
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "كيف نقوّم عملية تقديم المنح في الهند؟"، التي تنقسم إلى جزئين، والتي تحدثنا في جزئها الأول عن ضرورة تغيير عقليات التمويل وممارساته، وفي الجزء الثاني من السلسلة، سنورد بعض الأمثلة عن مؤسسات طورت استراتيجياتها في تقديم المنح محققة بذلك أثراً أعمق لأهدافها.
إثبات دور تطوير المنظمات
لم يكن مفهوم تطوير المنظمات مفهوماً اكتسبه الممولون أو المنظمات غير الحكومية في الهند بشكل طبيعي. في السنوات الأولى لمؤسسة "إديلغيف"؛ أي منذ أكثر من عقد تقريباً، تتذكر فيديا: "كان قطاع المنظمات غير الحكومية يقاوم بشدة أي توجيه في مجالي التنمية والتوسع". كما قاوم العديد من الممولين هذا، قائلين لها: ‘أنت لا تفهمين مؤسسة "سيفابهاف"‘. فهي لا تتمحور حول النمو والتوسع، لكن تتعلق بتقديم الخدمات. لذلك كان الموقف غريباً، إذ من الواضح أن الممولين لم يهتموا ببناء القدرات، وكانت المنظمات غير الحكومية نفسها مشككةً جداً في النفع الذي ستعود به القدرات على قيمهم (خدمتهم)".
اخترقت مؤسسة "إديلغيف" حاجز المقاومة من خلال عرضها صفقةً شاملةً على متلقي المنح: قالت فيديا: "إذا كنت ترغب في العمل مع مؤسسة "إديلغيف"، فستنال التمويل والمشورة حول بناء القدرات". اعتمدت المؤسسة نهج رأس المال المغامر لتدعيم نقاط الضعف في حوكمة الشركات المستثمَر فيها واستراتيجيتها وإدارتها "لقد استعرنا هذا النهج وقلنا: إذا اتفقنا معاً على وجود مجالات تحتاج فيها إلى المساعدة، فسنجد الموارد اللازمة لتقديمها".
وسرعان ما كشفت التجربة عن أربعة مجالات تدعو الحاجة فيها إلى تقديم كل المساعدة الممكنة تقريباً في بناء القدرات: التخطيط الاستراتيجي والمالي، والموارد البشرية (التوظيف، والتدريب، وتقييم الأداء)، وعمليات النظم والتكنولوجيا، وجمع التبرعات والاستدامة المالية. وقالت فيديا إنه من المثير للدهشة أن جمع التبرعات ليس نشاطاً أساسياً للعديد من المنظمات غير الحكومية. وأكدت أن البرامج لها نفس الأهمية تقريباً، وأضافت: "ينظر الكثير من المنظمات غير الحكومية إلي كما لو أنني مجنونة مصابة بالهذيان. لكنك لن تصمد إذا لم تحصل على التمويل اللازم. وأنت بحاجة إلى أشخاص مؤهلين لهذه المهمة لأن جمع التبرعات يعد فناً".
ويرى أميت أن تطوير المنظمة عنصر ضروري في تمويل النفقات غير المباشرة. ويقول: "لقد أدركنا أن مواردنا المحدودة يمكن أن يكون لها أكبر أثر من خلال الاستثمار في إمكانيات المنظمات. هذه كانت نقطة انطلاقنا في رحلتنا (الخيرية) منذ نحو عقداً من الزمان، ولم تخيّب نتائجها آمالنا قط. يمكنني أن أؤكد لك أن الممولين الذين استثمروا في الإمكانيات شهدوا الاستثمار يسدد نفقاته بنفسه عدة مرات".
تعد رحلة نمو منظمة "كواليتي إيديوكيشن سبّورت ترست" (Quality Education Support Trust) أو اختصاراً "كويست" (QUEST)، التي امتدت على 14 عاماً مثالاً على ذلك. خلال عقدها الأول، نشرت "كويست" متطوعين لتطوير برامج إثراء تعليمية للأطفال في المدارس القبلية والريفية عبر المقاطعات في ولاية ماهاراشترا. في ذلك الوقت، نجحت في الوصول إلى ما يقدر بنحو 47 ألف طفل. قال نيليش نيمكار، مدير ووصي على منظمة "كويست"، للمشاركين في جلسة "داسرا": "حققنا أثراً لا يستهان به منذ البداية". ونتيجةً لذلك، لم تتمكن منظمة "كويست" من مواكبة طلبات توسيع نطاق برامجها. وتابع نيليش: "تلقينا طلبات كثيرة، لكننا لم نستطع الموافقة عليها". بقيت منظمة "كويست" صغيرةً نسبياً لافتقارها إلى المال اللازم للاستثمار في بناء الإمكانيات المؤسسية، ولم يكن قادتها خبراء في تطوير استراتيجية التنمية أو يتاح لهم التدرب على ذلك.
بدأ ذلك يتغير منذ ثلاث سنوات عندما قيّمت كل من مؤسسة "أيه تي إي تشاندرا فاونديشن" و"واي.إم ديوستالي" رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة "إل آند تي فاينانس" (L&T Finance)، صعوبات توسع منظمة "كويست"، وأقامت شراكة مع المنظمة لدفع مجموعة من النفقات غير البرامجية. وأوضح نيليش: "لم نتمكن من وصف احتياجاتنا المؤسسية أو نفقاتنا التشغيلية الفعلية إلى أن ساعدنا الخبراء لفترة معينة، لأننا لم نقدّر النفقات بهذه الطريقة من قبل". يشحذ الاستثمار في النفقات غير البرنامجية نمو منظمة "كويست". تخدم المنظمة اليوم 214 ألف طفل، وهذه زيادة بمقدار أربعة أضعاف في ثلاث سنوات فقط.
يحث أميت الآخرين على اتباع خطاهم، مستنداً إلى رحلة منظمة "كويست" وغيرها كأدلة على أن بناء القدرات يؤدي إلى تحقيق أثر أكبر. إذ يقول: "هذه رحلة أود أن أشجع جميع المنظمات غير الحكومية والمتبرعين على الخوض فيها عاجلاً وليس آجلاً. لن تكون رحلة سهلة، إنها رحلة وعرة وشاقة، لكن بمجرد أن تخطو أول خطوة، ستجعل المنظمات أفضل وأقوى في نواحٍ كثيرة".
إنهاء الحرمان المنهجي
سوف يستغرق تغيير ممارسات التمويل الراسخة بعمق التي جعلت العديد من المنظمات غير الحكومية عاجزة عن تحقيق إمكانيات تأثيرها بعض الوقت. هذه مشكلة منهجية ومعقدة، ويجب على جميع أصحاب المصلحة التعاون لحلها، لكن الممولين يمسكون بزمام الأمور، مما يلقي مسؤولية القيادة على عاتقهم. بالنسبة لمعظم الناس، هذا يعني تعزيز الوعي بمشكلة النقص المزمن في التمويل، يليها تغيير عقليات التمويل وممارساته.
إن مؤسستي "أيه تي إي تشاندرا فاونديشن" و"إديلغيف" من بين قلة من الممولين الذين يهدفون إلى نمذجة هذه الممارسات. فقد انضموا إلى ثلاث مؤسسات أخرى إضافةً إلى مؤسسة "بريدجسبان" في عام 2020 لقيادة مبادرة في الهند تمتد لعدة سنوات أطلقوا عليها "ادفع ما يتطلبه الأمر" (Pay-What-It-Takes) الملتزمة ببناء منظمات غير حكومية أقوى وأكثر مرونة من الناحية المالية. وحدت المؤسسات "ذا تشيلدرين إنفستمنت فَند فاونديشن" (The Children’s Investment Fund Foundation ) و"فورد فونديشن" (Ford Foundation) و"أوميديار نيتوورك إنديا" المشاركين الممولين.
يعد نقص التمويل المزمن للمنظمات غير الحكومية مشكلة موجود حلها فعلاً. لقد آن الأوان لتفكير الممولين في نهجهم في تقديم المنح وصقله.
مؤلفو هذه المقالة هم الكتاب الذين شاركوا في كتابة المقالة "بناء منظمات غير حكومية قوية ومرنة في الهند: آن أوان اتباع ممارسات تمويل جديدة".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.