اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

تسليط الضوء على النتائج المشتركة لبرامج الأثر الاجتماعي الناجحة (الجزء الثاني)

إعداد : نايجل بول، إليانور كارتر

 

تم النشر 02 سبتمبر 2021

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "تسليط الضوء على النتائج المشتركة لبرامج الأثر الاجتماعي الناجحة" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن نظام الأجر بالإنتاج وكيفية إيجاد مساحة مشتركة بين السياسة والناس. أما اليوم في هذا المقال فسوف نتحدث عن تمييز الشراكة الحقيقية عن غيرها وعقود الأجر بالإنتاج ونتائج الصياغة المشتركة لبناء الثقة بين الشركاء.

تمييز الشراكة الحقيقية عن غيرها

تشترك الشراكات الحقيقية عادة في 3 سمات محددة: الاستمرارية، وتقاسم المخاطر، والصياغة الصريحة للهدف المشترك. لا تتحقق هذه العناصر تلقائياً، ولا يمكننا الاكتفاء بأن نتمنى وجودها.

تمثل عقود الأجر بالإنتاج السمات الثلاثة نظرياً:

1- تكون غالباً ترتيبات تعاقدية طويلة الأمد (لعدة سنوات).

2- يتقاسم جميع الأطراف المخاطر، فنظراً أن الحكومة تدفع لمقدمي الخدمات فقط عندما يستوفون مؤشرات النجاح المتفَق عليها، فإن مقدمي الخدمات يتحملون مخاطر التنفيذ والأداء. وفي الوقت ذاته، تتحمل الحكومة المخاطر السياسية ومخاطر الإساءة للسمعة، كما ذكرنا سابقاً.

3- يصيغ الطرفان تعريفاً مشتركاً للنجاح من خلال مقاييس النتائج التعاقدية.

لكن في الواقع، تكون عقود الأجر بالإنتاج معرّضة للممارسات المهمِلة، إذ يصبّ مقدمو الخدمات تركيزهم على خدمة الأشخاص الذين يرجَّح أن يحققوا النتائج المطلوبة بخدمتهم، على حساب الأشخاص الذين تكون احتياجاتهم أكثر تعقيداً.  (هذه الممارسات شائعة لدرجة أن لها مصطلحات خاصة بها: مثل "البحث عن أفضل العناصر" (Creaming) و"الاستغناء عنهم" (parking) و"الاستنزاف" (churn)، جميعها تصف تكتيكات للتلاعب بنظام تحركه حوافز خاطئة).

تظهر دراسات أكاديمية دولية مثل تلك التي أجراها دان فين في عام 2009 ولودو ستروفين وغيرت ستورز في عام 2005، أن صياغة العقد إما تسهل حدوث هذه الممارسات أو تحول دون حدوثها، لكنها عملية تشكل تحدياً ضخماً وتعتمد بدرجة كبيرة على التجربة والخطأ.

وبيّن كل من إليانور كارتر (الكاتب المشارك في إعداد هذا المقال) وآدم ويتوورث من "جامعة شفيلد" (University of Sheffield) بعض عناصر صياغة العقد التي تهدف إلى اجتثاث الممارسات السلبية. أحد تلك الأساليب هو تقسيم السكان المستهدفين إلى فئات، وتقديم دفعات أكبر للأشخاص الأكثر احتياجاً. ومثال آخر هو تقسيم تقديم الدفعات إلى مراحل تُمنَح عند كل إنجاز بارز يحقَّق، وبهذا لا يكون الدفع عند تحقيق النتيجة النهائية فقط، بل على طول مسيرة التقدم نحو إحراز النتائج النهائية، فتقدَّر الرحلة الأطول التي قد يضطر البعض إلى خوضها. ويشمل أحد الأساليب الأخرى منح متلقي الخدمة سلطة أكبر لينتقي الخدمات التي يريد أن يتلقاها بناء على جودتها المبينة في نظام التقييم حسب عدد النجوم، أو ليقدم الشكاوى التي تتابع ولا تهمَل، أو ليتوقف عن الاستفادة من الخدمة نهائياً.

وبالرغم من أن الحلول التقنية كهذه تهدف إلى منع مقدمي الخدمات من التلاعب بالنظام، لكن عقود الأجر بالإنتاج ليست مثالية. إذ إن مقدمي الخدمات على دراية بما يحدث على أرض الواقع أكثر من الحكومة، وبالتالي يمكنهم إذا عزموا أمرهم إيجاد ثغرات في الشروط والأحكام تخدم مصالحهم. وبصورة مماثلة، تستطيع الحكومات انتهاز حدوث ظروف غير متوقعة (مثل الجائحة) لاستغلال مقدمي الخدمات، وذلك بإجبارهم على الامتثال لشروط لم تعد مجدية اقتصادياً.

نتائج الصياغة المشتركة لبناء أسس الثقة

يعتقد أوليفر هارت الذي حاز على جائزة نوبل مؤخراً أن ترياق هذه المشاكل هو بناء علاقات أقوى قائمة على الثقة بين الشركاء. قد يبدو جعل الثقة الأساس الذي ترتكز عليه عقود الأجر بالإنتاج ساذجاً، لكن بما أن ثقافة الامتثال للأنظمة في القطاع العام لا تصلح لأن تعوّل على أمر غير اعتيادي أبداً ولا يمكن حصره، لاقت فكرة الأساس المبني على الثقة رواجاً أكبر في القطاع الخاص. فمثلاً، طورت أبحاث أوليفر مع ديفيد فريدلينجر وكيت فيتاسك في العالم التجاري، من إجرائيات "التعاقد العلائقي الرسمي" كطريق محتمل لتجنب الممارسات التي تخدم المصلحة الذاتية في الارتباطات التعاقدية. إذ يقترحون أن تتبنى الأطراف المتعاقدة مبادئ توجيهية مثل الولاء والتكافؤ، وتضمّنها في العقد.

وإذا تمكن الشركاء في القطاع الخاص من بناء علاقات الثقة، لا بد أن يتمكن شركاء عقود الأجر بالإنتاج من ذلك. ولكن كيف؟

تاريخياً، كانت الحكومات هي التي تقرر نتائج عقود الأجر بالإنتاج وتحددها، لكن عند اقترانها بعمليات التوريد شديدة التنافسية التي ذكرناها سابقاً، والتي تشجع التنافس على تخفيض الأسعار، أصبحت هذه العقود غالباً أداة ضغط الحكومات على مقدمي الخدمات. في المقابل، يلجأ مقدمو الخدمات إلى إهمال فئات من السكان المستهدفين لجعل المبالغ تتراكم.

ولكن يمكن الاستفادة من النتائج بطريقة مختلفة: باعتبارها فرصة للتعاون بين الحكومات ومقدمي الخدمات لاكتساب فهم عميق ومشترك للتحدي الاجتماعي المطروح، ثم الاتفاق على تفاصيل عقد يمنح مقدمي الخدمات حرية تجربة مواجهة هذا التحدي. تشير الدروس المستخلصة للتعاقد العلائقي في القطاع الخاص إلى أن الجهد الإضافي المطلوب للمشاركة في صياغة عقد يمكن أن يشكل الأساس لشراكة تسودها الثقة بين جميع الأطراف على المدى الطويل، والتي بدورها يمكن أن تشكل الأساس لتحقيق إنجازات فعالة أكثر.

فبدلاً من إملاء الشروط، ستستثمر الحكومات الوقت مقدماً للاتفاق مع مقدمي الخدمات على مجموعة من النتائج، والتفاوض حول كيفية قياسها والدفع مقابلها، والنقاش حول ما سيحدث في سيناريوهات النجاح المختلفة. سيساهم هذا في بناء العلاقات التي ستخدم الشراكة طوال عملية التنفيذ؛ فبدلاً من أن يسود الشك بين جميع الأطراف، سيكونون أكثر استعداداً لتبني عقلية التطوير المستمر، وبناء ثقافة التعلم المتواصل، وتحقيق رؤية مشتركة للنجاح تعود في النهاية بنتائج أفضل للأشخاص الذين يستفيدون من الخدمة.

إن مدى احتمالية أن يترجَم هذا النوع من الممارسات القائمة على العلاقات في القطاع الخاص إلى القطاعين العام والاجتماعي يثير جدلاً شائكاً، على الأقل لأن العقود العامة تخضع (بحق) للتدقيق العام على عكس العقود الخاصة. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من وجود بعض الأمثلة الواعدة بين سندات الأثر الاجتماعي التي أطلقََت كجزء من صندوق النتائج في المملكة المتحدة، والذي تقيّمه مجموعتنا البحثية.

تطوير ممارسات العقود

تختلف عقود الأجر بالإنتاج القائمة على العلاقات اختلافاً جذرياً عن تلك التي كانت تعقد من قبل، ولكن يوجد على الأقل مانع رئيسي يحول دون اعتماد هذا النموذج على نطاق واسع. يترتب على جميع عقود الأجر بالإنتاج – سواء كانت من النوع التنافسي أو الجزائي أو النوع التعاوني الذي يصاغ بشكل مشترك – تكاليف معاملات مرتفعة بسبب حداثتها، وتعقيد العلاقات فيها، وفترات التفاوض الطويلة حولها في معظم الأحيان.

يكاد يكون تحديد قيمة نقدية لكافة تكاليف تطوير عقد تعاوني مصاغ بشكل مشترك وإدارته أمراً مستحيلاً حالياً، فنادراً ما تصرح الأطراف عن ذلك، ولكن كلما زاد الجهد المبذول للاتفاق على شروط مناسبة للطرفين مسبقاً – وبالتالي بناء الثقة بين الشركاء – زادت احتمالية ارتفاع تكاليف المعاملات.

لكن على الرغم من كل قيودها الواضحة، فقد بدأنا نشهد دليلاً على أن نوعاً جديداً من العقود على غرار عقود الأجر بالإنتاج يمكن أن تزود الموظفين الحكوميين بالدافع الذي يحتاجونه للوثوق في العمل بطريقة قائمة على العلاقات والثقة المتبادلة أكثر. لذا نشجع الممارسين والباحثين بشدة على ألا يكتفوا بتقييم التكاليف التي تترتب على تطوير مثل هذه العقود، بل يقيموا فوائد المعاملات أيضاً. فالعمليات الإجرائية التي قد تبدو طويلةً أو مكلفةً في البداية، تساهم بشكل كبير في بناء الثقة والتفاهم المشترك. قد تتمثل ثمار ذلك بزيادة فعالية الأداء الناتج عن العقد، ويؤدي في النهاية إلى تحقيق نتائج أفضل اتجاه الأشخاص الذين يستفيدون من الخدمات.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!