اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

هل يعدّ الدخل الأساسي الشامل مفتاح السعادة في آسيا؟

إعداد : فان لي

 

تم النشر 26 أكتوبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "هل يعدّ الدخل الأساسي الشامل مفتاح السعادة في آسيا؟" والتي سوف نتعرف في جزئها الأول على نظرة على سبب اكتساب الدخل غير المشروط شعبية في كوريا الجنوبية، وعن أضخم تجربة في آسيا حتى الآن.

انضممت مؤخراً إلى حوار نظمته مجموعة طلبة جامعيين يابانيين حول تحويل شغفهم إلى مهنة لهم. اشتكى الطلاب من تحول الأشخاص الذين كانوا يقتدون بهم في الكلية بعد التخرج إلى "عبيد الشركات أو سايتشيكو في اللغة اليابانية" (syachiku)، وهو مصطلح يسخر من الموظفين الذين يظهرون ولاء عميقاً لشركة على حساب حياتهم الشخصية.

شعرت بالقلق من أن يكون وقع نصيحة المتحدثين المدعوين – جميعهم من البالغين الناجحين – على مسامع الطلاب تعالياً بدلاً من أن يكون مشجعاً، وأن يزيد من إحباط الطلاب المتشائمين أصلاً. لكن لفتت انتباهي كلمات أحد الطلاب: قريباً سيحل الذكاء الاصطناعي (AI) محل الوظائف الروتينية التي لا تتطلب مهارة للعمل. إذ قال: "أحلم بمستقبل يستطيع فيه كل فرد أن يعمل بالمجال الذي يكون شغوفاً به فعلاً، ويعتمد فيه الدخل على السياسات الاجتماعية مثل الدخل الأساسي الشامل (UBI) لتوفير بعض الأمن".

قد يكون مجرد حلم، لكن لا شك في أن التطور السريع للذكاء الاصطناعي والتقنيات التي يتيحها – مثل المركبات ذاتية القيادة وأدوات الترجمة الآلية والنُدُل الآليين – سيحل محل العديد من الوظائف في المستقبل المنظور. في الواقع، خلصت دراسة أجراها "معهد ماكنزي العالمي" (McKinsey Global Institute) إلى أنه بحلول عام 2030، سيحل المندوبون الأذكياء والرجال الآليون محل 30% تقريباً من القوى العاملة البشرية الحالية في العالم. وبينما قد تقابَل مبادرات إعادة صقل مهارات العاملين والوظائف الأخرى المنتشرة على نطاق واسع بعض هذه التطورات، يبقى السؤال: كيف سيصمد الأشخاص الذين خسروا وظائفهم؟

إحدى الإجابات التي تصبح شائعة بشكل متزايد هي الدخل الأساسي الشامل (UBI)؛ وهو دخل نقدي ثابت غير مشروط يدفَع لجميع الأفراد. لقد جذب الدخل الأساسي الشامل الاهتمام عالمياً، وبدأت بلدان عديدة بتجربته. لكن هذه الفكرة انتشرت بشكل خاص في كوريا الجنوبية، وسلطت تجربة حديثة في مقاطعة غيونغي – أضخم تجربة في آسيا حتى الآن – الضوء على قدرتها على المساهمة في جعل المجتمع يتمتع بالصحة والمرونة بشكل أكبر.

لماذا انتشر الدخل الأساسي الشامل في كوريا الجنوبية؟

يعزى جزء كبير من الفضل في شعبية الدخل الأساسي الشامل في كوريا الجنوبية إلى مؤسِّس مركز "مختبر 2050" (Lab2050) لي ونجاي، وهو مركز تفكير مقره في سيول يهدف إلى صياغة عقد اجتماعي جديد واقتراحه لعصر البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. لي ونجاي هو صحفي وخبير اقتصادي ولد في أوائل سبعينيات القرن الماضي. كان يروج للابتكار الاجتماعي في كوريا الجنوبية، وخاصة الدور المهم الذي تؤديه الإعانة الاجتماعية والسياسات الاقتصادية في تحقيق الابتكار على نطاق واسع.

أسس هو وتشو جونغ هون في فبراير/شباط عام 2020، وهو الممثل السابق للبنك الدولي في المنطقة، حزباً سياسياً يسمى "انتقال كوريا" (Transition Korea). ولأنهما أدركا أن احتمالات فوزهما بمقعد في الجمعية الوطنية بمفردهم ضئيلة، انضموا إلى تحالف انتخابي شكله التيار الرئيسي للحزب الديمقراطي. منحهم هذا منبراً لمساندة المبادرات المبتكرة مثل الدخل الأساسي الشامل. كما يتضمن التحالف عضواً آخر هو حزب الدخل الأساسي، وهو حزب جديد تمثله الشابات؛ فمن بين أعضائه البالغ عددهن 20 ألف عضو، 85% منهن دون سن 40، ومعظمهن عاطلات عن العمل وتبحثن عن عمل بدوام كامل أو جزئي.

نال تشو جونغ هون مقعداً في الجمعية الوطنية (البرلمان الوطني) في عام 2020 بالاعتماد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فقط في شن حملة انتخابية خلال جائحة "كوفيد-19″. كما انتخِبت عضو حزب الدخل الأساسي يونغ هاي إن البالغة من العمر 31 عاماً. أعلن لي ونجاي في اجتماع مارس/آذار مع مجموعة دراسة الابتكار الاجتماعي في شرق آسيا، وهي مجموعة دراسة عبر الإنترنت أنشأتها أنا:ط هذا انتصار عظيم، لأن هذا التحالف الانتخابي يمثل ثلاثة أشياء: التحول الرقمي، والدخل الأساسي الشامل، والابتكار الاجتماعي". أصبح كل من الحزب الديمقراطي الحاكم وحزب سلطة الشعب في عام 2021 يفضلان سياسة الدخل الأساسي الشامل، وستكون موضوع نقاش في الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

يصعب فهم هذا النجاح. إن كوريا الجنوبية هي دولة في شرق آسيا متأثرة بشدة بالكونفوشيوسية، التي تتضمن تعاليمها أن كل فرد يجب أن يعمل ويكسب رزقه بنفسه. لذلك ينظر الكوريون الجنوبيون عادة إلى فكرة الاعتماد على جهود الآخرين على أنها فكرة معيبة. إذ نجد معارضة فلسفية على "وجبة غداء مجانية". كيف اكتسبت إذاً فكرة الدخل غير المشروط شعبيتها بينهم؟

الفجوة بين الأغنياء والفقراء في كوريا الجنوبية

يعزى جزء كبير من ذلك إلى الفجوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الكوري الجنوبي، وترسيخ الطبقات الاجتماعية في السنوات الأخيرة. يعد فيلم "باراسايت" (Parasite) الذي حاز على جائزة الأوسكار مثالاً توضيحياً على هذه الظاهرة. يروي الفيلم قصة عائلة تعيش في نصف قبو (قبو بعضه تحت الأرض وبعضه فوقها) رطب ومظلم، ولا تأمل إلا في تحسين حظوظها من خلال تزييف المؤهلات الوظيفية وتزوير الشهادات الأكاديمية.

تنعكس هذه الفجوة أيضاً في "نظرية فئة الملعقة"، التي كانت شائعةً في كوريا الجنوبية منذ عام 2015. تصنف هذه النظرية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 39 عاماً في واحدة من ست فئات بناءً على الأصول والدخل. تشير فئة "الملعقة الذهبية" إلى أفراد الجيل الثاني من الأثرياء الذين تبلغ ثرواتهم ملياريّ وون على الأقل (حوالي 1.76 مليون دولار)، ويمثلون 1% فقط من تعداد سكان كوريا الجنوبية. في الطرف المقابل توجد فئة "الملعقة الترابية" التي يقل دخل أفرادها السنوي عن 20 مليون وون (حوالي 17,600 دولار). في استقصاء أُجريَ عام 2019، اعتقد أكثر من 75% من المشاركين أن علاقات الوالدين وثروتهم ضرورية لنجاح أطفالهم.

أنذر لي من أن عدم المساواة في البلاد يعزز نفسه. وأوضح في اجتماع مع مجموعة الدراسة: "إن الشركات التي تدر الأرباح في كوريا لا تخلق فرص عمل، على حين توفرها الشركات التي لا تدر أرباحاً. على مدى الثلاثين عاماً الماضية واصل قطاع التصنيع في كوريا نموه، وتضاعفت ثروة الشركات الكبرى، لكن إجمالي فرص العمل لم يشهد زيادةً تذكَر، وكانت معظم الزيادة في وظائف غير مستقرة ومنخفضة الأجر. هذا هو واقع كوريا اليوم".

يشكل الأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص 25.1% من القوى العاملة في كوريا الجنوبية – كثير منهم يؤدون وظائف مؤقتة أوجدها اقتصاد المنصات، مثل توصيل الطعام والبرمجة. يفتقر هؤلاء الأفراد إلى الضمان الاجتماعي في غياب علاقة العمل التقليدية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الشروط المرتبطة بنظام الضمان الاجتماعي في كوريا الجنوبية. فمثلاً للحصول على إعانات بطالة، يشترط أن يكون الفرد قد عمل في وظيفة ثم خسرها. هذا يعني أن الشباب الذين لم يجدوا عملاً منذ تخرجهم من الكلية غير مؤهلين للحصول على تلك الإعانات، وفي الواقع إن فرداً بين كل 10 أفراد تحت سن 30 في كوريا الجنوبية عاطل عن العمل.

يعتقد لي وزملاؤه في "مختبر 2050" أن الدخل الأساسي الشامل يمكن أن يساعد في حل هذه المشكلة، وقد بدؤوا مع الأفراد اليافعين في كوريا الجنوبية بتجربة جديدة في تطبيقه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!