اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

كيف يسهم القطاع الخيري في مواجهة التحديات المناخية؟

إن النمو السريع الأخير في العمل الخيري المناخي مهدد بالوقوع في فخ التكرار والهدر والنيران الصديقة.

إعداد : لورنس توبيانا، كريستي أولمان

 

تم النشر 22 مايو 2022

شارك
شارك

يا فاعلي الخير في مجال المناخ، نحن نعتمد عليكم.

على الرغم من أفضل الجهود التي بذلها العالم حتى الآن، ما زلنا نواجه فجوة استثمارية هائلة تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات سنوياً، ويجب إغلاق هذه الفجوة ابتداءً من الآن وحتى عام 2050 لتجنيب كوكب الأرض الاحترار الكارثي. وبغض النظر عن النماذج المتطورة باستمرار التي تثير تنبيهاً متزايداً، فإننا نظل في صراع قوة مع المصالح الكبرى والدول التي تعتبر حيادية الكربون تهديداً وجودياً لها.

إذا كان العالم سيحارب أسوأ ما في أزمة المناخ، فإن فاعلي الخير لهم دور مركزي في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي من أجل مستقبل خالٍ من الكربون. فالقطاع الخيري يتمتع بمكانة فريدة يمكنه من خلالها تقييم التحديات المعقدة والتحلي بالمرونة لاختيار المكان واللحظة والوسائل المناسبة للتدخل. وإن النطاق الواسع من الإجراءات والتدخلات التي يمكن لموارد القطاع الخيري -مثل التمويل والشجاعة والصبر والمرونة- دعمها، يشكل قاعدة ترفع من الطموحات الحكومية والمؤسسية وتدفع الإجراءات وتجعل تحمل المسؤولية جزءاً من جدول الأعمال.

نحن نؤمن بشدة بأن العمل الخيري يمكن أن يحفز التغيير المطلوب لتحريك النظام العالمي بعدما قمنا جميعاً، قبل خمس سنوات، بترك أدوار القطاع العام لقيادة المؤسسات الخيرية الكبرى في مجال التغير المناخي. وفي ذلك الوقت، كنا قد شهدنا العديد من التغييرات الإيجابية في العمل الخيري المناخي التي أحياناً ما يتم تجاهلها. وقد اكتسب فاعلو الخير الثقة والتنظيم والتأثير لدفع محركات التغيير على صعيد أعمق وأسرع وأكثر فعالية. في "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2021" (COP26)، تعاون فاعلو الخير مع الحكومتين الدنماركية وحكومة كوستاريكا لإطلاق تحالف "ما بعد النفط والغاز" (Beyond Oil and Gas) أو (BOGA). حيث وضعت الحكومات التقدمية، مدعومة بتمويل مرن، مقياساً معيارياً جديداً من خلال إطلاق هذه الدفعة الدبلوماسية والقطاعية الجادة لمحاكاة التقدم التحويلي الذي تم إحرازه بشأن التوقف عن الاعتماد على طاقة الفحم في جميع أنحاء العالم، وتطبيقه على مشكلة أكبر وأكثر إلحاحاً.

وفي الوقت نفسه، يخصص الكثير من المؤسسات الخيرية مزيداً من الموارد لحل أزمة المناخ، ففي الفترة ما بين عامي 2016 و2020، تمويل المؤسسات المعروف لتخفيف آثار تغير المناخ تضاعف تقريباً، من 1 مليار دولار إلى 1.9 مليار دولار، وهي زيادة مهمة وجديرة بالثناء. كما أن التعهدات الجديدة الرئيسية لمؤسسات المناخ في عام 2020 أطلقت زخماً جديداً لصالح الأعمال الخيرية المتعلقة بالمناخ والعمل الذي تدعمه.

إن تدفق الموارد الخيرية هذا أمر جيد للغاية -مع بقاء التمويل المناخي بنسبة 2% من العطاء العالمي، فنحن نحتاج إلى المزيد من الموارد للفوز في هذا الصراع. ولكن إذا تمت إساءة إدارة هذه الموارد، فإن هذه الأموال التحويلية تشكل خطر الاضمحلال والتكرار والتشتت الخطِر الذي قد يعيق التقدم عندما لا يكون لدينا وقت لنضيعه.

لا تزال محصلة الموارد هذه ضئيلة بالمقارنة مع المال والتأثير الذي تمتلكه مصالح الوقود الأحفوري، لذا نحتاج إلى أن نكون فعالين للغاية في استخدامنا للموارد. وفي العمل الخيري المتعلق بالمناخ، هذا يعني إيجاد مجموعة من الاستثمارات التي تمتلك احتمالات أكبر للنجاح في تفادي الاحترار على المدى القريب بأقل تكلفة ممكنة. وتصبح المهمة أكثر صعوبة بسبب تعقيد علوم المناخ والتأخر في قياس النتائج.

إن منح الدعم للبرامج ذات التأثير الأعلى يتطلب ما هو أكثر من اتخاذ الأفراد للقرار الصحيح؛ فهو يتطلب أيضاً مجتمعاً كاملاً من المؤسسات التي تعمل جنباً إلى جنب مع فهم أفضل لما يجب أن تكون عليه أهدافنا والاتفاق حولها، مثل أهداف التخفيضات السريعة والعميقة في الانبعاثات وتجنب الاحترار -وفي الحقيقة هذا إجراء تقني ما زلنا نحاول فهمه من حيث حجم التغيير الاجتماعي الذي يستلزمه.

نعتقد أن القطاع الخيري يستطيع لعب دور أساسي في تحقيق ذلك. ففي حين أن أزمة تلو الأخرى تُخرج الحكومة عن مسارها، يمكن للقطاع الخيري أن يحافظ على مسار مستقر، مسترشداً بنماذج الانبعاثات الصفرية الأكثر تقدماً. وإن العديد من الحلول والاستراتيجيات والتقنيات الأساسية موجودة بالفعل، إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في حث الدول والمجتمعات على تبني هذه الحلول -بالإضافة إلى حث الأسواق على الثقة بهذه الحلول. وفي هذا الوقت الذي نشهد فيه تغييرات وأزمات تاريخية، يفرض هذا الانتقال فرصة أكبر: فرصة إعادة توازن التراصّ الاجتماعي الواسع بين البشرية والطبيعة.

ولكن في سبيل تحقيق هذه الإمكانات، يجب على العمل الخيري المناخي أن يكون على قدر التحدي، ليس عن طريق القيام بالمزيد فقط، وإنما من خلال القيام بما هو أكثر فعالية أيضاً. ونريد فيما يلي أن نشارك معكم أربعة مبادئ أساسية للعمل الخيري المناخي التي ستساعد المانحين على تحقيق هذه الأهداف معاً:

تقبل التعقيد 

يجب معالجة التغير المناخي بحلول منهجية، وربط البحث والدعوة بإشراك المواطنين، والطاقة النظيفة، والتمويل، وجميع نقاط النفوذ المعقدة فيما بينها. ومع انتقال حالة الطوارئ المناخية من تحديد الأهداف المجردة إلى التنفيذ الملموس في كل جانب من جوانب المجتمع تقريباً، يجب على المؤسسات التحول من التركيز على خفض الانبعاثات في مختلف القطاعات بشكل تقني فقط لتشمل فهماً أكثر تطوراً للمجتمعات والأشخاص والسياسة.

لسنا أول من يدرك أن هدفنا النهائي المتمثل في عالم خالٍ من الكربون يتطلب نهجاً متعدد الأصعدة من العمل الخيري. فمنذ حوالي عقد من الزمان، ساعد ممولو المناخ على تحقيق تقدم طال انتظاره في مفاوضات المناخ الدولية التي أدت إلى اتفاق باريس من خلال تمويل مجموعة غير مسبوقة من الإجراءات، بدءاً من عقد الاجتماعات في بلدان العالم النامي إلى البحث ومن التحليلات إلى الاتصالات الاستراتيجية. وهذه الجهود ساعدت على منح المجتمع العلمي والمجتمعات على الخطوط الأمامية مكانها المُستحق في المداولات. كما دعم القطاع الخيري طموحات الحكومة الفرنسية -التي استضافت المفاوضات في ذلك العام- لتقديم برنامج أطلق عليه اسم "دبلوماسية 360 درجة"، ما خلق مساحة موسعة لمفاوضات المناخ التي تشمل المدن والسلطات المحلية والمؤسسات غير الحكومية والشركات وغيرها.

يمكن للمتبرعين في مجال المناخ دعم هذا النوع من الابتكارات مع فهم أنها لا تتعلق بالإجراءات الخطية بل هي جهد شامل ومنسق. ولا يمكن للتمويل المعتمد على المشاريع والقطاعات المحددة حشد هذا النوع من التعبئة الجماهيرية.

الابتعاد عن الحلول الجذابة

بالنظر إلى التحديات والعوائق الكثيرة أمام التقدم في مجال المناخ، نشعر بالقلق عندما نرى بعض فاعلي الخير المناخيين الجدد يتعهدون بعشرات الملايين من الدولارات ليس من أجل خفض الانبعاثات على المدى القريب ولكن للتقنيات الحديثة العالية المخاطر التي تصرف الانتباه عن هذه الانبعاثات وتقلل من تقدير أهميتها.

من المعروف أن تتبّع مثل هذه التبرعات أمر صعب، لكننا نعلم على سبيل المثال أن المانحين الرئيسيين خصصوا ما لا يقل عن 123 مليون دولار لاستكشاف حلول التقاط الكربون وتطويره وتخزينه في عام 2021 وحده. وإن الاستثمار المفرط في التقنيات العالية المخاطر التي ستظل قيد التطوير لسنوات لاحقة قبل تطبيقها على نطاق واسع سيؤدي في أفضل الأحوال إلى توفير غطاء للدول والشركات التي تعتمد خططها المناخية، بشكل مُضلّل، على تقنيات ليست موجودة بعد.

قد تكون هذه التقنيات جزءاً من الحل النهائي. لكننا نركز للغاية على إيجاد حلول سحرية لدرجة أننا نستثمر فيها بشكل مفرط على حساب جهود تغيير الأنظمة التي قد تبدو أقل جاذبية لكنها أكثر فعالية بالتأكيد. ومن خلال إلقاء نوع من الالتباس على المسار الحقيقي للحياد المناخي، فإن هذا يصب في مصلحة أولئك الذين يستمرون في حرق الوقود الأحفوري. ومثل هذه الأفعال التي قد تبدو بريئة، قد تكون أخطاء قاتلة في سبيل تحقيق غاياتنا المشتركة.

العمل معاً

إن العمل المناخي هو نظام معقد من الجهات الفاعلة المختلفة، وسيواجه العمل الخيري المناخي دائماً توتراً بين التنسيق الاستراتيجي والالتفات إليه بمفرده. فبعض فاعلي الخير سيتخذون نهجاً على درجة عالية من التعاون، مثل المؤسسات المانحة للمنح، وجمعيات الممولين، والصناديق المجمعة أو المتوافقة. بينما قد يفضل البعض الآخر الاستثمار بشكل مستقل، معتمدين على الخبرات المجتمعية لتحديد أين يمكن لمواردهم المميزة تحسين العمل القائم على الحلول المثبتة الفعالية.

قد يكون من غير المعلوم بالنسبة للبعض أن ممولي المناخ ساعدوا على بدء الانتقال نحو الطاقة النظيفة في جنوب شرق آسيا، موطن أكبر خط أنابيب في العالم لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم التي هي أهم مصدر للانبعاثات. حيث أنشؤوا سعة محلية لإعطاء المنح والتي تركز على نشر الطاقة النظيفة على نطاق واسع مع مواجهة دراسة الجدوى للبنى التحتية المتزايدة المعتمدة على الأحفوريات. ومن خلال الاتفاق على هذا الهدف المشترك واعتماد كيان جديد للقيام بهذه المهمة، أدت الأعمال الخيرية إلى سياسات أكثر طموحاً ودعمت الحكومات لتقديمها وعززت الخبرة المحلية. والآن، تستعد هذه المؤسسة التي تدعى "تارا" (Tara) لأن تصبح مؤسسة مستقلة مدعومة من قبل عشرات المؤسسات الخيرية العالمية.

بينما يتوسع مجتمعنا ليشمل الجهات الفاعلة الخيرية التي تركز على حقوق الإنسان والصحة والتنمية، وبما أن العمل الخيري يلعب دوراً أكثر فاعلية في الشراكات مع الشركات والحكومات، فمن المهم الإشارة إلى ضرورة بذل جهود إضافية للحفاظ على تركيز الموارد واتساقها مع اتساع معايير العمل الخيري المناخي لمعالجة التكيف مع التأثيرات المناخية.

التعلم من المحاولات الناجحة والفاشلة، وبعضنا من بعض

يتطلب تحقيق أقصى استفادة من العمل الخيري المنسق إعادة معايرة مستمرة، واختبار مناهجنا لفهم ما ينجح وما لا ينجح ولماذا. وهذا يعني أننا كمجتمع خيري للمناخ ندمج التعلم في استراتيجياتنا ونفسح المجال لتقييم عملنا في الوقت الفعلي والتكيف بشكل متجاوب مع هذا التقييم. وهذا الأمر ليس بالجديد بالنسبة للبعض، فالقطاع الخيري المناخي يطرح الأسئلة ويختبر مناهجه منذ أكثر من عقد من الزمن، ما يسهم في تأسيس قاعدة معرفية يجب على المنافسين الجدد الاطلاع عليها. وكلما ابتكرنا أكثر وشاركنا ما تعلمناه، كلما تمكنا من تطوير فهمنا المشترك وأساسنا المشترك للتعاون.

يمكن أيضاً تطبيق نهج التعلم هذا داخل مؤسساتنا ومجتمعنا بأكملها -عبر طرح الأسئلة التي قد يكون لها أيضاً أثر في علاقات التمويل لدينا والمجتمع الذي تساعد في إنشائه. وقد يكون من المدهش أن هذا يعني أننا بحاجة إلى التخلي عن عمليات المراقبة والتقييم التي تركز على تحمل المسؤولية بشكل متدرج من أعلى إلى أسفل لصالح اعتماد نهج أكثر دقة، الذي يركز على التعلم المشترك مع الحاصلين على المنح. فعلى سبيل المثال، يمكننا أن ننتقل من إعداد التقارير التي تركز على تحمل المسؤولية إلى التفكير الاستراتيجي الأعمق حول كيفية حدوث التغيير، حيث يكون الممول والحاصل على المنحة مسؤولين بالتساوي عن تقديم الأفكار إلى طاولة المفاوضات. ومثل هذا النهج لا يستبعد المقاييس الكمية التي غالباً ما تسيطر على المراقبة المعتمدة على تحمل المسؤولية، بل إنه يغير دور هذه المقاييس في عملية صناعة القرار. حيث تصبح المؤشرات نقطة انطلاق للنقاشات النقدية، أي حوافز للتغيير بدلاً من أن تكون نتائج نهائية في العملية.

إن تطبيق جدول الأعمال هذا يتطلب منا القيام بالمزيد من الجهود حيث إن تعلم مضاعفة التأثير يعني زيادة قدرتنا على رؤية التحيزات المعرفية التي تحجب حكمنا والعمل على تعزيز العلاقات القائمة على الثقة وإجراء حوار شفاف حول إخفاقاتنا ونجاحاتنا على حد سواء. وإن تزويد المنظمات الشريكة بالوقت والموارد المؤسسية التي يتطلبها هذا التفكير، ودعم التكيف الاستراتيجي الذي ينتج عنه، يدعو أيضاً إلى إجراء محادثات حول تقديم تمويل أكثر مرونة وعلى مدى أطول.

في السنوات التي تلت انضمامنا إلى هذا المجتمع الملتزم والشغوف للعمل الخيري المناخي، رأينا مساهماته تساعد على القيام بأعمال عظيمة. حيث بلغت حركات المناخ الشبابية آفاقاً جديدة، وحفزت الناس والحكومات في جميع أنحاء العالم. كما أقنع المواطنون والمستثمرون وقادة الفكر الجهات المالية العامة والخاصة بإعادة توجيه تريليونات الدولارات بعيداً عن قطاعات الوقود الأحفوري. ولقد أصبحت اتفاقية باريس وهدفها بتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية في منتصف القرن الحالي، الإطار السياسي المقبول -ليس فقط للدول الموقعة عليها، ولكن لمئات المدن وآلاف الشركات وملايين الأشخاص حول العالم.

نحن نحتفي بهذه النجاحات حتى ونحن ندرك أن الأهداف من دون تنفيذ هي أقوال من دون عمل. فما زالت إنجازات عظيمة كثيرة تنتظر تحقيقها، وبأسرع وقت ممكن. ولا يمكننا إهمال الحاجة المتزايدة إلى جهود التكيف، حيث إن بعض تأثيرات المناخ أصبحت محتومة على مستقبلنا الجماعي بالفعل. فإن آثار الظواهر الجوية القاسية وتزايد الوفيات والأمراض المرتبطة بدرجات الحرارة القصوى ستستمر في التأثير على الفئات الأكثر تهميشاً في مجتمعنا بشكل أكبر.

علينا أن نتعلم بشكل فوري -وأن نتعلم كيف نتعلم. فالضغط هائل، ولكن كذلك المكاسب، لتفادي مظاهر عدم المساواة عبر الأجيال المختلفة والقيام باستثمارات ذات فوائد لا تُحصى. ومن خلال القيام بذلك، سنصبح أقوى وأكثر فاعلية وأكثر انتباهاً في الفن والعلم الذي هو العطاء الخيري، في مواجهة أكبر اختبار واجهته الإنسانية حتى الآن.

وهذا التحدي فرصة تاريخية. ونحن نؤمن أنكم يا فاعلي الخير قادرون على استغلالها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!