كيف تساعد أداة جديدة الشركات في تقييم التزاماتها البيئية والاجتماعية ذاتياً؟

5 دقائق
الممارسات المستدامة
shutterstock.com/William Potter

على الرغم من بدء العمل على الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في بعض الشركات داخل الإمارات ومنطقة الخليج؛ لكن لا يزال أمامها مجال للنمو واستخدام مواردها بطريقة أفضل، ولم تزل بحاجة إلى تبني الممارسات المستدامة وتعزيز التطبيق الكامل لأفضل المعايير العالمية للحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية. تطبيق هذه المعايير يحتاج إلى طريقة قياس وتتبع دقيقة يمكن أن تناسب الشركات على اختلاف أحجامها وأهدافها.

 

وهذا بالضبط ما عملت مجموعة عمل التمويل المستدام التابعة لمركز دبي المالي العالمي على تصميمه مُصدِرةً قبل أيام أداة تقييم ذاتي تتيح للشركات على اختلاف أحجامها قياس مستويات التزامها بتبني معايير الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية فمما تتكون هذه الأداة؟ وما الفائدة التي تقدمها؟ وكيف يمكن تطبيقها؟ وما موقعها في سياق جهود أخرى مثل دليل إعداد تقارير حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية والبيئية الذي أصدره سوق دبي المالي عام 2019 لمساعدة الشركات المدرجة في تحسين إعداد هذه التقارير، ودليلي الإصدار والاستثمار المستدام اللذين أعدتهما مجموعة عمل التمويل المستدام من أجل إصدار منتجات مالية تلبي متطلبات الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية.

إدارة المخاطر وتحفيز الأرباح

في ظل المسار التصاعدي المتسارع لمبادرات الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية؛ تساعد أداة التقييم الجديدة الشركات في:

  • بناء خارطة طريق واضحة وواقعية بما يعزز تطبيق الممارسات المستدامة.
  • تعزيز مصداقية مبادراتها المستدامة وثقة أصحاب المصلحة والأطراف المعنية الأخرى.
  • إدارة المخاطر بفاعلية.
  • تحفيز الأرباح وتحقيق وفورات في التكلفة.
  • تعزيز التنافسية وتوسيع نطاق مساهمة القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.

لتحقيق هذه الفوائد؛ صُممت الأداة بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ومعايير المبادرة العالمية لإعداد التقارير (Global Reporting Initiative. GRI)، وبالاستفادة من تجارب شركات ومؤسسات كبرى مثل إينوك وأرامكس، وبنك دبي الإسلامي وسوق دبي المالي، في تجاوز العقبات التي تعترض تبني أفضل الممارسات المستدامة.

وتعد معايير الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية مكونات مترابطة ومتداخلة مع بعضها البعض ولا يمكن التعامل مع كل منها على حدة؛ لذا ركزت الأداة على مبدأ الإشراف المؤسسي لتحقيق قيم مشتركة في الشركة على جميع المستويات، بما يصب في خدمة الأفراد والبيئة وتعزيز الربحية، وعملت على قياس دور المسؤولين التنفيذيين وإدارة الموارد البشرية والموظفين والمستثمرين وأصحاب المصلحة في تحديد التزامات الاستدامة، إذ يعتقد 62% من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الخليج أن الإشراف المؤسسي ركيزة أساسية في توجيه قراراتهم ومبادراتهم حول مبادرات المسؤولية المجتمعية والحوكمة.

تقييم ذاتي من 5 مستويات

تتسم أداة التقييم الجديدة بسهولة الاستخدام؛ إذ تتيح للشركات إمكانية رصد مدى التزامها بمعايير الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، وعند استكمال التقييم، يُقاس أداء الشركات عبر 5 مستويات، ثم تساعدها في إجراء محادثات استراتيجية حول سبل تعزيز التزامها بهذه الممارسات، وبالتالي تسريع جهودها لتحقيق الاستدامة وخلق تأثير إيجابي في البيئة والمستثمرين والعملاء والموظفين.

تحدد الإجابة عن أسئلة التقييم أي من مستويات النضج الخمسة التي تتطابق مع ممارسات الحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية في كل شركة، إذ يمثل المستويان الأول والثاني النقطة التي تطور فيها نظام الممارسات المستدامة، فيما يعني المستوى الثالث أن لدى الشركة نظام مطبق لمعالجة الأسئلة الخاصة بتقييم الركائز الثلاث للممارسات المستدامة، أما المستويان الرابع والخامس فيعكسان مدى تحسين النظام للتحرك نحو الممارسات الأفضل داخل الشركة، على سبيل المثال، في مجال الممارسات البيئية يطرح التقييم سؤال: هل لديك سياسة بيئية؟ والخيارات المتاحة للإجابة عنه هي:

  • المستوى الأول: لا توجد سياسة بيئية ولكن هناك نية لتطوير واحدة.
  • المستوى الثاني: توجد مسودة سياسة بيئية وهي في طور المراجعة.
  • المستوى الثالث: تم تطوير سياسة بيئية وإصدارها وإتاحتها للوصول إليها.
  • المستوى الرابع: توجد سياسة بيئية ووافق عليها رئيس مجلس الإدارة، وتمت مشاركتها على مستوى الشركة ككل.
  • المستوى الخامس: توجد سياسة بيئية ووافق عليها رئيس مجلس الإدارة وتم مشاركتها على مستوى الشركة ككل، وجميع أصحاب المصلحة الذين يشاركون في تقديم المدخلات من أجل التحسينات المستمرة.

الركائز الثلاث للممارسات المستدامة

ارتكزت أسئلة التقييم على النهجين الكمي والنوعي، وطُورت من خلال قوائم مراجعة من ثلاثة أجزاء:

1. البيئة: أمام تحديات التغير المناخي بات من الضروري اعتماد الطاقة المتجددة وتقليل البصمة الكربونية للشركات والحد من النفايات وهدر الموارد الطبيعية، لذا ركز التقييم من خلال 24 سؤال على رصد ممارسات الاستدامة البيئية، لتحديد ما إذا كان السياسة البيئية للشركة تتضمن أهدافاً لتقليل انبعاثات الكربون من مثل توليد الطاقة، والتحرك نحو الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة الطاقة، وما إذا استثمرت في أي مشاريع طاقة متجددة لعملياتها التجارية لتقليل انبعاثات الكربون.

كما ركز التقييم على معرفة الطرق المفضلة لإجراء تقييمات المخاطر لتحديد المخاطر المرتبطة بالتأثيرات البيئية المحلية والعالمية وتقييمها ومعالجتها بطريقة فعالة، وأيضاً، مدى توفر الموارد اللازمة لإدارة القضايا البيئية، ووجود أنظمة للتحكم في المخاطر البيئية ورصد فاعليتها، وأنظمة لتحديد النفايات وتصنيفها وإدارتها وتقليلها، وكذلك معرفة مدى تتبع الشركة لاستهلاكها من المياه والكهرباء، ووجود عملية للتأكد من تمتع الموظفين بكفاءة بيئية كافية.

2. المجتمع: خلقت جائحة كوفيد-19 الحاجة للاهتمام تغيرات في بيئة العمل لتصبح أكثر إيجابية ومرونة لمساعدة الموظفين في الحفاظ على صحتهم العقلية والنفسية، وتلبية تطلعاتهم المهنية؛ إذ أوضح استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) عام 2021، أن 57% من المشاركين استقالوا لعدم شعورهم بالاحترام والتقدير داخل العمل، ويعزز دعم الجوانب الاجتماعية أيضاً أرباح الشركة، إذ وجدت دراسة أجرتها شركة استشارات الموارد البشرية أيون هيويت (Aon Hewitt) عام 2017 أن زيادة التزام الموظفين تجاه الشركة بنسبة 5% أدى إلى زيادة الإيرادات 3%.

والمسألة لا تتعلق ببيئة العمل الداخلية فقط، وإنما بارتباط الشركة بالمجتمع والقدرة على تلبية احتياجاته، وغطى التقييم هذه الجوانب الاجتماعية من خلال 23 سؤال حول كيفية تأسيس شبكة العلاقات مع المجتمع المحلي وطبيعة العلاقة مع أصحاب المصلحة والعملاء، وتحديد ما إذا كان لدى الشركة استراتيجيات وإجراءات خاصة بالقوى العاملة للامتثال لممارسات التوظيف ومدى مراعاتها لقوانين الحد الأدنى للأجور، وامتثالها لمعايير العمل، وكذلك معرفة إذا ما كانت الشركة تتبع سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركات، وسياسة التنوع بين الجنسين.

3. الحوكمة: يزداد وعي مجتمع الأعمال في الإمارات ودول الخليج بأهمية الحوكمة لمواكبة اتجاهات الاستدامة عالمياً، إذ كشف استطلاع رأي أعدته شبكة الخدمات المهنية برايس ووتر هاوس كوبرز (Price water house Coopers) أن 46% من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط يعتزمون زيادة حجم استثماراتهم في مبادرات الاستدامة والحوكمة البيئية والمُجتمعية والمؤسسية على مدار السنوات الثلاث المقبلة في إطار استراتيجياتهم لما بعد الجائحة.

وتناول التقييم ركيزة الحوكمة من خلال 9 أسئلة حول وجود آليات لتوثيق توقعات أصحاب المصلحة والعملاء ومخاوفهم وتقييمها ومعالجتها، والمعايير المستخدمة لتقييم الامتثال القانوني لمنشأة التصنيع التي تنوي الشركة التعامل معها مقابل المتطلبات البيئية والاجتماعية وجودة الإنتاج، وكذلك اتباع سياسة لمعالجة تضارب المصالح، ومكافحة الرشوة والفساد.

تفسير نتائج تقييم الممارسات المستدامة

عندما تحدد الشركة مستوى الانخراط في تنفيذ التزاماتها البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالحوكمة حسب الأسئلة المحددة بأداة التقييم تحصل مباشرةً على نتيجة تضعها في أحد المستويات الخمسة القائمة في أداة التقييم وتكشف مدى تقدمها في تحقيق تلك الالتزامات.

إذا وجدت الشركة أن نتائجها تضعها في المستوى الأول من النضج في الالتزام بالممارسات المستدامة، فهذا يشير إلى عدم اتساق الإدارة والاستخدام غير السليم للأصول، والاعتماد على الجهد الفردي، ومن ثم الحاجة إلى خلق الوعي وتحفيز الأشخاص للتغلب على المشاكل وإنجاز المهمة.

وإذا وجدت الشركة أن نتائجها تضعها في المستوى الثاني من التقييم؛ فيعني ذلك محدودية الدور والمسؤولية في الشركة، ما يستدعي إنشاء إدارة وحدة عمل منضبطة لتحقيق الاستقرار في العمل والتحكم في الالتزامات من خلال خلق بيئة عمل أفضل، وترسيخ أسس التدريب الصحيح ومنهجية الاتصال المناسبة.

إذا أظهرت النتائج أن الشركة تنتمي للمستوى الثالث، فهذا يعكس التزامها بإدارة الكفاءات ونمو الإنتاجية والتشغيل الآلي الفعال، والمقاييس المتوافقة مع استراتيجية وأهداف العمل، لكنها بحاجة لإنشاء عملية تشغيل قياسية ومقاييس للمنتجات وعروض الخدمات، ودمج الأتمتة الفعّالة لزيادة الإنتاجية وتعزيز ثقافة العمل التعاوني.

بالمقابل، تحتاج الشركات التي تندرج تحت المستوى الرابع إلى إدارة كفاءة العمليات والأشخاص والأصول بفاعلية وبما يتوافق مع الحقائق والأرقام، أما التي تدخل ضمن المستوى الخامس، فقد وصلت إلى مستوى عالٍ من النضج القائم على إدارة التغيير والابتكار الدائم، لكنها مطالبة أيضاً بتنفيذ التحسينات المستمرة لعمليات الاستدامة المبتكرة لتحقيق أهداف العمل.