
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "مشكلة الحلول المخصصة للقضايا الفردية في العمل الخيري" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن الممولين الذين يحتاجون إلى معالجة عدة قضايا في آن واحد والبرامج المشتركة بين الأجيال التي تمولها الشركات الأميركية. اليوم في هذا المقال سوف نتحدث عن الدروس المستخلصة من تجربة إحدى الشركات الأميركية المهتمة في توسيع نطاق مهماتها.
ما بعد اتخاذ قرار في تمويل حلول تشمل عدة أجيال
من الواضح أنه بمقدور المؤسسات أن توسع نطاق تركيزها وتعيد توجيه عملها لتحقيق أثر أدوَم، لكن على الرغم من أن اتخاذ القرار قد يكون سهلاً نسبياً، فإن عملية اعتماد التغيير فعلياً أصعب بكثير. فيما يلي أربع دروس استخلصناها من خبرتنا، نقدمها للممولين وفاعلي الخير المهتمين بتوسيع نطاق مهماتهم:
1- ابنِ علاقات جديدة
تتجنب معظم المؤسسات المجازفة، لذا عندما تعمل مع مؤسسة تجيد عملها، فإنها تلتزم بالعمل معها لفترة طويلة ولا تبحث عن شركاء جدد غيرها، لكن لا بد للمؤسسات التي تقرر أن تغير مهماتها من أن تنطلق من بداية جديدة.
كان تخفيض التمويل للمستفيدين من المنح منذ فترة طويلة، الذين نعلم أنهم أجادوا عملهم ولكنه لم يعد يتوافق مع أهدافنا، أمراً مؤلماً أحياناً. لقد أجرينا محادثات مع جميع المستفيدين من المنح وسعينا للتحلي بالمرونة مع المهتمين بالمتابعة أو ترسيخ النهج المشترك بين الأجيال في عملهم، ولكن في بعض الحالات، اضطررنا آسفين إلى الانفصال الودي. من الناحية الإيجابية، أتاح لنا تغيير محور تركيزنا وأهدافنا اكتشاف بعض المجموعات الجديدة المذهلة التي كانت تحت ناظرينا، والاستثمار فيها. على سبيل المثال، كانت "نوادي الأولاد والفتيات في ميناء لوس أنجلوس" (Boys & Girls Clubs of the Los Angeles Harbor) تضم متطوعين متقاعدين للعمل مع اليافعين الذين تخدمهم، وكانت النتائج مذهلة. ومنذ ذلك الحين أصبحت شريكاً مقرباً، تواصل إدراج أنشطة جديدة مشتركة بين الأجيال في أعمالها.
2- واظب على الدراسة
إن اكتساب الممولين الذين يرغبون في اتباع نهج شامل ويتناول عدة قضايا، للخبرة في موضوع ما هو أمر جوهري، إذ لا يوجد دليل تفصيلي لتمويل مجالات الابتكار الجديدة تمويلاً فعالاً، بل يتعين على الممولين وضع خطة التمويل بأنفسهم وأن يكونوا خبراء في المجال الذي يعملون ضمنه، وهذا يتطلب إجراء الأبحاث.
بدأنا بسؤالنا لأنفسنا: ما هي أحدث الابتكارات في مجال الحلول المشتركة بين الأجيال؟ على ماذا تنص الأبحاث؟ ما هي التوجهات الديموغرافية التي تدعم مساعينا؟ ما هي البرامج المجدية وغير المجدية؟ استفضنا في القراءة والتقينا مع كل شخص علمنا أنه على دراية بالبرامج المشتركة بين الأجيال؛ وذلك حتى لا نقدّم منحاً مجدية فقط، بل لننال الثقة هذا المجتمع الصغير المتنامي.
تحدثنا إلى باحثين في جامعة ستانفورد وجامعة جنوب كاليفورنيا الذين كانوا على دراية بالتوجهات في موضوع طول العمر، وتحدثنا مع قادة مؤسسات غير ربحية مثل نايلة بوليس في مؤسسة "جمب ستارت" (Jumpstart)، التي كانت تدير مؤسسة للأطفال وتحاول إشراك كبار السن في عملها. واجتمعنا مع خبراء مثل دونا باتس من مؤسسة "جينيريشنز يونايتد" (Generations United) ونانسي هينكين من جامعة "تمبل"، اللتين كانتا تعملان في مجال المشاركة بين الأجيال منذ فترة طويلة لكن عملهما لم يكن في مجال العمل الخيري.
ونتيجة لذلك أصبحنا خبراء في مجال العمل المشترك بين الأجيال لدرجة لم نكن لنصل إليها أبداً لو أننا اتبعنا نهجاً عاماً في تقديم المنح. تعلمنا بالأخص أنه لكي تنجح البرامج المشتركة بين الأجيال، يجب أن نتعمّد استخدام وسائل تجمع المشاركين الشباب وكبار السن، فلا يمكن أن يقتصر البرنامج على جمع المشاركين في غرفة وانتظار أن يحدث تواصل فعال بينهم من تلقاء نفسه. كما ينبغي للبرامج أن تعتبر كلا المجموعتين موارد وتقيس الأثر الواقع على كليهما. لولا المناقشات المستفيضة مع الخبراء في هذا المجال، لما اكتسبنا المعرفة العميقة التي نحتاجها لتقديم دعم فعال وتعزيز المساعي لتحقيق العمل المشترك بين الأجيال.
3- إعادة التفكير في الأساسيات
ينبغي للمؤسسات التي تجري تحولاً جذرياً في مهمتها أن تعيد التفكير في العديد من الجوانب المتعلقة بأسلوب عملها وما عليها فعله لتحقيق أهداف جديدة. بعبارة أخرى، عليهم أن ينبذوا العقلية الإدارية التي تعمل وفق مبدأ "هذه هي الطريقة التي لطالما اتبعناها" ودراسة كل شيء من منظور جديد.
أعدنا تصميم موقعنا على الإنترنت في مؤسسة "ذي آيزنر فاونديشن"، بالإضافة إلى شعارنا وصفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي ليعكس مهمتنا الجديدة في التشارك بين الأجيال. كما غيرنا مستندات طلبات التقديم الخاصة بنا ومجالس الإدارة التي عملنا فيها والأشخاص الذين نوظفهم وفي أي مناصب. في الوقت نفسه، منحتنا البداية الجديدة مع مستفيدين غالبيتهم جدد حرية أكبر في المجازفة في اختيار من وماذا نمول. قدمنا التمويل لمجال المناصرة لأول مرة، واستثمرنا في إجراء الأبحاث، وأطلقنا برنامج منح للمؤسسات غير الربحية الصغيرة التي لا تملك سجلات إنجازات مثبتة كنا نبحث عنها عادة عند تقديم منح للشركاء الدائمين. نستطيع أن نكون كما نرغب.
لكن بالطبع، وكأي مؤسسة "حديثة العهد"، ارتكبنا بعضاً من أخطاء المبتدئين. إذ فشلت أحياناً المؤسسات التي لا تمتلك سجلات إنجازات مثبتة والتي قدمنا تمويلاً لها في تحقيق أهدافها، حتى أن إحداها أغلقت أبوابها، مع أننا منحناها مبلغاً مكوناً من ست أرقام ودعمنا عملها. واستثمرنا في بحث بدا لنا واعداً للنهوض بمجال العمل المشترك بين الأجيال، لكنه في النهاية لم يقدم قيمةً تذكَر للعامة. ومع ذلك، لم يفقد مجلس إدارتنا ثقته بنا كموظفين في معرفتنا بوجهتنا واختيارنا للمسار الصحيح، وساندنا حتى عندما تعثرنا، وساعدنا على النهوض والمتابعة بقوة وثقة.
4- النظر في تغيير حجم المنح المقدمة
قد تنظر المؤسسات التي لديها جدول أعمال فارغ جديد، في تغيير حجم المنح التي تقدمها، ويشمل ذلك احتمالية تقديم منح عددها أقل وبقيمة أكبر.
قبل تحويل تركيزنا إلى المبادرات المشتركة بين الأجيال، كنا غالباً نقدم للمستفيدين منحاً تشغيليةً عامةً تبلغ قيمتها حوالي 100 ألف دولار كل عام. كنا نتردد في رفض الأشخاص بمجرد عملنا معهم، إلا إذا حدث تغيير في قيادتهم أو تراجع واضح في أدائهم، وقد عززت هذه الممارسة حجم المنح التي كنا نقدمها. ولأن حجم المنح كان صغيراً نسبياً، كانت المخاطر أقل، وكنا غالباً لا نصر على وجودنا في أي موضع لاتخاذ القرار، إذ رأينا أنه ليس لدينا الحق في اقتراح أفكار جديدة أو التوصية بها، فقد كنا "نعطي" أكثر مما "نستثمر". لكن مع الحرية الجديدة التي اكتسبناها، قررنا منح مبالغ أكبر لعدد أقل من المؤسسات، حتى أننا قدمنا عدة منح بلغت قيمتها مبلغاً مؤلفاً من سبع أرقام.
لقد منحت مبالغ التمويل الأكبر المستفيدين منها المرونة والأمان والشجاعة لاتباع نُهج مبتكرة وريادية، كما شجعتنا على المساهمة في اتخاذ القرار عند عرض ذلك علينا ومشاركة وجهات نظرنا مع المؤسسات ومساعدتهم على تجنب الصعوبات المحتملة، فأصبحنا شركاء بدلاً من أن نكون مجرد مانحين. فمثلاً في مؤسسة "تمويل الأفلام والتلفاز" (Motion Picture and Television Fund)، وهي مؤسسة تدعم أعضاء الصناعة الترفيهية، ينشئ الموظفون برمجية جديدة مبتكرة لتنسيق برنامج رعاية للتحقق من رفاه كبار السن. فقدمنا لها منحة ضخمة في مرحلة مبكرة، ما أتاح لنا المشاركة في عملية التخطيط، وتوليد الأفكار حول التطبيقات المستقبلية المحتمل طرحها، والربط بين مستفيدين آخرين والمشروع الذي نوسع نطاقه.
بالإضافة إلى ذلك، صرنا نتصل ونزور المؤسسات التي نمولها أكثر ونتعمّد تنمية الشراكات باتباع نهج يقوم على الثقة. صحيح أنه أصبح لدينا عدد أقل من المستفيدين من المنح، لكنهم يحظون باهتمامنا المطلق والتزامنا الكامل. حتى أن الكثيرين طلبوا منا أن نكون جزءاً من عمليات التخطيط الاستراتيجي الخاصة بهم، ومنحنا ذلك فرصةً لنتعاون معهم في تصور مستقبلهم على المدى الطويل.
اختيار التعقيد
أتاح لنا تغيير تركيزنا في مؤسسة "ذي آيزنر فاونديشن" إلى البرامج المشتركة بين الأجيال معالجة مشكلتين على الأقل – وأحياناً ثلاث أو أربع مشاكل – في وقت واحد. إذ نهدف اليوم إلى تحسين التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وتخفيف شعور كبار السن بالوحدة والعزلة. ونفكر في نقص المساكن ميسورة التكلفة ودور الرعاية البديلة والعدالة الاجتماعية في الوقت ذاته. نعتقد أن هذا التغيير جعلنا مقدمي منح أذكى وأقوى وأثرى معلوماتنا وأتاح لنا التعامل بأسلوب استراتيجي أكثر.
هل ينبغي لجميع المؤسسات أن تجري التغييرات الجذرية التي أجريناها؟ بالطبع لا، لكن ينبغي لجميع الممولين على الأقل أن يدرسوا كيف يصبحوا مقدّمي منح ذوي تأثير أكبر، وعليهم أن يبحثوا عن المواضع التي يقدموا فيها منحاً مهمةً، ويدعموا مشاريع الأبحاث والمناصرة التي تكون أهميتها على مستوى القطاع. وحين يتطلب تحقيق ذلك تغيير مهمتهم، ينبغي أن يكونوا منفتحين على السير في اتجاهات جديدة.
يرجح أن تواجه المؤسسات التي تعيد توجيه عملها بهذه الطريقة تحديات لم تكن تتوقعها، وإذا واجهتها هذه التحديات فعلاً، قد تمنعها من المضي قدماً لاحقاً. بالطبع يُعد التزام المؤسسة بتغيير مهمتها واعتماد البرامج المشتركة بين الأجيال ومواجهة التحديات التي تترافق مع ذلك أحياناً السبيل الوحيد والأفضل لتبقى حيوية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.