
أن تكون من القادة الفعالين عبر القطاعات، يتطلب مجموعةً من المهارات المبنية حول ثلاثة مجالات واسعة: بناء الفرق، وحل المشاكل، وتحقيق التأثير. هذا هو المقال الثاني من سلسلة المهارات التسع للقادة، للاطلاع على المقال الأول؛ اقرأ: مهارات القادة الرئيسية عبر القطاعات.
معالجة المشكلات
كان الصليب الأحمر الأميركي قبل عدة سنوات، يعدّ برنامج «تهيئة لوس أنجلوس» الجديد، لوضع استراتيجية لتهيئة منطقة لوس أنجلوس لمواجهة الكارثة الضخمة القادمة. في بادئ الأمر؛ تناول المشكلة من وجهة نظر داخلية؛ وذلك بتحديد عدد الأسِرّة والبطانيات وغيرها من موارد الصليب الأحمر التي كان من الضروري أن تتوفّر ضمن المنطقة؛ لكن بقيادة زميلنا في «بريزيدو إنستيتيوت» «جاريت باريوس» في عام 2014؛ حوّل قادة الصليب الأحمر تعاملهم مع المشكلة من مفهوم التركيز الداخلي إلى التركيز على المجتمع؛ وذلك بالبحث عن أفضل السبل لتهيئة المجتمعات المحلية الأشد احتياجاً لمواجهة الكارثة الضخمة التالية، ولتحديد المشكلة بشكل أوضح والتوصّل إلى استراتيجية للعمل؛ استعان الصليب الأحمر بالمهارات الأساسية الثلاث في نهج القيادة عبر القطاعات لحل المشاكل؛ وهي: فهم التأثير على الناس، واتباع نهج النظم، وجمع البيانات.
بدأ فريق الصليب الأحمر بتحليل البيانات الصحية العامة المفصّلة من المراكز الأميركية لـ «مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC) في مقاطعة لوس أنجلوس، وتحديد الأحياء الأكثر عرضةً للخطر بناءً على عوامل اجتماعية مثل الفقر والعِرق ونوع الإقامة؛ حيث افترض «جاريت» أن المناطق الأشد تأثراً بالأزمات الصحية العامة يُرجَّح أن تكون أيضاً الأكثر عرضةً لخطر كارثة طبيعية، وتمكّن فريق الصليب الأحمر من التحقّق من صحة هذا الافتراض من البيانات التي بحوزته، وبالرغم من أن الخرائط الديموغرافية (السكانية) لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها لا تساعد في التنبّؤ بمواقع الكوارث (فالتسييل لا يفرّق بين الأحياء الفقيرة والغنية)؛ إلا أنها كانت تساعد في التنبؤ بالأحياء الأكثر عرضةً للخطر في كثير من الأحيان (حيث كان تجديد أقدم المنازل في أفقر الأحياء احتمالاً بعيداً)، فحتى الحرائق الفردية في منازل الأسَر والتي ساعد الصليب الأحمر في مكافحتها، طابقت الخريطة الصحية العامة لـ «مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها» للأحياء الأكثر عرضةً للخطر.
وبعد أن قدّمت البيانات مؤشِّراً إلى أكثر المناطق الجغرافية المثيرة للقلق، حلّل الصليب الأحمر أنظمة الدعم المتاحة لتلك المجتمعات الهشّة، وحصر الأصول الرئيسية لتلك المجتمعات والتحديات التي تواجهها (متضمّنةً متطلّبات النقل العام والمستشفيات)، بالإضافة إلى تحديد قادة المجتمع الرئيسيين، وموارد النظام التي سيحتاجون إلى توظيفها لمواجهة التحدي المتمثِّل بكارثة محلية.
وأخيراً؛ شكّل فريق «جاريت» تحالفات قيادة مجتمعية، مؤلَّفة من قادة محليين وأصحاب النفوذ من العامة؛ والذين كان وجودهم ضرورياً لنشر خبر التأهُّب. حتى تاريخ كتابة المقال؛ شكَل الصليب الأحمر في لوس أنجلوس عشر تحالفات، ولديه خمس تحالفات أخرى تعمل الآن في بعض المجتمعات الأكثر عرضةً للخطر؛ مما يوفر مجموعةً من الممارَسات والموارد للتعلم المشترَك. ترتبط هذه المجتمعات بالصليب الأحمر، والأصول مفهومة ويمكن نشرها، وهي تحقق بالفعل فوائد في المجتمعات المحلية، على سبيل المثال؛ قام التحالف في شرق لوس أنجلوس بتعيين وتدريب 20 شخصاً لتدريب «فريق الاستجابة للطوارئ المجتمعية» (CERT)، وقدّم أول التدريبات لهذا الفريق في المنطقة باللغة الإسبانية، ليضمنوا وجود قادة محليين مدرَّبين ومشارِكين إذا وعندما تستدعي الحاجة للبحث وتوفّر إمكانيات الإنقاذ.
بالاستعانة بالبيانات وتحديد النظام وبناء العلاقات مع القادة المجتمعيين المحليين؛ حقق الصليب الأحمر أكثر من مجرَّد تنظيم موارده، فهو حشد المجتمعات المحلية الأكثر عرضةً للخطر ليكونوا أكثر استعداداً، ويتصرفوا بمرونة أكبر عندما تحلّ الكارثة.
تحديد المشاكل وعلاجها بطريقة صحيحة يتطلّب التحلّي بالمهارات الأساسية الثلاث التالية:
-
فهم التأثيرات المنعكِسة على الأشخاص
إن المصاعب الاجتماعية خصوصية بقدر ما هي عامة؛ حيث ينبغي أن يركز التخطيط على فهم احتياجات المستخدِمين، وإزالة الصعوبات التي يواجهونها على المستوى الشخصي أو العائلي، وحتى على مستوى الأنظمة، فمن الضروري في المجتمعات إشراك الأفراد المتأثرين مباشرةً بالمشكلة؛ حيث يمكن لتجربتهم أن تكشف عن صعوبات أخرى في مراحلها الأولية، وحلول لم تخطر على بال الخبراء، فإن إشراك المستفيدين في التخطيط يجعلهم مسؤولين عن تطبيق الحلول التي تتطلّب تقبُّلاً مجتمعياً لذلك، ويحسّن من القدرة على تحديد المشاكل وإيجاد الحلول، ويُشرِك مصدراً لم تُستغَل قدراته من رأس المال البشري في التنفيذ.
الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها:
- كيف يمكننا فهم المشكلة من خلال فهم تجارب الأفراد الذين تؤثر عليهم مباشرَةً؟
- كيف يمكننا مساعدة الأفراد والمؤسَّسات على إدراك الطريقة التي يساهمون بها في مفاقَمة المشكلة؟
- كيف يمكننا إشراك الأفراد المتأثرين بالمشكلة مباشرةً بحيث يشاركون في التخطيط ليحددوا الحلول المناسِبة ويطبقونها؟
اقرأ أيضاً: فوائد الاستكشاف الذاتي لقادة التغيير الاجتماعي
-
اتباع نهج النظم
صُمِّمت الأنظمة بدقة لتحقيق النتائج التي تحرزها بالفعل؛ لكن للحصول نتائج مختلفة منها، يجب أن يُفصِّل القادة النظام بالكامل، ويدركوا أين تتفاعل محاوره المختلفة؛ من خلال فهم النظام الذي ينتج عن تطبيقه نتائج غير مرغوبة، ثم يمكن للمتعاونين تعديل المعطيات، أو إعادة صياغة النظام، أو تنشيط شبكات علاقاتهم لتحقيق النتائج المرجوة.
الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها:
- كيف نساعد بعضنا لنفهم النظام، ونفهم مساهماتنا في هذا النظام، ونحدِّد أصحاب المصلحة في النظام الذين يتوجَّب أن يكونوا ضمنه؟
- كيف نتيح لجميع المتعاونين أن يتخلَّوا عن أسلوب التفكير المؤسَّسي أو الفردي، ويبدؤوا بالتفكير وفق نهج النظم؟
- كيف ندرس النظام لنعرف آلية حصولنا على النتائج الحالية، ما هي نقاط التأثير الرئيسية، وما هي التعديلات التي سينتج عنها نتائج مختلفة؟
-
تحديد النتائج واستخدام البيانات
يجب أن تكون المساعي التعاونية واضحةً بشأن ما تحاول حله، وطريقة قياسها للنجاح في تحقيق تلك الأهداف الجماعية، وكيف ستوجِّه هذه البيانات عملية اتخاذ القرار في المستقبل؛ إن التوصُّل إلى الوضوح حول النتيجة المرجوّة المشترَكة يمكّن المتعاونين من العمل في تناغم، حتى إذا اختلَفت دوافعهم واستراتيجياتهم.
الأسئلة الرئيسية التي يجب طرحها:
- كيف نساعد أي مسعى عبر القطاعات على تحديد نتائجه المرجوّة، والمؤشِّرات المبكّرة؟
- كيف نستخدم البيانات النوعية والكمّية لتوجيه عملية اتخاذ القرار؟
للاطلاع على الجزء الثالث والأخير من السلسلة؛ اقرأ: مهارات القادة: إحداث الأثر.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.