وسائل التواصل الحديثة: ما مدى أهمية الاعتماد عليها؟

3 دقائق
وسائل التواصل الحديثة
Shutterstock.com/13_Phunkod

كانت الهواتف الأرضية وخدمة البريد الأميركية هي وسائل التواصُل المُستخدَمة في القرن العشرين، وفضّلت معظم المؤسسات الخيرية أن تبقى بتواضع خلف الكواليس وتترك الجهات المستفيدة من أعمالها تتحدَّث نيابة عنها، بينما غامرت المؤسسات غير الربحية بالظهور بهدف الدعوة لجمع التبرعات فقط.

أمضى العديد من قادة المؤسسات الخيرية الحالية بداية مساراتهم المهنية في هذا الإطار، حيث كان التواصُل يعدّ ملحقاً بالعمل الفعلي. وعلى أي حال، إذا وصل صل مقال رأي في إحدى الصحف إلى جميع من يجب التأثير فيهم، وكان أحد مسؤولي الحكومة المحلية في المدينة على الأقل عضواً في مجلس إدارتك، فما هو مقدار قوة التواصل الخارجية التي احتجتها لتحقيق ذلك؟

من الواضح أن الإنترنت غيّرت كل ذلك، إذ جزّأت نظام المعلومات وزعزعت عالم الأعمال والسياسة والثقافة. أفسحت بعض وسائل الإعلام الموثوقة المجال لآلاف الطرق الجديدة والمبهَمة من ناحية المصداقية للتواصُل والتأثير وجمع التبرعات عبر منصَّات مثل تويتر ولينكد إن وموقع تشينج دوت أورغ (change.org) وكيكستارتر (Kickstarter).

وفّرت هذه الفوضى فرصاً للمؤسسات والأفراد الذين كانوا على استعداد للاستفادة من وسائل التواصل بطرائق مبتكرة. مثلاً، سرعان ما أدركت مؤسسة روبرت وود جونسون فاونديشن (Robert Wood Johnson Foundation)، إمكانات شبكة الإنترنت في تثقيف أصحاب القرار وتقديم المعلومات المتعلقة بالصحة إلى عامة الناس مباشرة، كما كلّفت شبكة مؤسسات المجتمع المفتوح (Open Society Foundations) مصورين محترفين لإغناء حسابها على منصة إنستغرام بالصور التي تُطلع المتابعين على القضايا التي تهتم بها.

لم يعد التواصل اليوم مجرّد فرصة مفيدة للمؤسسات غير الربحية، بل أصبح ضرورة، وتغيرت طريقة توصيل الرسالة المناسبة إلى الشخص المناسب بصورة جذريّة، سواءً كانت بهدف جمع التبرُّعات أو محاولة تغيير السياسات، إذ يمكن أن يستغرق تحديد الأشخاص المناسبين وسبل التواصل معهم أو التأثير فيهم والاستماع إليهم وقتاً أطول بكثير. يختلف الحصول على منحة لافتتاح مساحة فنية جديدة عن إقناع مجلس البلدية بأن المجتمَع يطالب به، والأصعب من كلا الأمرين هو بناء مجتمَع يدعمه.

يعني التواصل بأكثر أشكاله تأثيراً صياغة قصص تساعد وسائل الإعلام وعامة الناس على فهم المعلومات المختلفة التي تتدفق عليهم من مصادر متعدّدة، وإحدى القصص التي برزت هي أن بناء مستقبل الأخبار والمعلومات أمر رائع، فسعت مؤسستنا جون إس آند جيمس إل نايت فاونديشن (John S. and James L. Knight Foundation) إلى إقناع المبرمجين والمصنعين بأن مساعدة المؤسسات الإعلامية التقليدية التي كانت متأخرة في تبنّي المستقبل الرقمي جديرة بوقتهم. فأصبحت الجهات المستَفيدة، مثل مؤسستَي موزيلا فاونديشن (Mozilla Foundation) وبرو بابليكا (ProPublica)، شريكتَين لنا: أنشأت مؤسسة نايت مع مؤسسة موزيلا برنامج زمالة يدمج خبراء التكنولوجيا الذين يعملون غالباً على توليد أكثر الأفكار تطوّراً في غرف الأخبار ليساعدوا في بناء مستقبل الأخبار خطوة تلو الأخرى؛ وساعدت برو بابليكا الإخبارية غير الربحية التي تطور مشاريع استقصائية على التوضيح لوسائل الإعلام التقليدية أن التطبيقات المستندة على البيانات قادرة على إضافة عمق إلى رواية القصص والحصول على جوائزَ صحفية كبرى نتيجة لذلك. كما أصبحت مؤسسة نايت من الحضور الدائمين في المهرجان التفاعلي الإعلامي، إس إكس إس دبليو إنتراكتف (SXSW Interactive)، لتلتقي المبرمجين والمصنعين في قلب الحدث للحصول على الأفكار المبتكَرة، وبيّن لهم مقطع فيديو يصور كلباً من فصيلة شيواوا مؤخراً أن مؤسسة نايت بحدّ ذاتها مستعدة لتجربة التخلي عن الوسائل التقليدية.

قادت مؤسسة نايت أيضاً جهوداً لمساعدة المؤسسات المجتمعية على تبنّي التكنولوجيا الرقمية من خلال إقامة فعاليات أيام العطاء عبر الإنترنت، وعلى الرغم أن ذلك مثّل انحرافاً عن نموذج أعمالها الأساسي المتمثل في العمل مع الأفراد الأثرياء، فقد أنشأنا دليلاً تفاعلياً بعنوان دليل يوم العطاء (Giving Day Playbook)، الذي أدى باقترانه مع التوعية إلى مساعدة المؤسسات الخيرية على جمع ملايين الدولارات لأجل للمؤسسات المجتمعية غير الربحية، بالإضافة إلى وصلها بالجيل الجديد في مجتمعاتها.

التحدي الحالي الذي نواجهه هو إيصال رسالة مفادها أن جذب المواهب وتوسيع الفرص وتحفيز المشاركة هي أفضل الوسائل لإنجاح المدن. وشكّل تطوير تحدي نايت للمدن (Knight Cities Challenge) خطوة كبيرة ودعوة مفتوحة لطرح أفكار تحسين المدن، ودعمناه بالتواصل الإعلامي من خلال المقالات على مدونتنا الخاصة ومقاطع الفيديو والمدونات الصوتية (بودكاست) ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل منصتَي فيسبوك وباندورا (Pandora)، وإعلانات الصحف المجتمعية، وذكر التحدي في شعار الرعاية المصاحب لبرامج المحطة الإذاعية الوطنية، إن بي آر (NPR).

نستند في تواصلنا إلى ركيزتَي التوعية والمحتوى، وعملنا على دعم الجهات المستفيدة هو دلالة على ذلك، إذ نساعدهم على نشر إعلانات التمويل عبر الصحافة بالطريقة التقليدية، ونشجعهم على كتابة مقالات نشاركها لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي. بالنسبة للعديد من الشركات الناشئة المستفيدة من مِنحنا، تضمن المنشورات ودعم وسائل التواصل الاجتماعي وصفحة المنحة الخاصة بهم حضوراً فورياً ومتواصلاً عبر الإنترنت.

لم يعد التواصل بالنسبة لمعظم المؤسسات  الربحية وغير الربحية ملحقاً بالعمل الفعلي، بل أصبح عنصراً لا غنى عنه؛ في عصر المعلومات، يعدّ التواصل عاملاً مهماً في إحداث التغيير الاجتماعي. خذ مثلاً مركز التقدم الأميركي (The Center for American Progress)، الذي غيّر مسار الجدل الدائر حول الانسحاب من العراق حين نشر خطة مرحلية معتدلة في عام 2005.

إحدى المؤسسات المستفيدة من منحنا هي شبكة سيتزنشيب ووركس (CitizenshipWorks)، وعملت على إعادة تصميم تطبيق الموبايل الخاص بها الذي يهدف إلى تبسيط إجراءات منح الجنسية للمقيمين الشرعيين الدائمين. لا يتطلّب الإصدار الجديد إرشادات من أي محامٍ، ولكنه يتطلّب منا تنفيذ اتصالات متعددة المستويات للوصول إلى القاعدة الجماهيرية الواسعة التي يستهدفها التطبيق. وكما تدمج المؤسسات الخيرية المقاييس في المرحلة الأولية للمِنح بصورة متزايدة، ينبغي لها أن تدمج التواصل لضمان أن يكون الجوهر والرسالة كياناً واحداً؛ هذه هي الوصفة الفعّالة لإحداث التغيير الاجتماعي.

 يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط،علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي