
إن اتباع النهج الوسطي الحذر هو السبيل العقلاني الوحيد لمواجهة هذه الأزمة، ويتلخص هذا النهج الوسطي في تسع خطوات عملية: أعد تقييم الوضع من جميع جوانبه، ادعم قضيتك في العطاء، الزم الطريقة الناجحة، توخّ الحذر في تخفيض التكاليف ولا تتهوّر، اعلم من أين تؤكَل الكتف (المذكورة في الجزء الأول من السلسة: جمع التبرعات خلال الشدائد)، اهتم بمقدّمي التبرعات لمؤسَّستك، إجراء ما يلزَم، ضاعف جهودك على الإنترنت، وتحطيم الحواجز؛ التي سنكملها في هذا الجزء.
اهتم بمقدّمي التبرعات لمؤسَّستك
كشفت دراسة أجراها مركز العمل الخيري في جامعة إنديانا لصالح «بنك أميركا» في أواخر عام 2008، عن متبرعين أميركيين فاحشي الثراء، أن السبب الرئيسي وراء توقف المتبرعين عن التبرع لإحدى الجمعيات الخيرية هو أنهم «لم يعودوا يشعرون بالارتباط بتلك المؤسَّسة»، وهذا ليس مفاجئاً؛ يحتاج جميع المتبرعين إلى أن تُقدَّر مساهماتهم، وأن يشعروا بأنهم على اطلاع، ويجب أن تُعزَّز ثقتهم بالمؤسَّسة الخيرية باستمرار، فلا يمكن أبداً لأية مؤسَّسة غير ربحية أن تعمل كما لو أن متبرعيها سيواصلون التبرع لها مهما كان أسلوب تعاملها معهم.
إجراء ما يلزَم
لن تحلم أية مسؤولة ماهرة بزيارة متبرع محتمَل دون محاولة الكشف عن كل جزئية ممكنة من المعلومات المتعلّقة بسيرته في العطاء واهتماماته الشخصية (بالإضافة إلى الكثير من التفاصيل الأخرى)؛ إذاً لماذا يُعَدّ قيام جامع التبرعات الذي يتعامل مع مئات أو آلاف المتبرعين في آن معاً – من خلال البريد أو الهاتف أو عبر الإنترنت – بجمع معلومات شخصية عن المتبرعين المحتمَلين قبل التواصل معهم للحصول على المنح أمراً خاطئاً؟ للأسف؛ تكون أكثر ردّات الفعل المباشَرة لجامعي التبرعات، أن يتصرفوا كما لو أن هذا إجراء غير طبيعي، فنحن نعمل وفق قواعد بيانات أولية لا تحتوي إلا على قليل من المعلومات، فيغلب الخطاب العام على رسائلنا؛ حيث نكتب: إلى «صديقنا العزيز» أو «المتبرع العزيز» دون أدنى فكرة عما قد يثير اهتمام هذا الشخص أو يحفّزه. بالتأكيد جميعنا ندرك أن نهجاً غير شخصي كهذا قد يكون ضرورياً في المساعي لاستقطاب المتبرعين الجدد؛ لكن أليس علينا أن نعرف عن المتبرعين لدينا أكثر من مجرد أنهم قدموا لنا المال ذات مرة؟
إذا لم يكن لدينا أكثر من قواعد بيانات أولية، فنحن نعرف مقدار ما قدّمه المتبرعون لنا، وعدد مرات قيامهم بذلك، ونعلم مدة عطائهم لنا، ونوع الالتماس الذي دفعهم إلى تقديم أولى عطاياهم؛ سواءً كان رسالةً، أو مكالمةً هاتفيةً، أو بريداً إلكترونياً، أو زيارتهم لموقعنا الإلكتروني، أو محادثةً مع صديق؛ حتى لو كانت هذه جُلّ المعلومات التي نُدرجها في التماساتنا، فمن المؤكد أنها ستساعدنا في تأمين دعم إضافي أكثر من أسلوب خطاب «عزيزي المتبرع» الفظ!
ضاعف جهودك على الإنترنت لجمع التبرعات
جُمعَت مليارات الدولارات عن طريق الإنترنت؛ لكن الحصة الكبرى من هذه الأموال ذهبت إلى خزائن منظمات الإغاثة الإنسانية؛ مثل الصليب الأحمر الأميركي وجيش الخلاص و«اليونيسيف»، والحملات الرئاسية الأميركية رفيعة المستوى؛ وأبرزها حملة الرئيس «باراك أوباما»، وحصة أقل ذهبت إلى المنظمات المناصرة الرائدة؛ مثل حملة حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة السلام الأخضر، وإن كل هذه المليارات – بالرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو ضخمة – تمثل نسبةً ضئيلةً من الإيرادات الخيرية العامة (بنسبة تتراوح بين 1% و 3% في الولايات المتحدة، بحسب المصدر).
لا يمثّل جمع التبرعات عن طريق الانترنت بحد ذاته وسيلة نجاة القطاع غير الربحي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ومع ذلك؛ تعود قنوات التواصل عبر الإنترنت بعدة فوائد على جامعي التبرعات غير الربحيين، ومعظم هذه الفوائد لا ترتبط مباشرةً بالمال، وسأذكر لك ثلاثاً منها: جذب المؤيدين اليافعين، ومنح الناخبين فرصاً للمشارَكة في عملك، ودعم الالتماسات المرسَلة بوسائل أخرى. إن تعزيز الاستثمار في وسائل التواصل عبر الإنترنت سيحقق الكثير من الأرباح، ويعزز المساعي في جمع الأموال على المدى القريب، ويضع الأسس لمستقبل أكثر ازدهاراً.
تحطيم الحواجز
إليك كيف تُجمَع التبرعات عادةً في الجامعات الكبرى: يرسل قسم التواصل مجلةً لإحدى الخريجات، وترسل لها كلية الفنون الحرة دعوةً لتقديم التبرعات عدة مرات في العام، وينتقي صندوق تمويل الجامعة السنوي طلاباً للاتصال بها، ويحوم أفراد قسم التاريخ (تخصصها) حولها للحصول على منحة أيضاً، وكذلك حال كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (حيث نالت فيها درجة الماجستير) ورابطة الخريجين؛ والتي ترسل نشرات باستمرار عبر البريد عن الرحلات الغريبة حول العالم، ويمكنني أن أسترسل في الحديث عن ذلك، فهل من المستغرَب أن تشتكي العديد من الجامعات من انخفاض معدل «مشارَكة» خريجيها في التمويل السنوي؟
هذا الواقع الذي ينطبق إلى حد ما على آلاف المنظمات غير الربحية والمؤسَّسات، يستدعي حَكماً للحدّ من تداخلات كل تلك الرسائل مع بعضها. من المؤكد أن الحد الأدنى من الجدولة المركزية بين جميع هذه المكاتب المتنافِسة سيخفض معدل تناقص المتبرعين، وفي الواقع؛ إن وجود برنامج متكامل لجمع الأموال والتسويق والتواصل سيعزز الإيرادات، حتى في ظل أسوأ الظروف الخارجية.
هل أقول إنك إذا اتّبعت هذه النصائح – وجميع نصائحي الأخرى – سيختفي الركود الاقتصادي؟ هل ستصل إلى جنة جمع التبرعات؟ بالكاد، فأنا أقدم هذه الاقتراحات لأنني أعتقد أنك إذا اتبعتها بحكمة؛ ستضاعف دخلك على المدى القريب، وتحافظ على قدرتك على استئناف النمو بمجرّد تحسن الظروف الاقتصادية.
على الأقل؛ آمل أن تجد الطمأنينة في تفاؤلي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.