ملخص: باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي المصممة بعناية، يمكن للمؤسسات غير الربحية تحقيق نتائج أكثر فعالية وإنصافاً.
يتطور الذكاء الاصطناعي بسرعة ويغير فكر الأشخاص والمؤسسات في العديد من القطاعات وفي العالم أجمع. في الولايات المتحدة، تستفيد شركات مثل نتفليكس وأمازون من الذكاء الاصطناعي منذ سنوات لتصميم التوصيات الملائمة للعملاء وتقديم المساعدة الافتراضية لهم، في حين تستخدمه المؤسسات البحثية ومختبرات الذكاء الاصطناعي مثل ديب مايند (DeepMind) لتسريع الأبحاث الطبية ومكافحة التغير المناخي.
على الرغم من ذلك، كانت مشاركة المؤسسات غير الربحية في هذه المرحلة من الابتكار التكنولوجي محدودة، وهو أمر منطقي إلى حد ما؛ إذ يواجه القطاع غير الربحي تحديات واسعة النطاق لا تواجهها القطاعات الأخرى، تشمل نقص الاستثمار في البحث والتطوير ونقص الموظفين ذوي الخبرة في الذكاء الاصطناعي. لكن هذا يجب أن يتغير أيضاً، فتأثير الذكاء الاصطناعي في حياة الناس المهنية والشخصية سيتزايد بمرور الوقت، ولا يمكن للقطاع الاجتماعي تحمل تكلفة عدم مواكبته. وفي الواقع، للمؤسسات غير الربحية دور مهم في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي وعليها الاضطلاع به، لأننا إذا أخذنا العدالة في الاعتبار عند تصميم هذه الأدوات وتنفيذها فستساعدنا على سد فجوة البيانات وتقليل التحيز وزيادة فعالية المؤسسات غير الربحية، ومن ثم على الممولين وقادة المؤسسات غير الربحية وخبراء الذكاء الاصطناعي اتخاذ خطوات عاجلة ومنسجمة لتعزيز الذكاء الاصطناعي العادل في القطاع الاجتماعي.
استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم العدالة
في حين يتيح الذكاء الاصطناعي العديد من الفرص المثيرة للاهتمام، فقدرته على إيقاع أضرار جسيمة صارت معروفة تماماً أيضاً؛ إذ يدرّب المطورون خوارزميات الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات المنتقاة من المجتمع بأكمله، ما يعني أن التحيزات تُدمج في هذه الخوارزميات منذ البداية. على سبيل المثال، غالباً ما يستخدم مقدمو الخدمات المالية الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات الإقراض، لكن القطاع المالي في الولايات المتحدة له تاريخ طويل من التمييز المنهجي ضد النساء والمجتمعات الملونة يشمل ممارسات الإقصاء وسياسات التثمين والاكتتاب غير العادلة. تعكس البيانات التاريخية الحرمان المتعمد لسكان بعض المناطق أو العاملين في وظائف معينة وغير ذلك من العوامل المرتبطة بالعرق أو النوع الاجتماعي، وتدخل هذه البيانات نفسها في تدريب الخوارزميات المستخدمة في اتخاذ قرارات الإقراض، وإذا لم تصحح تحيزاتها وتعالج فستؤدي إلى إدامة ممارسات الإقراض غير العادلة وعدم المساواة المالية. وحتى المؤسسات غير الربحية ذات النوايا الحسنة قد تصمم تطبيقات ذكاء اصطناعي معيبة تؤدي إلى عواقب غير مقصودة ومدمرة. لنفترض مثلاً أن مؤسسة توفر التمويل الأولي للرواد الاجتماعيين تدرب الذكاء الاصطناعي ببيانات مالية متحيزة، فعندئذ سيصبح عمل المؤسسة مخالفاً لرسالتها المتمثلة في تعزيز العدالة في توزيع الثروة لأنها ستفضل مجموعات سكانية معينة عن طريق الخطأ.
هناك أيضاً خوف عام من التحسينات السريعة في قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء المهام الإدارية والتحليلية والإبداعية، إذ يمكن أن تؤدي إلى الاستغناء عن العديد من الوظائف أو حتى قطاعات بأكملها. بدأت شركة الوسائط الرقمية باز فيد (Buzzfeed) حديثاً استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى لموقعها الإلكتروني، وليس من الصعب أن نتصور مؤسسة غير ربحية ذات ميزانية محدودة تستغني عن فريق التسويق لديها وتستعيض عنه بنموذج اللغة المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تشات جي بي تي (ChatGPT). بالإضافة إلى ذلك، ستفقد مسألة عدالة الذكاء الاصطناعي في المؤسسات أهميتها نتيجة لنقص القوانين والحوافز المالية اللازمة لأخذها في عين الاعتبار، فعلى سبيل المثال استغنت شركات التكنولوجيا الرائدة مثل جوجل ومايكروسوفت في السنوات الأخيرة عن موظفي الذكاء الاصطناعي الأخلاقي.
هذه هي المخاوف المشروعة التي ينبغي للمؤسسات أن تسعى جاهدة لمعالجتها، ولكن إذا طُورت التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بطريقة مدروسة مع وضع العدالة في الاعتبار فستقدم إمكانات كبيرة تساعد المؤسسات غير الربحية على تحقيق نتائج أكثر فعالية وإنصافاً، لا سيما في المجالات الثلاثة التالية.
1. سد فجوة البيانات
تهدد فجوة البيانات الآخذة في الاتساع بين القطاعين الخاص والاجتماعي بتقليل فعالية المؤسسات غير الربحية التي تقدم خدمات اجتماعية مهمة في الولايات المتحدة، ما يحول دون حصول من تخدمهم على الدعم الذي يحتاجون إليه. كتبت كريس دايغلماير في مقالة نشرت حديثاً فيمجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن: "البيانات نوع من أنواع السلطة، والواقع المؤلم هو أن القطاع التجاري هو الذي يسيطر على السلطة بدرجة متزايدة، لا المؤسسات التي تسعى إلى بناء عالم أكثر عدلاً واستدامة وازدهاراً". يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تغيير هذا الواقع من خلال نشر عملية توليد البيانات والأدلة وحشدها على نطاق واسع، ومن ثم جعل العمليات المستمرة في البحث والتطوير وتقييم البيانات وتحليلها في متناول مجموعة واسعة من المؤسسات تشمل التي تعمل بميزانيات وخبرات داخلية محدودة.
لنأخذ على سبيل المثال مؤسسة غير ربحية توفر للطلاب أدوات مجانية تساعدهم على بناء مهارات القراءة والكتابة والمهارات اللغوية، كويل دوت أورغ (Quill.org)، إذ تستخدم بوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي ويطلب من الطلاب الرد على أسئلة مفتوحة بناءً على جزء من النص، ثم يراجع إجابات الطلاب ويقدم اقتراحات لتحسينها، مثل الكتابة بوضوح واستخدام الأدلة الداعمة. تتيح هذه التكنولوجيا للطلاب والمدارس دعماً عالي الجودة لتعزيز التفكير النقدي ومهارات الكتابة قد لا يتوفر لهم من مصادر أخرى. قال المؤسس والمدير التنفيذي لموقع كويل، بيتر غولت،مؤخراً: "يواجه 27 مليون طالب من ذوي الدخل المحدود في الولايات المتحدة صعوبة في تعلم مهارات الكتابة الأساسية ويعانون الحرمان سواءً في الدراسة أو العمل، ومن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتزويد الطلاب بملاحظات فورية على كتاباتهم يمكننا مساعدة المعلمين على دعم ملايين الطلاب ليصبحوا مؤلفين بارعين ومفكرين ناقدين وأعضاء فاعلين في نظامنا الديمقراطي".
2. الحد من التحيز
توضح قصص كثيرة كيف يديم الذكاء الاصطناعي التحيزات، ومنها استخدام أقسام الشرطة خوارزميات تشير إلى أن احتمالات ارتكاب الجرائم في المستقبل تزداد لدى المتهمين ذوي البشرة الداكنة أكثر من نظرائهم البيض واستخدام الشركات خوارزميات التوظيف المتحيزة ضد المرشحات. لكن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة أيضاً على مساعدتنا في الحد من التحيز من خلال دعم عملية صنع القرارات العادلة. يمكن للخوارزميات المصممة بعناية أن تتجاهل المتغيرات التي لا علاقة لها بالنتائج (مثل العرق أو الجنس أو العمر)، والتي كثيراً ما تميز عملية صنع القرارات لدى البشر، ما يساعد موظفي المؤسسات غير الربحية على تحديد الأنماط وصنع القرارات بناء على الأدلة وبعيداً عن تأثير تحيزاتهم البشرية والنقاط البعيدة عن رؤيتهم.
من المؤسسات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم صناعة القرار القائمة على الأدلة مؤسسة فيرست بليس فور يوث (First Place for Youth) التي تساعد على إعداد الشباب لمرحلة الرشد بتعزيز قدرتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحمل المسؤولية. التحليلات الدقيقة هي تكنولوجيا تتنبأ بالاتجاهات والأنماط السلوكية من خلال اكتشاف علاقات السبب والنتيجة في البيانات، وقد أنشأت مؤسسة فيرست بليس فور يوث محرك توصيات يستخدم هذه التكنولوجيا لتحليل إدارة البرنامج وبيانات تقييم الحالة، والتعلم من الاختلافات في النتائج بين الشباب، وهذا يساعد الموظفين على فهم الحلول التي ناسبت مجموعات سكانية محددة في الماضي فهماً أفضل، وتحديد أشكال الدعم المخصص ذات فرص النجاح الأكبر. خوارزمية الذكاء الاصطناعي المصممة بأخذ العدالة في عين الاعتبار قادرة على توضيح مدى تكافؤ فرص المجموعات السكانية المختلفة في الوصول إلى مكونات البرنامج، كما أن الخوارزمية لا تطابق الحالات بناء على العوامل الاجتماعية والثقافية، مثل الانتماء العرقي، التي يجب ألا تؤثر في اختيار الأطفال المستفيدين من خيارات البرامج المختلفة، وذلك تجنباً لتكرار أي تحيزات قائمة.
3. تعزيز الكفاءة
تكثر القصص عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ترتكب أخطاء تتراوح بين المضحكة والمرعبة، مثل مشاركة بوت الدردشة في محرك البحث بينغ (Bing) التابع لشركة مايكروسوفت لتخيلات مرعبة وإعلانه حبه لكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، وحظر برنامج كوميدي ساخر أنتجه الذكاء الاصطناعي على منصة تويتش (Twitch) لآنه انتهك قواعد اجتماعية، وإيقاف بوت دردشة آخر من شركة مايكروسوفت لأنه أدلى بملاحظات عنصرية؛ لكن التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل محركات التوصية والتحليلات الدقيقة ومعالجة اللغة الطبيعية يمكن أن تساعد المؤسسات على زيادة إنتاجها وتقليل الأخطاء البشرية. يسمح إسناد المهام الروتينية والمضجرة إلى الذكاء الاصطناعي لموظفي المؤسسات غير الربحية ذوي الطاقة الإنتاجية المحدودة بتخصيص وقت أكبر للمهام الاستراتيجية والمهام التي لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر تأديتها.
تقدم مؤسسة كرايسيس تكست لاين غير الربحية خدمة مجانية قائمة على الرسائل النصية في مجال دعم الصحة النفسية والمساعدة الفورية في الأزمات، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم كفاءة الخدمات وتوسيع نطاقها مع الحفاظ على الخدمات الشخصية العالية الجودة. على وجه التحديد، دربت المؤسسة الذكاء الاصطناعي على الرسائل النصية التي أرسلتها سابقاً للتعرف إلى الكلمات الرئيسية التي تشير إلى المخاطر العالية وتراكيب الكلمات، ما يسمح لها بفرز مرسلي الرسائل بطريقة أكثر كفاءة حسب خطورة الحالة. تستخدم كرايسيس تكست لاين أيضاً الذكاء الاصطناعي في تدريب المتطوعين لبناء مهارات الاستجابة الفعالة للأزمات، إذ دربت خوارزمية معالجة اللغة الطبيعية التي تستخدمها على مجموعة من الحالات الواقعية المتخيلة، ما سمح للخوارزمية بمحاكاة المحادثات الحية بين المتطوعين والعملاء حول موضوعات مثل القلق وإيذاء النفس. تساعد هذه التكنولوجيا المؤسسة على تدريب شبكة من المتطوعين بكفاءة ومرونة، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرة المتطوعين على إكمال التدريب في الوقت الذي يناسبهم، والأهم من ذلك أنها تسمح للموظفين والمتطوعين المدرَّبين بتخصيص وقت أكثر لضمان حصول العملاء على دعم مباشر عالي الجودة.
دعم تطوير الذكاء الاصطناعي غير الربحي
في حين أن الأمثلة المذكورة أعلاه وما شابهها تقدم توضيحات تثير الحماس بشأن الإمكانات المحتملة، فإنها للأسف تمثل الاستثناء لا القاعدة، ويتعين على القطاع الاجتماعي أن يبذل المزيد من الجهد لاغتنام هذه المرحلة، وأن يوضح الإمكانات المحتملة ويبني الأدوات والبنية التحتية اللازمة لتعزيز الذكاء الاصطناعي العادل.
تساعد مؤسستنا، بروجكت إفيدنت (Project Evident)، المؤسسات على تسخير قوة البيانات والأدلة لتحقيق تأثير أكبر، وتعمل على بناء منظومة أدلة أقوى وأكثر إنصافاً. ضمن المبادرة الأخيرة التي استمرت 18 شهراً وركزت على الذكاء الاصطناعي، جمعنا مجموعة من المؤسسات غير الربحية الحريصة على استخدام الذكاء الاصطناعي للحصول على نتائج أفضل للبرامج، وطورنا دراسات حالة وأوضحنا كيف تبدو تجربة الذكاء الاصطناعي واعتماده مع هذه الحالات في الواقع. ولنمد عملية تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي الفعالة والعادلة بالمعلومات اللازمة، نعقد حالياً شراكة مع معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي الذي يركز على الإنسان لإجراء استبيان وطني، بهدف تعميق فهمنا لاستخدامات الذكاء الاصطناعي واحتياجات التعلم في المؤسسات غير الربحية والمؤسسات الممولة. سلطت هذه المشاريع الضوء على عدة طرق يمكن للقطاع الاجتماعي من خلالها تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي العادل.
1. زيادة الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي
يتوق العديد من المؤسسات غير الربحية والمناطق التعليمية إلى معرفة كيف يمكن للذكاء الاصطناعي دعم عملها لكنها تفتقر إلى الوسائل اللازمة لذلك، يقول رئيس مؤسسة ديجيتال بروميس (Digital Promise) غير الربحية التي تركز على التعليم، جان كلود بريزارد، وهو مشارك في مجموعتنا: "لا تتيح هياكل التمويل عادة للمؤسسات غير الربحية اتخاذ مثل هذه الخطوات، فغالبية هذه المؤسسات تفتقر إلى الوقت والموارد". أحد الحلول المباشرة هو أن يقدم الممولون المنح لكل من المؤسسات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل لتحقيق نتائج عادلة، والمؤسسات المهتمة بتجربته ولكنها تفتقر إلى رأس المال والدعم اللازمين.
يجب على المؤسسات أيضاً الاستثمار في تعليم أفرادها، واستكشاف قدرة الذكاء الاصطناعي على رفع كفاءة عمليات تقديم المنح أو تحسين استراتيجيات التمويل والطرق الممكنة. على سبيل المثال، تستخدم إحدى المؤسسات الممولة في شبكتنا الذكاء الاصطناعي لقراءة تقارير المنح السابقة وتحليلها لتوضيح أنماط عناصر استراتيجيات التمويل الفعالة. أشركت المؤسسة فريقاً من خبراء التقييم وعلماء البيانات لتدريب نماذج لغوية كبيرة، مع استخدام أساليب المصادقة الآلية بمشاركة العنصر البشري، لتحويل البيانات النصية النوعية من آلاف المقترحات والتقارير إلى بيانات طولية منظمة. بعد ذلك دمج الفريق هذه البيانات مع بيانات التقييم الأولية ومنها الدراسات الاستقصائية والمقابلات ومجموعات التركيز، ثم عمل على تصفيتها ومعالجتها وتأطيرها وتنظيمها وتصنيفها وفقاً لنظرية التغيير الخاصة بالمبادرة. أخيراً، باستخدام خوارزميات تعلم الآلة وتوجيهات خبراء المجال ومراجعاتهم، أنشأ الفريق نماذج وصفية وتنبؤية وسببية للبيانات. تزود النتائج موظفي المؤسسة ببيانات فورية جاهزة لاستخدامها في كتابة التقارير والتقارير التفاعلية والعروض البصرية ولوحات المتابعة، ما يعزز قدرتهم على فهم ما نجح وما لم يجدِ نفعاً، ويساعد ذلك على ضمان أن تعتمد استراتيجيات المنح الجديدة على المعرفة السابقة ويسمح للمؤسسة بمشاركة ما تعلمته مع المستفيدين والمؤسسات الأخرى بطرق أفضل، كما أن هذه البيانات تزيد الكفاءة في العمل، ما يتيح لمسؤولي البرامج الوقت لبناء علاقات قوية مع الحاصلين على المنح والمستفيدين المحتملين والمجتمعات، وهي أمور لا يمكن إلا للإنسان فعلها.
2. التعاون في الجهود التي تتناول الذكاء الاصطناعي والعدالة
هناك مشكلة أخرى وهي أن المؤسسات تفتقر إلى الحوافز المالية أو التنظيمية الكافية لتأخذ في اعتبارها التبعات الأخلاقية لتطوير الذكاء الاصطناعي وأثره فيما يتعلق بالعدالة. يصمم القطاع الربحي معظم أدوات الذكاء الاصطناعي وعملياته مع أخذ الربحية وقابلية التوسع في الاعتبار،
ويجب أن يجمع العمل المتناغم الباحثين وصانعي السياسات ومقدمي المساعدة الفنية والممولين والممارسين في المؤسسات غير الربحية وأعضاء المجتمع، لتعزيز الممارسات والسياسات المدروسة حول الذكاء الاصطناعي العادل. ويمكن أن يشمل هذا العمل المطالبة بإصدار تشريع لهذا المجال وتنظيمه وتطوير أطر ومعايير له والمشاركة مع المجتمعات لتطوير الأدوات التي تلبي احتياجاتهم، أو تبادل المعرفة وأفضل الممارسات حول اختبار خوارزميات الذكاء الاصطناعي ومراقبتها لرصد التحيز.
تُنفذ حالياً مساعٍ عدة يمكن أن تساعد على تزويد القطاع الاجتماعي بدعم وتوجيه أفضل. أعلن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر في يونيو/حزيران أنه سيستضيف سلسلة من ندوات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الكونغرس على تطوير تشريعات شاملة بشأن الذكاء الاصطناعي يشارك فيها الحزبان، ضمت الندوة الأولى التي عُقدت في سبتمبر/أيلول ناشطين في مجال الحقوق العمالية والمدنية بالإضافة إلى خبراء في التكنولوجيا. ويتمثل المسعى الآخر في معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي الموزع (Distributed AI Research Institute)، الذي يبحث في تأثير الذكاء الاصطناعي السلبي في المجموعات المهمشة، ويطور أطراً لتطوير الذكاء الاصطناعي وممارساته التي تركز على صوت المجتمع وتسعى إلى تعزيز العدالة. يعد هذان مثالان واعدان على التفكير الاستشرافي والجهود المشتركة بين القطاعات لمعالجة قضية العدالة والذكاء الاصطناعي.
3. توفير العناصر الأساسية
يجب أن تتوفر بعض العناصر في المؤسسة قبل تجربة الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج عادلة وهي: هدف استراتيجي واضح، وأنظمة تكنولوجية مناسبة، والقدرة على التخطيط لتحقيق العدالة والإنصاف، وثقافة تعلم قوية، هذه الإمكانات ليست جديدة ولا تقتصر على الذكاء الاصطناعي، لكنها غالباً مهملة وتفتقر إلى التمويل في القطاع الاجتماعي.
تعمل مؤسسة بروجكت إفيدنت باستمرار مع المؤسسات لتطوير خطط الأدلة الاستراتيجية وهي خطط توجيهية لبناء الأدلة وتحسين البرامج باستمرار. عندما تتطلع مؤسسة غير ربحية إلى إجراء تقييم، إما لأن أعضاء مجلس الإدارة أو الممولين يطلبون ذلك وإما لأن القادة يظنون أنها الخطوة الصحيحة التي ينبغي اتخاذها، نقترح عليها التريث وطرح السؤالين التاليين: ما الذي نحاول تعلمه؟ وما النتائج التي نسعى لتحقيقها؟ هذا الاستيضاح المنهجي مهم لتطوير استراتيجية الأدلة، وينطبق الأمر نفسه على بناء محركات التوصية أو الأدوات الأخرى التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. في الواقع، خوارزمية الذكاء الاصطناعي هي مجرد ترجمة لنموذج منطقي يحدد مدخلات البرنامج والنتائج المنشودة.
يجب على قادة المؤسسات غير الربحية التأكد من توفر الأساس المناسب في مؤسساتهم قبل تبني الذكاء الاصطناعي، وعلى الجهات الفاعلة الأخرى في القطاع الاجتماعي دعمهم بالتمويل والأدوات التي يحتاجون إليها لبناء القدرات الأساسية. تعد وكالة الخدمة الاجتماعية غيما سيرفيسز (Gemma Services) ومقرها مدينة فيلادلفيا مثالاً على مؤسسة نجحت في جذب التمويل لتطوير أداة ذكاء اصطناعي، بعد أن أوضحت لمؤسسة ممولة محلية، سكاترغود فاونديشن (Scattergood Foundation) ومجلس مدينة فيلادلفيا أن تطبيق الذكاء الاصطناعي المحتمل لن يفيد فريق غيما سيرفيسز فحسب، بل سيوفر أيضاً معلومات قيّمة للممولين وواضعي السياسات المهتمين بالصحة النفسية في منطقة فيلادلفيا بأكملها.
إمكانات الذكاء الاصطناعي في القطاع الاجتماعي هائلة، ويمكن لتطبيقاته المصممة بعناية أن تساعد على سد فجوة البيانات والحد من التحيز وزيادة فعالية المؤسسات غير الربحية. ولكن لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل، يتعين علينا بناء بنية تحتية قوية للقطاع الاجتماعي توفر الموارد اللازمة، وتعطي الأولوية للمخاوف المتعلقة بالعدالة وتستثمر في القدرات التنظيمية الأساسية، ومع توفر المزيد من الموارد وتحسين ممارسات المواءمة وتعزيز المناهج المدروسة، يمكننا أن نساعد القطاع الاجتماعي على تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج أكثر فعالية وإنصافاً للجميع.