
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "تسليط الضوء على النتائج المشتركة لبرامج الأثر الاجتماعي الناجحة" والتي سنتحدث فيها عن نظام الأجر بالإنتاج وكيفية إيجاد مساحة مشتركة بين السياسة والناس.
زيادة التركيز على النتائج الملموسة التي تكون ثمرة عمل مشترك، تساهم في بناء الثقة بين الشركاء في القطاعات العام والخاص والاجتماعي، وبالتالي تحسن فعالية العقود القائمة على النتائج، والبرامج الاجتماعية التي تطلقها تلك العقود.
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012، ورد في مقال في صحيفة "ذا تيليغراف" (The Telegraph) أن برنامج الحكومة البريطانية الرائد "الإعانة الاجتماعية مقابل العمل" (welfare-to-work) كان "أسوأ من عدم اتخاذ أي خطوة على الإطلاق". وفي مايو/أيار من عام 2016، نشرت صحيفة "الإندبندنت" (Independent) عنواناً رئيسياً آخر لتزعج الحكومة: "الرقابة تنتقد خصخصة الحكومة لدائرة المراقبة". وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، أصدرت شبكة "بي بي سي نيوز" (BBC News) التلفزيونية تقريراً عن المحاولة "لتغيير حياة" الأسر التي تعاني من صعوبات: "يقول أعضاء البرلمان: كان ادعاء الحكومة بتغيير حياة الأسر المضطربة في إنجلترا هو أمر مضلل".
نظام الأجر بالإنتاج
ما هو القاسم المشترك بين هذه العناوين الثلاثة البغيضة؟ الإجابة واضحة تماماً: لقد استخدمت البرامج الحكومية الثلاثة التي أشير إليها نظام الأجر بالإنتاج؛ وهو أحد أشكال التعاقد القائم على النتائج المرادف بشكل كبير لمفهوم الدفع مقابل النجاح أو التمويل القائم على النتائج. فبدلاً من الدفع مقدماً لوكالات تقديم الخدمات المحلية ومقدمي الخدمات من القطاع الخاص، وافقت الحكومة على دفع المتأخرات جزئياً على الأقل، ليس حسب خدمات محددة ولكن على أساس النتائج التي حققها المشاركون في البرنامج.
وقد انحسرت لاحقاً منشورات الصفحات الأولى في الصحف عن نظام الأجر بالإنتاج، على عكس حماس حكومة المملكة المتحدة حوله. أنهي برنامج معاودة الإجرام الذي ذكرناه في المقطع السابق في عام 2020، لكن البرنامجين الآخرين ما زالا قائمين، لكن أعيدت تسميتهما وتطورا كثيراً.
كما تواصل البرامج المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتلك البرامج في الازدهار. لنأخذ كمثال "سندات الأثر" (أو "عقود النواتج الاجتماعية") التي تضيف طرفاً ثالثاً هو مستثمر اجتماعي يوفر رأس مال منطوي على المخاطر والذي سيخسر إذا لم تتحقق النتائج المرجوة. إن مجموعة البيانات التي جمعتها الشبكة الدولية لبيانات الأثر والنواتج الحكومية (INDIGO)، التي تقودها مجموعتنا البحثية، تُظهر أن سندات الأثر تواصل الانطلاق بوتيرة سريعة في جميع أنحاء العالم، بإجمالي يصل إلى 206 حتى الآن.
إن النظر إلى المخاطر السياسية ومخاطر الإساءة للسمعة الواضحة للحكومات عند استخدامها هذه الآليات، جعلنا نتساءل ما تفسير مواصلة اهتمام الحكومات بها؟ هل هذه الآليات قضية خاسرة؟ أم هل تساهم – بعد تعديلها – في بناء اقتصاد اجتماعي قوي يدعم الناس والكوكب بشكل أفضل؟
إيجاد مساحة مشتركة بين السياسة والناس
جربت الحكومات منذ فترة طويلة عدة وسائل للتأثير على ما يحدث في المساحة بين الهدف السياسي (مثل تخفيض معدل البطالة أو معاودة الإجرام، أو تحسين الرعاية الحكومية للأطفال) والتجربة الحية للأشخاص الذين تستهدفهم هذه السياسة. فكما أشار الباحثان ريك فان بيركل وفاندو بورغي في مقال نُشِر في عام 2007، فإن شبكة من الأشخاص والمؤسسات التي تربط واضعي السياسات والعاملين في الخطوط الأمامية، تتخذ العديد من القرارات الحاسمة، ومن بينها: ما هي المبادئ التي ستوجه عملية تقديم الخدمات؟ ما هو مدى حرية التصرف الممنوحة للعاملين في الخطوط الأمامية؟ ما هو الدور الذي سيؤديه المستفيدون من الخدمات؟ كيف سيحاسب النظام مقدمي الخدمة؟ كيف سيوجه النظام سلوك مقدمي الخدمة والعاملين في الخطوط الأمامية والمستفيدين من الخدمات؟
كان النموذج التقليدي الحكومي في فترة ما بعد الحرب مبيناً على القواعد وكان بيروقراطياً وقائماً على التراتبية الهرمية، إذ كانت الحكومة صاحبة القرار في هذه الجوانب والمتحكمة بها من من القمة إلى القاعدة. ومع مضي القرن العشرين، صدِئت هذه الأساليب تدريجياً في البلدان المتقدمة، وتبنت الحكومات بدلاً منها خطط وأهداف أداء حوكمة الشركات، لتنشأ الإدارة العامة الجديدة. بدأت الحكومات منذ الثمانينيات الاستعانة بالشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية بشكل متزايد لتقديم الخدمات العامة؛ ونتيجة لذلك اكتظت المساحة بين السياسة وتقديم الخدمات الآن بمجموعة واسعة من المؤسسات.
غالباً ما أدت هذه الخطوة التي تعمدت الحكومات اتخاذها لإنهاء احتكارها لتقديم الخدمات العامة إلى حالة تكون فيها الحكومة العميل الوحيد (بالنيابة عن المستفيدين من الخدمة)، بدلاً من أن تكون المزود الوحيد للخدمة.
أدى ذلك في كثير من الحالات إلى تنافس شديد لتخفيض الأسعار، نتيجة محاولة مقدمي الخدمة التنافس على السعر. لا يشكّل هذا مادة غنية للعناوين الرئيسية المضرة فحسب، بل يمنع أيضاً مقدمي الخدمات من أن يحققوا أرباحاً ويؤثر على احتمال استمراريتهم حتى، ويجعل الخدمات التي ينتجونها غالباً رديئة الجودة. فمثلاً دفع برنامج معاودة الإجرام الذي سبق ذكره كبرى الشركات الموفرة للخدمات إلى حافة الهاوية، إلى جانب الجمعيات الخيرية المهمشة والمستبعدة التي تملك عشرات السنين من الخبرة في إشراك الجناة السابقين، ولم يحقق النتيجة الاجتماعية المرجوة المتمثلة في تخفيض معدل معاودة الإجرام. وفوق هذا كله، كلف دافعي الضرائب حوالي 500 مليون جنيه إسترليني (حوالي 709 مليون دولار) لإنهاء البرنامج مبكراً.
لطالما كان هذا النموذج الشبيه بالسوق للخدمات العامة يشابه محاكم العصور الوسطى، إذ يتدافع تيار لا متناهٍ من رجال الحاشية الغيورين لتنحية بعضهم، ليحظى أحدهم برضا الملك صاحب السلطة الأعلى، الذي لا يملك ما يكفي من الامتيازات للجميع. ربما من الأفضل استبدال ذلك النموذج بنموذج خلية النحل؛ وهو عبارة عن بيئة حيوية ومنتجة يسود فيها التواصل والتعاون. على الرغم من أن حوكمة الشبكة لا تزال نظرية أكثر من حقيقيةً، فإن تحقيقها قد يكون ممكناً، وإن حوكمة الشبكة هي التوفير المنسق للخدمات الاجتماعية من خلال مقدمي خدمات ووكالات متعددة ومترابطة، مستعينة بعلاقات مبنية على الثقة. فبدلاً مما يسمى بـ "الأهداف والذعر" للإدارة العامة الجديدة، التي يؤنّب فيها أصحاب السلطة مقدمي الخدمات على الأداء الضعيف الملموس، تفضّل حوكمة الشبكة التعاون والاعتماد المشترك والمسؤولية المشتركة ومشاطرة صنع القرار بين المؤسسات.
يكمن التحدي في إيجاد طريقة لتطبيق حوكمة الشبكة، وهنا تبرز الشراكات كأداة أساسية. تلجأ المؤسسات أحياناً إلى "إقامة شراكة" كأداة بلاغية نبيهة، إذ تضيف هذه الكلمة صبغة إيجابية إلى العمليات الإجرائية التي قد لا يرحّب بها لولاها (مثل الخصخصة)، ولا تجعل العلاقات تبدو مبنية على التعاملات التجارية فقط كما كانت فعلاً (كما هي الحال ضمن سلاسل التوريد مثلاً). لكن الشراكات الحقيقية تبدو مختلفة بشكل ملحوظ عن ذلك: إذ تدمج المؤسسات المشاركة أعمالها بناء على استراتيجية متماسكة مصممة لتحقيق مجموعة مشتركة من الأهداف.
وكحال أي نوع من أنواع التعاون، إن إيجاد مساحة مشتركة بين السياسة والناس يحتاج إلى الشراكات الحقيقية وهو ما يترافق مع اختلال توازن القوى، لكن ما يميزها أن المؤسسات الأكثر نفوذاً تسخر نفوذها لدفع المسعى التعاوني لتحقيق التقدم، ولا تستغله كوسيلة للسيطرة. وكما قال بيتر شيرغولد، الرئيس السابق للخدمة المدنية الأسترالية والمستشار الحالي لجامعة "ويسترن سيدني" (Western Sydney University)، فإن هذا يعني أن الموظفين الحكوميين "يتنازلون عن بسط سيطرتهم ببساطة لتحقيق تشعب التأثير".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.