تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثاني من سلسلة "المبادئ الأربعة للقيادة المدفوعة بالأهداف في مجالس الإدارة"، التي تحدثنا في جزئها الأول عن طبيعة العمل الأساسي لـ "مجلس الإدارة" في المؤسسات غير الربحية، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن كيف يجب أن يتغير تكوين المجلس ليحقق أهدافه.
احترام بيئة العمل
إن السياق الذي تشتغل فيه المؤسسة مهم للغاية، سواء في بيئة السياسة العامة أو في العلاقات بين المؤسسات وبرامجها أو في بيئة التمويل أو ببساطة من خلال الوجود المشترك في ذات البقعة الجغرافية. إلا أن الوعي بهذه الديناميكية لا يشكل غالباً أولويةً على مستوى مجلس الإدارة لفهمها ومعرفتها. عندما يتم اختيار أعضاء مجلس الإدارة في المجالات المتعلقة بالرقابة القانونية والمالية بناءً على خبراتهم الفنية وقدرتهم على تقديم الأموال وجمع التبرعات، يمكن لأعضاء المجلس أن يركزوا على أضيق مفاهيم حوكمة مجلس الإدارة ورقابة الأمانة المهنية، مع مفهوم محدود لمتابعة عمل المؤسسة (والسياق الذي تشتغل ضمنه). وهذا الأمر مشكلة حقيقية.
يعمل العديد من مجالس الإدارة على معالجة نقص الوعي ببيئة العمل من خلال تعليم مجلس الإدارة وتعريفهم على البرامج، لكن المعارف غير المباشرة ليست كافية. تحتاج مجالس الإدارة إلى امتلاك منظور. تعتبر معرفة بيئات العمل التي تشتغل فيها المؤسسة أمراً أساسياً، ولكن لا يكفي معرفة من هم اللاعبون الآخرون في المجال. يجب أن تقر المؤسسات بأن كلاً من مؤسساتنا هي جزء من مجموعات غير رسمية (أو رسمية) تعمل على معالجة التحديات المجتمعية وتأثيراتها؛ حيث تؤثر اختيارات وإجراءات المؤسسات الفردية على القوة الكلية وعلى نجاح بيئة العمل. وكما هو الحال في الطبيعة، عندما تتسبب مؤسسة ما بزعزعة بيئة العمل، يكون لهذا الأمر تأثير ملموس للغاية. يجب أن تفهم المؤسسات ومجالس إدارتها كيف يمكن لأفعالهم أن تزعزع بيئة العمل وأن ينظروا إلى التأثير على بيئة العمل كجزء من عملية صناعة القرار الخاصة بهم. فإذا كان قرار ما جيداً بالنسبة للمؤسسة وسيئاً بالنسبة لبيئة العمل، فعندها يجب على مجلس الإدارة المدفوع بالهدف أن يتوقف وينظر في طريق جديد لاتباعه.
أحد الأمثلة قد يكون مؤسسة تبحث عن موقع جديد لتنفيذ برامجها على أرض الواقع. عند النظر في المواقع المحتملة، تقوم المؤسسة بتحديد موقع مثالي لها وفق كافة معاييرها. لكنه قريب جداً من مؤسسة أخرى. بالنسبة للمؤسسة الأكبر والأكثر موارداً من بين هاتين المؤسستين، فإن اعتمادها لهذا الموقع سيجعل من الصعب على المؤسسة الأخرى الاحتفاظ بالمشاركين في البرنامج والممولين. يسعى مجلس الإدارة المدفوع بالهدف إلى فهم الاضطراب الذي قد يسببه هذا الأمر للمؤسسة الأخرى والسؤال عما إذا كان هذا الموقع سيخلق أفضل نتيجة ممكنة لبيئة العمل العامة.
- مهام مجلس الإدارة التقليدي: كيف يمكن لهذا الأمر أن يؤثر على مؤسستنا؟
- مهام مجلس الإدارة المدفوع بالأهداف: كيف سيؤثر هذا على جميع اللاعبين والديناميكيات داخل بيئة العمل الخاصة بنا؟ هل سيساعدنا -كبيئة عمل- على تحقيق أفضل النتائج؟
عقلية المساواة
إن دور مجلس الإدارة في تعزيز المساواة ليس أحادي البعد، بل ينطوي على تبني عقلية المساواة في جميع أعماله وفي عملية صناعة القرار. لا تتعلق عقلية المساواة فقط بالتخصيص المدروس للموارد داخل المؤسسة، والإشراف الممنهج الذي يستجوب النتائج المتباينة بناءً على العرق والتراكيب السكانية الأخرى، وتكوين مجلس الإدارة المتنوع والشامل، ومشاركة السلطة مع فريق الموظفين – ولكنها بالتأكيد كل هذه الأشياء مجتمعة.
تلعب مجالس الإدارة دوراً حاسماً في مساعدة المؤسسات على فهم السياق الذي تعمل فيه وأفضل السبل لتحديد أولويات الموارد والاستراتيجيات بناءً على هذا الواقع. ويعجّ نظامنا الأميركي بأوجه عدم المساواة الناتجة عن الاختيارات المتعمدة والمنهجية المصممة لإفادة البعض وإلحاق الضرر بالآخرين. إن الوعي بكيفية تأثير عدم المساواة المنهجية على مجتمعنا -وعلى أولئك الذين تسعى برامج المؤسسة إلى خدمتهم- يخلق فرصاً قوية لتعميق تأثير المؤسسة، وتعزيز أهميتها، والنهوض بالصالح العام. بل على العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي نقص هذا الفهم إلى استراتيجيات معيبة والضرر على المشاركين الممنهجين والمجتمع ككل.
تبني عقلية المساواة على أساس الوعي بعدم المساواة المنهجية وتُلزم المنظمة بتعزيز المساواة في كل ما تفعله. يتضمن ذلك التحقيق في الأساليب التي قد تكون المؤسسة أخفقت بها في الماضي ويستخدم النتائج المتقدمة في تحقيق المساواة كشاشة لتفحّص جميع عمليات صنع القرار التنظيمية.
خذ، على سبيل المثال، مؤسسة لديها برنامج تطوير وظيفي كبير وممول جيداً. نتيجة لتصنيف التقييمات الممنهجة حسب العرق، تعلم المؤسسة أن برامجها فعالة للغاية مع المشاركين أصحاب البشرة البيضاء ولكنها غير فعالة غالباً مع المشاركين أصحاب البشرة السمراء. عندما تتم مشاركة هذه البيانات مع مجلس الإدارة المدفوع بالهدف، سيقوم المجلس بطرح أسئلة عميقة وتأملية حول مستقبل هذا البرنامج. كما سيحمل المجلس نفسه وطاقم الموظفين مسؤولية الإنصات بعمق للمشاركين في البرنامج من أصحاب البشرة السمراء وتطوير استراتيجية تغيير بناءً على ذلك. قد تؤدي هذه الجهود إلى إعادة تصميم البرنامج أو إلى إقامة شراكة منهجية مع مؤسسة أخرى (مع الموارد اللازمة لدعم البرنامج ودعم الشراكة). قد ينظر مجلس الإدارة حتى في الانتقال الممنهج إلى مؤسسة أخرى أكثر ملاءمة لتشغيل برنامج الخدمة في المنطقة. وعلى الرغم من الحوافز المالية للحفاظ على الوضع الراهن، فإن عقلية المساواة تعني إعطاء الأولوية لتلك الاستراتيجيات والتكتيكات التي من شأنها تعزيز المساواة، حتى لو تطلبت أخذ مخاطرات تنظيمية أو تكبد خسائر.
- مهام مجلس الإدارة التقليدي: كيف ستعمل استراتيجيتنا على تعزيز مهمتنا؟
- مهام مجلس الإدارة المدفوع بالأهداف: كيف سيحقق هذا القرار أو الاستراتيجية نتائج أكثر مساواة؟ هل هناك طرق من شأنها أن تعزز عدم المساواة المنهجية، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي نرغب في فعله لتجنبها؟
الصوت والسلطة المصرح بها
يعكس القادة الفرديون الذين يؤلفون مجالس الإدارة للمنظمات غير الربحية قيم المؤسسة ومعتقداتها حول من يجب تمكينه وتكليفه بأهم قراراتها. عندما يتم شغل مجالس الإدارة بطريقة تفصلهم عن المجتمعات التي تعمل مؤسساتهم على خدمتها، فهذا يشير إلى أن المؤسسة ليست في شراكة مع المجتمع الذي تسعى إلى خدمته. وقد يكون الأمر الأكثر إشكالية من ذلك، فهو يشير إلى أن المؤسسات ترى في انفصالها عن المجتمع طريقة عمل مقبولة تماماً.
نحن في "بورد سورس" نعتقد أن مجالس الإدارة تتحمل مسؤولية إشراك السلطة ومشاركتها مع أولئك المتأثرين بعملهم، حتى على مستوى مجالس الإدارة. لا يكفي أن تكون لديها نوايا حسنة أو أن تكون على دراية جيدة؛ حيث تتحمل مجالس الإدارة مسؤولية التعامل مباشرة مع أولئك الذين يسعون إلى خدمتهم بطريقة تضمن اتخاذ القرارات التنظيمية في سياق الفهم الحقيقي لأصول المجتمع واحتياجاته وتفضيلاته وتطلعاته. وهذا يتطلب الإنصات العميق لاحتياجات المشاركين في البرنامج وخبراتهم، إلا أنه يتجاوز ذلك بكثير. وكما أوضح جيم تايلور من "بورد سورس" مؤخراً: "لا يتعلق الأمر فقط بالبصيرة والمنظور -إنه يتعلق أيضاً بالسلطة. يجب على مجالس الإدارة تجاوز طلب المدخلات من أولئك الذين لديهم خبرة معيشية ذات صلة -بل إنها تحتاج إلى مشاركة السلطة من خلال ضمان تضمين هذه التجارب الحية في تكوين المجلس نفسه- مع جميع الحقوق والمسؤوليات والسلطات التي تتطلبها عضوية مجلس الإدارة". نعلم من خلال الدراسة التي أجريناها مؤخراً بعنوان "القيادة مع النية" أن هذا الأمر بعيد كل البعد عن واقع مجالس الإدارة في يومنا هذا، كما هو موضح أعلاه.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.