
تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "الوقت حان لتغيير جذري في المؤسسات غير الربحية"، الذي سنتحدث فيه عن ضرورة إحداث تغيير شامل في عمل المؤسسات غير الربحية لإحراز تقدم في القضايا المنهجية الدائمة.
سنة عصيبة أبرزت للمؤسسات غير الربحية أهمية تنحية الكبرياء المؤسسي جانباً بأصالة، وإقامة أعمال تعاونية أوثق، والنظر بجدية في عمليات الاندماج. ويجب أن تستمر هذه الممارسات.
عندما اجتاحت جائحة "كوفيد-19" الولايات المتحدة لأول مرة، سارعت المؤسسات غير الربحية -تماماً مثل مؤسسات القطاعات الأخرى- ليس فقط إلى تلبية احتياجات داعميها، إنما للبقاء صامدة أيضاً. ففي مؤسسة "جينيرايشن سيتيزن" (Generation Citize)، حيث شغلتُ منصب رئيس تنفيذي حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2020، وما زلت في مجلس الإدارة حتى الآن، اتبعنا البروتوكولات التي كان ينصَح بها حينها. فقد أولينا الأولوية لصحة الموظفين وتأكدنا من تأمين ما يحتاجون إليه للعمل من المنزل، ونقلنا برامج تعليم التربية المدنية والوطنية وأعمال المناصرة قدر الإمكان إلى بيئة العالم الافتراضي.
لكن طرأ حدث آخر أيضاً في تلك الأسابيع القليلة الأولى: شعرنا بدافع لتحويل مؤسستنا وقطاع تعليم التربية المدنية الأوسع بطريقة تأسيسية أكثر؛ ففي محادثاتنا مع المقدمين الآخرين لتعليم التربية المدنية والوطنية، لاحظنا وجود رغبة في إقامة علاقات تعاونية حقيقية ومدروسة، تشمل نماذج التوزيع المشتركة، والقدرات والموظفين المشتركين، وعمليات الاندماج المحتملة. بعد سنوات من المنافسة الودية وغير الودية، لمحنا لحظةً نعيد التفكير من خلالها في نظام تعليم التربية المدنية.
شروط التغيير الجديدة
أعتقد أن العناصر الثلاثة التالية هي التي أسهمت في تحفيز طريقة التفكير التعاونية هذه. أولاً، كان هناك احتمال حقيقي بأن مشهد جمع الأموال سيتغير كلياً، وأن الجائحة يمكن أن تسبب كساداً اقتصادياً شاملاً. فخشيت المؤسسات أن تنضب أموال المانحين والأموال العامة، وأسهم انهيار سوق الأسهم في منتصف شهر مارس/آذار عام 2020 في هذا التوجه الفكري.
ثانياً، برزت فوضى السوق البرنامجي للعديد من المؤسسات غير الربحية. فمثلاً في قطاع التعليم، احتاجت المدارس ومقدمو الرعاية إلى برنامجية عالية الجودة، لكنهم أُغرقوا بمحتوى ودعم غير منسَّقين. فاتضح أن كل مؤسسة كانت تعمل منفردةً. أخبرني أحد الممولين، الذي كان أيضاً والداً يبحث عن تعليم أكاديمي عالي الجودة، أنه تلقى مواداً تعليمية من مؤسسات مختلفة عديدة لدرجة أنه وقع في حيرة من أين يبدأ.
ثالثاً، أثارت الجائحة بحد ذاتها إحساساً عميقاً بالتواضع المؤسسي. في قطاع التعليم، أصبحت الفصول الدراسية الافتراضية النمط التعليمي السائد بين عشية وضحاها. ثم هددت الفجوة الرقمية التي تلت ذلك بجعل النظام التعليمي المجحف أسوأ، حيث كان الطلاب ميسورو الحال يستطيعون الحصول على أجهزة حاسوب واتصال إنترنت مستقر أكثر من الطلاب الأفقر منهم. في أثناء ذلك، ارتفعت معدلات البطالة ارتفاعاً هائلاً، وبدأت الشركات الصغيرة تغلق أبوابها في كل مكان حولنا. فلا يوجد وقت للتركيز على الحلول المؤسسية الفردية عندما لاحت مثل هذه المشكلات التنظيمية الضخمة في الأفق.
أدت هذه الوقائع الجديدة إلى إجراء حوارات حقيقية حول إمكانية إقامة تعاون مستدام أعمق. على سبيل المثال، اجتمعت المؤسسات في قطاع تعليم التربية المدنية من جميع أنحاء الولايات المتحدة لتشكيل شبكة "التعاون في سبيل الصالح العام" (Common Good Collaborative)، وهي شبكة من المقدمين البرنامجيين الرائدين. تهدف الشبكة التعاونية إلى وضع جدول أعمال تعليمي مشترك وتقديمه إلى الآباء، وتقديم خطط دروس مقترحة واضحة ترفع مستوى أفضل الخدمات والمواد التي تقدمها كل مؤسسة. كما بدأت باستكشاف إمكانات عمليات الاندماج المستقبلية، وشارك في ذلك موظفو مؤسستنا من جميع المناصب.
العودة إلى الوضع الراهن
بعد أشهر، باستثناء تعهدنا بالتعاون بفعالية أكثر، لم يتغير شيء تغيراً جذرياً في قطاع تعليم التربية المدنية. لقد تحول العمل التعاوني إلى مجتمع تعليمي وليس إلى مشروع أكثر طموحاً لإعادة ضبط القطاع وتجميع خطط الدروس المنسقة للمدارس والمعلمين. عندما تحدثنا إلى مؤسسات ومنظمات تدريب المعلمين والمؤسسات مثل "سي تشينج كابيتال بارتنرز" (SeaChange Capital Partners)، التي تركز على عمليات اندماج المؤسسات غير الربحية، وجدنا أن المؤسسات غير الربحية الأخرى من جميع أنحاء القطاع قد خاضت في التجربة نفسها.
أعتقد أن السبب الرئيسي خلف العودة إلى الوضع الراهن هو أن القطاع المالي ظل قوياً، فقد حافظ سوق الأسهم السليم على أسس الدولارات الفردية وتدفقها. في الواقع، تمكنت معظم المؤسسات غير الربحية من مواصلة مسيرتها بشكل أو بآخر من خلال مراجعة خطاباتها الترويجية لتأكد على مرونتها المؤسسية، والتزامها الأعمق بالمساواة العرقية، وأهمية ما تقدمه في عصر الأزمات. لا توجد مشكلة في هذا الدليل الإرشادي، فقد استخدمته مؤسسة "جينيرايشن سيتيزن"، وكان وسيلة استمرار العديد من المؤسسات غير الربحية. لكن في لحظة الحساب عن انعدام المساواة العرقية والاقتصادية القائمة منذ وقت طويل، والكارثة البيئية، والاستقطاب السياسي الوجداني، فإن ذلك غير كافٍ.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.