بناء المرونة في أوقات الأزمات

4 دقائق
المرونة في العمل
iStock

في عالم سريع التغير، ومحفوف بالمخاطر، خصوصاً بعد جائحة كورونا، تحتم على الشركات والمؤسسات التفكير في سياسات تساعد في بناء المرونة في العمل في أوقات الأزمات. وذلك للتكيف مع الأزمات والتعامل مع المخاطر المتوقعة، نستعرض هذا الموضوع في هذه المقالة.

ألحقت أزمتا الصحة والعدالة الاجتماعية؛ اللتان حدثتا عام 2020، الضرر بالمؤسسات الكبيرة والصغيرة بعدة طرق، لكن المؤسسات غير الربحية واجهت تحديات مختلفة أكثر من غيرها، إذ وفقاً لاستطلاع «إندبندنت سكتر» (Independent Sector) لعام 2020، أفادت 83% من المؤسسات غير الربحية عن انخفاض في الإيرادات بسبب إلغاء نشاطاتها، وانخفاض الدعم، وتضاؤل حجم المنح. في المقابل، شهدت بعض المؤسسات؛ لا سيما التي تقدم المساعدة للمجتمعات من غذاء أو إسكان أو دعم الخدمات الموجهة للرعاية الصحية، زيادة في الحاجة إلى خدماتها.

خلال هذه الأزمات، عملت «مؤسسة مدترونك» (Medtronic Foundation) عن كثب مع شركائها من المؤسسات غير الربحية لمساعدتها على تعديل خطط التمويل، وقياس النتائج، ووضع أهداف واقعية، إذ أن التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على مستوى العالم استدعت العديد من المؤسسات لأن تكون بحاجة اليوم إلى دعم تشغيلي بصورة عامة، ويأتي هنا دور المؤسسات الخيرية لمساعدتها على تلبية هذه الاحتياجات بطرق أهم مما قد تفعله خلال الأوضاع الاقتصادية الأفضل. تركز بعض المؤسسات غير الربحية على الإبقاء على سير عملياتها أكثر من تركيزها على تحقيق أهداف البرامج المحددة، وينبغي على المؤسسات الخيرية العمل مع الجهات المتلقية للمنح لضمان عدم فقدان المجتمعات لموارد مهمة.

بالنظر إلى حجم التغيير الكبير، ظهرت تحديات أمام نماذج التمويل التقليدية، كما تشكلت فرص كبيرة للتفكير بأساليب مختلفة حول الحلول. يدرك المموّلون أن المؤسسات تواجه مصاعب فيما يتعلق بالميزانيات، وأن الأهداف قد تغيرت أو تم تعليقها مؤقتاً، إلا أنه من المهم بالنسبة إليهم معرفة ما إذا كان شركاؤهم غير الربحيين يتكيفون مع هذه التحديات، وكيف يتم ذلك، وبالتالي فإن التواصل المنفتح والشراكات الموثوقة تساهم كثيراً في دعم خطط التعديل. على سبيل المثال، يمكن أن تقدم نماذج الرعاية المجتمعية نتائج صحية أفضل، لذلك يمكن للمؤسسات غير الربحية أن تضع خطة لقياس نتائج التدريب والقيمة المضافة التي يقدمها العاملون في مجال الصحة المجتمعية إلى أفراد المجتمع الذين هم بحاجة إلى الرعاية، والنتائج السريرية للمرضى الذين يرونهم.

عندما تكون هناك حاجة لاتخاذ قرارات صعبة، ينبغي على المؤسسات الاستعانة بآراء الأشخاص الذين هم بحاجة إلى خدماتها، إلى جانب نتائج القياس، ذلك لتتمكن من تركيز مواردها على الأنشطة الأكثر أهميةً لتحقيق رسالتها، وقد يشمل ذلك الحفاظ على تقديم خدمات عالية الجودة، بالإضافة إلى تعديل الأنشطة؛ أي إدراج خدمات جديدة أو التخلي عن بعضها، لتهيئة المؤسسة للمستقبل على نحو جيد. 

تعديل معايير القياس

على الرغم من الشعور بأهمية التصرف بسرعة في هذه الأوقات المضطربة، ينبغي على المؤسسات غير الربحية أن تطبق الدقة ذاتها والتخطيط لعملها كما كانت تفعل قبل الجائحة. تناقش العديد من هذه المؤسسات مسائل مماثلة لما كانت تناقشه في الماضي، لكنها الآن تعيد النظر فيها ضمن سياق بيئة اليوم: ما الذي يمكن قياسه فيما يتعلق بالنتائج المختلفة؟ هل يمكن جمع البيانات بالطريقة السابقة ذاتها؟ هل تواتر جمع البيانات بحاجة إلى تغيير؟ كيف سنعلم أن هناك تحسن؟ وكيف يمكننا استكشاف أوجه التباين في هذه النتائج؟

أدى عدم وجود نظام صحي عام وفاعل إلى تفاقم شدة التحديات التي تواجه الخدمات المجتمعية والرعاية، ويظهر قصور النظام أيضاً في عدم كفاية تمويل القطاع العام للصحة، وبالتالي المجتمعات التي لا تحظى بخدمات كافية في جميع أنحاء العالم؛ بما في ذلك الولايات المتحدة، بالتالي، غالباً ما تبادر المؤسسات الخاصة والشركات التي تدعم العمل الخيري لسد الثغرات في الحال، وينبغي في المقابل أن توضح المؤسسات غير الربحية ما تحتاجه مجتمعاتها أكثر، وكيف يجب أن تكيف خدماتها لتلبية تلك الاحتياجات، وكيف تقرأ النتائج لمعرفة ما إذا كانت قد لبّت احتياجات المجتمع وأضافت القيمة.

بناء المرونة في العمل في أوقات الأزمات

لم يسبق أبداً أن واجهت المؤسسات غير الربحية حدثاً بهذا القدر من الأهمية؛ بحيث يدفعها إلى متابعة عملها، والتركيز على رسالتها على هذا النحو، كما حدث في هذه الأوقات التي شهدت اندماج الأزمات الصحية والاقتصادية والبيئية على مستوى العالم. في استطلاع أجرته وكالة الأنباء « رويترز» ومؤسسة «تشاريتي نافيغيتير» (Charity Navigator)، أفادت 83% من المؤسسات غير الربحية أنها تعاني مالياً، بينما أفادت 50% أنها شهدت زيادة في الطلب على خدمات البرامج. تتطلب أوقات كهذه الابتكار مع الالتزام بنقاط القوة التنظيمية، خاصة وأن المؤسسات غير الربحية يُطلب منها تقديم المزيد بموارد أقل. يواجه الجميع الآن- بغض النظر عن القطاع أو التركيز التنظيمي للمؤسسات- التحديات ذاتها بصورة متزامنة، وقد استغلت بعض المؤسسات هذه الفرصة غير المسبوقة لإعادة تشكيل استراتيجيتها وعملياتها.

على الرغم من صعوبة هذا الوقت، إلا أنه يوفر فرصة للمؤسسات غير الربحية لتعديل استراتيجياتها وآليات التشغيل من أجل تلبية الطلب المتزايد على خدماتها، أما بالنسبة إلى المؤسسات التي تم تجاهلها بسبب الجائحة، فقد أتاح لها ذلك أخذ الوقت الكافي لتطوير أسلوب عملها.

البحث عن الفرص

بينما تكافح العديد من المؤسسات غير الربحية خلال الأزمات التي مررنا بها عام 2020، هناك أخرى تزدهر، حيث وُجدت المؤسسات لأن هناك حاجة لدعمها، وهذه الاحتياجات لم تتضاءل، بل إنها تضخمت في بعض الحالات، ويمكن لعوامل مثل المرونة والإبداع والتفاؤل أن تساعد المؤسسات على إيجاد طرق جديدة لمواصلة تلبية احتياجات المجتمعات خلال هذه الظروف الصعبة.

على سبيل المثال، يسخر شريك «مؤسسة مدترونك»؛ وهو مركز «سنتر فور ويلبيينغ» (Center for Well-Being) في مقاطعة سونوما، كاليفورنيا، الشراكات المحلية لتوسيع نطاق تدريب العاملين في مجال الصحة المجتمعية، فضلاً عن تعزيز وصول البرنامج إلى الشباب والسكان الذين لا يتلقون خدمات كافية، كما أنه يتبنى طرقاً مبتكرة لتحسين استخدام المساحات لديه والتكنولوجيا وأنظمة الجدولة الزمنية لتطوير الكفاءات.هذا ليس سوى مثال واحد من عدد لا يحصى من المؤسسات غير الربحية التي تعمل على التكيف مع الأوقات الصعبة، والإدارة من خلالها، والخروج منها بقوة كما كانت على الدوام، وتتحمل المؤسسات الكبرى، والشركات التي تدعم العمل الخيري، والجهات المانحة، مسؤولية تقديم الدعم لمثل هذه المؤسسات خلال عملها، حتى نتمكن بصورة جماعية من الاستمرار في تلبية الاحتياجات العاجلة لمجتمعاتنا.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للمؤسسات الاجتماعية الخروج من الأزمات بشكل أقوى؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي