تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثالث من سلسلة "المبادئ الأربعة للقيادة المدفوعة بالأهداف في مجالس الإدارة"، التي تحدثنا في جزئيها الأول والثاني عن واقع مجالس الإدارة للمؤسسات غير الربحية في هذه الأيام، وكيف يجب تطوير هيكلية المجلس، وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن التأثير الاجتماعي الإيجابي والتغيير في خدمة المجتمع الذي تحدثه قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف.
في أحد الأنشطة التي نفذتها "بورد سورس" مع رؤساء تنفيذيين ومدراء تنفيذيين لبعض المنظمات غير الربحية، طلبنا من القادة التفكير في سيناريو افتراضي -لكنه واقعي للغاية- حيث تعاني فيه مؤسسة تنمية مجتمعية لمعرفة أفضل السبل لخدمة جمهورها في سياق الاستطباق السريع المجحف الذي يهجر مجتمعات أصحاب البشرة الملونة. لقد دعونا المشاركين للتعامل مع الأسئلة المطروحة على مستوى مجلس الإدارة التي ستظهر في هذا السيناريو ضمن مجموعات صغيرة وقدمنا لمحة عن مجلس الإدارة وكل من أعضائه. ومع ذلك، فقد حجبنا عمداً معلومة حيوية عن المشاركين: قدمنا لهم ملفين تعريفيين لمجلسي إدارة مختلفين اختلافاً جذرياً. حصلت بعض المجموعات على ملف تعريف لمجلس إدارة يتضمن أصواتاً متنوعة من المجتمع في حين كان لدى المجموعات الأخرى ملف تعريف لمجلس إدارة يسيطر عليه الغرباء عن المجتمع، بما فيهم بعض أصحاب المصلحة المستحقين في التنمية التي كانت تقود الاستطباق.
بعد أن أمضوا قليلاً من الوقت يعملون معاً في مجموعات صغيرة، طلبنا منهم التفكير في قدرة مجلس الإدارة الذي بين أيديهم -استناداً إلى كيفية ملء شواغره- على اتخاذ القرارات التنظيمية وتمثيلها للجمهور وأصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك شبكات الأخبار المحلية. بدأت الغرفة بالضجيج؛ حيث تشاركت بعض المجموعات عدم ارتياحها مع ملف تعريف مجلس إدارتها ("لدينا مجموعة من المطورين والمصرفيين في مجلس إدارتنا الذين يستفيدون من تطوير هذا الحي. لكن لا يوجد شخص من الحي ذاته. وهذا الأمر لن يبدو جيداً".)، ثم بدأنا نسمع المشاركين من كافة أنحاء الغرفة يقولون "تمهلوا لحظة، ما الذي تتكلمون عنه؟ يوجد لدينا العديد من أفراد مجلس الإدارة من الحي". في تلك اللحظة، أدركت المجموعة الكاملة – ضمن مجموعاتهم الصغيرة – أنهم تلقوا ملفي مجلسي إدارة مختلفين اختلافاً جذرياً. ثم تحدثنا عن كيف ولماذا يلعب الفرق في تشكيل مجلس الإدارة دوراً مهماً. لاحظ أحد المشاركين أن مجلس الإدارة الذي يتألف بشكل أساسي من المطورين والمصرفيين سوف يعتبره الكثيرون مجلس الإدارة "الأفضل"، مستندين بشكل أساسي إلى أهداف وافتراضات متعلقة بجمع الأموال، ولكن كم سيكون سيئ التجهيز لاتخاذ قرارات يمكن الوثوق بها من قبل المجتمع. لتظهر هزات الرأس الموافقة في أرجاء الغرفة. ثم تحدثنا حول الثمن الذي ندفعه كمؤسسات -وكمجتمع- عندما تكون مجالس الإدارة غير كفؤة بهذه الطريقة.
إن صوت المجتمع وسلطته ضمن مجلس الإدارة أمر أساسي. بل إنه الميكانيكية لنيل الثقة المطلوبة لتقوم المؤسسات بعملها المجتمعي.
- مهام مجلس الإدارة التقليدي:ما هو الأفضل برأينا*؟ (*دون التفكير المتعمد في كيفية انعكاس من نكونهم "نحن" على وجهات نظرنا).
- مهام مجلس الإدارة المدفوع بالأهداف:هل تم اختيار أعضاء مجلس إدارتنا بطريقة تضمن أن سلطتنا شاملة ومصرح بها من قبل المجتمع المتأثر بالعمل الذي نقوم به؟ هل نحن نفعل كل ما بوسعنا لنستمع لما يخبرنا أصحاب المصلحة الممنهجين لدينا على أنه الأمر الأهم؟
نظرة فاحصة حول القيادة المدفوعة بالأهداف: مؤسسة "ذا ميوزيم أوف أس" (The Museum of Us)
إن مؤسسة "ذا ميوزيم أوف أس" في سان دييغو هي مثال حي على القيادة المدفوعة بالأهداف. حيث قررت تغيير اسمها بعد إرث دام لأكثر من 40 عاماً كمؤسسة "ميوزيم أوف مان" في سان دييغو – و10 سنوات من العمل المدروس لتحرير ممارساتها. جميع المبادئ الأربعة لقيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالأهداف تعمل في إطار هذا التحول المؤسسي:
- الهدف أولاً: من الجلي أن "ذا ميوزيم أوف أس" تلعب دورها كمؤسسة موجودة لتوسيع التفكير وإنارة العقول حول التجربة البشرية. لقد كانوا على استعداد لاتخاذ قرارات مهمة لوضع الهدف أولاً، حتى مع تقديم مستوى معين من التضحية المؤسسية.
- عقلية المساواة: بدأت الجهود لتحرير "ذا ميوزيم" مع الوعي بأن العديد من الموارد الثقافية التي تديرها المؤسسة يتم الحصول عليها بطرق إشكالية للغاية. ونتيجة لذلك، كانوا بحاجة إلى العمل لإعادة المتعلقات التي سُرقت بشكل أو بآخر من أصحابها الشرعيين بشكل منهجي. أدى ذلك إلى مجموعة أوسع بكثير من مبادرات إنهاء الاستعمار التي أصبحت تشمل الآن ما هو أبعد من الموارد الثقافية مثل المعارض والبرامج التعليمية التي تقيمها "ذا ميوزيم"، والتسويق، والحوكمة، والموارد البشرية، وحتى ممارسات جمع التبرعات. وأصبح السؤال الذي يدفع المؤسسة هو: هل تسهم أي ممارسة معينة – بشكل مباشر أو غير مباشر – في المشروع الاستعماري والقمع المنهجي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن للمؤسسة أن تعمل بأفضل شكل ممكن لتغيير ذلك بالشراكة مع المجتمعات التي تسعى لخدمتها؟
- صوت وسلطة المجتمع: كانت "ذا ميوزيم أوف أس" عازمةً على الاستماع ومشاركة السلطة مع المجتمع، وتجلى ذلك في كل من قراراتها حيال تغيير اسم المتحف ومبادراتها الجارية لإنهاء الاستعمار. لقد استمعوا من كثب إلى تعليقات المجتمع خلال عملية إعادة التسمية ووضعوا مجتمعات السكان الأصليين في مقعد القيادة للإدلاء برأيهم حول أفضل السبل للتعامل مع ممتلكاتهم التي يديرها المتحف دون موافقة واضحة.
- الوعي ببيئة العمل: إن مؤسسة "ذا ميوزيم" لاعب متفكر في بيئة العمل. أحد الأمثلة على ذلك هو ممارسة الاعتراف بالأرض التي أقامتها المؤسسة، والتي تعترف بأن المتحف يقع على أرض الأجداد المغتصبة لشعوب كوماياي (Kumeyaay) الذين عاشوا هناك منذ زمن بعيد. توجد إقرارات أحقية الأرض في مدخل المتحف، وفي المعارض، وعلى الموقع الإلكتروني، وفي توقيعات البريد الإلكتروني للموظفين، وتُذكر في بداية الجولات، وفي أثناء البرامج العامة، والمقابلات الإعلامية، وفعاليات جمع التبرعات، وقبل الاستشارات المختلفة واجتماعات مجلس الإدارة. هذه الإقرارات هي الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أكثر شمولاً يقضي على المحو المستمر لأصوات الشعوب الأصلية وحياتها وتاريخها على مستوى العالم.
نظرة مستقبلية على مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف
يمكن لقيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف أن تغير الطريقة التي يتم بها شغل مقاعد مجالس الإدارة، ويمكن أن تساعد مع مرور الوقت على جذب القادة الذين يستمدون الدافع والإلهام من المبادئ المدفوعة بالأهداف والتخلص تدريجياً من أولئك الذين يميلون لتسيير الأمور وفق مسار مخالف لذلك. توضح قيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف ما هو مختلف بشأن حوكمة القطاع الاجتماعي (على عكس حوكمة الشركات) وكيف تفشل الطرق التقليدية للتفكير في حوكمة المنظمات غير الربحية في الاعتراف بالمسؤولية الفريدة لمؤسسات القطاع الاجتماعي والمجالس التي تقودها. وإن تطبيق مبادئ قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف يعني تبني السعي نحو هدف الصالح العام على مستوى بيئة العمل والتحول عن القوانين الحمائية والمباهاة بالذات على المستوى المؤسسي.
سيكون هذا تحولاً مثيراً وملهماً نحو تحقيق تأثير اجتماعي أكبر بالنسبة لبعض أعضاء مجلس الإدارة. أما بالنسبة للآخرين، فإنه سيخلق إحساساً بخسارة الهوية الشخصية والحالة المتشابكة مع الوضع المؤسسي في ظل المشهد التنافسي.
لكن قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالهدف هي تحول في التفكير والتوجه أكثر نحو دور المجلس، كهيكلية أو مجموعة من الممارسات الفنية أقل مما هو طريقة للتواجد والتفكير. الأمر راديكالي في بساطته: إن النقلة النوعية الواسعة النطاق تجاه قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالأهداف لن تتناول فقط التحديات الحقيقية للغاية التي تواجهها مجالس الإدارة بشكلها الحالي، بل تبتكر نهضةً لمجالس الإدارة والمؤسسات المرتبطة والمترابطة بعمق في خدمتهم لتحقيق التأثير الاجتماعي الإيجابي والتغيير في خدمة المجتمع.
يمكن أن يبدأ الميل إلى قيادة مجلس الإدارة المدفوعة بالهدف من دون إجراء جماعي مبدئي من المجلس ولا يتطلب تحولات جذرية فورية في تكوين مجلس الإدارة أو قيادته – وهي متطلبات يمكن أن تعرقل أي إجراء على مستوى المجلس. بدلاً من ذلك، يمكن لمجالس الإدارة الاستفادة من مرونة هيكلية المجلس الموجود كحاوية وتبدأ ملئها بشكل مختلف بناء على فهم جديد لدور مجلس الإدارة وما الذي يتطلبه من حيث الأشخاص ووجهات النظر والعقليات اللازمة لتحقيق هذا الدور.
إن تبني قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالهدف نصب أعيننا بالتأكيد، لأنه نهج تطوري، لا يتطلب منا هدم الهيكلية الحالية لمجلس الإدارة وإعادة بناء شيء جديد من الصفر. التحول نحو قيادة مجالس الإدارة المدفوعة بالهدف هي خطوة تحويلية، ولكن الخطوات الأولية تدريجية بما يكفي ليتمكن كل مجلس إدارة من فعل ذلك، بما في ذلك مجلس إدارتك أنت.
+++
تشكر "بورد سورس" (Boardsource) الشركاء والزملاء الذين ساعدت مدخلاتهم، وفكرهم، وأعمالهم السابقة على تشكيل تفكيرنا وجعل هذه المقالة ممكنة. على سبيل الذكر لا الحصر، عمل جين وي–سكيليرن حول القيادة الشبكية ومؤسسات الشبكة، دليل تقييم التأثير المتعلق بالمساواة العرقية الخاص بـ "ريس فوروورد" (Race Forward)، مؤلفتي كتاب "قوى من أجل الخير" (Forces for Good) هيذر ماكليود غرانت وليزلي كراتشفيلد، مبادئ التأثير الجماعي كما أثرتها "إف إس جي إمباكت"، عمل مجموعة "تي سي سي" (TCC Grouo) حول التفكير في بيئة العمل.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.