
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "ما الرابط بين الاستثمار المستدام والاستثمار في المناصرة؟" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن الحركات الاستثمارية بشكل عام وعن الاستثمار المستدام بشكل خاص ودور هذه الحركات بجعل الرأسمالية مستدامة. أما اليوم في الجزء الثاني من هذه السلسلة فسوف نتحدث عن معنى الاستثمار في المناصرة وكيفية الاستثمار في سبيل تحقيق الأثر.
المناصرة: كيف نغير مسار اقتصادنا الضخم
سواء كان الاستثمار الذي يحقق النفع للطرفين أو المقايضة، فكلاهما عاجزان عن دفع عجلة التغيير في القضايا الاجتماعية والبيئية الرئيسية. فهما نشاطان مهمان لكنهما متخصصان ضمن اقتصاد واسع تسير فيه معظم الأنشطة التجارية حسب القواعد ببساطة. فمثلاً إن انبعاث الكربون باهظ جداً على كوكبنا، لكنه مجاني تقريباً في الاقتصاد، وإن الأشياء المجانية تستخدَم بإفراط. وبالمثل، فإن الاستثمار في الحد من العزلة الاجتماعية يولد نتائج اجتماعية إيجابية ولكن لا يحقق ربحاً للمستثمر.
وبالتالي، إن الطريقة الوحيدة لتغيير مسارنا الاقتصادي العالمي الضخم هي تغيير القواعد لتصبح معالجة المشكلات الاجتماعية والبيئية مربحة. فمثلاً إن تحديد سعر معقول لانبعاثات الكربون، سيزيد فرص الاستثمار الذي يحقق النفع للطرفين زيادة كبيرة. إذ إن تسعير الكربون سيخفض الإيرادات على جميع الأنشطة المنتجة للكربون بكثافة في جميع القطاعات التي سيطبق عليها – ويشمل ذلك قطاعي الطاقة والتصنيع – مع زيادة الإيرادات على البدائل منخفضة الكربون أو التي تلتقط الكربون، مثل الطاقة المتجددة وإنتاج الفولاذ منخفض الكربون. وقّع في عام 2019 أكثر من 3,500 خبير اقتصادي أميركي، من بينهم 45 خبيراً حائزاً على جائزة نوبل، على بيان مؤيد لتسعير الكربون. إنه أفضل حل قائم على السوق لإتاحة الاستثمار على نطاق واسع، ويمكن أن يحل مشكلة توفير 10 تريليون دولار بالكامل من خلال جعل جميع الاستثمارات الضرورية مربحة.
هنا يبرز دور المناصرة. كبداية، تستطيع الشركات والمستثمرون استخدام أصواتهم للضغط من أجل إجراء تغييرات تنظيمية. ففي الآونة الأخيرة، وقّع 457 مستثمراً يمثلون 41 تريليون دولار من الأصول على بيان المستثمر العالمي الذي يدعو إلى إجراء تغيير تنظيمي أسرع. لكن على الرغم من أن هذا النوع من المساعي جديرة بالإعجاب وتساهم في إحداث تغيير ثقافي تدريجي، إلا أنها لا تبذل جهداً كافياً لتحفيز سلوك السياسيين وتغييره فعلياً. لتحقيق ذلك يجب على الشركات والمستثمرين التواصل مع الناخبين، وتوسيع رسالتهم، وإن توسيعها يتطلب بذل المال.
لذا كان الاستثمار في المناصرة هو المرحلة الثالثة من نهج المحفظة الاستثمارية التي نقترحها. فللمناصرة تأثير هائل. ولك أن تتمعن فيما يلي: إذا احتجنا إلى استثمار 10 تريليونات دولار من أشكال الدعم الخيري في استثمار المقايضة لمواجهة الأزمة المناخية، فما هي قيمة الاستثمار في المناصرة الذي سنحتاجه خلال 10 سنوات؟ سيكون واحد من ألف من ذلك الرقم (10 مليارات دولار) فائضاً عن الاحتياجات، فقد تسببت جماعة الضغط في قضية الوقود الأحفوري بأضرار غير اعتيادية بمبلغ أقل من ذلك بكثير.
للوهلة الأولى، قد تبدو فكرة مناصرة المستثمرين في الاستثمار الذي يحقق النفع للطرفين أغرب من استثمار المقايضة: فهو عمل خيري خالص، ويستحيل قياس نتائجه، والمناصرة ليست مهارة تجارية أساسية. لكننا نعتقد أن العكس قد يكون صحيحاً لثلاثة أسباب:
- للمناصرة فوائد تجارية إذا وُظفت بعناية. تكافأ الشركات التي تُظهر ريادتها في القضايا الاجتماعية والبيئية من خلال المناصرة بجذب موظفين مهرة، ومزيد من العملاء، ومزيد من المستثمرين. وعندما تتشارك الشركات في تكلفة المناصرة مع المستثمرين الآخرين الذين يشاطرونها الرأي، تنخفض التكلفة الفردية.
- يصعب قياس تأثيرات النفقات العادية مثل التسويق تماماً كما يصعب قياس تأثيرات المناصرة. والأهم من ذلك، أن مشاكل القياس التي نواجهها في كل من المناصرة والتسويق منفصلة؛ فعلى عكس استثمار المقايضة، هي لا تلوث قرارات الاستثمار أو التقييمات ولكنها تظهر فقط في حساب المصاريف.
- إن الأعمال التجارية أصلاً بارعة جداً في المناصرة، ولو كان ذلك عادة على الجانب المناقض للصالح الاجتماعي والبيئي. فقد كان الضغط من قبل شركات التبغ والفحم والمقامرة فعالاً لدرجة قاتلة، إذ تنفق أكبر خمس شركات نفط وغاز مملوكة للقطاع العام في العالم حوالي 200 مليون دولار سنوياً على ممارسة الضغط، لحماية المليارات التي تدرها أرباحها السنوية من خلال تأجيل ومنع أي إجراء لحل المشكلة المناخية.
بالتأكيد، تطرَح تساؤلات أخلاقية جادة حول الدور الصحيح للأعمال التجارية في الديمقراطية، إذ يجب أن تكون الشركات متلقية للقواعد وليست من تضعها. لكننا لا نعيش في عالم نظري أو مثالي. فالشركات تعمل فعلاً على صياغة القواعد، وغالباً ما تفضّل المصالح الضيقة لمساهميها على حساب المجتمع والبيئة.
طريقة جديدة للاستثمار في سبيل تحقيق الأثر
نقترح طرح استراتيجية عامة يمكن للمستثمرين من خلالها المساهمة في حل الأزمات الاجتماعية والبيئية بالقدر المطلوب: عندما تضغط المصالح الخاصة لإطالة ومفاقمة أزمة اجتماعية أو بيئية، تستطيع مجموعة أكبر من المستثمرين أن تدافع عنها وتتهيأ لجني ثمار دعمها لمستقبل يجب أن نحققه، مستقبل يكون فيه المناخ صحياً والمجتمعات أكثر تماسكاً.
قد تتخذ هذه الاستراتيجية أشكالاً مختلفةً حسب فئات المستثمرين والشركات المختلفة، لكن شركات إدارة الأصول، وهي فئة تشمل معظم المستثمرين الذين وقعوا على بيان المستثمر العالمي، هي المهيئة بصورة خاصة لتطبيقها. كما أنها تخدم مجموعة متنوعة من العملاء، بمن فيهم المستثمرين المؤثرين. كما لاحظ أدريان بولر وبنجامين بران من مؤسَّسة "كومون ويلث" (Common Wealth)، أن هذه الشركات هي "المساهمة المهيمنة في الشركات في سائر أنحاء الاقتصاد العالمي"، وتترجم سعة ملكيتها إلى تعرض كبير للتهديدات للرأسمالية على مستوى الاقتصاد مثل التغير المناخي.
يستطيع مدراء الأصول أن يقدموا للمستثمرين المؤثرين ما يريدونه من خلال توجيه نسبة مئوية من الرسوم الإدارية نحو المناصرة: وهي إيرادات تجارية كاملة، إضافة إلى إحداث الأثر من خلال الدعامة الأقوى وهي المناصرة. هناك طريقتان لتحقيق ذلك. قد يكون النهج المختصر هو التعامل مع استثمارات المناصرة كبديل عن نفقات التسويق. يمكن أن تقدم شركة كبرى لإدارة الأصول استراتيجية استثمار تجاري، والتحقق من التأثير السلبي للاستثمارات كثيفة الانبعاثات، بحيث تكون المناصرة هي المحرك الرئيسي للأثر. سيجذب ذلك المستثمرين المؤثرين الذين يدركون أهمية المناصرة أكثر من صناديق الاستثمار القياسية التي لا تقبل الإضافة إلى درجة كبيرة، والتي تحقق النفع للطرفين. تكمن جاذبية هذا النهج في أنه لا تترتب عليه تكاليف أو مخاطر على العملاء، كما أنه قابل للتوسع بسهولة، وقد يحظى المحركون الأوائل باهتمام كبير وتدفقات رأس المال من مجتمع المستثمرين المؤثرين.
يتمثل النهج الثاني الأكثر تطوراً في التكامل الوثيق بين استراتيجيات الاستثمار والمناصرة، بهدف تحقيق إيرادات أعلى من السوق. على سبيل المثال، قد تؤدي الدعوة الناجحة لإدخال تحسينات على قوانين إعادة التدوير إلى زيادة إيرادات شركة إعادة التدوير. يصعب توسيع نطاق النهج المتكامل لأنه يتطلب معرفة سياسية محلية، لكنه قد يكون مجزياً جداً.
على سبيل المثال، لنتناول الاستراتيجية التالية التي تركز على البيئة والتي يعمل آلان (مؤلف مشارك في كتابة هذه المقالة) على تطويرها في شركته لإدارة الأصول "تراوالا غروب" (Trawalla Group):
- أنشئ صندوقاً أو صناديق جديدة تركز على الاستثمارات التي تخفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون والتي تقدم إيرادات تجارية.
- استثمر نسبةً مئويةً من الرسوم الإدارية في المناصرة الاستراتيجية لصالح السياسة المناخية القائمة على العلم. تؤدي هذه المناصرة دور الوسيلة التسويقية لجذب المستثمرين المؤثرين المهتمين بإحداث تغيير منهجي.
- ادمج استراتيجيات المناصرة والاستثمار لتوليد إيرادات أعلى من السوق للمستثمرين في الصناديق الجديدة. على سبيل المثال، تستطيع الشركة الاستثمار في البنية التحتية للمركبات الكهربائية حيث تثق بأن هذا الاستثمار سيساهم في تحقيق تقدم تنظيمي محلي.
- اضبط المناصرة مع إشراف أطراف ثالثة مستقلة وموثوقة يقودها العلم لضمان أن الشركة لا تستثمر إلا عندما تتماشى المصلحة الذاتية مع المصلحة العامة.
من الطبيعي أن ترافق هذه الاستراتيجية مخاطر ومكاسب. فبينما يتوقع العملاء تلقي إيرادات تجارية، فإن إضافة تكاليف المناصرة إلى الرسوم الإدارية سيخفض إيرادات مدير الأصول. لكن الوعد بتحقيق الأثر قد يجذب المزيد من العملاء، ويزيد من تدفقات رأس المال، ويرفع صافي الرسوم الإدارية. إذا نجحت، سيتبع مدراء الأصول الآخرون تلك الخطى. إذا طبق عدد كافٍ من المستثمرين من بين 457 مستثمراً الذين وقعوا على بيان المستثمر العالمي هذه الاستراتيجية على المكون منخفض الكربون من أصولهم البالغة 41 تريليون دولار، سيتمكنوا من تحريك الجبال.
مفارقة: هل تحقق النفع للطرفين في النهاية؟
نعتقد أن استراتيجية المناصرة الموضحة في هذه المقالة هي الوسيلة الوحيدة المنطقية التي تستطيع من خلالها الأعمال التجارية والمستثمرون أن يحققوا فعلاً "مكسباً" لهم وللمجتمع. وبالنسبة لأوائل الأطراف الفاعلة من مدراء الأصول، قد يفوق النمو في الرسوم الإدارية تكاليف "الاستثمار في المناصرة". في الواقع، قد يقود الاستثمار النافع للطرفين، مصحوباً بالمناصرة الأخلاقية، الطريق إلى مستقبل أكثر استدامة في النهاية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.