
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "كيف ينضم رأس المال المغامر إلى حراك نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟" والتي سوف نتحدث في جزئها الأول عن تخلّف رأس المال المغامر (الجريء) في تبني ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG).
نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات
أصبح نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أكثر شيوعاً بين المستثمرين في السنوات الأخيرة، كجزء من موجة أوسع لتبني الغاية ورأسمالية المساهمين، تدار أكثر من 100 تريليون دولار من الأصول المدارة (AUM) على مستوى العالم وفق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. هذه الدفعة ترجع جزئياً على الأقل إلى ما يسميه البعض "دراسة جدوى" الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات: تُظهر الدراسات التجريبية التي أجريت منذ عام 2010 وحتى الآن، أن الشركات العالية الأداء وفق نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تتفوق على نظيراتها من الناحية المالية، على حين أن عام 2020 كان عاماً قياسياً للأداء القوي للتدفق إلى الصناديق وفق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (التي تبررها النتيجة الموازية بأن تلك الصناديق تتفوق مالياً على نظيراتها الأدنى تقييماً).
لكن كان دور رأس المال المغامر (الجريء) مهمشاً جداً: في دراسة سريعة أجريت للمواقع الإلكترونية لأكبر 50 صندوقاً لرأس المال المغامر، لم نجد من بينها إلا 5 مواقع فقط ذكرت الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أو التزامها بالاستدامة، على حين لم تعلن إلا بضع عشرات فقط من الشركات الأخرى التزامها بنهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (من بين أكثر من 2,900 شركة رأس مال مغامر في جميع أنحاء العالم). وجدت دراسة حديثة لمنظمة "العفو الدولية" أنك لن تجد تقريباً بين كبرى رؤوس الأموال المجازفة في العالم من يراعي حقوق الإنسان في عملية الاستثمار، باستثناء موضوعي التنوع والشمول وموضوع واحد فقط متعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، التي شهدت تركيزاً واسعاً من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة حتى الآن.
لماذا كان رأس المال المغامر بطيئاً جداً في الإقبال؟ وما الذي يتطلبه انضمام رأس المال المغامر إلى حراك نهج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟
البيسبول والقراصنة وأحادي القرن الخرافي
لفهم ما أدى بنا إلى هذه النتيجة، علينا أن ننظر نظرة سريعة إلى التاريخ. على الرغم من أن رأس المال المغامر نشأ في بوسطن في أربعينيات القرن الماضي، فقد نال قوته في كاليفورنيا من وادي السيليكون على مدار الخمسين عاماً الماضية. سعى مؤسِّسو ومستثمرو الشركات الناشئة في الأصل إلى استخدام التكنولوجيا في حل أكبر مشكلات العالم، بدءاً من حفظ البيانات ومعالجتها (الحل: الشرائح الإلكترونية البالغة الصغر) إلى التواصل بسلاسة (الحل: الإنترنت). لكن في العقود الأخيرة شهدنا تحولاً جذرياً في التركيز إلى إنشاء شركات لديها القدرة على النمو السريع، مدفوعةً غالباً بالآثار المترتبة على وجود الشبكات، مهما كانت التكلفة الاجتماعية. لذا تورطت شركات وسائل التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" إلى "يوتيوب"، في نشر المعلومات المضللة والاستقطاب الاجتماعي والتسبب في مشكلات في الصحة العقلية، وأسهمت منصات اقتصاد الأعمال المستقلة في تشكيل طبقة دنيا من العمال غير المستقرين الذين يتلقون أجوراً منخفضة على مستوى العالم.
كان السبب الجذري لهذا التحول هو الحاجة إلى تحقيق إيرادات أعلى من سعر السوق من الأموال التي تستثمر غالباً في الشركات التي تخفق. تقارَن أحياناً هذه الاستراتيجية برياضة البيسبول: تبحث الصناديق الأعلى أداءً عن شركات "أصابت الهدف" ذات تقييمات خروج أكبر من مليار دولار، وهي شركات "أحادي القرن" الأسطورية (على الرغم من أن نسبة الشركات الناشئة التي تتلقى تمويلاً رأسمالياً مغامراً والتي ستصل إلى هذه الدرجة لا تتجاوز 1%. من أجل تحديد الشركات ذات إمكانات "أحادي القرن" الخرافية – والتأكد من إدراكها لتلك الإمكانات – وضعت مجموعة أساسية من الممارسات والمعتقدات التي يوضحها ريد هوفمان في كتابه الذي نشره في عام 2019 "التوسع الخاطف" (Blitzscaling).
يعرّف ريد التوسع الخاطف بأنه شركات التكنولوجيا السريعة التوسع التي تهدف إلى الانتشار، وتحقيق نسبة استبقاء عالية، وهوامش مرتفعة مبنية على الآثار المترتبة على وجود الشبكات، والرغبة في "النمو بوتيرة شديدة تحسم المنافسة". يبني ريد أفكاره ومبادئه (مثل "تبني الفوضى") على أطر عمل سابقة مثل "الشركة الناشئة الرشيقة" لـ إيريك ريس، التي تعزز الاختبار السريع، وإصدار النماذج الأولية، ونشر المنتجات قبل إجراء الاختبارات الكافية والتحقق من ضوابط السلامة. كما يمكن تجاهل الحدود الأخلاقية أو المعنوية أو حتى القانونية مؤقتاً في خدمة زعزعة القطاع وتحقيق الزمن اللازم لطرح المنتج بالأسواق. لقد انتشرت أقوال مثل "اصطنع الأمر حتى تحققه" و"تحرك بسرعة وحطّم ما حولك" في ثقافات الشركات الناشئة.
كما تقود مجموعة قادة متجانسة جداً قطاع رأس المال المغامر، غالبيتهم رجال من أصحاب البشرة البيضاء والنخبة المثقفة (40% من مستثمري أصحاب رأس المال المغامر في الولايات المتحدة تخرجوا في كليتي "هارفارد" و"ستانفورد" فقط)، و10% فقط من الشركاء في شركات رأس المال المغامر في الولايات المتحدة هم من الإناث، ولا تبلغ نسبة أصحاب البشرة الداكنة 1% حتى (وفقاً لإحصاءات حديثة من "الرابطة الوطنية لرأس المال المغامر" (NVCA)، مع تسجيل نسب مماثلة في المملكة المتحدة وأوروبا. وربما لا غرابة في ميل رأس المال المغامر إلى الاستثمار في مجموعة متحيزة مماثلة من رواد الأعمال: ففي الولايات المتحدة، خصصت 86% من أموال رأس المال المغامر لفرق كان مؤسِّسوها من الذكور فقط، على حين في المملكة المتحدة لم يخصص إلا حوالي 2 بنس من كل جنيه إسترليني لمؤسسين من أعراق مختلفة بين عامي 2009 و2019. نتج عن النقص الفادح في التنوع ما تصفه تشانغ في كتابها "بروتوبيا" (Brotopia) بتعصب ذاتي التناسخ وثقافة إقصاء عنصرية.
كان هناك تردد في تحدي هذه الثقافة. لم يمارس الشركاء الموصون (LPs) – معظمهم من الهبات الجامعية والمؤسسات ومكاتب الأسرة وصناديق التقاعد أو صناديق الدولة – ضغطاً كبيراً على أصحاب رؤوس الأموال المغامرة للتغير، على الأرجح لتخوّفهم من احتمالية خسارة مخصصاتهم في الصناديق العالية الأداء. يوضح بيل جانواي في حوار حديث أجراه على قناة "آي نيت" (iNet) على يوتيوب اقتصاديات القطاع في إحصائية واحدة بسيطة: إن العشرة المتصدرين قائمة أصحاب رؤوس الأموال المغامرة (10%) فقط هم من يتفوقون على السوق بمرور الوقت، مما يجعل رؤوس الأموال المجازفة المتصدرة قوية جداً فيما يتعلق بأصحاب الأصول. وضح أحد الشركاء الذين يمتلكون محفظة استثمارية ضخمة من الاستثمارات في رؤوس الأموال المجازفة هذا الموقف خلال مقابلة أجراها معنا: "إن الأداء يأتي في المقام الأول؛ نحن مؤتمنون على رؤوس أموال عملائنا، وحتى اللحظة كان هذا الأداء المتفوق في أفضل وضع مع مجموعة معينة من مدراء [رأس المال المغامر]".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.