
مع أن التمويل المختلط قادر على تسريع عملية التنمية في الهند، توجد عقبات تكبح إمكاناته.
عندما زعزع الإغلاق العام الذي فُرض عند تفشي فيروس "كوفيد-19" ثلثي الاقتصاد الهندي، تحمّل الفقراء معظم العبء الناجم عن هذه الأزمة، الفقراء الذين يعملون غالباً لحسابهم الخاص خارج السوق الرسمية (يشكلون 75% من الأسر الريفية و50% من الأسر الحضرية). في فترات الأزمات، يكون الطلب على رأس المال التشغيلي مرتفعاً، لكن مع وجود حد أدنى من المدخرات وغياب التأمين، تعجز المجتمعات الضعيفة عادةً عن الحصول على ائتمان غير افتراسي (مجحف). نظراً لعدم وجود تاريخ ائتماني رسمي، فإن الحصول على رأس المال الذي قد يحتاجون إليه لحماية أنفسهم وإنعاش سبل عيشهم من مؤسسات الإقراض الرسمية يكاد يكون مستحيلاً، مما يؤدي إلى دخولهم في حلقة مفرغة. ولأن مؤسسات الإقراض الرسمية لا تثق بتلك المجتمعات، سيستمر إبعادها عن الحصول على الائتمان الرسمي. (لقد أثرت الجائحة سلباً أيضاً على مؤسسات التمويل المتناهي الصغر، التي كانت مصدراً شائعاً لتمويل المجتمعات الضعيفة، لأن السيولة ودورات السداد لديها خرجت عن مسارها).
التمويل المختلط هو أداة يمكن أن ننشرها للحد من هذه المشاكل. استناداً إلى مبدأ الاستفادة من رأس المال الخيري أو الميسر لتخفيف مخاطر الاستثمار وإعادة التوازن إلى سمات المخاطر والمكافآت للاستثمارات الرائدة العالية التأثير، يستطيع رأس المال الميسر استقطاب رأس مال تجاري إضافي، وإحداث تأثير مضاعف في الأثر الذي يحققه. تبرز أهمية هذا الأمر خلال الأزمات، عندما يؤدي تجاوز حواجز التمويل التقليدي إلى تسريع إجراءات التعافي.
من الأمثلة الحديثة عن منصات التمويل المختلط الناجحة "إحياء التحالف في الهند" (REVIVE Alliance in India)، بقيادة مؤسستي "سامهيتا" (Samhita) و"سي جي إف" (CGF) بالتعاون مع عدد من الممولين من بينهم "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (UNDP). أطلِقت منصة أصحاب المصلحة المتعددين هذه التي تبلغ قيمتها 15 مليون دولار في عام 2020، لدعم المجتمعات "الأكثر عرضة للخطر"، مثل العاملين في القطاع غير الرسمي وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين يواجهون أزمة سيولة شديدة بسبب الجائحة. تتيح المنصة الشمول المالي من خلال دعم الأفراد والشركات التي تنتمي إلى الاقتصاد غير الرسمي للحصول على الائتمان في حينه وبأسعار معقولة، بهدف دمجهم في نهاية المطاف في السوق الرسمية. مع أن الهدف من القروض تلبية احتياجات رأس المال التشغيلي قصيرة المدى، لكنها تتيح أيضاً الشمول المالي الطويل المدى من خلال إنشاء بصمة رقمية للمستفيدين، وإخراجهم من أي حلقات ائتمانية مفرغة.
تهدف المنصة إلى تشجيع مؤسسات التمويل المتناهي الصغر على الاستثمار في المجتمعات "الأكثر عرضة للخطر" -وتركز على النساء- من خلال الاستفادة من مجموعة من رؤوس الأموال الميسرة والخيرية لتوفير "ضمان الخسارة الأولى" (FLDG) للقروض. لا يزال 70% من الاحتياجات المالية لرائدات الأعمال في الهند غير ملبّاة، وأكثر من 90% من أعمالهن التجارية لا تزال غير مسجلة، ما يعيق حصولهن على التمويل المؤسسي. ضمان القرض هو التزام من طرف ثالث لتغطية بعض المخاطر المرتبطة بإقراض عميل لا يملك ضمانات مصرفية كافية، وبالتالي تحفيز التمويل للفئات التي لا تتعامل مع البنوك أو تتعامل معها تعاملاً محدوداً. يوفر البرنامج أيضاً منح الدفع المرتبط بالأداء (PFP) لمكافأة سلوك السداد الإيجابي، وهو منبه تحفيزي يقلل أيضاً من عبء مبلغ السداد الإجمالي.
مع استقطاب أكثر من 1.8 مليون دولار تحت مظلة برنامج الدفع المرتبط بالأداء لدعم 5,700 مشارك، سجل البرنامج معدلات سداد مبكر تراوحت بين 50% إلى 94%، اعتماداً على تأثير الجائحة على مختلف المجتمعات الضعيفة. لكن بعيداً عن الميزانيات العمومية، ساعدت منصة "إحياء التحالف في الهند" مؤسسات القطاع غير الرسمي مثل متاجر السلع الصغيرة وبرامج دعم صالونات التجميل والباعة المتجولين والعديد غيرهم على التعافي من التداعيات الاقتصادية للجائحة، مع تسجيل بصمتهم الائتمانية أيضاً ليتمكنوا من الحصول على قروض مستقبلية.
واجه نمو التمويل المختلط في الهند عدة معوقات. فحتى تعد الأموال أموالاً خيريةً في الهند، يجب توجيهها من خلال مؤسسة غير هادفة للربح. يعد الدمج بين رأس المال التجاري والخيري صعب في المشهد التنظيمي الهندي، لأن إطار عمل سياستنا يحدد بوضوح استخدام الأموال الخيرية (ولا يسمح باستثمارها في الأنشطة الربحية). على عكس الولايات المتحدة، التي تسمح فيها الاستثمارات المرتبطة بالبرامج (PRIs) للجمعيات الخيرية بالمشاركة في أنشطة ربحية موجهة للإعانة الاجتماعية، لا يقر القانون الهندي النفقات الخيرية للحصول على عائد رأس المال. تواجه المؤسسات التجارية معوقات محاسبية وتنظيمية مماثلة عند انخراطها في أنشطة غير هادفة للربح. نتيجةً لذلك، ونظراً لعدم وجود نماذج معيارية للتمويل المختلط في الهند، يجب أن تكون المعاملات المخصصة لها مفصلة تعج بالصعوبات القانونية والتنظيمية والضريبية التي تجعلها باهظة ومنفرة. فمثلاً واجهت منصة "إحياء التحالف في الهند" المصاعب بإطلاقها أنواعاً مختلفة من رأس المال لتسهيل تأسيس أدوات تمويل مبتكرة من خلال التعاون بين أصحاب المصلحة، على سبيل المثال، بموجب أداة الدفع المرتبط بالأداء، تقدم "الشركة المالية غير البنكية" (NBFC) قرضاً للمستفيد الضعيف، وتستكمل العملية ذاتها من خلال التحويل النقدي المباشر المشروط من مصادر التمويل الخيرية.
يتمثل التحدي الآخر في الخوف من تشوه السوق، إذ تجنب العديد من فاعلي الخير والمستثمرين أدوات التمويل المختلط، وذلك لتخوفهم من أن الإيرادات التجارية "المدعومة مالياً أو عينياً" ستكون سابقة سلبية. لهذا إن توضيح كيف يمنح استخدام رأس المال الخيري الميسر قيمة إضافية هو أمر بالغ الأهمية، وذلك من خلال معالجة العجز في السوق، الذي سيوفر لجميع الجهات الفاعلة تسهيلاً كافياً ليتوجهوا نحو صفقات التمويل المختلط. إضافة إلى ذلك، إن المستثمرين والمؤسسات الخيرية إما يفهمون في مجال الأعمال الخيرية البحتة أو في مجال الاستثمارات التجارية، لكن نادراً ما يفهمون كليهما. وبالنظر إلى محدودية نطاق صفقات التمويل المختلط، تندر معرفة الجهات الفاعلة في السوق بآلية تنظيم هذه الصفقات. يفتقر السوق أيضاً إلى نهج موحد ومعياري لإجراء تقييم موثوق للأثر الاجتماعي. تنفّر المخاوف من "غسل الأثر" المستثمرين وفاعلي الخير من الانخراط في صفقات التمويل المختلط.
في غياب إطار عمل مشترك وأسس متينة لقياس الأثر الاجتماعي، فإن إمكانية توسيع نطاق صفقات التمويل المختلط محدودة. تزيد تقييمات الأثر من تكاليف المشروع، لكن من دونها سنكون كمن يتخبط في الظلام. لتخفيض التكاليف الطويلة الأمد وإلقاء الضوء على طريق التقدم نحو الأمام، من الضروري الاستثمار في نظام التقييم ووضع معايير لنظم القياس في مختلَف القطاعات.
للتقدم في سوق التمويل المختلط، يعمل عدد من الوكالات والمؤسَّسات على هيكلة الصفقات وتنفيذها عبر القطاعات. على سبيل المثال، أطلقَت في الدولة سندات الأثر التي تركز على الرعاية الصحية والتعليم ("سند الأثر التنموي للتعليم العالي الجودة" (Quality Education DIB)، وسند الأثر التنموي "لتعليم الفتيات" (Educate Girls DIB)، وسند أثر "أوتكريشت"؛ أي: الامتياز (Utkrisht))، وسندات أخرى طور التصميم (سند الأثر الاجتماعي لمؤسسة "بي سي إم سي" للرعاية الصحية" (PCMC Healthcare)، وسند الأثر لتنمية المهارات (Skilling)). وسعت مؤسسة "غرين كلايمت فاسيليتي" ( Green Climate Facility ) مسار الائتمان الميسّر لقطاع ألواح الطاقة الشمسية بفضل "البنك الوطني للتنمية الزراعية والريفية" (Agriculture and Rural Development). نشرت وكالات الإغاثة متعددة الأطراف مثل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) مراكز الضمان لتوفير التمويل للمشاريع في مجالات الزراعة والتعليم والطاقة والبيئة والصحة وغيرها. ومع ذلك، غالباً لا تكمن المعرفة التخصصية المطلوبة لتوسيع نطاق هذه الأدوات لدى أي مؤسسة معينة. لذلك من الضروري تجاوز الحواجز المؤسسية لتسهيل التعاون بين المستثمرين وفاعلي الخير والحكومات ووكالات التنمية. نحن بحاجة إلى بناء سجل مركزي للمعرفة لتشارك الدروس والخبرات المستخلصة من هذه النماذج الأولية. على سبيل المثال، يعد "كونفيرجَنس" (Convergence) سجلاً قائماً على الاشتراك للاستعلام عن بيانات التمويل المختلط. ومن خلال الاستلهام من هذه الشبكة العالمية، يمكن إنشاء منصة مماثلة مفتوحة المصدر في الهند، لإتاحة التبادل المجاني للمعلومات والدروس المستفادة لهيكلة أنواع مختلفة من أدوات التمويل المختلط وتصميمها وتنفيذها.
تستطيع قوانيننا دعم وإتاحة توسيع نطاق حلول التمويل المختلط كالتي ذكرناها. يتمثل أحد الحلول المحتملة في إنشاء صندوق الرمال التنظيمي الذي يمكن ضمنه دراسة أنواع مختلفة من صفقات التمويل المختلط. سيوفر هذا للمنظمين فهماً واضحاً للتحديات التي تواجه الجهات عند تصميم الصفقات في إطار القوانين الحالية، كما يوفر مساحةً للمستثمرين والمنظمين للتفاعل بحرية بهدف تحديد العقبات.
نظراً لأن التمويل المختلط يتطلب إشراك مختلف أصحاب المصلحة الذين ينظرون إلى نفس المشكلة من أكثر من زاوية، فنحن بحاجة إلى إنشاء حوارات وربط وجهات النظر للوصول إلى توافق في الآراء. وكما تظهِر الدروس والرؤى المستخلصة من منصة "إحياء التحالف في الهند"، فإنك كلما بذلت جهداً أكبر، حققت مكاسب أكثر. يجب أن تبشر الأدلة على منافع حلول التمويل المختلط بتأسيس بيئة مواتية لتوسيع نطاق صفقات كهذه. لقد حان وقت تسريع المبادرات التنموية التي تركز على إنعاش سبل العيش لفئات الهنود الأضعف.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.