لإنشاء مساكن للمشردين، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن طرق توظيف التمويل الحكومي غير المقيد والاستثمارات الخيرية من أجل القضاء على التشرد وإيجاد عدد أكبر من المنازل المخصصة للمشردين.
في يناير/كانون الثاني من عام 2021، أصدرت مؤسسة "كوميونيتي تشينج" (Community Change)، وهي مؤسسة دولية غير ربحية، "صفقة جديدة لعدالة الإسكان: دليل الإسكان للإدارة الجديدة". (New Deal for Housing Justice: A Housing Playbook for the New Administration). ومن بين توصيات المؤسسة الرئيسة جعل المادة 8 من قانون الإسكان التي تُدعى اليوم برنامج قسائم اختيار السكن برنامجاً عالمياً. كانت نقطة البداية هي طرح قانون استقرار الأسرة وقسائم الفرص (Family Stability and Opportunity Vouchers Act)، الذي تم تقديمه في "مجلس الشيوخ" الأميركي في عام 2021. وبالرغم من أن القانون لم يصل مرحلة التصويت، فقد ساعد على تمويل 500 ألف قسيمة جديدة.
إن استثماراً عاماً كهذا سيجذب مدراء أموال ومستثمرين خاصين آخرين يبحثون عن عوائد معدلة حسب الخطورة والتي تقدمها شركة (SDS).
علاوة على ذلك، يمكن تعزيز مثل هذا الاستثمار الفيدرالي من خلال الأموال والطاقات المحلية. ففي عام 2014، أطلقت "وكالة خدمات الرعاية الصحية" في مقاطعة لوس أنجلوس ما يُدعى بشبكة أشكال الدعم الإسكانية المرنة (Flexible Housing Subsidy Pool). التي بدأت عام 2015 كمزيج بقيمة 4 ملايين دولار من رأس المال الخيري الذي قدمته مؤسسة "كونراد إن. هيلتون" (Conrad N. Hilton) و14 مليون دولار أخرى من وكالات المقاطعات.
يقول مارك غالي، المهندس الرئيس لشبكة الدعم المرن، الذي يشغل الآن منصب وزير وكالة الخدمات الصحية والإنسانية في كاليفورنيا: "قامت مؤسسة "هيلتون" بإضفاء الشرعية على الفكرة التي كان من الممكن أن يتم مماطلتها لفترة أطول بسبب أشكال البيروقراطية في حكومة المقاطعة. وإن دعم القطاع الخيري بكميات الأموال هذه هو ما أطلق الفكرة حقاً".
تقدم الشبكة للمطورين ومالكي العقارات إعانات إيجارية وفق المادة 8، وتقدم تعيينات المستأجرين والحوافز الأخرى، ما يجعل الصفقات قابلة للتطبيق. وكان النجاح الأكبر بالنسبة لغالي هو استخدام الوعد بالقسائم المستندة إلى المشاريع، والتي تضمن سكن المستأجرين المدعومين في مبنى معين. ونتيجة الوعد بالإيجارات المستمرة، تمكن مطورو العقارات من تأمين التمويل وإطلاق المشاريع مع تحقيق عوائد مقبولة.
وبحلول نهاية العام 2021 كانت الشبكة المرنة قد أمنت سكناً لـ 9,259 شخصاً مشرداً بمعدل 127 شخصاً في كل شهر.
شراء الحكومة للعقارات
عبر التاريخ، لعبت الحكومة دور البنّاء، حيث أنشأت خليطاً من برامج المنح التي تأتي مع قيود لا حصر لها تؤخر البناء وتزيد التكلفة.
من الأمثلة على ذلك هو قرار مدينة لوس أنجلوس الذي يدعى "الاقتراح آتش آتش آتش" (Proposition HHH). وهو إجراء بتقديم صكوك تأمين بقيمة 1.2 مليار دولار وافق عليه المصوتون في عام 2016، ويعد بدعم بناء 10 آلاف وحدة سكنية جديدة للمشردين. ووفقاً لتقرير صدر عام 2022 من قبل هيئة الرقابة في المدينة، بعد ست سنوات لم يكن هناك سوى 1,142 وحدة جاهزة للسكن، وبكلفة وسطية وصلت حتى 600 ألف دولار تقريباً لكل وحدة.
ولكن بسبب ثقل وطأة الأزمة، توجهت ولاية كاليفورنيا إلى لعب دور المشتري الأمر الذي نجم عنه نتائج مهمة.
في قمة اشتداد للوباء، أطلقت الولاية مشروع "روم كي" (Project Roomkey)، الذي دفع تكاليف إقامات المشردين اليومية في الفنادق. وسرعان ما أدركت إدارة الحاكم أنه من الأفضل شراء هذه الفنادق بشكل مباشر وتسليم إدارتها للمؤسسات غير الربحية لتوفير مساكن داعمة مؤقتة ودائمة. وسمي المشروع الجديد بمشروع "هوم كي" (Project HomeKey).
قامت كاثلين كيلي جوناس، المستشارة الأولى لحاكم الولاية في الابتكار الاجتماعي، بتأمين 46 مليون دولار من التعهدات من المؤسسات الخيرية الرئيسية لتأكيد الهيئة التشريعية أن استثمار مشروع "هوم كي" البالغ 800 مليون دولار سوف يقترن بخدمات الدعم للمستفيدين غير الحاصلين على مساكن. وكانت هذه طريقة القطاع الخيري لضمان تلبية استثمارات الدولة بالدعم الذي يحتاجه مقدمو الخدمات من أجل تقديم الخدمات التي يحتاج إليها عملاؤهم. وقام البرنامج بتأمين 5,900 وحدة خلال أقل من عام واحد.
وتقول جوناس: "إن القطاع الخيري، مثل أي مستثمر آخر، يحب الحصول على عوائد استثمارية جيدة. ومما تعلمته من الشراكات بين القطاعين العام والخاص أنك إذا تمكنت من تقديم فرصة للقطاع الخيري حيث يمكنه الاستفادة من تمويل الولاية العام، فهي فرصة مغرية حقاً".
قد تحصل الفائدة في الاتجاهين؛ فالميزانية المقترحة من المحافظ للسنة المالية الحالية والدعوات التالية للحصول على 2.75 مليار دولار إضافية للحصول على المزيد من العقارات، خلقت فرصاً واضحة للمستثمرين الذين يبنون مساكن جديدة للمشردين لكسب عوائد مقبولة مع ضمان وجود المشتري.
المال الرخيص
في عام 2015، أوضحت مؤسسة "كاليفورنيا المجتمعية" (California Community Foundation)، أن قوة القرض تضمن على نطاق ضيق زيادة الاستثمار في تأمين مساكن للمشردين. فخصصت 5 ملايين دولار كضمان لمالكي صندوقها الاستشاري للمانحين وطلبت منهم تقديم قروض منخفضة الفائدة بمدة تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات، والتي استثمرتها المؤسسة بعد ذلك في صندوق قروض الإسكان الداعم التابع لمؤسسة الإسكان الداعم لتمويل المراحل الأولى من تطوير المساكن الداعمة الدائمة.
وتقول مديرة الاتصالات في المؤسسة، باولا فالي: "استخدم متبرعونا الاستثمارات الأولية والبالغة قيمتها 5.77 مليون دولار بالمجمل لتأمين مواقع مناسبة لتطوير مساكن المشردين والفئات السكانية غير الآمنة في لوس أنجلوس. وهذا أدى إلى إنشاء 42 مشروع إسكان ونتج عنها إيواء 3,077 أسرة من الشوارع وإدراجهم في وحدات سكنية داعمة أو ميسورة التكلفة".
على نطاق أوسع، استخدمت الحكومة الفدرالية أيضاً ميزانيتها العمومية لدعم المشاريع الواسعة النطاق. حيث قدم قانون تمويل البنية التحتية للنقل والابتكار لعام 1998 ضمانات قروض، وتمويلاً منخفض الفائدة، وخطوط ائتمان لمشاريع البنية التحتية الكبرى. جذبت هذه الاستراتيجية المليارات على شكل استثمارات خاصة، ويمكن استخدام استراتيجية مماثلة لزيادة إنتاج المساكن الميسورة التكلفة ومساكن المشردين بشكل كبير.
يقول غاري بينتر، مدير مركز "سول برايس للابتكار الاجتماعي في جامعة "جنوب كاليفورنيا": "إن إنشاء آلية لتقديم ضمانات القروض لهذه المشاريع من شأنه أن يجعل الصفقات أسهل وأبسط. وعلاوة على ذلك، فإن ضمان تمويل الفجوة في مشاريع إعادة التأهيل لاستغلال المباني الموجودة التي تتطلب إصلاحات كبيرة أو لتكييف المساحات التجارية لإسكان الفئات الأكثر ضعفاً من شأنه أن يكون ذا مفعول كبير في دفع العديد من المشاريع إلى الأمام".
على الرغم من مرور عقود من الزمن على إنشائه، كان "صندوق المؤسسات المالية لتنمية المجتمع" (CDFI) اللاعب الأساسي في دفع الاستثمار الخاص لدعم الإسكان الميسور التكلفة وإسكان المشردين.
إن المنح الفيدرالية من الخزينة والقروض المصرفية المنخفضة الفائدة المُيسّرة بموجب قانون إعادة الاستثمار المجتمعي، تمنح رأس مال مؤسسات (CDFIs) الرخيص لدعم المجتمعات المنخفضة الدخل والشركات التي تدعمها. كما أصبح نهج مؤسسات (CDFIs) مساراً ثميناً للمؤسسات الخيرية لتقديم قروض طويلة الأجل منخفضة العائد من محافظها الاستثمارية، التي غالباً ما تسمى الاستثمارات المرتبطة بالبرنامج، لدعم تطوير الإسكان الميسور التكلفة وإسكان المشردين.
ابدأ العمل الآن
في شهر أبريل/نيسان، أعلن عمدة لوس أنجلوس الحالي، إريك غارسيتي، تسوية دعوى قضائية، التي إذا وافق عليها رئيس المحكمة ومجلس المدينة، ستُلزم المدينة بإيواء 60% من سكان المدينة المشردين في غضون خمس سنوات، بتكلفة 2.4 إلى 3 مليارات دولار.
بالإضافة إلى روبي سميث، كان المدعي العام بمدينة لوس أنجلوس والمرشح الحالي لمنصب العمدة مايك فوير أحد الحضور المرموقين على مسرح قاعة زيبر.
كان فوير هو الشخص الوحيد الذي أشار إلى استخدام رأس المال الخاص لمعالجة أزمة التشرد.
في محادثة أجريناها بعد بضعة أيام، أخبرني أنه إذا تم انتخابه رئيساً للبلدية، فسوف ينشئ صندوقاً بقيمة مليار دولار لتقديم قروض منخفضة الفائدة لبناء المزيد من المساكن الداعمة الدائمة. ووافق على أن المدينة بحاجة إلى المزيد من قسائم الإسكان، وأن ضمانات القروض ستلعب دوراً كبيراً في تقليل مخاطر الاستثمار الخاص.
يقول فوير: "إنني أدعو قادة الأسهم الخاصة والقطاع الخيري والشركات الكبرى في لوس أنجلوس وأوضح أننا لن نحافظ على مدينتنا ما لم يشارك كل واحد منكم. فتمويلنا العام لن يكون كافياً. وسيتوجب علينا استمداد التمويل من القطاع الخاص".
تمتلك المؤسسات الخيرية في لوس أنجلوس ما لا يقل عن 100 مليار دولار في أوقافها. ويُمكن لعُشر هذا المبلغ أن ينقل 48,500 شخص مشرد من سكان لوس أنجلوس إلى مساكن داعمة مؤقتة ودائمة، ما سينهي فعلياً التشرد في شوارع المقاطعة. وهذا من دون تدخل البنوك وشركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط.
إلى جانب القضاء على التشرد في لوس أنجلوس، فإن المزج بين التمويل الحكومي غير المقيد والاستثمارات الخيرية سيمهد الطريق لتدفق جديد لرأس المال المؤسسي. حيث يتم تغيير طاقة المال، والانتقال من الاستخراج إلى التجديد.
تصحيح: نسبت النسخة الأصلية من هذه القصة عن طريق الخطأ قاعة زيبر في مدرسة كولبورن إلى المهندس المعماري فرانك غيري. تستوعب قاعة زيبر في الواقع 430 ضيفاً، وليس 1,000 ضيف كما ظهر في النسخة الأصلية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.