هل يسهم التمويل المختلط في تسريع عملية التنمية؟

5 دقائق
التمويل المختلط

عندما زعزع الإغلاق العام الذي فُرض عند تفشي فيروس كوفيد-19 ثلثي الاقتصاد الهندي، تحمل الفقراء غالبية العبء الناجم عن هذه الأزمة، الفقراء الذين يعملون غالباً لحسابهم الخاص خارج السوق الرسمي (يشكلون 75% من الأسر الريفية و50% من الأسر الحضرية). يرتفع الطلب على رأس المال التشغيلي في الأزمات، لكن مع وجود حد أدنى من المدخرات وغياب التأمين، تعجز المجتمعات الضعيفة عادةً عن الحصول على القروض بشروط عادلة. ونظراً لعدم وجود تاريخ ائتماني رسمي، فإن الحصول على رأس المال الذي قد يحتاجون إليه لحماية أنفسهم وإنعاش سبل عيشهم من مؤسسات الإقراض الرسمية يكاد يكون مستحيلاً، ما يؤدي إلى دخولهم في حلقة مفرغة. وبسبب عدم ثقة مؤسسات الإقراض الرسمية بتلك المجتمعات، ستستمر في استبعادها من القروض الرسمية. (لقد أثرت الجائحة سلباً أيضاً على مؤسسات التمويل متناهي الصغر، التي كانت مصدراً شائعاً لتمويل المجتمعات الضعيفة، لأن السيولة ودورات السداد لديها خرجت عن مسارها).

يمكن توظيف التمويل المختلط للحد من هذه المشكلات، إذ يمكن لرأس المال التفضيلي استقطاب رأس مال تجاري إضافي، وخلق تأثير مضاعف في التأثير الذي يحققه من خلال الاستفادة من رأس المال الخيري أو التفضيلي لتخفيف المخاطر الاستثمارية وإعادة توازن معامل المخاطرة والعائد للاستثمارات الرائدة العالية التأثير. تبرز أهمية التمويل المختلط خلال الأزمات عندما يؤدي تجاوز حواجز التمويل التقليدي إلى تسريع إجراءات التعافي.

من الأمثلة الحديثة عن منصات التمويل المختلط الناجحة في الهند منصة ريفايف ألايانس (REVIVE Alliance)، بقيادة مؤسستي سامهيتا (Samhita) وسي جي إف (CGF) بالتعاون مع عدد من الممولين من بينهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). أُطلِقت منصة أصحاب المصالح المتعددين هذه التي تبلغ قيمتها 15 مليون دولار في عام 2020، لدعم المجتمعات "الأكثر عرضة للخطر"، مثل العاملين في القطاع غير الرسمي وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين يواجهون أزمة سيولة شديدة بسبب الجائحة. تتيح المنصة الشمول التمويلي عبر دعم الأفراد والشركات التي تنتمي للاقتصاد غير الرسمي للحصول على القروض في وقت مناسب وبأسعار معقولة بهدف دمجهم في نهاية المطاف في السوق الرسمية. مع أن الهدف من القروض تلبية احتياجات رأس المال التشغيلي القصيرة المدى، لكنها تتيح أيضاً الشمول التمويلي الطويل المدى من خلال إنشاء بصمة رقمية للمستفيدين وإخراجهم من الحلقات الائتمانية المفرغة.

تهدف المنصة إلى تشجيع مؤسسات التمويل متناهي الصغر على الاستثمار في المجتمعات "الأكثر عرضة للخطر" مع التركيز على النساء، وذلك من خلال الاستفادة من مجموعة من رؤوس الأموال التفضيلية والخيرية لتوفير "ضمان الخسارة الأولى" (FLDG) للقروض. ما يزال 70% من الاحتياجات المالية لرائدات الأعمال في الهند غير ملبّاة، وأكثر من 90% من أعمالهن التجارية ما تزال غير مسجلة، ما يعوق حصولهن على التمويل المؤسسي. ضمان القرض هو التزام من طرف ثالث لتغطية بعض المخاطر المرتبطة بإقراض عميل لا يملك ضمانات مصرفية كافية، وبالتالي يحفّز تمويل الفئات التي لا تتعامل مع البنوك أو تتعامل معها تعاملاً محدوداً. كما يوفر البرنامج مِنح الدفع المرتبط بالأداء (PFP) لمكافأة سلوك السداد الإيجابي، وهو أداة تحفيزية تقلل من عبء مبلغ السداد الإجمالي.

مع استقطاب أكثر من 1.8 مليون دولار تحت مظلة برنامج الدفع المرتبط بالأداء لدعم 5,700 مشارك، سجل البرنامج معدلات سداد مبكر تراوحت بين 50% و94%، اعتماداً على تأثير الجائحة في مختلف المجتمعات الضعيفة. وبعيداً عن الميزانيات العمومية، ساعدت منصة ريفايف ألايانس مؤسسات القطاع غير الرسمي مثل متاجر السلع الصغيرة ورائدات التجميل والباعة المتجولين والعديد غيرهم على التعافي من التداعيات الاقتصادية للجائحة، مع تسجيل بصمتهم الائتمانية ليتمكنوا من الحصول على قروض مستقبلية.

واجه نمو التمويل المختلط في الهند عدة معوقات، إذ يجب توجيه الأموال من خلال مؤسسة غير هادفة للربح حتى تُعد أموالاً خيرية في الهند. ومن الصعب الدمج بين رأس المال التجاري والخيري تبعاً للقوانين الناظمة في الهند، حيث تحدد أطر السياسات فيها استخدام الأموال الخيرية بوضوح (ولا يسمح باستثمارها في الأنشطة الربحية). على عكس الولايات المتحدة التي تسمح فيها الاستثمارات المرتبطة بالبرامج (PRIs) للجمعيات الخيرية بالمشاركة في أنشطة ربحية موجهة للإعانة الاجتماعية، لا يقر القانون الهندي النفقات الخيرية للحصول على عائد رأس المال. تواجه المؤسسات التجارية معوقات محاسبية وتنظيمية مماثلة عند انخراطها في أنشطة غير هادفة للربح. نتيجة لذلك، بالإضافة إلى عدم وجود نماذج معيارية للتمويل المختلط في الهند، يجب إجراء معاملات مخصصة ومليئة بالصعوبات القانونية والتنظيمية والضريبية تجعلها مكلفة وغير جذابة. فمثلاً واجهت منصة ريفايف ألايانس تلك الصعوبات بإطلاقها أنواع مختلفة من رأس المال لتسهيل تأسيس أدوات تمويل مبتكرة من خلال التعاون بين أصحاب المصالح المتعددين، على سبيل المثال، بموجب أداة الدفع المرتبط بالأداء، تقدم الشركات المالية غير البنكية قرضاً للمستفيدين من الفئات الهشة، وتستكمل العملية ذاتها من خلال التحويل النقدي المباشر المشروط من مصادر التمويل الخيرية.

التحدي الآخر هو الخوف من الإخلال بالسوق، إذ يتجنب العديد من المتبرعين والمستثمرين أدوات التمويل المختلط، خوفا من أن تشكل العائدات التجارية "المدعومة" سابقة سلبية. لذلك من الضروري اثبات أن استخدام رأس المال الخيري التفضيلي يخلق قيمة إضافية من خلال معالجة العجز في السوق، ما يوفر سبباً كافياً للجهات الفاعلة ليتوجهوا نحو صفقات التمويل المختلط. إضافة إلى ذلك، إن المؤسسات الخيرية والمستثمرين إما يفهمون مجال الأعمال الخيرية، وإما مجال الاستثمارات التجارية، لكن لا يفهمون كليهما إلا ما ندر. وبالنظر إلى محدودية نطاق صفقات التمويل المختلط، تندر معرفة الجهات الفاعلة في السوق بآلية تنظيم هذه الصفقات. كما يفتقر السوق إلى نهج موحد معياري لإجراء تقييم موثوق للتأثير الاجتماعي. ويخشى المستثمرون والمؤسسات الخيرية من عمليات "غسل التأثير" لذلك يبتعدون عن صفقات التمويل المختلط.

في غياب إطار عمل مشترك وأسس متينة لقياس التأثير الاجتماعي، فإن إمكانية توسيع نطاق صفقات التمويل المختلط محدودة. تزيد تقييمات التأثير من تكاليف المشروع، لكن سنكون كمن يتخبط في الظلام دونها. لتخفيض التكاليف طويلة الأمد واستكشاف طرق التقدم، من الضروري الاستثمار في منظومة للتقييم ووضع معايير لنظم القياس في مختلَف القطاعات.

للتقدم في سوق التمويل المختلط، يعمل عدد من الوكالات والمؤسَّسات على هيكلة الصفقات وتنفيذها بين عدة قطاعات. على سبيل المثال، أُطلقَت في الهند سندات التأثير التي تركز على الرعاية الصحية والتعليم مثل سندات التأثير التنموي للتعليم العالي الجودة، وسندات التأثير التنموي لتعليم الفتيات، وسندات التأثير التنموي أوتكريشت لصحة الأمهات والأطفال الحديثي الولادة، بالإضافة إلى سندات أخرى طور التصميم مثل سندات التأثير الاجتماعي لمؤسسة بي سي إم سي (PCMC) للرعاية الصحية، وسندات التأثير التنموي للتدريب المهني. وسّعت مؤسَّسة غرين كلايمت فاسيليتي ( Green Climate Facility ) مسار الائتمان التفضيلي لقطاع ألواح الطاقة الشمسية بالتعاون مع البنك الوطني للتنمية الزراعية والريفية (National Bank for Agriculture and Rural Development). ونشرت وكالات الإغاثة متعددة الأطراف مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) مراكز الضمان لتوفير التمويل للمشاريع في مجالات الزراعة والتعليم والطاقة والبيئة والصحة وغيرها.​ لا تتوفر غالباً المعرفة المتخصصة المطلوبة لتوسيع هذه الأدوات في أي مؤسسة بعينها، لذلك من الضروري تجاوز الحواجز المؤسسية لتسهيل التعاون بين المستثمرين والمتبرعين والحكومات ووكالات التنمية. نحن بحاجة إلى إحداث سجل معرفة مركزي لتبادل الدروس والخبرات المستخلصة من هذه البرامج التجريبية. على سبيل المثال، يعد كونفيرجَنس (Convergence) سجلاً قائماً على الاشتراك للاستعلام عن بيانات التمويل المختلط. وعبر الاستفادة من نموذج هذه الشبكة العالمية، يمكن إنشاء منصة مماثلة مفتوحة المصدر في الهند، لإتاحة التبادل المجاني للمعلومات والدروس المستفادة لهيكلة أنواع مختلفة من أدوات التمويل المختلط وتصميمها وتنفيذها.

تدعم القوانين الهندية توسيع نطاق حلول التمويل المختلط كالتي ذكرناها. وأحد الحلول الممكنة هو إنشاء صندوق الرمال التنظيمي (بيئة تجريبية تسمح للمؤسسات اختبار الابتكارات دون الخضوع للقيود والتحديات القانونية) الذي يمكننا من اختبار أنواع مختلفة من صفقات التمويل المختلط. سيوفر ذلك للجهات التنظيمية فهماً واضحاً للتحديات المحتملة عند تصميم الصفقات في إطار القوانين الحالية، كما يوفر مساحة للمستثمرين والجهات التنظيمية للتفاعل بحرية بهدف تحديد العقبات.

يوفر التمويل المختلط إشراك مختلف أصحاب المصالح الذين ينظرون إلى نفس المشكلة من أكثر من زاوية، لذا نحن بحاجة إلى إنشاء حوارات وربط وجهات النظر للوصول إلى توافق في الآراء. وكما تظهِر الدروس والرؤى المستخلصة من منصة ريفايف ألايانس، فإنك كلما تبذل جهداً أكبر، تحقق مكاسب أكثر. يجب أن تؤدي الأدلة على فائدة حلول التمويل المختلط إلى إحداث بيئة مساعدة لتوسيع هذه الصفقات. حان وقت تسريع المبادرات التنموية التي تركز على إنعاش سبل العيش للفئات الأضعف في الهند.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.