تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة تتألف من خمسة أجزاء بعنوان: "التركيز على المساواة في التأثير الجمعي"، الذي سنتحدث فيه عن أهمية تطبيق المساواة لنجاح جهود التأثير الجمعي في معالجة المشكلات الاجتماعية.
في عام 2011، نشر اثنان منا، وهما جون كانيا ومارك كرامير، مقالاً في مجلة "ستانفورد سوشال إنوفيشن" بعنوان "التأثير الجمعي". وما لبث أن أصبح أكثر المقالات تحميلاً في تاريخ المجلة. وحتى هذا التاريخ، تم تحميل المقال أكثر من مليون مرة كما تم اقتباسه في مقالات أكاديمية حوالي 2,400 مرة. والأهم من هذا، أنه شجع عدة آلاف من الأشخاص حول العالم على تطبيق طريقة التأثير الجمعي على نطاق واسع من المشكلات البيئية والاجتماعية. كما أكدت التقييمات المستقلة أن هذه الطريقة يمكن أن تسهم في التأثير على نطاق واسع،1 وأن مجالاً عالمياً من ممارسي التأثير الجمعي قد انبثق عنها. لقد أدت جهودهم إلى تعميق فهمنا للعوامل العديدة التي يمكن أن تعزز نجاح التأثير الجمعي أو أن تعيقه.
في المقال الأساسي، عرّفنا التأثير الجمعي على أنه "التزام مجموعة من الفاعلين المهمين من مختلف القطاعات بجدول أعمال مشترك في سبيل حل مشكلة اجتماعية محددة". حددنا كذلك العملية المنظمة بخمسة شروط أساسية تميز التأثير الجمعي عن الأنواع الأخرى من التعاونات:
1- جدول أعمال مشترك، يتم تشكيله عن طريق تعريف المشكلة بشكل جماعي وابتكار رؤية مشتركة للحل.
2- مقاييس مشتركة، مبنية على الاتفاق ما بين جميع المشاركين على تتبع ومشاركة التقدم بالطريقة نفسها، مما يتيح التعلم المستمر والتحسن وتحمل المسؤولية.
3- تعزيز الأنشطة بشكل متبادل، دمج العديد من الأنشطة المختلفة للمشاركين لتحقيق أعظم النتائج الممكنة.
4- التواصل المستمر، الذي يساعد على بناء الثقة وإنشاء علاقات جديدة.
5- فريق دعم، مصمم على تنسيق وتخطيط عمل المجموعة بما يتوافق مع بعضه البعض.
لقد أشرنا أيضاً إلى كون هذه العناصر الأساسية تحتاج إلى أن يتم تكييفها مع الظروف المحددة التي تخص كل مبادرة.
على مدى السنوات التالية، قام العديد من الممارسين وشبكات التأثير الجمعي 2 بتحسين وتوسيع هذه الشروط الأصلية الخمسة بطرق مفيدة.3 ففي عام 2016، تعاونا مع منتدى التأثير الجمعي -وهي مبادرة أطلقتها شركة "إف إس جي" مع "منتدى معهد آسبن للحلول المجتمعية" من أجل دعم ممارسي التأثير الجمعي- ونشرنا ثمانية مبادئ إضافية للممارسة في سبيل تطبيق التأثير الجمعي، وقد تضمنت هذه المبادئ مشاركة أفراد المجتمع وجعل المساواة أولوية.
بالنظر إلى السنوات العشر الماضية، لاحظنا من خلال مسيراتنا الشخصية والمهنية وتجارب الآخرين أن السبب الوحيد الأكبر وراء فشل جهود التأثير الجمعي هو الفشل في التركيز على المساواة. لذلك نحن نؤمن أنه يجب علينا إعادة تعريف التأثير الجمعي ليشمل التركيز على المساواة كشرط أساسي. وفي هذا السياق، نقترح تعريفاً جديداً منقحاً للمفهوم: إن التأثير الجمعي عبارة عن شبكة من أعضاء المجتمع والمنظمات والمؤسسات التي تعمل على تعزيز المساواة من خلال التعلم معاً ومواءمة أعمالهم ودمجها لتحقيق التغيير على مستوى السكان والأنظمة. وفي سبيل التركيز على المساواة، يجب على جهود التأثير الجمعي أن تلتزم بمجموعة من الإجراءات التي سنتحدث عنها بإسهاب في هذا المقال.
ما هي المساواة؟
عند الالتزام بالتركيز على المساواة، نواجه أولاً مشكلة المفاهيم غير المتسقة لما تعنيه المساواة. من بين العديد من التعريفات البديلة، لكل منها فضائل خاصة، فإن التعريف الذي وجدنا أنه الأكثر فائدة يأتي من منظمة البحث والدعوة، مجلس الاستراتيجيات الحضرية (Urban Strategies Council): المساواة هي الإنصاف والعدالة المحققة من خلال التقييم المنهجي للتفاوتات في الفرص والنتائج والتمثيل، وإعادة معالجة [هذه] التفاوتات من خلال الإجراءات المستهدفة.4 يخاطب هذا التعريف حاجات المجموعات والجماعات السكانية المختلفة التي تعمل كل يوم في ظل قيود تنظيمية أعاقت على مدى أجيال قدرتهم على الازدهار، مما أدى إلى تهميش واضطهاد شديد ومضاعف، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه في العالم. فقط عندما تأخذ جهود التأثير الجمعي الوقت الكافي لفهم من تم تهميشهم ولماذا وكيف يعانون من التهميش، ثم بعد مثل هذا التحقيق، تتخذ إجراءات مستهدفة لإنشاء سياسات وممارسات ومؤسسات تعالج أوجه عدم المساواة الحالية والتاريخية، عندها ستتمتع هذه المجتمعات بالحرية لتحقيق إمكاناتها الكاملة.
فيما يلي نركز على المساواة العرقية؛ حيث إن أصحاب البشرة الملونة هم في الغالب أكثر الأشخاص تعرضاً للتهميش التنظيمي والمؤسسي والشخصي في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى.5 ومع ذلك، نحن نؤمن أن التركيز على المساواة العرقية يمكّننا أيضاً من تقديم إطار عمل وأدوات وموارد يمكن تطبيقها في مجالات أخرى يظهر فيها التهميش -منها الإعاقات والتوجه الجنسي والنوع والطبقة والطائفة والدين والأصل وغيرها.
إن دراسة التهميش الذي يتعرض له الأشخاص من هويات متعددة يمكن لها أن تخلق مساحة لاتّباع طريقة للعمل تتقاطع مع الحالات المختلفة 6، مع أخذ العلم بأن هؤلاء الذين يحملون هويات متعددة (مثل النساء صاحبات البشرة الملونة) هم في الغالب يعانون أكثر من سواهم. نحن نشجع الممارسين على دراسة البيانات المحلية والاستماع إلى تجارب أفراد مجتمعهم في سبيل فهم أي الجماعات السكانية تعاني من التهميش التنظيمي الأكبر، ثم نحثهم على العمل مع هذه الجماعات المهمشة لتكييف الاستراتيجيات التي سنشاركها هنا من أجل تحسين حياتهم.
نظراً للوعي المتزايد بالمساواة العرقية في وقتنا الحالي، الذي نشأ جزئياً بعد مقتل جورج فلويد في مايو/أيار 2020 وعدد لا يحصى من الضحايا الآخرين للعنف العنصري أصحاب القصص المشابهة، ونشأ أيضاً عن التأثير المتفاوت لجائحة "كوفيد-19" على أصحاب البشرة الملونة، والاعتراف المتزايد بالعواقب الوخيمة للعنصرية الهيكلية الراسخة في جميع أنحاء المجتمع، فإن تركيزنا المكثف على المساواة لن يكون مفاجئاً لمعظم الناس. إلا أن التحدي الذي نجابهه نحن وآخرون غيرنا هو السؤال حول كيف نتمكن من التركيز على المساواة في أثناء ممارسة التأثير الجمعي. نأمل أن نتمكن في هذا المقال من تقديم إرشادات محددة وعملية لأولئك المشاركين في جهود التأثير الجمعي حول ما يحتاجون إلى القيام به على مختلف في عملهم لتحقيق هذا الهدف.
على وجه الخصوص، نعتقد أن التركيز على المساواة يتطلب إعادة التفكير في الحقائق المفترضة التي تحدد المشكلة من خلال الاعتراف بأن السكان المهمشين داخل أي مجتمع لديهم تجارب مختلفة تماماً عن تجارب العديد من الأفراد والمؤسسات ممن يعملون على مساعدتهم. فنحن كأشخاص من خارج المجتمع، لا نعلم ما يكفي لنكون مساعدين وفعالين كما يجب أن نكون، لذا يجب علينا بداية أن نتحدث ونستمع ونتعلم.
لقد توصلنا أيضاً إلى إدراك أن التأثير الجمعي لن يكون دائم الفعالية إلا إذا كان يركز على تغيير الأنظمة الأساسية، وليس فقط على إضافة برامج أو خدمات جديدة. يتطلب تركيز العدالة كذلك تمثيلاً للفئات المتنوعة في المراكز القيادية واستراتيجيات محددة لتغيير السلطة، بحيث يكون أولئك الذين يتمتعون بسلطة رسمية -في الولايات المتحدة ومعظم العالم الغربي، ومعظمهم من البيض والذكور- قادرين على المشاركة والاستماع ومشاركة السلطة مع المجتمع، والعمل بناء على حكمته. أخيراً، يجب على كل شخص معني أن يدرك ويتحمل المسؤولية الشخصية عن أدواره في إدامة مظاهر عدم المساواة وتصحيحها -وهي عملية تغيير داخلي غالباً ما يتم التغاضي عنها.
كيف يمكن أن تغير المساواة التأثير الجمعي
إن التركيز على المساواة يغير الطريقة التي ينفذ فيها الممارسون التأثير الجمعي. ضع في اعتبارك مبادرة التأثير الجمعي "تشاتانوغا 2.0" (Chattanooga 2.0)، التي تم إطلاقها في عام 2016 في تشاتانوغا بولاية تينيسي، والتي تعمل على ضمان حصول جميع الأطفال والشباب على تعليم جيد وفرص وظيفية واعدة. اعتُبرَ جهد المساواة على أنه النتيجة المرجوة من البداية، لكن المشاركين لم يفهموا ذلك تماماً ولم يعالجوه بشكل استباقي حتى يقظة الأمة التي حدثت مؤخراً تجاه العدالة العرقية والتي قادتهم إلى إدراك أن هناك حاجة إلى خطة استراتيجية جديدة تماماً.
تقول مولي بلانكنشيب، المديرة التنفيذية، صاحبة البشرة البيضاء لفريق الدعم الخاص بمبادرة تشاتانوغا 2.0: "إن جزءاً من المشكلة كان أن مجتمعنا لم يمتلك تعريفاً مشتركاً حول معنى المساواة، وبالتالي بدا أن الانقسام المجتمعي في الغالب يتوقف على الشكليات، بدلاً من المشكلة الفعلية القائمة". قامت عملية تخطيط استراتيجي جديدة لوضع جدول الأعمال المشترك بحشد مجموعة متنوعة عرقياً ومتعددة القطاعات من المقيمين والقادة الذين قاموا بدمج مدخلات المجتمع والالتزامات العامة الصريحة لاتخاذ إجراءات حول المساواة العرقية. تمكنت مبادرة "تشاتانوغا 2.0" أيضاً من تغيير بنيتها التنظيمية الحاكمة لزيادة التنوع العرقي وتنوع المناصب ولضمان الشفافية. حيث طُلب من كل أعضاء التحالف توقيع رسالة عامة للالتزام بالمساواة في كل من العملية والنتائج.
أعادت مبادرة تشاتانوغا "2.0" أيضاً هيكلة مقاييسها للتقدم لتصنيف البيانات حسب العرق، والكشف عن الفروقات الصارخة داخل المجتمع. كما قام القائمون على المبادرة بتسمية ومعالجة الاختلالات في موازين القوى التي أثرت على التواصل والعلاقات بين المشاركين، وبالتالي تحويل الثقافة الداخلية لضمان أن المساهمات من جميع أعضاء التعاونية يتم تقييمها بالمثل. كما ركزوا على بناء التعاطف والتفاهم بين القادة المنخرطين في العمل، وخاصة أولئك الذين يفتقرون إلى الخبرة المباشرة بالمشكلات. تقول بلانكنشيب: "مع تراكم السلطة، غالباً ما تتلاشى القدرة على الارتباط والتفهم لأولئك الذين كانوا مهمشين ومضطهدين".
تحول اهتمام "تشاتانوغا 2.0" من التدخلات البرامجية إلى المزيد من التغييرات المنهجية، مثل العمل مع مدينة تشاتانوغا للتحول من خليط مبعثر من مقدمي الخدمة إلى نظام تعليمي أكثر تنسيقاً وتوافقاً في مرحلة الطفولة المبكرة. حتى فريق الدعم توجب عليه إعادة توصيف دوره. وبدعم من لجنتيها التنفيذية والتوجيهية، تسلمت بلانكنشيب منصباً جديداً.
تقول: "بصفتي قائدة بيضاء البشرة تشعر بقدر كبير من الواجب والمسؤولية في هذا العمل، يمكنني توفير غطاء لأعضاء التحالف للقيام بعمل أكثر جرأة. حيث يمكنني الاستفادة من امتيازاتي لإفساح المجال وإيصال أصوات القادة وأفراد المجتمع الذين ينتمون إلى فئات (BIPOC) [أي: السود، والسكان الأصليين، وأصحاب البشرة الملونة]. كما يمكنني استخدام صوتي -عبر المنصة والمنصب السياسي الذي مُنِحته- لقول الحقائق التي يجب أن تُقال، ولأتمكن من موقعي هذا، أينما كان ذلك ملائماً، أن أكون مفيدةً لمصالح تحالفنا".
تسلط تجربة بلانكنشيب الضوء على الخطوات المطلوبة من قبل أولئك الذين لديهم القدرة للتركيز على المساواة في التأثير الجمعي وتقديم خدمة أفضل للمجتمعات التي يسعون إلى مساعدتها. دون توضيح العمل بشكل صريح للتركيز على المساواة وإفساح المجال للقيام بذلك العمل، ستقصر جهود التأثير الجماعي في قدرتها على تفكيك أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، وإصلاح المظالم التاريخية، وتحقيق نتائج أفضل لمن تم تهميشهم.
ملاحظات
1- انظر على سبيل المثال التقرير الصادر عام 2018 بعنوان "عندما يكون للتأثير الجمعي تأثير" (When Collective Impact Has Impact) من معهد سبارك بوليسي (Spark Policy) ومؤسسة أوه آر إس إمباكت (ORS Impact).
2- على سبيل التسمية لا الحصر، منتدى التأثير الجمعي في الولايات المتحدة، ومؤسسة تاماراك (Tamarack) في كندا، ومبادرة التعاون من أجل التأثير (Collaboration for Impact) في أستراليا.
3- لقد أثر العديد من ممارسي التغيير الاجتماعي بشكل كبير على تفكيرنا حيال المساواة في سياق التأثير الجمعي، ومنهم ميلودي بارنز، وآنجيلا غلوفر بلاكويل، وباربارا هولمز، وفو لي، ومارك ليتش، ومايكل ماكافي، ومونيك مايلز، وستيف باتريك، وشيريل بيتي، وجون باول، وتوم وولف.
4- قمنا بتعديل تعريف مجلس الاستراتيجيات الحضرية للمساواة بشكل طفيف، عبر إضافة فكرة أن التمثيل مجال أساسي لتقييم العمل.
5- الأمثلة على التركيز على المساواة العرقية المُدرجة في هذا المقال مستوحاة بشكل أساسي من الولايات المتحدة، تبعاً لمعرفة المؤلفين وشبكاتهم. إن العديد من المجتمعات الأخرى حول العالم يقومون بأعمالهم الخاصة لتحقيق المساواة بما يتوافق مع السياقات المحلية والثقافية الخاصة بهم. فعلى سبيل المثال، إن جهد التأثير الجمعي "ساموهيكا شاكتي" (Saamuhika Shakti) في بنغالور في الهند، يركز على تحسين النتائج لجامعي القمامة، مع التركيز على النساء والأطفال بشكل خاص. وفي كوريا الجنوبية، طور المجتمع المدني والمؤسسات العامة (أو الحكومية) والشركات معاً مبادرة تأثير الجمعي "غود جوب 5060" (Good Job 5060) لخلق فرص العمل، مع التركيز على الكوريين الأكبر سناً، لأن العمال الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً فما فوق يُجبَرون غالباً على التقاعد مبكراً، مما يؤدي إلى مواجهتهم لصعوبات اقتصادية وتدني احترام الذات (أو ضعف الوضع الاجتماعي والاقتصادي). وفي كولومبيا، يقوم الشريك الرئيسي لشبكة الفرص العالمية للشباب (GOYN)، GOYN Bogotá، بتحديد ومعالجة المشكلات المنهجية التي يواجهها برنامج "أبورتونيتي يوث" (Opportunity Youth) (أي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً ممن هم خارج المدرسة أو العاطلون عن العمل أو يعملون في وظائف غير رسمية) والمهاجرون.
6- التقاطعات، كما قدمتها الباحثة كيمبرلي كرينشو، هي "الطريقة المعقدة والتراكمية التي تتجمع فيها تأثيرات الأشكال المتعددة للتمييز (مثل التمييز العرقي والتمييز على أساس الجنس والطبقية) وتتداخل وتتقاطع، لا سيما في تجارب الأفراد أو الجماعات المهمشة".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.