
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "هذا ليس تقريراً عن أداء التأثير" والتي تنقسم إلى جزئين، واليوم في جزئها الأول سوف نتحدث عن الاستثمار المؤثر وسنتعرف عن الأمر المهم والمميز للغاية في الأداء.
إن الاستثمار المؤثر يتطلب أكثر من "الدليل" على الأثر؛ إذ نحتاج إلى بيانات مستمرة عن "أداء التأثير" على أن تكون ديناميكية، ومرنة، ويتم التكرار على أساسها.
في عالم تزداد فيه الشفافية، نتوقع أن ما كتب على الملصق سيعكس ما يوجد داخل العبوة. ينطبق هذا الأمر على ملصق علبة بيض مكتوب عليها عبارة "بيض عضوي مصدره دجاج تربى خارج الأقفاص"، كما ينطبق على أي "شركة ب" (B Corporation) أو على أي منحة مصنفة تحت بند "حوكمة بيئية واجتماعية وحوكمة شركات" (ESG). وهذه المصطلحات توصل أموراً محددة للمشترين. بينما تعتمد مصداقيتها على ما إذا كانت الكتابة على الملصق متوافقةً مع المنتج نفسه.
في السنوات الحمس الماضية، نما الاستثمار المؤثر بشكل كبير. أما اليوم، يصنف ما قيمته أكثر من 40 ترليون دولار من الأصول وفق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. كانت هناك زيادة ملحوظة في النشاط حول كيفية قياس وإدارة التأثير مصاحبة لهذا النمو. وهذا العمل ضروري للغاية. فهو سيمكن المستثمرين من توجيه رأس المال لتحقيق أكبر قدر من التغيير، وسيمكن المستثمرين والشركات من إدارة أداء التأثير بنفس الدقة مثل الأداء المالي والتشغيلي. في السنوات الأخيرة، حقق قطاع الاستثمار المؤثر تقدماً في تطوير طرق أفضل وأكثر سهولة وشفافية للتحدث عن التأثير، بداية من أبعاد التأثير الخمسة لمشروع إدارة التأثير (IMP) وحتى مؤشرات (IRIS+) ومبادئ تشغيل مؤسسة التمويل الدولية.
ومع ذلك، على الرغم من هذا التقدم، لم نضع بعد حداً أدنى واضحاً لتوقعاتنا حول ما يشكل بيانات تأثير "جيدة بما يكفي" للحكم على الأداء. هل يُعتبر الأمر تعبيراً عن النوايا؟ أم تأكيداً على اتباع ممارسات معينة؟ أم أننا نحتاج إلى بيانات موثقة حول التأثيرات المادية على البشر والكوكب؟ ومع انعدام حد أدنى مشترك للتوقعات، عادةً ما تعتمد تقارير أداء التأثير على البيانات العملية الأساسية والتي تظهر مع بدء تشكل التأثير. نتيجة لذلك، تبدو معظم "تقارير" التأثير قاصرةً: حيث تعمل كمؤشر للتأكيد الشخصي على الجهود الجيدة عوضاً عن أن تقدم وجهة نظر موضوعية حول الأداء.
ما هو الأمر المميز والمهم للغاية في الأداء؟
نظراً لأن تقارير التأثير أصبحت أكثر شيوعاً، أصبح هناك اعتراف متزايد في قطاع الاستثمار المؤثر بالحاجة إلى السعي لتحقيق "أداء تأثير" لا مثيل له. عبر التاريخ، غالباً ما تم اعتبار التأثير أحد أمرين: إما أنه يظهر أثناء العمل أو أنه غير موجود. إذا تم تعريف التدخل على أنه "مُؤثر" – غالباً بفضل دراسة أكاديمية – كان من المعتاد التصرف كما لو كان جدال التأثير قد تمت تسويته، وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى توفير بيانات إضافية من قبل الشركة لتأكيد أنها، في الواقع، تمكنت من إنشاء تأثير.
وإن هذه الطريقة مليئة بالمشاكل رغم أنها تبدو قابلة للتطبيق وعملية للغاية. ولفهم السبب يتعين عليك التفكير في التحول الذي طرأ على الفهم الجمعي للتعلم والتنمية البشرية بفضل ظهور مفاهيم العقليات "الثابتة" و"النامية". أظهر هذا العمل، الذي اشتهرت به عالمة النفس كارول دوايك، أن أفكارنا الأساسية حول هويّتنا وقدراتنا (مثل ذكائنا وشخصيتنا وأخلاقنا) تساهم في تشكيل قدرتنا على التعلم والنمو والتحسن. يعتقد أولئك الذين لديهم عقلية "ثابتة" أن الذكاء ثابت. فهم يعطون الأولوية للظهور بمظهر الأشخاص الأذكياء والمتمكنين وبالتالي يميلون لتجنب التحديات، وهم أكثر عرضةً للاستسلام بسهولة عندما يواجهون العقبات ويتجاهلون الانتقادات البنّاءة. على العكس من ذلك، يعتقد أولئك الذين لديهم عقلية "متطورة" أن الذكاء يمكن تطويره، لذلك من المرجح أن يكونوا على قدر التحدي وأن يواجهوا العقبات بثبات وأن يتعلموا من الانتقادات.
يتمتع الاستثمار المؤثر بإمكانية مماثلة للتقدم إذا أدركنا أننا بحاجة إلى ما هو أكثر من "دليل" على التأثير، أي شيء ثابت تم إثبات وجوده من عدمه مرةً واحدة. كما أننا نحتاج إلى بيانات مستمرة لمتابعة "أداء التأثير" – بيانات ديناميكية ومرنة ويمكن اعتمادها لتكرار التجارب، كي نتمكن من زيادة التأثير الذي نُحدثه. نحن نميل إلى التعثر عندما نخلط بين المفهومين.
نرى محدودية عقلية التأثير "الثابت" في كل مرة نعتقد أننا اكتشفنا فيها "الحقيقة" حول تأثير أي تدخل معين (قرض تمويل صغير، منهج مدرسي محسّن). ومن المفيد بالطبع اكتشاف دراسات تُظهر أن التدخل نافع حقاً. إلا أن الاعتماد على الدراسات فقط وتطبيق نتائجها على التدخلات الشبيهة (إلى حدٍّ ما) يؤدي بنا إلى تجاهل أمر أساسي: وهو أن الفروق في أداء التأثير ناتجة عن الإجراءات المحددة لشركة ما، والخواص المحددة لمنتج أو خدمة ما، والطرق المحددة لتعاطي الشركة مع الزبائن في سياق محلي. تكون هذه الفروقات، من تعريفها، خفيةً إذا تم الاعتماد على التعريف الثابت بأن "هذا المنتج أو هذه الخدمة (دائماً) ستنتج هذا القدر من التأثير بالنسبة للزبون".
ومع ذلك، فإن أفضل الممارسات المقبولة هي التحقق من وجود التأثير ثم تطبيق متغيرات التأثير "المُثبَتة" على البيانات التشغيلية القياسية. يمكن لهذه الممارسة أن تستحضر أرقاماً ضخمة للتأثير، لكن الافتراض الخاطئ الكامن وراء هذا النهج الشائع للغاية هو افتراض أن فئات التدخل بأكملها (على سبيل المثال، كل قرض تمويل صغير مُنِحَ لأي شخص في أي مكان) متماثلةٌ بشكل أساسي من منظور التأثير و يجب أن تُعامَل على هذا النحو.
وعلى النقيض، فإن عقلية أداء التأثير تتجذّر في معرفة أن كل تدخّل يمتلك تأثيراً مختلفاً في كل مكان وفي كل لحظة من الزمن. علاوةً على ذلك، فإن هذه الاختلافات دائماً ما تكون كبيرة بما يكفي لتحظى بانتباهنا. وإن فهم التنوع في الأداء، سواءً أكان في التأثير أو في أي مجال آخر، هو مفتاح التقدم.
على سبيل المثال، تخيل قرضين استهلاكيين من مموّلَين مختلفَين في البلد نفسه. أحدهما عبارة عن عملية سحب رقمية بسيطة، والآخر يتمتع بدعم مجتمعي كبير وخدمات شاملة. إذا اكتشفنا أن القرض الثاني له نتائج أكبر وأطول أمداً على الرفاه المالي للعملاء وتمكينهم، فقد تعلمنا شيئاً أساسياً حول كيفية تخصيص مواردنا لتحقيق أكبر تأثير. إن وظيفتنا، سواء كنا مشغلين أو مستثمرين، ليست أن نقول "إننا ندعم إقراض الفئات السكانية المهمشة، وإليكم التأثير النموذجي لهذه الأنواع من القروض". بل تتمثل مهمتنا في تحديد أصحاب الأداء الأفضل من خلال تمييز أولئك الذين يصنعون تأثيراً ضخماً ضمن فئة معينة من أصحاب الأداء المنخفض أو أصحاب الأداء المتوسط.
تتواجد التدخلات الاجتماعية من جميع الأنواع في سياق ديناميكي للغاية بحيث لا يمكننا الاستقراء الأعمى على نطاق واسع من حكاية واحدة أو دراسة واحدة كما نفعل نحن. لا يسعنا الافتراض مطلقاً أن كل متجر، أو شركة خطوط جوية، أو متجر إلكتروني يمتلك نفس النسب التشغيلية والمالية لكل وحدة مُباعة. ومع ذلك، فإننا نتصرف كما لو أن التأثير المدروس جيداً لتدخل واحد في مكان واحد ولحظة واحدة من الزمن يمكن أن يُمثّل جميع التدخلات من هذا النوع على مستوى العالم.
من النظرية إلى الممارسة
قد يبدو كل هذا منطقياً، لكنه بعيد كل البعد عن الممارسة المقبولة حالياً. فالممارسة الحالية هي حرمان قياس التأثير من أية موارد حقيقية، وبالتالي إجبار الممارسين على إعطاء الأولوية للبراغماتية فوق كل شيء آخر. مقيدين بهذه الطريقة، نحن نكافح لتحديد البيانات التي يمكننا إنتاجها بسهولة أكبر ونحاول استنتاج التأثير المحتمل من هذه البيانات.
فعلى سبيل المثال، انظر إلى تقرير الشبكة العالمية للتحقيق في التأثير (GIIN) الذي صدر مؤخراً بعنوان "فهم أداء التأثير: استثمارات الشمول المالي". قد يتوقع المرء أن يرتكز هذا التقرير على (1) أنواع التأثيرات التي تهم عميل مؤسسة تمويل صغير أو منظمة تكنولوجيا مالية؛ وأنه، (2) باعتباره "تقرير أداء"، سيسمح للفرد بفهم التأثير النسبي لأداء تأثير الشمول المالي على المستثمرين وشركات الشمول المالي. وللأسف، لا يحقق التقرير أياً من هذين الهدفين.
إلى أي مدى يرتبط التقرير بالهدف الأول: الإبلاغ عن أنواع التأثيرات التي تهم عملاء التمويل الصغير؟ ليس إلى حدٍ جيد. لمعرفة السبب، تخيل النشاط البسيط المتمثل في سؤال عملاء التمويل الصغير ذوي الدخل المنخفض عن سبب اقتراضهم أو ادخارهم مع مؤسسة تمويل صغير معينة. من المرجح أن يخبرك هؤلاء العملاء أنهم يريدون الحصول على المزيد من المدخرات (حتى يتمكنوا من الاستثمار أكثر)، أو تجاوز الأزمات المالية بشكل أفضل، أو كي يكونوا قادرين على إرسال أطفالهم إلى المدرسة في المستقبل؛ أو أنهم يرغبون في زيادة الدخل من تنمية الأعمال التجارية الصغيرة؛ أو أنهم ربما يتوقون إلى أن يكون لهم مساهمة أكبر في القرارات المالية للأسرة.
ومع ذلك، فإن المقاييس الواردة في تقرير شبكة (GIIN) عن "أداء" التأثير للشمول المالي (الموجود في الصفحات 20-21) لا تتضمن هذه الأنواع من مقاييس التأثير البسيطة على مستوى العملاء. في الواقع، فإن 5 فقط من المؤشرات الثمانية والعشرين المذكورة في التقرير تحمل ارتباطاً ضئيلاً لمخرجات العملاء المهمة هذه. هذا لأن التقرير، كما هو معتاد، يخوض في البيانات المتاحة بسهولة – على سبيل المثال، عدد القروض الممنوحة أو النسبة المئوية للقروض المقدمة بالعملة المحلية – ويحاول استنتاج النتائج (المحتملة) على مستوى العميل من هذه البيانات. ولكن في حين أن عدد القروض التي قدمتها مؤسسة التمويل الأصغر يعطي إحساساً بالوصول للمستفيدين، إلا أنه لا يخبرنا شيئاً عن الأمور التي نهتم بها حقاً، مثل: ما هو تأثير قرض التمويل الصغير على هؤلاء العملاء لمؤسسة التمويل الصغير هذه في هذه الفترة الزمنية؟
ما لدينا في تقرير (GIIN)، إذن، هو نظرة مفيدة للغاية عن "حالة القطاع" تساعدنا على فهم حجم القطاع، ومتوسط أحجام القروض، والمحافظ الاستثمارية المعرضة للخطر، وقليلاً من البيانات حول من يتم تقديم الخدمة لهم. وهذه جميعها معلومات قيمة. لكن ليس لأي منها علاقة بـ "أداء التأثير".
لوضع تقرير عن أداء التأثير، يجب أن يكون بالحد الأدنى:
- يخوض في أولويات التأثير لأصحاب المصلحة المتأثرين، وهم الزبائن والموظفون، والكوكب،
- ويمتلك على الأقل بعض البيانات عن أداء التأثير، والتي تم جمعها مباشرةً من أصحاب المصلحة هؤلاء.
- يمتلك بيانات تسمح بمقارنة أداء التأثير النسبي للمؤسسات المختلفة أو صناديق التأثير المشاركة في نفس الأنشطة أو أنشطة مماثلة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.