كيف تُحسّن التكنولوجيا حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتدمجهم في مجتمعاتهم؟

6 دقائق
ذوي الاحتياجات الخاصة
shutterstock.com/ioat

الذكاء الاصطناعي (AI) يثور في عالمنا ويدخل في كل مجالات الحياة، وأحد أكثر تطبيقاته إلهاماً هو في مجال مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم. من وسائل التعلم المخصصة للأطفال الذين يعانون صعوبات التعلم إلى المساعدة الروبوتية للأفراد الذين يعانون مشاكل الحركة. إنه ثورة حقيقية سيساعد خلال الأعوام القليلة المقبلة على حل الكثير من مشاكل دعم ذوي الاحتياجات الخاصة.

فجر التعلم المُخصّص

يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً ثورياً في مجال التعليم، خاصة بالنسبة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة إذ تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي كأدوات تتكيف مع أنماط التعلم المختلفة والتطور في المناهج التعليمية، وتُشكّل بيئات تعليمية مُصممة بوجه خاص لتناسب كل طالب. فلنأخذ مثلاً الأطفال الذين يعانون الدسلكسيا (اضطراب يتعلق بصعوبة التعلم والتمتع بالمهارات اللغوية المكتوبة والقراءة والتهجئة)، هذا الاضطراب في التعلم يعرقل القدرة على القراءة والكتابة، ما يخلق تجربة محبطة في بيئات الفصول الدراسية التقليدية ومن هنا جاء استخدام التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتغيير الأوضاع. يمكن لبرامج التعرف على الكلام أخذ جملة منطوقة، وتحوّيلها إلى نص مكتوب، ثم قراءتها للطالب، ما يساعد في الربط بين اللغتين المنطوقة والمكتوبة. فتسمح هذه التفاعلات المتبادلة للطلاب بتحسين مهارات القراءة والكتابة وفقاً لوتيرتهم الخاصة، ما يقلل الإحباط ويزيد الحافز للاستمرار في القراءة والكتابة.

وبالنسبة للطلاب ذوي الإعاقات الحركية، قد تصبح الأنشطة البسيطة مثل كتابة البريد الإلكتروني أو كتابة ملاحظة مهمة شاقة، وهنا تأتي قدرات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالنصوص وتحويل الكلام إلى نص لتكون المساعد الأمثل لهم ما يزيد أيضاً ثقتهم بأنفسهم واستقلاليتهم.

ومع ذلك، فإن سحر الذكاء الاصطناعي في التعلم لذوي الاحتياجات الخاصة لا يقتصر فقط على التواصل النصي. فبالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد، تفتح الروبوتات الاجتماعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي طرقاً جديدة للتعلم. هذه الروبوتات، التي تم تصميمها للتفاعل الاجتماعي مع الطلاب، تستخدم التعلم الآلي للتكيف مع الاحتياجات الفريدة لكل طفل على حدة؛ فيمكنها التعرف على الإشارات وردود الأفعال والاستجابة لها مع الحفاظ على الاتصال البصري، وإجراء محادثات ذات مغزى ما يشجع الأطفال المصابين بالتوحد على ممارسة المهارات الاجتماعية الحيوية في بيئة مريحة وغير قابلة للحكم عليهم أو السخرية منهم.

وللمعلمين أيضاً، يقدّم الذكاء الاصطناعي تحليلاً دقيقاً للتطور في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة ويحدد النقاط التي تحتاج إلى اهتمام ويسلط الضوء على النجاحات التي يحققونها خلال رحلتهم للتعلم.

وبالتالي، دور الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم ليس مجرد مساعد؛ إنه يحوّل النموذج من "حجم واحد يناسب الجميع" إلى "تعليم مُخصّص وشامل". من خلال التركيز على احتياجات كل طالب وقدراته الفردية، يمهد الذكاء الاصطناعي الطريق نحو مستقبل يتم فيه منح الجميع فرصة متساوية للتعلم والازدهار.

اليد المساعدة: الذكاء الاصطناعي في الحركة والحياة اليومية

أحد أعظم التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي يكمن في قدرته على توفير الاستقلالية وتحسين نوعية الحياة للأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية. تخيّل الفرق الذي يمكن أن تحققه السيارات الذاتية القيادة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية. لن يكونوا مرتبطين بمواعيد النقل العام أو يحتاجون إلى مساعدة للتنقلات اليومية. بدلاً من ذلك، يمكن أن توفر السيارات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي حرية ومرونة لم تتوافرا حتى الآن. الشركات مثل (Waymo) بالفعل تختبر هذه الواقع، وفي الوقت الذي تصبح فيه هذه التكنولوجيا أكثر انتشاراً يتحقق تحول ضخم في إمكانية التنقل والحركة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية.

ويمتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع بيئتهم المباشرة. فبزوغ المنازل الذكية المجهزة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يمكنها الاستجابة لأوامر الصوت للتحكم في الإضاءة، وتنظيم درجة الحرارة، وإدارة أنظمة الترفيه، والكثير من الوظائف داخل المنزل أو المكتب. هذا يعني أن الشخص ذا الحركة المحدودة يمكنه التنقل في منزله ومكتبة وأداء مهامه اليومية دون مساعدة. لذلك، من خلال تمكين هؤلاء الأفراد وإعطائهم القدرة على إنجاز مهام لم يكن باستطاعتهم إنجازها نحن لا نعزز فقط حركتهم ولكن أيضاً نمنحهم الاستقلالية والإحساس بالذات.

تطبيق آخر متميز للذكاء الاصطناعي يأتي في شكل المساعِدة الروبوتية. بالنسبة للأفراد الذين يواجهون تحديات الحركة بسبب الشلل الرباعي أو الضمور العضلي، تفتح الأطراف الصناعية والهياكل المساعِدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أبواباً جديدة. تستخدم هذه الأجهزة التعلم الآلي لتحليل حركات الإنسان الطبيعية وتقليدها، ما يتيح للمستخدمين أداء المهام التي قد يجدونها مستحيلة في الظروف العادية. حتى المهام البسيطة مثل الإمساك بكوب أو صعود درج يمكن أن تصبح أسهل مع هذه الأدوات الروبوتية.

كما يدعم الذكاء الاصطناعي الحياة اليومية لذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية، من خلال أنظمة مراقبة الأنشطة اليومية والعلامات الحيوية، وكشف السقوط على الأرض أو من على الدرج أو خلال المشي في المنزل أو الشارع، وحتى التنبؤ بالأزمات الطبية قبل حدوثها، وتنبيه مقدّمي الرعاية أو الأطباء عند الضرورة. وبذلك توفر هذه الأنظمة شبكة أمان للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يعطيهم ويعطي عائلاتهم الراحة النفسية.

الذكاء الاصطناعي واضطرابات الكلام

ظهر الذكاء الاصطناعي كمصدر أمل للأفراد الذين يواجهون صعوبات في الكلام. من خلال التقنيات المبتكرة، يساعد الذكاء الاصطناعي في كسر الحواجز التي يواجهها هؤلاء الأفراد، ما يتيح التواصل السهل السلس وبذلك ينعكس على علاقاتهم الإنسانية وتحسين نوعية حياتهم. تقليدياً، اعتمد الأشخاص الذين يعانون الاضطراب في الكلام على أجهزة الاتصال البديلة أو الإضافية، التي غالباً ما تبدو آلية ولا تعبّر عنهم على نحو شخصي. وهنا يأتي دور الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي تولِّد كلاماً يبدو أكثر إنسانية وشخصية. علاوة على ذلك، يمكن لهذه الأنظمة تفسير أنماط الكلام غير القياسية التي هي شائعة في حالات مثل الشلل الدماغي أو الضمور العصبي إذ تتمكن من ترجمتها إلى كلام أو نص قابل للفهم.

على سبيل المثال مشروع (Euphonia) من جوجل، من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التسجيلات الصوتية من الأشخاص ذوي الكلام غير المفهوم ليستخدم بعد ذلك (Euphonia) الذكاء الاصطناعي في فهم أنماط الكلام المتنوعة وتفسيرها. والهدف الطويل الأجل لهذا المشروع الطموح هو دمج هذا الفهم في التكنولوجيات المفعَّلة بالصوت مثل (Google Assistant)، وتوفير إمكانية وصول أوسع للأفراد الذين يعانون اضطرابات الكلام.

تشمل التطورات المثيرة الأخرى، أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تحويل حركات العين أو إشارات الدماغ إلى كلام مكتوب أو منطوق. فبالنسبة للأفراد الذين يعانون حالات مثل الشلل التام والذين لا يمكنهم التحرك أو التحدث ولكنهم نشطون عقلياً (مثل عالم الفيزياء الشهير، ستيفن هوكينغ)، إذ توفر هذه الأنظمة طريقة ثورية للتواصل، ما يعطيهم صوتاً عندما تحرمهم الظروف البيولوجية من صوتهم.

أما بالنسبة للأشخاص ذوي الصمم، فيوفر الذكاء الاصطناعي أدوات مثل التفريغ النصي الآني وترجمة لغة الإشارة وتحويل الكلمات المنطوقة إلى نص بلغة الإشارة ثم تحويل الإشارة الى كلمات منطوقة، ما يجعل المحادثات أكثر إمكانية وسهولة.

تعزيز التضمين الاجتماعي من خلال الذكاء الصناعي

بينما نسعى لإنشاء مجتمع يحتفي بالتنوع ويعزز فرص المساواة للجميع، يُظهر الذكاء الاصطناعي فاعلية في هذا المضمار وتظهر إمكانية الذكاء الاصطناعي في تعزيز إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع بدءاً من تجهيز الأماكن العامة بالتكنولوجيات المساعِدة إلى تمكين تمثيل أكبر للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاعات متعددة.

ودعونا نفكر في تأثير الذكاء الاصطناعي على النقل العام، فمن خلال دمجه في هذا المجال، يمكننا أن نجعل التنقل أكثر سهولة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. يمكن أن تقدم التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحديثات فورية عن الطرق المناسبة لكراسي العجلات، وتحذِّر من المناطق المزدحمة أو العقبات، وتقدم حتى مساعدة افتراضية للأفراد ذوي الإعاقات البصرية أو المعرفية. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضاً لإنشاء مسارات ممهدة لهم في الأماكن العامة، ما يساعد الأفراد ذوي الإعاقات البصرية في التنقل بشكل مستقل في مساحات المدينة.

ويمكن تجهيز المباني العامة بأنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي تقدِّم ترجمة لغة الإشارة آنياً أو نماذج افتراضية للتنقل؛ فمن خلال استخدام هذه الأدوات التي تعتمد على الذكاء الصناعي، يمكننا القضاء على الحواجز التي تخلقها الإعاقات الجسدية وجعل الأماكن العامة حقاً متاحة للجميع.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يعزز إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل. يمكن أن تساعد البرمجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي في إنشاء عمليات توظيف شاملة من خلال تحديد اللغة المتحيزة ضدهم من أوصاف الوظائف وإزالتها، ما يعطي فرصاً أكثر لأصحاب الاحتياجات الخاصة للتقدم إلى الوظائف المعلن عنها. بمجرد الوصول إلى مكان العمل، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم المساعدة المخصصة للموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالتالي مساعدتهم على أداء أدوارهم أداءً فعالاً.

ينبغي ألا نتجاهل دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الروابط الاجتماعية. يمكن أن تساعد الروبوتات الاجتماعية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والأفاتار الافتراضي الأفراد الذين يعانون القلق الاجتماعي أو التوحد في ممارسة التفاعلات الاجتماعية في بيئة آمنة ومنضبطة، ما يزيد ثقتهم وقدرتهم على تكوين علاقات أكثر قوة وذات معنى.

ومع ذلك، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهل احتواء ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم اجتماعياً، من الضروري تذكّر أن التكنولوجيا مجرد أداة وتحتاج الى إرادة فعلياً لاستخدامها والاستثمار فيها لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ويجب علينا التأكد من أننا، في أثناء تطويرنا للذكاء الصناعي ونشره، نفعل ذلك بالتزام لا يتزعزع بخلق مجتمع حيث يُرى كل فرد، ويُسمع، ويُقدَّر.

الاعتبارات الأخلاقية والمستقبل

كما يستمر الذكاء الاصطناعي في التوغل في نسيج حياتنا، وخاصة في مساعدة الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، يطرح مجموعة من الاعتبارات الأخلاقية. تدور حول الخصوصية، والأمان، والإتاحة للجميع، وعدم التحيز والتمييز.

واحدة من أكثر القضايا الطارئة هي خصوصية البيانات، فغالباً ما تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تساعد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بيانات شخصية واسعة النطاق لتعمل على نحو فعال. من الضروري أن يتم التعامل مع هذه البيانات بشكل مسؤول، وحمايتها بأعلى معايير الأمان لمنع الاستخدام غير اللائق.

التحيز والتمييز هما أيضاً من القضايا المهمة. إذا تم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات لا تمثل تمثيلاً كافياً تنوع السكان من أصحاء وذوي احتياجات خاصة باختلاف حالاتهم وأعمارهم وغيرهما من. تنوع التركيبة السكانية، فقد تظهر التحيز في نتائج استخدامها، ما يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى استبعاد بعض فئات المجتمع أو الإضرار بهم. لذلك، من الحيوي أن نستخدم بيانات تدريب متنوعة ونقيّم بانتظام أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل العدل وعدم التحيز.

في الختام، ونحن نتطلع إلى المستقبل، يجب أن نضمن أن الثورة التي يقودها الذكاء الاصطناعي لا تترك أحداً وراءها. فمن خلال الحفاظ على الاعتبارات الأخلاقية في الصدارة، يمكننا استغلال قوة الذكاء الاصطناعي لبناء عالم ليس فقط أكثر تطوراً، ولكن أيضاً أكثر شمولاً وتعاطفاً.