اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

كيف يسهم تطبيق الدخل الأساسي الشامل في ضمان السعادة؟

إعداد : فان لي

 

تم النشر 26 أكتوبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "هل يعدّ الدخل الأساسي الشامل مفتاح السعادة في آسيا؟" والتي تعرفنا في جزئها الأول على نظرة على سبب اكتساب الدخل غير المشروط شعبية في كوريا الجنوبية، وعن أضخم تجربة في آسيا حتى الآن. أما اليوم في هذا المقال فسوف نتحدث عما يمكننا تعلمه من أضخم تجربة في تطبيق الدخل الأساسي الشامل في آسيا والتي حدثت في كوريا الجنوبية، ونجيب عن تساؤل هل الدخل الأساسي الشامل مفتاح السعادة.

أضخم تجربة في تطبيق الدخل الأساسي الشامل في آسيا

يبلغ عدد سكان مقاطعة غيونغي 12 مليون نسمة، وتحيط بالعاصمة سيول، وهي أكثر المقاطعات المكتظة بالسكان في كوريا الجنوبية. أطلق الحاكم لي جاي ميونغ في عام 2018 برنامج الدخل الأساسي لليافعين، الذي يهدف إلى مساعدة جميع الأفراد البالغين من العمر 24 عاماً في المنطقة في معرفة كيف يمكنهم المساهمة في المجتمع. يتخرج معظم اليافعين الكوريين الجنوبيين في سن 24 من الجامعة ويبدؤون في البحث عن عمل. لكن يحتاج الكثير منهم إلى حضور دورات تدريبية إضافية أو الحصول على تدريب داخلي لتطوير المهارات أو مؤهلاتهم التي يحتاجون إليها للحصول على عمل.

يوجد 175 ألف يافع عمره 24 عاماً في غيونغي، سيتلقى كل منهم ما يعادل 220 دولاراً بعملة قابلة للتداول محلياً كل ربع سنة على بطاقة ائتمان، وذلك لمدة عام واحد. على الرغم من أن المبلغ يُعتبر صغيراً، إلا أن البرنامج يحظى بشعبية بين اليافعين والأعمال المحلية. قال بعض اليافعين أن الأموال دفعتهم إلى عقد العزم على ترك وظائفهم المؤقتة حتى يحظوا بوقت أكبر ليركزوا على تحسين الذات. شهدت الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة في أثناء ذلك ارتفاعاً في المبيعات، وذلك لأن اليافعين لا يستطيعون استخدام العملة إلا ضمن المقاطعة وليس في سلاسل المتاجر العالمية مثل "ماكدونالدز". إضافة إلى ذلك، كانت نتيجة تحليل أجراه "معهد أبحاث مقاطعة غيونغي" (Gyeonggi Research Institute) هي أن الرغبة في العمل بين المستفيدين من الدخل الأساسي الشامل لم تفتر كما خشي البعض، وأن المستفيدين زادت سعادتهم.

وفقاً لـ "لي"، يستطيع اليافعون الذين يعيشون في سيول أيضاً الحصول على إعانة البحث عن عمل التي تعادل 2,500 دولار لمرة واحدة، وخلال تفشي جائحة "كوفيد-19″، منحت الحكومة إعانة لكل أسرة لمرة واحدة تعادل 800 دولار. على الرغم من أن هذه التدابير لا تُعدّ فعلياً دخلاً أساسياً شاملاً، لكن هناك زخم كبير حول الدخل غير المشروط. أظهر استطلاع للرأي العام الماضي أن تطبيق الدخل الأساسي الشامل حظي بدعم نصف سكان كوريا الجنوبية تقريباً، ويقول لي جاي ميونغ، أحد المرشحين البارزين في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، أنه يريد أن يتلقى كل كوري جنوبي دخلاً أساسياً يعادل 500 ألف وون (حوالي 430 دولار) كل عام. ويهدف إلى البدء بمبلغ زهيد ثم يزيده تدريجياً ليصل إلى 500 ألف وون، من خلال تعزيز الضرائب المفروضة على الأراضي، وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، والخدمات الرقمية.

جدال أوسع مؤيد (ومعارض) لمفهوم الدخل الأساسي الشامل

أطلقت العديد من البلدان في أوروبا وأميركا الشمالية وإفريقيا وآسيا تجارب ضمن نطاق ومدة محدودَين بعد حلول الأزمة المالية في عام 2008، وذلك قبل فترة طويلة من تجربة كوريا الجنوبية. أقام المرشح الرئاسي الأميركي أندرو يانغ حملته الانتخابية في عام 2019 بناء على خطة ستوفر الدخل الأساسي الشامل لكل أميركي بالغ، إذ ستمنح الحكومة للأفراد ألف دولار شهرياً من خلال تعزيز برامج الإعانة الاجتماعية وفرض ضريبة القيمة المضافة على الشركات الكبرى. لم يتولَّ أندرو الرئاسة، لكن حملته أدت إلى توسع النقاش حول الدخل الأساسي الشامل.

يتمتع الدخل الأساسي الشامل بين مؤيديه بثلاث مزايا رئيسية على الأقل:

1- سيحرر بعض الناس من اضطرارهم إلى العمل لتأمين لقمة العيش، ليتيح لهم الدراسة أو تأسيس عمل تجاري يسخّر قدراتهم بشكل أفضل. أوضحت رئيسة حزب الدخل الأساسي شين جي هاي البالغة من العمر 33 عاماً، في مقابلة أجرتها مع صحيفة "بينباي" (Xiaoyu ،2021): "بدلاً من إجبار نفسك على العمل في وظيفة لا تحبها، ينبغي لك العمل في مجال قيِّم بالنسبة لك. ففي عصر لم تعد فيه حاجة كبيرة للعمالة، على أحدهم أن يسعى لمنح المزيد من الناس فرصة إيجاد قيمة في هذه الحياة". كما لاحظ قادة آخرون، مثل مؤسِّسا شركات التكنولوجيا مارك زوكربيرغ وإيلون ماسكأن الدخل الأساسي الشامل هو مفهوم واعد.

2- يتجنب الدخل الأساسي الشامل المصمّم بعناية ما يطلق عليه "فخ الإعانة الاجتماعية" لخطط الضمان الاجتماعي الحالية. إذ تفرَض قيود على العديد من أنظمة الإعانة الاجتماعية اليوم، فمثلاً يشترط أن يكون دخل الشخص أقل من مبلغ محدد حتى يكون مؤهلاً لتلقي الإعانة، ما يعني أن المستفيدين يجب أن يبقوا من ذوي الدخل المنخفض. لذا عندما لا يكون الفارق المالي بين الإعانات الاجتماعية وأجر العمل كبيراً، يزن المستفيدون الإيجابيات والسلبيات، ويقررون غالباً ألّا يعملوا. ولأن الدخل الأساسي الشامل هو إعانة نقدية غير مشروطة ولا تتعارض مع دخل آخر، لا يضطر المستفيدون إلى الاختيار بين الاستفادة من الدخل الأساسي الشامل والعمل.

3- إن إدارة أنظمة الإعانات الحالية وإجراءات الموافقة مكلفة، وقد تصبح مرتعاً للعجز البيروقراطي والفساد. يقلل الدخل الأساسي الشامل الإجراءات الإدارية وبالتالي النفقات الحكومية بشكل كبير، لأنه يستهدف جميع الفئات السكانية، بدلاً من تقييم الظروف الفردية شديدة التباين.

من ناحية أخرى، يميل المعارضون لمفهوم الدخل الأساسي الشامل والمشككون به إلى التركيز على ثلاث نقاط:

1) سيجعل الناس تتقاعس عن العمل ويؤدي إلى انهيار اقتصادي.

2) صعوبة تحديد مبلغ دخل معقول.

3) احتمالية ألا يخفض الدخل الأساسي الشامل، حتى بعد تطبيقه، من برامج نظام الإعانة الاجتماعية الحالية ويزيد الإنفاق العام فيصبح إنفاق الأموال في كلا الاتجاهين.

هل تطبيق الدخل الأساسي الشامل طريق إلى سعادة أكبر؟

ركزت التجارب على فكرة هل سيثبط الدخل الأساسي الشامل الناس عن العمل أم لا، وذلك لأن التساؤلات حوله تركز على ذلك أيضاً. كانت إحدى أبرز التجارب برنامجاً أطلقته الحكومة الفنلندية في يناير/كانون الثاني من عام 2017 لمدة سنتين.

تعدّ فنلندا مجتمع تفرض فيه ضرائب وفوائد مرتفعة. وبالرغم من تصدرها مراراً لمؤشر السعادة العالمي، إلا أن معدل البطالة فيها مرتفع. كان معدل البطالة في عام 2017 يقدر بنسبة 8.6%، وكان متوسط ​​الدخل السنوي للموظف الجديد 9,920 يورو (حوالي 11,210 دولار). وفي الوقت ذاته، كان متوسط ​​إعانة البطالة السنوية 7,268 يورو (حوالي 8,216 دولار)، وعند إضافة هذا المبلغ إلى أشكال أخرى من الإعانات الاجتماعية يتجاوز أحياناً دخل الفرد عندما يعمل. وبهدف خفض معدل البطالة، اختارت الحكومة الفنلندية 2,000 فرد عاطل عن العمل عشوائياً تتراوح أعمارهم بين 25 و58 عاماً من جميع أنحاء الدولة ليكونوا مستفيدين من الدخل الأساسي الشامل، وحوالي 170 ألف عاطل عن العمل ليكونوا مجموعة ضبط للمقارنة. تلقى كل شخص في المجموعة التجريبية على مدار عامين دفعةً شهريةً من الدخل الأساسي الشامل بقيمة 560 يورو (حوالي 633 دولار)، لا تؤثر على وضعهم الوظيفي.

تباينت النتائج؛ بلغ معدل توظيف المستفيدين من الدخل الأساسي الشامل في السنة الأولى حوالي 18%، وهو نفس معدل التوظيف في المجموعة المرجعية. وكان معدل التوظيف في السنة الثانية 27%، على الرغم من وجود فارق ضئيل بينها وبين المجموعة المرجعية: على الرغم من أن وضع توظيف المستفيدين لم يتحسن بشكل ملحوظ، أظهر الاستقصاء أن رفاههم الذاتي قد تحسن تحسناً كبيراً، وأن ثقتهم بأنفسهم زادت.

انتقد بعض باحثي الدخل الأساسي الشامل تصميم التجربة، وألقوا اللوم على النتائج غير الحاسمة التي تلقوها على الميزانية المحدودة المخصصة لها والضغط السياسي لتنفيذها على عجل. لكن لي ينظر إلى النتائج من زاوية مختلفة، وهذا ما أوضحه في اجتماع مجموعة الدراسة: "إذا لم تكن الغاية من التجربة التي أجريت في فنلندا التحقق من زيادة معدل التوظيف، بل التحقق هل أصبح الناس أسعد، يمكن القول أنها تجربة ناجحة". وبالفعل توصلت تجربة الدخل الأساسي الشامل في كوريا الجنوبية إلى نفس النتيجة.

الدخل الأساسي الشامل: أداة لتحقيق المرونة الاجتماعية

اجتاحت جائحة مفاجئة العالم في عام 2020، وقدمت العديد من الدول إعانة لمرة واحدة لكافة شعوبها، وذلك لمواجهة الأزمات الاقتصادية ومعدلات البطالة التي خرجت عن السيطرة. استخدم الناس المال بطرق لا حصر لها. قدمت الحكومة المركزية في اليابان (حيث أعيش) 100 ألف ين (حوالي 1,000 دولار) لجميع السكان، مهما كان عمرهم وجنسيتهم وحالة دخلهم. تظهر الاستقصاءات الإعلامية أن هذه الأموال ساعدت في تخفيف معاناة العديد من الأفراد والعائلات. تنازلت بعض العائلات الثرية طواعيةً عن فرصة أخذ المال، ومنهم من أخذ المال، ثم تبرعوا به للأسر أو الجمعيات الخيرية.

اختتم لي جلسة مجموعة الدراسة بقوله: "كوريا تواجه أزمة ضخمة حالياً، ويمكن قلب الأمور رأساً على عقب في هذه اللحظة". اقترح "مختبر 2050" نموذج ضمان اجتماعي جديد يكون مفهوم الدخل الأساسي الشامل هو جوهره. وسمى هذا النموذج "فريكيوريتي" (Freecurity) (مزيج من كلمتي الحرية والأمن باللغة الإنجليزية)، فهو يضمن لك مصدر رزق دون أن تضطر إلى العمل بدوام كامل. "لا يمكن فصل الحرية عن الأمن، تخيل مستقبلاً توفر فيه الحكومة للأفراد مباشرة الأمن الاقتصادي الذي يستحضر الشعور بالأمن. لم يعد الناس في كوريا بحاجة إلى أن يعملوا في وظيفة بدوام كامل لإعالة أسرهم، وأصبح بمقدورهم بدء أعمالهم الخاصة والابتكار بسعادة مع شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم. أعتقد أن تطبيق الدخل الأساسي الشامل ليس مجرد مخطط للتوزيع، بل هو رؤية لمستقبلنا النموذجي ليستكشفها جميع أفراد المجتمع".

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!