تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "إيجاد الرسول الصحيح لإيصال رسالتك"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن دور الرسول الموثوق في إيصال الرسالة، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن أنواع الجمهور والرسول المناسب لكل منها.
السيناريو 1: الوصول إلى غير العارفين
إذا كان الجمهور الذي ترغب في التفاعل معه لديه وعي قليل بقضيتك ومقاومة فطرية قليلة، فيمكنك التركيز فوراً على جعل الرسالة "تعلق في الذهن" وقابلة للمشاركة. من المحتمل أن يكون هذا النقص في المعارضة لأن الرسالة أو الإجراء الذي تقوم بتضخيمه لا يتطلب من الجمهور تحولاً كبيراً في المعتقدات أو الاستثمار الشخصي أو المخاطرة. مهمتك ليست تغيير رأيهم، بل جذب انتباههم ومساعدتهم على الاهتمام بقضيتك.
تترسخ الأعراف الاجتماعية عندما يرى الجمهور السلوك أو الرأي المعني على أنه شيء يتبعه ويتبناه أشخاص يشبهونهم. من المهم جمع الأشخاص في شبكة مشتركة وجعلهم يكررون هذه الرسالة كثيراً. هذا يخلق بيئةً داعمةً حول الأشخاص حيث يشعرون أن هذه الرسالة أمر "نهتم به". ويعتبر الرسل من نماذج "الصديق" و"مروج الصيحات" فعالين بشكل خاص في هذه الحالة، حيث يمكنهم الإشارة إلى الجوانب الاجتماعية لرسالتك.
لنأخذ في الاعتبار حركة "غيرل رايزينغ" (Girl Rising) وحركة "تعليم الفتيات" في الولايات المتحدة. تحظى حركة "تعليم الفتيات" بأحد أعلى عوائد الاستثمار في تحسين جميع أنواع مؤشرات التنمية، من الصحة إلى التخفيف من حدة الفقر. قبل عشر سنوات كان الوعي منخفضاً حول أهمية إعطاء الأولوية لتعليم الفتيات في المساعدات الدولية، في حين كانت المعارضة منخفضة. ثم أتت حركة "غيرل رايزينغ" نظراً لقوة الأفلام كأداة تنظيمية، أصدرت حملة "غيرل رايزينغ" فيلماً روائياً في عام 2013 يضم تسع فتيات من جميع أنحاء العالم يُشاركن قصصهن الخاصة. تم إقران قصة كل فتاة مع ممثل هوليوودي شهير لروايتها. تم توزيع الفيلم بعد ذلك من خلال شبكة من المنظمين المجتمعيين المحليين في كافة أنحاء الولايات المتحدة. أدى هذا المزيج من الرسل "المتأثرين" لتحويل المعرفة والرسل "مروجي الصيحات" لتحويل القيمة الاجتماعية للمعلومات إلى إنشاء مزيج قوي من الرسل للمساعدة في نشر الرسالة في المجتمع من قبل أفراد المجتمع أنفسهم.
السيناريو 2: تفعيل "المتبلّدين"
هذا الجمهور على دراية مسبقة بالمشكلة وهو متقبل للرسالة، لذا فأنت بحاجة إلى الاشتراك مع رسول يمكنه أن يبقي الجمهور منخرطاً وأن يلهمه للعمل. في هذا السياق، يكون العديد من الأشخاص متقبلين بالفعل للأفكار المؤسسية الكبيرة المتضمنة في رسالتك، إلا أنهم قد يكونون مصابين بالسأم من المشكلة.
ترينا الأبحاث أن الأشخاص يتخذون إجراءات معينة ليبدوا في موقف جيد أمام مجموعاتهم الاجتماعية. فهم يتطلعون إلى أعضاء المجموعة الذين يعجَبون بهم، ويراقبون سلوكهم ويقارنونه بأنفسهم، ثم يغيرون أفعالهم ليحافظوا على هوياتهم المتفردة ضمن المجموعة. في سياق الجمهور هذا، يمكن أن يتحدى الرسل الجيدون الوضع الراهن، ويبثّوا الحماس في القاعدة المتبلّدة العظمى، ويحوّلون مركز النقاش. يمكن لنموذج الرسل "الطليعة" بالأخص أن يكونوا فعالين في سياق كهذا.
لنضرب لك مثالاً فيلم "جون لويس: غود ترابل" (John Lewis: Good Trouble) وحركة "حقوق الانتخاب" في الولايات المتحدة. سمح قرار المحكمة العليا للولايات المتحدة لعام 2013 المتعلق بقضية مقاطعة شيلبي ضد. هولدر (Shelby County v. Holder) بإصدار قانون حقوق الانتخاب لعام 1965. وقد فتح هذا الباب على مصراعيه لموجة جديدة من قوانين استبعاد الناخبين، ما هدد قدرة العديد من الأميركيين من مجتمعات الفقراء والمهاجرين والسكان الأصليين والأقليات على ممارسة حقهم في التصويت. في عام 2020، أصدرت شركة الإنتاج "بارتيسيبانت آند ماغنوليا بيكتشرز" (Participant and Magnolia Pictures) الفيلم الوثائقي "جون لويس: غود ترابل". تناول الفيلم عضو الكونجرس الأميركي الراحل وبطل الحقوق المدنية جون لويس كموضوع رئيسي للفيلم، وربطه باستبعاد الناخبين في العصر الحديث. من أجل تفعيل شريحة التقدميين في جورجيا، وهم جمهور يمتلك بعض الوعي بالمشكلة مع معارضة منخفضة للرسالة، كان رسول يجمع بين نموذجي "الطليعة" و"الدليل" مثل جون لويس طريقة فعالةً لإيصال رسالة "حماية الحق بالانتخاب". تجاوزت حملة تأثير الفيلم هذه الاستراتيجية عبر ابتكار مقاطع فيديو قصيرة تُظهر ناشطين "طليعيين" مثل لاتوشا براون من حركة "الناخبون السود مهمون" (Black Voters Matter). إن قيادة براون التي حشدت مجتمعات أصحاب البشرة السمراء المحرومة من حقوقها تاريخياً من خلال الموسيقى والتواصل المجتمعي الملهم جسّدت روح الرسالة: دعونا نتعاون معاً ونحرص على أن يتمكن كل شخص من المشاركة في الانتخابات.
السيناريو 3: الوصول إلى "المشككين السلبيين"
في سياق الجمهور هذا تحتاج إلى إثبات قضيتك، مع العمل على جعل الأشخاص منفتحين لتلقي المعلومات التي قد يعارضونها بالفطرة. كلما كان الابتكار غير مألوف أو مُزعزِعاً للتقاليد، كانت المعارضة أشد، ولهذا يكون التغيير الاجتماعي صعباً للغاية أحياناً. ولذلك يكون التركيز على استخدام الرسل لتحويل المصداقية والموروثات الاجتماعية للرسالة أمراً شديد الأهمية.
يخبرنا علم الشبكات أن الأشخاص كلما عارضوا فكرة أو سلوك معينين، احتاجوا إلى تعزيز اجتماعي من شبكتهم للاقتناع بأنه لا بأس عليهم باتخاذ إجراء ما. ونظراً لانخفاض الوعي والاستجابة لدى الجمهور، تحتاج إلى تحويل كل من القيم والمعرفة في نفس الوقت إلى رؤية تحول فعلي. والرسل الفعالون في سياق كهذا يشملون نماذج "الخبير" و"الشاهد" و"الصديق". لذا حاول إيجاد رسول يجمع بين تحويل القيم والمعرفة حيثما أمكن.
وإليك هذا المثال. تتبنى منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "جوجل" و"فيسبوك" و"تويتر" في وقت أو آخر قيم "لا ضرر ولا ضرار" و"نحن نربط العالم". ومع ذلك، وعلى الرغم من الأدلة الناشئة من الباحثين ومجموعات المناصرة التي تُظهر كيف تنشر هذه المنصات الكراهية والمعلومات المغلوطة، فإن معظم العاملين في مجال التكنولوجيا تشبثوا بشدة بالاعتقاد بأنهم يسعون وراء قضية نبيلة. للوصول إلى هؤلاء المشككين السلبيين، تضمن فيلم شبكة "نتفليكس" "ذا سوشال ديليما" (The Social Dilemma) مجموعة من "الشهود" – وهم مسؤولون تنفيذيون سابقون في شركات تقنية الذين فضحوا أسرار منتجاتهم. من خلال الاستماع المباشر إلى المطورين، تمكن الفيلم من إشراك العاملين في مجال التكنولوجيا، ما أثار موجة من النقد الداخلي وحشد المزيد من الدعم العام لقضية الحاجة إلى الإصلاح. كان للمدراء التنفيذيين خبرة ذات مغزى، وكان الآخرون في القطاع ينظرون إليهم كأقران، ما يجعلهم رسلاً مثاليين لتحويل المعرفة والقيم حول هذه القضية.
السيناريو 4: تغيير معتقدات "المشككين الفعالين"
في سياق الجمهور هذا، أنت تتطلع إلى قلب اعتقاد قوي أو قاعدة اجتماعية ترسخت بالفعل، لذلك تحتاج إلى العثور على رسل يمكنهم الوصول إلى المعارضين وتشجيع الجمهور على إعادة النظر في المشكلة بعقل متفتح. من الأساسي هنا تحويل علاقة الجمهور بالمشكلة والقيمة المرتبطة بالرسالة.
عندما تكون التكاليف المُتصَوّرة المترتبة على تبني السلوك مرتفعة، تُظهر الدراسات أن العثور على رسول يُنظَر إليه من قِبل الجمهور على أنه مشابه لهم أمر مهم. إن العثور على رسول ينظر إليه الجمهور على أنه يشاركهم هويتهم وقيمهم يمكن أن يساعدهم على الانفتاح لتقبل الفكرة وإعادة التفكير. ولقد وجدنا أن الرسل الفعالين في سياق كهذا يشملون نموذجي "متغير المعتقدات" و"الدليل".
ومن الأمثلة الجيدة على هذا السياق هو تأثير فيلم "مغيرو اللعبة" (The Game Changers) على حركة اقتصاد النظام الغذائي النباتي. يعد التخفيف من حدة التغير المناخي وتحسين الصحة والأداء الرياضي سببين فقط من بين العديد من الأسباب الوجيهة للنظر في التحول إلى نظام غذائي نباتي. إلا أن العديد من الأشخاص يشعرون بارتباط ثقافي قوي مع تناول اللحوم. كما أن الرجال على وجه الخصوص غالباً ما يربطون استهلاك اللحوم بإحساس الذكورة والقوة. ويعد تغيير نظام الاعتقاد هذا تحدياً صعباً للغاية من ناحية التواصل.
كان الفيلم الوثائقي "مغيرو اللعبة" من "نتفليكس" فعالاً في خلق مساحة لتحدي هذه المعتقدات وتغييرها. على الرغم من المعارضة الشديدة للتحول لنظام غذائي نباتي بين معظم الجماهير من الذكور، فإن الفيلم كان يضم رياضيين ذوي أداء عالٍ قدموا القضية (مثل الرجل القوي باتريك بابوميان ولاعب كرة القدم المحترف ديريك مورغان). وبغض النظر عن مقدار الأهمية التي قد يوليها الناس للحقائق العلمية، فإن مشاركة الرياضيين الذين تحولوا إلى نظام غذائي نباتي قد ساعد في تحويل القيمة المتصورة للمعلومات، وخلق مساحة للجماهير لإعادة التفكير في مواقفهم. كانت استراتيجية اختيار الرسل هذه التي تركز على نموذج "متغير الكعتقدات" فعالة للغاية لدرجة أن بعض الجماهير الأكثر تشكيكاً قد تركوا صالة العرض وهم مستعدون لتجربة نظام غذائي نباتي.
في بيئة المعلومات الصاخبة التي نعيشها اليوم، يتطلب جعل أفكارك تعلق في الأذهان أن تفكر ملياً ليس فقط فيما تريد قوله، لكن أيضاً بشأن من تحتاج إليهم لقوله.
ابدأ باستطلاع مستوى وعي جمهورك ومعارضته لرسالتك أو للسلوك المطلوب. بعد ذلك، خذ الوقت الكافي لبناء فهم دقيق لأي نموذج من الرسل – سواء كانوا محولين للقيم أو محولين للمعرفة أو مزيجاً من الاثنين – قد يتناسب بشكل أفضل مع جمهورك. لا توجد استراتيجية اختيار رسول واحدة تناسب الجميع، ولكن استخدام أطر العمل المذكورة هذه يمكن أن يساعدك على توسيع نطاق الأصوات الممكنة بشكل استراتيجي لإدخالها إلى النقاش وإضفاء مزيد من الخصوصية على استراتيجية التواصل الخاصة بك.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.