ماذا نقصد بالأثر الجماعي عالي الجودة؟

5 دقائق
الأثر الجماعي
Shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

يمر مفهوم التأثير الجمعي في نقطة تحوُّل استراتيجية؛ فبعد 3 سنين من الصخب الهائل حوله، يتساءل المستثمِرون عن المعنى الحقيقي لهذا المفهوم عندما يتلقَون مقترحات تستعيض ببساطة عن مصطلح "التعاون" بمصطلح "التأثير الجمعي"، كما يشعر الباحثون بالحيرة إزاء ما يسمى بالطرائق الجديدة لمزاوَلة الأعمال، إذ تبدو مشابِهة على نحو غريب لما درسوه مسبقاً، والأهم هو أن القادة والممارِسين في المجتمعات مرتبكون حيالَ المعنى الحقيقي لوضْع التأثير الجمعي قيد التنفيذ.

أحدنا، جيف إدموندسن، هو المدير الإداري والمؤسِس في مؤسسة سترايف توغيذر (StriveTogether)، والآخر هو المموِّل المحلي للمؤسسة، بن هيكت. وبناء على عملنا، ما زلنا متفائلَين إزاء مفهوم التأثير الجمعي، فهو بالنسبة لنا الطريقة الوحيدة للتقدم في معالجة المشكلات الاجتماعية المعقَّدة، فليس لدينا خطة بديلة. ومع ذلك، كي نتمكن من تحقيق نتائجه الموعودة، علينا أن نحدد ما الذي يعنيه "التأثير الجمعي عالي الجودة" حقاً بطرق عملية. ولهذا السبب أمضَينا آخر 18 شهراً في العمل الدؤوب على صياغة تعريف منطقي محكم له في سبيل تعزيز قوة هذه الجهود، ولكي يُستخدَم هذا المصطلح على النحو الأمثل. نثق أننا إذا اتفقنا على خصائصه الأساسية فسنحدّ من ظاهرة إطلاق البرامج والمبادرات على نحو عشوائي من دون ضمان نجاحها، وهي ظاهرة سائدة ومؤسِفة. إذ يمكننا بدلاً عنها تحديد معنى التأثير الجمعي ومعالجة المشكلات التي تبدو عصية على الحل.

فلنبدأ بذكر بعض المعلومات الأساسية عن المؤسسة؛ تُعدّ سترايف توغيذر امتداداً لمؤسسة سترايف بارتنرشيب (Strive Partnership) في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو، ويقع مقرها في مبنى مؤسسة نوليدج ووركس (Knowledge Works)، وذُكرت في أول مقال من سلسلة مقالات التأثير الجمعي التي نُشرَت في إصدار شتاء عام 2011 من مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي. جمعت مؤسسة سترايف توغيذر ما يزيد عن 45 مؤسسة من أكثر المجتمعات التزاماً في الدولة، لتشكيل شبكة سترايف توغيذر كريدل تو كارير نيتوورك (StriveTogether Cradle to Career Network). لا تهدف هذه الشبكة إلى بدء برامج جديدة، فهي متوفرة بكثرة، بل تركز على توضيح أفضل طرق العمل التعاوني بين الشركاء من جميع القطاعات، وتحديد البرامج الناجحة والاعتماد عليها، والابتكار عند الضرورة، وكل ذلك في سبيل دعم الاحتياجات الفريدة لكل طفل.

من الجيد أن أعضاء الشبكة مستعدون للاستفادة من تجاربهم من خلال مشاركة ما نجح وما أخفق والصعوبات التي واجهتهم للاستفادة من دروسها للتقدُّم في هذا المجال. وأسهمت تجاربهم في السنوات الثلاث الماضية في إنشاء أداة هامة تدعى نظرية سترايف توغيذر في العمل، (نظرية العمل) (StriveTogether Theory of Action. TOA)، وهي دليل يمكن للمجتمعات اتباعه لبناء بنية تحتية مدنية جديدة. تُسلِّط الأداة الضوء على التطور الطبيعي للمجتمع، وتقدِّم معايير الجودة الأساسية التي تُميِّز بمجملها هذا العمل عن المشاريع التعاونية التقليدية. تستخدم هذه الأداة ما نسميه "البوابات"، أو مراحل التطوير، لرسم المسار منذ مرحلة "الاستقصاء" الأولية، مروراً بالمراحل المتوسطة واللاحقة، أو "النشوء" و"الاستدامة"، وصولاً إلى مرحلة "تغيير الأنظمة" التي تلحظ فيها المجتمعات تحسناً في النتائج التعليمية.

نُعرِّف تغيير الأنظمة بأنه تحوّل على صعيد المجتمعات يستخدم مختلف الشركاء فيه البيانات بصورة استباقية من أجل تحسين قدرتهم على صنع القرار وتقييم آثار قراراتهم باستمرار في مؤسساتهم وبيئة عملهم الأوسع التي تعمل على تحسين حياة الأطفال. النتيجة النهائية التي نشهدها على نطاق أوسع من نطاق مدينة سينسيناتي، في شراكات مثل مشروع خارطة الطريق في سياتل (The Roadmap Project in Seattle)، هي أمثلة على المجتمعات التي نلاحظ فيها تحسناً مستداماً في مجموعة محددة من النتائج الملموسة البالغة الأهمية لنجاح الأطفال وازدهار المجتمعات.

أداة نظرية العمل ليست مثالية؛ فنحن ندرك مثلاً أن هذا العمل لا يسير في مسار مستقيم، ولكنه يجسِّد الركائز الأساسية اللازمة لتحقيق التأثير الجمعي، وستساعدنا مع ازدياد المجتمعات التي تتبناها في تحديد أهم جوانب عملنا.

المبادئ الأربعة

يرتكز عملنا وفق نظرية العمل على 4 مبادئ تحقق الاستدامة على المدى الطويل:

بناء ثقافة التحسين المستمر: يمكن أن تكون البيانات مخيفة في أي مجال، وخاصة في مجال التعليم حيث تُعتبَر الأرقام غالباً عبئاً لا وسيلة لإنارة الطريق. لتجاوز هذه المشكلة يعمل قادة المجتمعات، من مدينة ألباني بولاية نيويورك إلى مدينة أنكوريج في ألاسكا، على بناء ثقافة تسخّر البيانات لتحقيق التحسين المستمر. تقوم هذه العملية على 3 عناصر جوهرية: التحديد والتفسير والتحسين؛ يعمل قادة المجتمع مع الخبراء على تحديد البيانات البرمجية أو الخدمية لجمعها في الوقت المناسب من مجموعة متنوعة من الجهات الشريكة، وليس من المؤسسات الفردية فقط، ثم يعملون على تفسير هذه البيانات وإنشاء تقارير سهلة الفهم، وأخيراً يعملون على تحسين جهودهم على أرض الواقع من خلال تدريب الممارِسين على تكييف عملهم وفقاً للمعلومات الجديدة.

تُعتبَر شراكة "دالاس كوميت" (Dallas’s Commit) مثالأ جيداً؛ حدد القادة المدارس التي حققت تحسناً ملحوظاً في القراءة والكتابة لدى أطفال الصف الثالث وعلى الرغم من الاحتمالات الضعيفة، ثم عمل الطاقم الأساسي مع الممارِسين على تحديد أبرز المدارس الواعِدة، وتفسير بياناتها لتحديد الممارسات التي أدت إلى تلك التحسينات، ويعمل قادة المقاطعات حالياً على نشر هذه الممارسات في جميع أنحاء المنطقة ويستخدمون البيانات على اعتبارها أداة للتحسين المستمر.

إزالة التفاوتات: تُدرِك المجتمعات في مختلف أنحاء البلاد أن البيانات المجمّعة تحجب التفاوتات الحقيقية، في حين أن تصنيف البيانات لفهم الخدمات التي تلبي احتياجات جميع الطلاب بشكل أفضل يمكِّن المجتمعات من اتخاذ قرارات قائمة على المعلومات. تعمل شراكة "أول هاندز ريزد" (All Hands Raised) في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون بناءً على أن إزالة الفجوة في الفرص المتاحة أولوية قصوى، فتصنِّف البيانات لتوضيح التفاوتات وتتشارك مع القادة أصحاب البشرة الملونة في قيادة النقاشات الهامة والضرورية لمعالجة أوجه التفاوت التاريخية. حرصت الشراكة على إشراك قادة المنطقة لتغيير السياسات ونشر الممارسات الفعالة، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تقلّصت فجوة خريجي الجامعات من الطلاب أصحاب البشرة الملونة من 14.3% إلى 9.5%، واختفت تماماً في عدة مدارس ثانوية كبرى.

الاستفادة من الأصول الموجودة: تتمتع النزعة المرَضية الشائعة لبدء مشاريع جديدة بجاذبية قوية في القطاع الاجتماعي، إذ تولّد رغبة قوية في استيراد برنامج جديد بدلاً من فهم النظام الحالي وتحسينه. في كل مستوىً من مستويات العمل في نهج التأثير الجمعي، يتعيّن على الممارِسين تكريس الوقت والمواهب والمال للاستراتيجيات الأكثر فعالية، ومن الضروري الاستفادة من الأصول الحالية والتركيز عليها بطرائق جديدة لإثبات أن العمل وفق نهج التأثير الجمعي يمثِّل فعلاً طريقة جديدة لممارسة الأعمال، وأنه ليس مجرد عذر لإضافة نفقات عامة جديدة أو إنشاء برامج جديدة. خذ مثلاً مدينتَي ميلووكي بولاية ويسكونسن وتوليدو بولاية أوهايو، إذ تعمل الشركات الخاصة على إعارة موظفيها ذوي الخبرة في هذا المجال للمجتمعات ليساعدوا في تحليل البيانات وتحديد الممارسات الحالية المؤثرة.

إشراك الخبراء المحليين والرأي المجتمعي: تحليل البيانات الفعّال هو أداة قوية في صنع القرار، لكنه لا يمثِّل إلا وجهة نظر واحدة. ولذا تضيف الخبرات المحلية والرأي المجتمعي ميّزة في هذا السياق إذ تساعد الممارِسين على فهم البيانات بصورة أوضح، ويتحقق النجاح عندما نُدخل شركاء يمثلون شريحة واسعة من المجتمع، ليس لتشكيل رؤية شاملة فقط بل ولمساعدة الممارِسين على استخدام البيانات لتغيير  أساليب خدمتهم للأطفال. تعمل شراكة "سيتي هايتس بارتنرشيب فور تشيلدرين"  ( City Heights Partnership for Children) في مدينة سان دييغو على إشراك الآباء في دعم أقرانهم بفعالية، وساهم الآباء في تصميم مجموعة أدوات لمحو الأمية المبكر استناداً إلى الأبحاث المحلية، واستخدموها لمساعدة العائلات الأخرى في إعداد أطفالهم لدخول الروضة. ومع تزايد عدد العائلات المشارِكة تدعو الشراكة بفعالية إلى جعل محو الأمية المبكِّر أولوية في المدارس المحلية.

النتائج المرجوَّة من التأثير الجمعي عالي الجودة

يمكن أن تمثل جهود التأثير الجمعي قفزة هامة في مواجهة التحديات الاجتماعية المتفشية، لكن لضمان أن يؤدي هذا المفهوم إلى تحسينات حقيقية في حياة من نخدمهم، لا بد لنا من توخي الدقة في الأسلوب المتبَع بالاستفادة من الدروس المستخلَصة من مجموعة متنوعة من المجتمعات، وتحديد ما يميز العمل بهذه الطريقة على نحو عملي. تُمثِّل "نظرية سترايف توغيذر في العمل" خطوة في ذلك الاتجاه بناءً على الزخْم الذي ولَّده هذا المفهوم في السنوات الثلاث الماضية.

عبّر نائب وزير التعليم الأميركي، جيم شيلتون، عن ذلك بقوله: "نحن بحاجة إلى البراهين للحفاظ على استمرار هذا التوجه نحو التأثير الجمعي"، ويمكننا الحصول على هذه البراهين برفع معايير تعريفنا لجودة التأثير الجمعي، وتحدّي أنفسنا للارتقاء إلى تلك المعايير. سنثبت بذلك قوة هذا المفهوم وسنغيّر حياة الأطفال والأسَر بطرائق لم نتخيلها قط.

 يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط،علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.