اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

استراتيجيات إنهاء الخدمات من المؤسسات غير الحكومية

سلسلة إنهاء الخدمة..

إعداد : جيف ريفيل

 

تم النشر 23 نوفمبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "استراتيجيات إنهاء الخدمة للمنظمات غير الحكومية"، التي سنجيب فيها عن سؤال متى يحين الوقت المناسب لإنهاء منظمة غير حكومية تقديم خدماتها؟ وسنسلط الضوء على منظمة تدعى "ووتر شيد" التي أغلقت أبوابها من تلقاء نفسها نهائياً بعد أن حققت ما عزمت على إنجازه.

قد تكون فكرة مستهلَكة، لكن نادراً ما تجد منظمات غير حكومية دولية "تنهي خدمتها" بنفسها. إذ يتطلب ذلك التخطيط منذ البداية، والتواصل الشفاف، وتحديد مواعيد نهائية صارمة، وإنهاء الخدمة دون قيود.

متى يحين الوقت المناسب لإنهاء منظمة غير حكومية تقديم خدماتها؟ سؤال مخادع. الإجابة: الوقت مناسب دائماً. بالطبع لا أقصد أن تغلق كل منظمة غير حكومية أبوابها على الفور، بل ما أعنيه أن كل منظمة تنموية غير حكومية ممولة من الخارج يجب أن تخطط يومياً – وتستعد – لإنهاء خدماتها النهائي.

قبل عشر سنوات، شاركت في تأسيس منظمة غير حكومية في كمبوديا، تدعى "ووتر شيد" (WaterSHED). كانت حينها نسبة العائلات القاطنة في المناطق الريفية بكمبوديا التي تستخدم المراحيض أقل من 20%، حتى بعد أن أنفق عدد لا يحصى من المنظمات غير الحكومية والوكالات الثنائية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات المتعددة الأطراف مبالغ خيالية لتوفير مراحيض مجانية وحملات توعية حول استخدامها. كانت العواقب الصحية جسيمة، ولم نلحظ إلا قليلاً من التحسن. استهدفت "ووتر شيد" مجموعةً من أبرز عوامل العجز السوقية التي حالت دون التوفير المستدام للخدمات التي تحتاج إليها الأسر، ولكن منذ الوهلة الأولى، حاولنا حل المشكلات الجذرية بطريقة تتيح لنا إنهاء خدماتنا في النهاية (وإذا لم نتمكن من إحراز تقدم، رأينا أنه علينا إنهاء عملنا على أي حال وعدم إضاعة وقتنا ومالنا).

حالياً، أصبحت المراحيض ميسورة التكلفة ومتوافرة في جميع أنحاء الدولة، ويعد هذا ثاني أسرع تحسن في مجال المرافق الصحية على مستوى العالم، ويرجع معظم الفضل في ذلك إلى اتباع النُهج المبنية على السوق. يستخدم 80% تقريباً من الكمبوديين القاطنين في المناطق الريفية المراحيض، وتقود الحكومة المحلية المساعي لتوسيع نطاق هذه الخدمات.

أغلقت منظمة "ووتر شيد" أبوابها نهائياً في يونيو/حزيران من عام 2021 بعد أن حققت ما عزمت على إنجازه.

التخطيط لإنهاء الخدمة مفيد بحد ذاته

تخيل أنك تريد تأسيس منظمة غير حكومية لمعالجة مشكلة معينة: شحّ المياه النظيفة. عندما تعلم أنك لن تستطيع الاستمرار في توصيل المياه النظيفة إلى الناس حتى أجل غير مسمى، تبحث عن حل أدوم: تحفر بئراً وتركب مضخة يدوية. لكن بعد بضع سنوات، تجد أن المضخات اليدوية الفولاذية لا تدوم، لذا تحتاج إلى معالجة المشكلات الأكثر منهجيةً التي تحول دون تقديم الخدمة المستدامة.

إذا واصلت توفير المياه النظيفة أو مضخات يدوية جديدة دون معالجة المشكلات الجذرية، فلا شك أنك ستخوض حرباً أبديةً مع العجز عن تأمين المياه النظيفة. 

قد تدرك، من الناحية النظرية، أنه يفترض بك أن تهيئ نفسك لإنهاء هذا العمل، وقد تتعهد بالتوقف عن العمل بمجرد انتفاء حاجة الناس إليه. لكن في أثناء ذلك، يكون عدد الذين يعتمدون عليك للحصول على المياه آخذ في الازدياد، وقد استبدلت التمويل العام الذي أعيد تخصيصه الآن، ويحسب مموِّلوك "عدد الأشخاص الذين يوفر لهم برنامجك المياه"، ويعرض مدير جمع التبرعات لديك صوراً لهؤلاء الأشخاص، واعداً بتنمية هذا الأثر في المستقبل.

لكن لنضع جانباً تلك الالتزامات التي ستواصل الازدياد إلى الأبد. لو كنت قد حددت بدلاً من ذلك نقطة نهاية إلزامية، حينئذٍ كنت ستخوض في كل تلك الأمور بطريقة مختلفة: كنت ستبدأ بمعالجة القضايا الأهم بالنسبة للاستدامة منذ البداية (مثل الملكية المحلية، وتخصيص الميزانية الحكومية، وقيادة المسؤولين المحليين) على الرغم من التنازلات التي ستقدمها في إحراز تقدم ونتائج ملموسَين.

لهذا السبب، يجب على العاملين في قطاع التنمية التفكير في كيفية إنهاء عمل منظماتهم غير الحكومية بقدر ما يفكرون في كيفية بدء هذه المنظمات وإدارتها وتنميتها. وإلا غالباً ستستمر المنظمات غير الحكومية وبرامجها في تخفيف الأعراض السطحية بدلاً من تعزيز الأنظمة الأساسية.

معيار الاستراتيجية والنهج

لم يجبرنا التخطيط لإنهاء عملنا على معالجة المشكلات الجذرية فحسب، بل كان أيضاً دليلاً لنا عند اتخاذ القرارات اليومية المتعلقة بتنفيذ البرنامج، فارضاً على نهجنا المتبع تجنب تقديم خدمات مباشرة (وهي طريقة بسيطة محمِّسة لتحقيق نتائج قصيرة المدى).

إن إنهاء الخدمة النهائي لمنظمة "ووتر شيد" كان دائماً حاضراً في أذهاننا، لذا كان الركيزة والدافع لإجراء عملية مراجعة استراتيجية دقيقة كل ثلاث سنوات. ألزمنا وجود هدف نهائي مدة تحقيقه 10 سنوات بتقسيم العمر الافتراضي للمنظمة إلى مراحل، ووجّه اختيارنا للمقاييس والأساليب المتَّبعة، التي كان توضيحها أسهل في سياق إنهاء خدمتنا. فدون دليل مرشد لن نتمكن من التحقق من سيرنا على المسار الصحيح. وأهداف المنظمات غير الحكومية المعتادة التي تحددها مثل "مساعدة الناس على العيش بكرامة"، و"ضمان تحقيق الأطفال لإمكاناتهم الكاملة"، و"تنمية تأثيرنا" لا تقدم دعماً عملياً وتوجيهياً يذكَر. بل على العكس من ذلك، كان هدف "ووتر شيد" هو تأمين استدامة الخدمات التي تدعم توفير المرافق الصحية الآمنة للجميع بحلول الوقت الذي ستنهي فيه عملها.

كما كان وجود خطة إنهاء الخدمة أشبه بتشييد حاجز يمنعنا من توفير خدمة مباشرة. اعتاد زملائي المزاح حول الطريقة التي علينا فيها أن "ننخرط في ذلك العمل"، ما يعني أنه يجب علينا تقديم المنتجات أو الخدمات مباشرةً إلى المستفيدين وأن نقيس القيمة مقابل المال. "كم سيكون ذلك أسهل!". لكن فريقنا علم أنه علينا دائماً أن نجيب عن سؤالين: كيف سينفَّذ عملنا، ومن سينفذه، بعد زوال منظمة "ووتر شيد".

أهمية مشاركة خطة إنهاء الخدمة

إن استراتيجية إنهاء الخدمة التي يخطَّط لها بشفافية توفر فرصةً لمشاركة الهدف، إذ وجدنا لمشاركة هدف إنهاء الخدمة مع شركائنا أهميةً بالغةً.

لم يأخذنا الكثيرون على محمل الجد عندما أعلنّا لأول مرة عن نيتنا إنهاء "ووتر شيد" بعد فترة محددة، وذلك لأنه يندر أن تخطط المنظمات غير الحكومية طواعيةً لزوالها، والجميع يعلم أن المنظمات غير الحكومية تواصل العمل حتى انقطاع التمويل عنها. كما أن بعض موظفيننا شككوا في ذلك! ظن معظم أصحاب المصلحة والمراقبين في البداية أن خطتنا لإنهاء الخدمة كانت مجازيةً، أو أنها هدف نبيل بعيد الأجل سيبقى مطروحاً دائماً.

تكمن المشكلة في أن أصحاب المصلحة يتوقعون أن المنظمات غير الحكومية تقدم التزاماً غير محدد المدة لأنه نادراً ما تسعى إلى جعل إنهاء الخدمة هدفاً لها. دون نقطة نهاية محددة أو مقياس يشير إلى حلول النهاية، ستبقى المنظمة غير الحكومية محتجزةً ضمنياً في تأدية دور دائم تنفذه باستخدام موارد ترد إليها من الخارج. هذا يسهم في تعزيز فكر التبعية بين الشركاء المحليين. ومن بين المشكلات العديدة التي تنبع عن فكر التبعية هذا، الحقيقة الحتمية المتمثلة في أن التمويل الخارجي غير مستدام على الإطلاق.

عندما استوعب شركاؤنا أننا سننهي خدماتنا فعلاً عند حلول الوقت المحدد، فقد غيّر ذلك فوراً وبشكل ملحوظ نظرتهم إلى أدوار كل منا. لأن ذلك أجبرهم (وأجبرنا) على التفكير في طريقة إنجاز الأمور بعد زوال المنظمة على المدى الطويل. أثار هذا التحول البسيط عقليةً جديدةً بالغة القوة أعتقد أنها ضرورية لتحقيق تنمية ناجحة: التركيز على الاستدامة. من دونها، سنؤجل الجوانب الصعبة إلى الأبد (من يجب أن يدفع، ومن يجب أن ينفذ العمل، ومن يجب أن يقوده على المدى الطويل)، على الرغم من الكلام المعسول عن الالتزام بالاستدامة.

انطباعات أصحاب المصلحة

لقد واجهنا العديد من ردود الفعل على مر السنين، لكن رد فعل الشركاء إما سيُنجِح عملية إنهاء الخدمة أو سيفسدها، وسيحدد في النهاية استدامة الأثر على المدى الطويل.

بالنسبة للشركاء من القطاع الخاص، قدمت "ووتر شيد" بيانات السوق والتدريب والتوجيه الفني والدعم العام لتنمية الأعمال حتى تنخرط الشركات المحلية في قطاع المرافق الصحية. عدَّ العديد من الشركات أن إنهاء خدمة "ووتر شيد" خطراً لأنه يعني إنهاء دعمها. لكن إحدى المبادرات التي ساعدت في إدارة تلك المخاطر المتصوَّرة – وحتى تحويلها إلى أمر إيجابي – كانت خطة "الخروج"، التي شاركنا فيها علناً خطة إنهاء خدماتنا إلى جانب مقاييس استمرار المؤسسة حتى تتمكن الشركات الشريكة من مراقبة مستوى إنجازها في تحضيرها للخروج. احتفل النظراء الحكوميون بمؤسسات المرافق الصحية الريفية الناجحة بإقامة مراسم واحتفال مبهر لإنجازاتها و"خرجت" من دعم المنظمات غير الحكومية.

بالنسبة للحكومة، من الصعب تلخيص ردود أفعال الحكومات المحلية والبلدية والوطنية، لكن جميعها تشاركت في قلقها من أن إنهاء خدماتنا سيرافقه انخفاض الموارد المتدفقة إلى كمبوديا. لتبديد هذا القلق بشكل استباقي، سعينا إلى إيجاد حلفاء في كل مستوى من المستويات الحكومية يستطيعون تأييد منظور لا يركز على الموارد. بدأ البعض في النظر إلى إنهاء منظمة "ووتر شيد" لخدماتها على أنه مرتبط باستقلال كمبوديا وإحساسها بالفخر الوطني. عندما أعرب مسؤول كبير عن قلقه حول إنهاء منظمة "ووتر شيد" لخدماتها في اجتماع حكومة المقاطعة في عام 2019، رد نائب حاكم المقاطعة بحزم: "لسنا أطفالاً، نستطيع تولي زمام الأمور الآن". كان هؤلاء القادة السياسيون أكثر عدداً مما تخيلته في البداية.

أما بالنسبة للممولين، لاحظنا انقسام الممولين المحتَملين: إما ارتأوا أن مفهوم إنهاء الخدمة "لا يتناسب مع الوضع الحالي"، أو وجدوا أنه مثير للاهتمام. كان الممولون الذين ينتمون إلى الفئة الثانية أكثر ندرةً.

دون معرفة الدوافع الحقيقية للمجموعة الأولى، أتوقع أنها خلطت بين استدامة المنظمة واستدامة الأثر. لقد هنؤونا على هدفنا النبيل المتمثل في إنهاء خدمتنا، بعبارات مكررة معتادة تبدو لطيفةً من الناحية النظرية، لكنهم أعربوا عن قلقهم حول الاستثمار في منظمة ستغلق أبوابها قريباً، ووصفوها كما لو أنها مضيعة للمال.

قد يُعزى ذلك أن هؤلاء الممولين يفتقرون إلى الخبرة في مجال تمويل تغيير الأنظمة، وذلك لأنهم ركزوا عوضاً عن ذلك على تمويل النتائج. كانوا يميلون إلى النظر إلى الحاصلين على المنح بأنهم أساساً آلات لتوليد نتائج مثل "عدد الأشخاص الذين يحصلون على المياه النظيفة". مع أنهم يقدمون جزءاً من رأس المال لبناء هذه الآلات وصيانتها (مثل النفقات العامة)، إلا أنهم يتوقعون أن تستثمَر معظم الأموال كوقود لتحقيق النتائج المرجوة. لذلك كان التركيز على الكفاءة، مقاسةً بالقيمة مقابل المال ونسب النفقات العامة. لذا وفق هذا المنظور، لم تكن "ووتر شيد" تعرض أن تكون آلةً حتى. لم تكن تعِد إلا بأن تكون طريقاً مسدوداً.

كان على الممولين الذين دعموا "ووتر شيد" المجازفة في دعم منظمة غير حكومية ستنهي خدماتها أكثر من مجازفتها بتمويل آلة إنتاج يمكن التنبؤ بنتائج عملها. كانوا يميلون إلى أن يكونوا محترفين مخضرمين في مجال التنمية الذين رأوا مزالق الإعانة التقليدية بأنفسهم، ودرسوا برنامجنا وسياق عملنا عن كثب. لقد نظروا إلى خطة إنهاء خدماتنا بأنها الخاتمة المنطقية لبرنامجنا، وعلامة أننا نركز تركيزاً شديداً على تنفيذ مهمتنا بدلاً من أن نبحث دائماً عن مجالات عمل جديدة. ولم ينتظر هؤلاء المانحون التقدير من أحد في جميع الأحوال. بل في الواقع، كانت حاجة المتبرع إلى إعلان أو لافتة لشكره دليلاً على عدم توافقه مع المنظمة، على الأقل لأن عملنا على تعزيز النظام لم يولّد الكثير من النتائج التي يمكن ذكرها في لافتة شكر.

لم يكن تأسيس "ووتر شيد" كمؤسسة أحد أهدافنا أبداً. يعتقد العديد من قادة المنظمات غير الحكومية أن تحديد نقاط نهاية مهم للارتقاء بمصداقيتهم المؤسَّسية وقدرتهم التنظيمية، وكل ذلك في سبيل تحقيق فعالية أكبر. قد تلائم أهداف تأسيس المنظمات هذه مجموعات معينة، على سبيل المثال، يمكن لمنظمات المجتمع المدني الممولة محلياً (CSOs) أن تبرر الاستثمار في نفسها كمؤسَّسات (دون تحديد خطة إنهاء الخدمة) إذا استمرت بناءً على طلب الفئات المستهدفة المحلية وكانت ممولةً محلياً. لكن المنظمات غير الحكومية الدولية الممولة بمعونة أجنبية ليست منظمات مجتمع مدني محلية. أنا مقتنع بأن التنمية ستكون أقوى إذا استمِدَّت القدرة التنظيمية من الأفكار أكثر من الميزانية. يستطيع المانحون المساعدة في قيادة هذا التغيير.

بالنسبة لموظفي منظمة "ووتر شيد"، فإن إدراكهم أن مدة توليهم الوظيفة محدد بإطار زمني من شأنه أن يثير قلقهم بلا شك. ففي النهاية ستختفي وظائفنا. باستثناء أقلية من الذين وجدوا هذا أمراً جذاباً، كان لابد من إقناع الغالبية المتبقية بأن إنهاء الخدمة الناجح كان إنجازاً نادراً يجب أن نفخر به جميعنا. أبلى فريق الموارد البشرية في منظمة "ووتر شيد" بلاءً حسناً في دعم الموظفين دعماً فعالاً في تخطيطهم لحياتهم المهنية. فقد قدموا لهم تدريباً في كتابة السيرة الذاتية وإجراء مقابلات العمل وتوسطوا في إقامة علاقات مع شركات ومؤسَّسات أخرى يمكن أن تستفيد من موهبة وخبرة موظفيننا. وتجدر الإشارة إلى أن عدة موظفين أصبحوا رواد أعمال، أو موظفين حكوميين (حتى أن بعضهم عملوا في برامج سلمتها "ووتر شيد" للحكومة)، ومن أسباب تعيين بعضهم صراحةً خبرتهم التي اكتسبوها من المساهمة في إجراءات إنهاء خدمة منظمة غير حكومية بنجاح، ويعود بعض الفضل في كل ذلك إلى الخبرة التي اكتسبوها خلال عملهم في "ووتر شيد". 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!