
تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة "تفضيل الفعالية على التوسع" والتي سوف نتحدث فيها عن الاستثمار في المؤسسات والبرامج الواعدة وكيفية تنميتها بطريقة صحيحة. وفي الجزء الأول سوف نتحدث بشكل أساسي عن كيفية توسع نطاق تطبيق الأفكار النيرة وتعزيز الفعالية.
التوسع دون فعالية
تستحق الأفكار النيرة أن نوسع نطاق تطبيقها، لكن التوسيع دون الفعالية قد يكون له عواقب وخيمة. عندما يرى المموّلون عمل المستفيدين من المنح واعداً – لكنهم يستخفون بإجراء ما يلزم لتنميته بمسؤولية – قد يجدوا أنفسهم يشجعون المبادرات الواعدة على النمو بسرعة أكبر مما ينبغي على حساب الفعالية البرامجية والقدرة التشغيلية والاستدامة.
على سبيل المثال، عندما أظهر برنامج التوعية المالية للشباب نتائج أولية واعدة – وهي إقبال الطلاب الكبير على البرنامج واستحسانهم له – ولم يكن لديه سوى قلة من البيانات الموثقة حول المكاسب المحققة من التوعية المالية، حثهم أحد الممولين على التوسع إلى "10 مدن خلال 10 سنوات"، ليطلقوا بذلك البرنامج في مدينة جديدة كل سنة. لكن عندما توسع البرنامج إلى موقع ثانٍ في بلدهم، اكتشفوا أن المؤسسة لم تدوّن فعلاً نموذج البرنامج. والأسوأ من ذلك، لم يكن لديهم بيانات كافية حول البرنامج لفهم ما هي التدابير التي كانت مجدية فيه (وما هي التدابير التي لم تكن كذلك) سواءً في الموقع الأصلي أو الجديد. أنهيَ البرنامج بعد بضع أعوام. تخيل لو أن المؤسسة توسعت فعلاً إلى 10 مدن خلال 10 سنوات من دون تدوين نموذجها أولاً!
صحيح أن المؤسسات التي تكون في مراحلها الأولية ولا تملك موارد كافية – وخاصةً المؤسسات المتأصلة في مجتمعات أصحاب البشرة الملونة وغيرها من المجتمعات المهمشة تاريخياً – قد تفتقر إلى توفر فرص لإجراء الأبحاث وإصدار نماذج أولية وبرامج تجريبية، إضافة إلى القدرة على إعداد "أدلة" أولية لتدوين الإجراءات التي كانت مجدية قبل التوسع، لكن مفتاح التوسع الناجح هو التخطيط للمسار الطويل الذي ستسير عليه في المستقبل. يتطلب تحقيق الفعالية إبراز نتائج مقنعة وقابلة للتكرار، إضافة إلى تدوين الإجراءات المجدية، وهي: احتياجات محددة في البرامج والتوظيف، وتكرار البرنامج، وكثافة تقديم البرنامج، ومدته.
يعد تحقيق الفعالية شرطاً مسبقاً للنجاح في التوسع وضرورة للاستقرار المؤسساتي طويل الأمد. لكن تحقيق المؤسسات الناشئة أهدافها بزيادة فعالية البرنامج وتوسيع نطاقه في آن واحد بعيد الاحتمال، ناهيك بالتوسع قبل إثبات الفعالية (كحال فكرة التوسع إلى 10 مدن خلال 10 سنوات الخاطئة التي ذكرناها). يجب أن تركز المؤسسات بشدة على الفعالية أولاً – على نطاق أضيق وربما لفترة طويلة – قبل التوسع.
من الضآلة إلى العظمة
لدعم المؤسسات التي تفكر في توسيع رحلتها وطموحاتها، ولمساعدة القادة على التخطيط لتحقيق نمو هادف ومؤثر، وضعنا إطار عمل سميناه "تفضيل الفعالية على التوسع" في عام 2014 – أول من وضعه "مجموعة الملكية العامة" (Public Equity Group) كجزء من مشاركتها مع "مجتمع نقطة تحول" (Tipping Point Community) في عام 2014 – الموضح في الصورة أدناه:
بدأت المؤسسات التي سنسلط الضوء عليها في هذه المقالة بشكل عام صغيرة، واستغرقت زمناً طويلاً لإظهار نتائج فعالة، ولم توسِّع نطاق عملها إلا بعد وقت طويل أمضته في الدراسة المنهجية للعوامل التي أدت إلى تحقيق الأثر المرجو، من خلال تضييق إعداد البرامج، أو من خلال اتباع منهجية صارمة وإجراء اختبارات متكررة.
إن مفتاح تطبيق نهج "تفضيل الفعالية على التوسع" عبارة عن عملية من ثلاث خطوات.
- بناء نموذج أولي لإظهار النتائج (الأولية):الذي يتضمن إجراء التجارب والاختبارات وتحسين النهج البرامجية بناءً على الأدلة والآراء والمقاييس الواضحة.
- تحسين الحالة و"إثباتها":دوّن النموذج لتحديد العناصر التي يمكن ويجب تكرارها، مستنداً على البيانات والمقاييس، ووضع "أدلة" لإظهار الأثر الكبير على المجموعات السكانية المختارة أو المناطق المستهدفة.
- خطة التوسع:ضع خططاً للتوسع والتكرار والتعميم بوضوح حول الفعالية والتكرار، تكون مبنيةً على نقاط قوة النموذج المحسّن.
يمثل غالباً تركيز المؤسسات غير الربحية في مراحلها الأولية على الفعالية أولاً (وبقائها صغيرةً نسبياً) تحدياً لها، نظراً للالتزامات الضخمة المتعلقة بالوقت والموارد اللازمة لإثبات نجاحها. إذ تحتاج المؤسسات إلى موارد مخصصة لتحديد الإجراءات والشروط التي تؤدي إلى تحقيق نتائج ممتازة، وتدوينها وحصرها. علاوة على ذلك، يجب تطبيق التدوين (على هيئة نموذج برنامج تدرجي، أو دليل للتكرار، أو مجموعة أدوات) قبل توسيع نماذج البرامج أو تكرارها أو مشاركتها بوقت طويل، والاستثمار في البنية التحتية التنظيمية اللازمة لدعم النمو. لسوء الحظ، قلة من الممولين مستعدين للاستثمار في التعليم الداخلي والقدرة على التقييم اللازمَين لتحقيق الفعالية في البرامج وإثباتها، ويفضلون الاستثمار في البرامج نفسها، بدل الاستثمار في العمل لجعل البرامج فعالة حقاً. نأمل أن يعيد مزيد من الممولين النظر في ترددهم في تمويل التعليم والتقييم وقدرة العمليات العامة الأساسية التي تحتاجها البرامج.
إن المؤسسات التي استهلكت وقتاً وموارد كافيين (وأتيح لها ذلك) لتطوير نماذج أولية وتجريبية، والتوصل إلى أدلة، وتدوين عوامل النجاح، تكون أقدر على توسيع نطاق أثرها وتعظيمه، مع توسيع نطاق البنية التحتية والمؤسسات الداعمة لها، حسب الحاجة. تثبت أمثلة الحالات التي سنذكرها في المقال عن ثلاث مؤسسات، أهمية إثبات الفعالية قبل التوسع، حيث تمثل كل مؤسسة مساراً مستقلاً، وإن كانت المسارات مكملة لبعضها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.